المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

وجهة نظر إسرائيلية بقلم يوسي ألفيرمع اقتراب موعد الانتخابات الإسرائيلية التي ستجري بعد نحو شهر ونصف ظهرت عدة تطورات متعلقة بالانتخابات لها أيضا صلة وثيقة بالعلاقات الإسرائيلية الفلسطينية. أولا، الجمهور الإسرائيلي لا يلتمس عودة إلى التفاوض مع منظمة التحرير الفلسطينية في المستقبل القريب. تبدو المفاوضات في عين الجمهور الإسرائيلي ذات مفعول عكسي طالما استمر العنف، وطالما بقي في الحكم الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات، الذي فقد الآن جلّ مصداقيته.

وللدعم الذي يقدمه الرئيس الأميركي جورج بوش لهذا الموقف أثر كبير في إقناع الإسرائيليين به. هذا إنجاز مهم حققه رئيس الوزراء أرئيل شارون وهو يفسر إلى حد كبير التأييد الانتخابي له.

كما أن هذا يفسر لامبالاة الجمهور بجهود نخبة قليلة من الإسرائيليين والفلسطينيين (بيلين – عبد ربه، أيالون – نسيبة) للتأثير في الانتخابات عن طريق الإعلان عن نجاحهم في التوصل إلى اتفاق غير رسمي على بعض أو كل القضايا. ولئن كان المفاوض السابق يوسي بيلين إنما أقصي عن حزب العمل في الانتخابات الداخلية بسبب معارضته الحادة لزعامة فؤاد بن إليعيزر في الأساس، فإنه دفع ثمنا غاليا لقاء إصراره على أنه ما زال في الإمكان إنجاح صيغة أوسلو وعلى أن في وسع مفاوضين إسرائيليين وفلسطينيين مخلصين أن يستأنفوا التفاوض من حيث توقف في طابا في كانون الثاني/يناير 2001.

لم يهضم عمرم متسناع، الزعيم الجديد لحزب العمل، تماما بعد هذا التطور في الرأي العام. وهو يعرض موقفا ذا قبول لدى الجمهور، يتمثل في الانسحاب من طرف واحد من غزة في غضون عام، ثم إذا به يبدد كثيرا مما يكسبه بتعهده بالعودة أولا إلى مفاوضات غير مشروطة مع عرفات. ولعله يجدر بمتسناع أن يتمسك بتأييد تفكيك المستوطنات من جانب واحد، الأمر الذي يلبي الأولويات الوطنية حسبما يراها الجمهور الناخب استراتيجيا واقتصاديا، وأن يتخلى عن طرحه بتجديد المفاوضات، وهو ما ينفر منه الجمهور في الظروف الحالية كل النفور.

وثمة حقيقة ثانية بالغة السوء تبينت في سياق هذه الانتخابات، وهي أن النظام الفلسطيني ليس الوحيد الذي يعاني من الفساد. وإذا استمر تداول الأقوال التي ترددت عن وجود نظام شراء أصوات على طريقة المافيا وعملية تلاعب في الانتخابات الداخلية في حزب الليكود، وإذا استمرت القضية في التفاعل فإن الليكود سيخسر أصواتا كثيرة. وبينما ليس في النية عقد أي مقارنة بين ديمقراطية إسرائيل وبين السلطة الفلسطينية (ومن المرجح أن تقوم الضوابط القانونية والانتخابية في إسرائيل باستبعاد المرشحين الفاسدين وربما أيضا المرشحين العنصريين وأولئك الذين يبذرون الكراهية، قبل حلول موعد الانتخابات في 28 كانون الثاني/يناير) إلا أن من الصعب أن نمر بالمفارقة مرّ الكرام: فأحد ركائز شارون في بند "لا لعرفات" ضمن برنامجه الانتخابي إنما هو اعتراضه على الفساد ضمن السلطة الفلسطينية.

التطور الثالث يتعلق بدور العنف الفلسطيني في التأثير على طريقة تصويت الناخبين في إسرائيل. في هذا الصدد يبقى الوضع غامضا. فمن ناحية، ليس واضحا أبدا أن الجهود التي يتصدرها المعتدلون الفلسطينيون لترتيب هدنة حقيقية يمكن أن تنجح في إقناع المسلحين الفلسطينيين ومن يمثلونهم. ومن ناحية أخرى فحتى لو نجحت هذه الجهود، فإن الأثر العام لهذا النجاح ليس مضمونا.

الاعتقاد السائد منذ حين هو أن العنف الفلسطيني المتواصل يدعم توجه رئيس الوزراء أرئيل شارون – ومن هنا نشأت الجهود الفلسطينية الحالية لإعلان وقف إطلاق النار من أجل مساعدة معسكر السلام الإسرائيلي. وفي حال توقف العنف فعلا أو خفوت صوته بدرجة كبيرة في الأسابيع المقبلة فإن الاعتقاد السائد يقول إن هذا سيكون مواتيا لمتسناع الذي سيعده من المؤشرات المشجعة للسلام. ولكن، من ناحية أخرى، ألا يمكن أن يشير شارون إلى هدنة من جانب واحد على أنها دليل على نجاح سياساته المتشددة؟ قد يعلن شارون عندئذ "النصر"، ويعرض هو نفسه تجديد التفاوض (فور إزاحة عرفات).

أخيرا، وما لم يحدث ما ليس في الحسبان، يبدو أن جميع ما أسلفنا ذكره من فضيحة الفساد الحالية في الانتخابات الداخلية، والهدنة الفلسطينية، وأي قرار محتمل من متسناع بالتخلي عن دعوته إلى تجديد التفاوض بلا شروط لن يكون كافيا لتبديد الفارق الكبير الحالي لصالح الليكود بحسب استطلاعات الرأي، ولإسقاط شارون وتحقيق نصر صريح لليسار ولحزب العمل. ومن هنا يجب أن نسأل: وما الذي يمثل إنجازا انتخابيا واقعيا لليسار والوسط في إسرائيل اللذين يؤيدان إنهاء حماقة الاستيطان ويسعيان إلى تسهيل بروز دولة فلسطينية بحدود قريبة من خطوط عام 1967؟ الإنجاز يتمثل في البقاء خارج حكومة شارون المقبلة، وفي استقطاب وتعضيد المعارضة لمقاومة سياسات شارون وتنبيه الجمهور الإسرائيلي والمجتمع الدولي إلى ما تلحقه من أذى بمستقبل إسرائيل كدولة ديمقراطية يهودية. من الواضح أن متسناع يميل إلى هذا الاتجاه. ولكن الانتخابات الداخلية في حزب العمل أفرزت قائمة بالذين سيشغلون مقاعد في الكنيست يفضل أفرادها فيما يبدو الدفء المصطنع والراحة الناتجين عن الانضمام كشريك أصغر في حكومة الوحدة الوطنية المقبلة لشارون.

ومن هنا فإن الانتخابات لن تكون وحدها اختبارا لقيادة متسناع: بل ستكون فترة ما بعد الانتخابات وما فيها من مفاوضات ائتلافية اختبارا لقدرته على الصمود في وجه ضغوط حزبية داخلية، وعلى الاستمرار في التمسك بخيار إعادة الانتشار من جانب واحد.

يوسي ألفر مدير سابق لمركز "يافه" للدراسات الاستراتيجية، جامعة تل أبيب.

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات