المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
قيود الصيد في إسرائيل لا تطال "حيتان الاقتصاد"!
قيود الصيد في إسرائيل لا تطال "حيتان الاقتصاد"!

وسط جدل لم يُحسم علمياً، أعلنت وزيرة حماية البيئة الإسرائيلية، غيلا غمليئيل، يوم الجمعة 12 شباط الجاري، عن حظر الصيد البحري غير التجاري لنوعي أسماك من عائلة "القاروس" أو "اللقز"، يعرفان باللهجة العامية على سواحل بلادنا باسم "لقّز الصخر" أو "اللقز الحمر" أو "الداقور/الداؤور". والاسم العلمي للنوعين المعنيين هو: Epinephelus costae و Epinephelus marginatu .

لا يقتصر الجدل على الادعاء الماثل خلف هذا القرار، وهو أن هذين النوعين تحديدا هما ضمن الكائنات البحرية المهددة، بل يطال أيضاً تفاصيل قرار المسؤولة الحكومية الإسرائيلية. فالحظر يقتصر فقط على ما يُعرف بالصيد الرياضي، الذي يتم في هذه الحالة ببنادق صيد بالأسهم دون أي نوع من البارود، يستخدمها صيادون غواصون على الشواطئ. لكن الحظر لا ينطبق بالمرة على الصيد التجاري، الذي يتم بوسائل تفيد مصادر متعددة أنه يخلّف دماراً للبيئة البحرية بوصفه يفتقر لأي عملية انتقاء أثناء الصيد، بل "يجرف" كل ما يعترض طريق الشباك الهائلة المربوطة بكتل من الحديد، والتي تجرّها سفن ضخمة تمتلكها جهات تجارية قوية. وقد أشار بحث قبل عدة سنوات إلى أن 22 سفينة جرف ضخمة تخرّب أرضية قاع البحر وهي المسؤول الأول عن تراجع كمية الأسماك بموجب بحث أجرته شركة TASC بطلب من جمعية حماية الطبيعة. وقال أحد الباحثين المشاركين فيه إن قطاع الصيد في إسرائيل هو قصة اقتصادية نموذجية لمجموعة قليلة من الصيادين الذين يسببون أضرارا فادحة، بيئية واقتصادية، مقابل مجموعة كبيرة من الصيادين الذين يحاولون الاعتياش والتمتع بالبحر. ويؤكد البحث أن الصيد بطريقة الجرف يُخرج من البحر أسماكا صغيرة يمنع القانون، ممثلا بأوامر الصيد، صيدها وبشكل مفصل حسب الحجم الأدنى للسمكة وفقا لنوعها.

تزعم الوزيرة في منشور لها في إثر القرار على صفحتها في موقع فيسبوك: "لقد بذلت قصارى جهدي للعثور على التوازن بين جميع المتطلبات - ويسعدني أن المنهج الذي اخترته يحافظ على اللقز الصخري، مع مراعاة حرية عمل الصيادين التجاريين وهو مصدر رزقهم. هذه الصيغة تحفظ توازناً بين جميع الاعتبارات التي طُرحت خلال المناقشات، وهي معايير بيئية وفي الوقت نفسه معايير لا تضر بمصدر رزق الصيادين"!

أنظمة واضحة تحظر صيد بعض الأنواع في بعض الفترات

يشير معارضو خطوات الحظر الشامل لصيد بعض الأنواع البحرية إلى أن هناك أنظمة واضحة تحظر صيد بعض الأنواع، ومنها اللقز الصخري، لمدة 3 أشهر في السنة خلال فترة التكاثر، كما تحدّد الكمية اليومية لصيد السمك "الرياضي" أي غير التجاري. وهي تحظر صيد ما يزيد عن سمكتين كبيرتين، او أو ما يصل إلى 5 كيلوغرامات من الأسماك الصغيرة. "من خلال هذا المنطق، يمكن القول إنه قد يكون من المفيد لنا أن نصبح صيادين تجاريين أيضاً فهذا بالتأكيد سيساعد على تزايد اللقز الصخري"، كتب أحد الصيادين الهواة ساخراً من القرار.

وفقا لمرشد خاص جاء أن الصيد الرياضي هو الصيد لهدف الاستمتاع، ويتحمّل الصيادون الذين يستمتعون بالبحر مسؤولية الانصياع للقانون والمساعدة في الحفاظ على مصدر الأسماك. يحتاج كل صياد في إسرائيل إلى رخصة صيد غير الصيد بالصنارة من الشاطئ. يُصدر مكتب الصيد الرئيسي نوعين من تراخيص الصيد الرياضي: رخصة شخصية ورخصة للسفينة. بحسب رخصة الصيد الرياضي، يُسمح الصيد بالطرق التالية، وهي تستوجب الحصول على رخصة صيد رياضي صالحة: صنارة غير متدلية عن الشاطئ. الصيد بأكثر من 3 صنارات نشطة يحتاج أيضاً إلى رخصة صيد رياضي للسفينة عند الغطس الحر من دون استخدام وسائل تنفس اصطناعي، وفقط في البحر الأبيض المتوسط. من أسس النُظُم في توزيع المناطق البحرية يُمنع الصيد خلال فترة التكاثر، وتنطبق في كل سنة فترة منع صيد تمتد حتى 90 يوماً متتالياً ما بين 1 آذار حتى 1 تموز، كما يحددها مسؤول مكتب الصيد الرئيسي. ينشر مسؤول مكتب الصيد الرئيسي رسالة حول التاريخ المحدد في الجريدة اليومية وفي موقع قسم الصيد في وزارة الزراعة. هذا المنع لا ينطبق على الصيد بالصنارة من الشاطئ والصيد بشبكة شخصية. يُمنع خلال فترة التكاثر صيد الأسماك التي تنتمي إلى عائلة اللقز بين 1 أيار حتى 30 حزيران. في حالة صيد السمكة المذكورة، يجب إعادتها إلى الماء على الفور.

من جهتها، قالت وزارة حماية البيئة في فترة الوزيرة غمليئيل (الحالية) إن النوعين اللذين تقرر حظرهما هما نوعان رئيسيان يتمتعان بأهمية بيئية عالية بسبب ما يفترسانه، مما يحافظ على التوازن البيئي في البحر من خلال تنظيم تعداد الأسماك التي يفترسانها. بالإضافة إلى ذلك، كانت هناك أصناف لأسماك غازية قبالة السواحل في ظل عدم وجود تنظيم فعال لتعدادها، مما أدى إلى القضاء على مخزون الطحالب على الصخور تحت الماء، وهذه الطحالب هي غذاء ومأوى لأنواع بحرية أخرى تضررت نتيجة اختفاء الطحالب.

لقد أشارت أبحاث كثيرة إلى أن قناة السويس التي افتُتحت عام 1869 إلى جانب كونها إنجازاً هندسيّاً مذهلاً، اختصرت الطرق البحرية بين أوروبا وآسيا بحوالي 9000 كيلومتر، قد سمحت بعبور أسهل لأنواع غير مرغوب فيها أيضاً من أحياء البحر الأحمر، وفق ما يقول العلماء. وقد أدت المنافسة الشرسة بين أنواع الأحياء على الموارد الغذائية إلى تطور قدرات تكيُّفية غير اعتيادية لدى أنواع أحياء البحر الأحمر، مما يجعلها منافِسة هائلة لنظيراتها في البحر المتوسط. وقد تفوقت بعض الأنواع الغازية الناجحة على الأنواع المتوطنة بشدة عند منافستها على الموارد في بعض المناطق، مسببةً تشريدها من موطنها الطبيعي. وانتشر أكثرُها قوةً عبر البحر المتوسط بكامله، مغيِّراً التوازن البيئي البحري بشكل كبير. وعلى الرغم من تفاوت الأرقام، يتفق خبراء البحار عموماً على أن نحو 90 نوعاً من أسماك البحر الأحمر قد غزت البحر المتوسط بنجاح وتكيفت مع موائله، متنافسة مع ما يقرب من 500 نوع من أسماك الشعاب المرجانية الأصلية.

باحث: حملة خداع ليس لها أساس علمي قائم على البيانات الكمية

وفق ما كتبت د. بيلا جليل، من "المعهد الوطني لعلوم المحيطات في حيفا" و17 مؤلفاً مشاركاً في الدورية الأكاديمية Biological Invasions في نيسان 2015، فإنه من بين نحو 700 نوع من الأنواع غير المتوطنة متعددة الخلايا المعروفة حاليّاً في البحر المتوسط، كان نصفها قد دخل عبر قناة السويس. وفي بحثهم الذي يحمل عنوان "مشكلة مزدوجة"، عبّر علماء البحار عن قلقهم من عواقب توسيع ما أسموه "أحد أكثر ممرات غزو الأنواع البحرية قوة في العالم". وهم يتوقعون عواقب وخيمة على التنوع البيولوجي وسلع وخدمات النظم الإيكولوجية للبحر المتوسط. ومما كتبوه: بعض الأنواع المهاجرة ضارة، وسامة وتشكل تهديداً حقيقيّاً لصحة الإنسان (دورية "نيتشر ميدل إيست"، المتخصصة بتغطية الموضوعات العلمية ذات الصلة بالشرق الأوسط وآسيا).

إجراءات الوزارة تضمنت استشارة خبراء، ومنظمات ناشطة في المجال البيئي، وسلطة الطبيعة والمتنزهات الإسرائيلية، وكذلك جلسة استماع عامة بمشاركة مفتوحة للجمهور. وكان الخلاف واضحا بين رأي يقول إن هذين النوعين معرّضان للخطر وهناك قيمة في الحفاظ عليهما لصالح البيئة والنظم البيئية الأوسع؛ وبين رأي آخر قال إن هذين النوعين مسموحان في الصيد التجاري، وتخرجهما الشباك ووسائل الصيد الأخرى غير الانتقائية، وعلى الرغم من هذا فالنوعان مزدهران مما يعني منطقياً وعلمياً أنه لا يوجد خطر على استمرار وجودهما وتكاثرهما. الوزارة غلّبت الرأي الأول وتغاضت عن الآراء التي أشارت للتناقض الواضح الناجم عن تجاهل الصيد التجاري الضخم.

أكد الباحث د. داني غولاني، من قسم التطور الطبيعي في الجامعة العبرية في القدس، في وجهة نظر مهنية قدمها للمحكمة حين نظرت في دعوى جمعية حماية الطبيعة ضد وزارة البيئة، أن جمعية حماية الطبيعة تدير حملة خداع ليس لها أساس علمي قائم على البيانات الكمية في الماضي والحاضر. وأضاف أنه لم يلاحظ أي انخفاض كمي في أعداد نوعي اللقز الصخري قيد الجدل، ولا علم لديه بأية دراسة علمية تشير إلى تراجع أو تضرر تعداد هذه الأنواع، والادعاء بأنها تتعرض لخطر الانقراض باطل ولا أساس له من الصحة.

وجاء في نص وجهة نظره: في ضوء اعلان الهيئة القانونية في وزارة حماية البيئة في تاريخ 6 أيار 2018 بشأن حظر بعض الأنواع البحرية وبينها اللقز أقر ما يلي: ليس واضحا لماذا وعلى أي أساس اختيرت هذه الأنواع بالأساس وليس سواها، فعلى الرغم مما ورد في هذه الوثيقة القانونية الحكومية لا علم لي بأي بحث علمي او استطلاع يشير إلى تراجع أو تضرر هذه الأنواع، أو أنها "تواجه خطر الانقراض". الادعاء بأنها معرضة للانقراض ليس فقط كاذبا ويفتقر لمصداقية بل لا يستند إلى أية حقائق يغطيها البحث العلمي. هناك نوع واحد فقط من أسماك اللقز في شواطئ البحر المتوسط الذي يشار إليه على أنه ضمن قائمة المهددين بالخطر، ولكن بكوني قد شاركت في قسم مهم من اجتماعات المعاهدة الدولية لحماية البيئة البحيرة، وفي إعداد قائمة الأنواع التي نشرت فيمكنني التأكيد أن إدخال النوع الوحيد من لقز الصخر إلى هذه الفئة كان على أساس معلومات وردت من غرب البحر المتوسط فقط، وتحديدا من الجزائر والمغرب. والمعروف أن تركيبة الأنواع وحجم تعدادها، بما فيها هذا الصنف يختلف تماما بين شقي المتوسط دون أية علاقة بنشاط الصيد.

ويخلص إلى القول: بوصفي باحثا يرافق نشاط الصيد في إسرائيل في العقود الأربعة الأخيرة وقمت بتأليف عدة كتب حول الموضوع، لم ألاحظ أي تغيير في انتشار لقز الصخر وسائر أنواع هذا اللقز على امتداد السنين. وفي ضوء هذا لا أرى أي تبرير وتسويغ لإعلان هذه الأنواع السمكية على أنها قيم طبيعية تجدر حمايتها أو أنهاا مهددة.

الخطر الحقيقي هو الصيد التجاري الضخم غير المراقَب

أما د. دور إدليست، الباحث في البيولوجيا البحرية والخبير في الصيد البحري من جامعة حيفا، فيقول: "هذه الدعوى القضائية موضوعها امتناع الوزارة عن القيام بخطوات فعالة لإنقاذ خمسة أنواع بحرية توصف بأنها تتعرض لخطر الانقراض بسبب الصيد المنفلت". الأنواع الأربعة للقز البحري المشار إليها هنا ليست موجودة بالمرة تحت خطر الانقراض، على الرغم من أن الدعوى القضائية تكرر هذه العبارة مرة بعد الأخرى على نحو مضلل، وكأن اللقز البحري مهدد. ولكن هذا التكرار ليس من شأنه أبدا جعل هذه المقولة صحيحة. إن عبارات مثل "أهمية بيئية لا مثيل لها" و"تراتبية بيئية بحرية" هي عبارات محرّفة ومضللة. عمليا هناك أنواع عديدة من سلاسل الغذاء البحرية وبعض مركباتها تحمل أهمية لاستمرار عمليات وسيرورات مختلفة. هذه المركبات تتغير طيلة الوقت وليس فقط بسبب الصيد المنفلت وانما لأسباب متعددة. ومنذ الخمسينيات وحتى اليوم فإن معدل صيد القارب الواحد على امتداد السنة هو نحو نصف طن من هذا النوع. ان الموظف السؤول عن الصيد قد فعّل صلاحياته وحدد شروط حماية سمك اللقز الصخري (الواردة أعلاه) وضمّنها في الأنظمة الخاصة بمواعيد وكميات الصيد وتحديد المسموح به وفترته في الصيد المعروف بالصيد الرياضي. وهذه الأنظمة هي بين الأنظمة الأكثر تشددا في العالم. أما تهديد أنواع سمكية دون غيرها بالانقراض، يقول الباحث، فيعود إلى أسباب متعددة تتجاوز أكثر بكثير مما يسمى الحساسية للصيد، سواء كان منفلتا أو غير منفلت.

لوضع الأمور في سياق أوسع: منظمة الأغذية والزراعة (الفاو)، تؤكد أن شباك الصيد الضخمة التي تعمل بالجرّ، وهي التي تستخدم في سفن بملكية جهات اقتصادية قوية، والصيد بالشُرُك والفخاخ تضر بشكل فادح بالبحر وثروته السمكية والبحرية عموما. ففي حين تؤدي الخطوط السِنّارية الطويلة إلى إعاقة الكائنات البحرية الحيّة وهلاكها على الأرجح، تضرّ شباك الصيد بالجرّ بمواطن البيئة البحرية الفرعية. وتُعتَبر شباك القاع الخيشومية أكثر معدات الصيد إثارةً للمشكلات، إذ تُشبّك أطرافها في القاع البحري وتطفو الشبكة فوق السطح بواسطة عوّامات لتشكِّل ما يشبه "جداراً بحرياً عمودياً" يمتد لمسافات تتراوح بين 600 و10000 متر طولاً. وفي حالة فقد أو نبذ هذا النموذج من الشِباك من الممكن أن تستمر عمليات "الصيد الشبحي" طيلة أشهر بل سنواتٍ، لقتل الأسماك والأحياء البحرية الأخرى بلا طائل.

وهي تضيف في تقرير منشور على مواقعها: تمثل الشُرُك والفخاخ الوعائية عاملاً آخر رئيساً وراء ظاهرة الصيد الشبحي. في هذا الشأن، ذكر المدير العام المساعد إيشيرو نومورا، مسؤول قسم مصايد الأسماك لدى المنظمة، أن "كمّيات المخلّفات من معدات الصيد المهملة لا محالة أن تتراكم بمعدلات متواصلة في المحيطات والبحار وأن تُنزل أضراراً بالنظم البيئية البحرية، والمقدّر أن تزداد الوضعية سوءاً على سوء ما لم يَتخِذ المجتمع الدولي إجراءاتٍ فعّالة لمواجهة مشكلة الحطام البحري ككل". وأوضح خبير المنظمة أن "استراتيجيات مجابهة المشكلة يجب أن تتزامن على جبهاتٍ متعدّدة، من وقايةٍ وتخفيفٍ وعلاج".

خلاصة هذه المسألة أن السلطات في إسرائيل تجد متسعاً كبيراً من الوقت والاهتمام لفرض أنظمة صارمة على الصيد بوسائل يدوية على الشواطئ من قبل هواة الصيد، لكنها تكاد لا تقترب من وسائل الصيد المعقدة والتي تجني كميات هائلة من الأسماك، دون انتقاء ولا تمييز، بل هي اسم على مسمى، تجرف كل ما يعترض طريقها. فهذا الصيد تسيطر عليه جهات اقتصادية قوية، وهي على العموم تحظى بحماية في المؤسسة الحاكمة الإسرائيلية، سواء في مضمار الصيد أو في غيره.

المصطلحات المستخدمة:

غيلا غمليئيل, جمعية حماية الطبيعة

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات