المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
صورة جوية لمفاعل ديمونة في صحراء النقب.
صورة جوية لمفاعل ديمونة في صحراء النقب.

يقدّم هذا التقرير قراءة في الوثائق الأميركيّة التي رفعت عنها السرّية مؤخّراً والمنشورة في موقع “National Security Archive”، بعنوان:"Duplicity and Self-Deception: Israel, the United States, and the Dimona Inspections 1964-1965"، والتي تظهر جانباً من جوانب المفاوضات الأميركيّة- الإسرائيليّة المتعلّقة بالنشاطات النووية الإسرائيليّة في ستّينيات القرن الماضي.

ورغم أنّ الوثائق تظهر محاولات حثيثة من الولايات المتحدة لإرغام إسرائيل على قبول تفتيش منشأة ديمونا النووية، إلّا أنّ المنطق المزدوج الذي هيمن على هذه المفاوضات يمكن تلخيصه بالآتي: كان على الولايات المتّحدة أن تظهر كأنّها تريدُ أن تعرف ما يجري في ديمونا، لكنّها في الواقع لا تريدُ أن تعرف شيئاً يتوجَّبُ عليها التعامل معه [على الأقلّ سياسياً كدولة

عظمى في منطقة صراع كالشرق الأوسط]. وواقع المفاوضات، يبيّن أنّ الولايات المتّحدة لم تكن تريد أن تعرف ما يجري بالفعل، وكان عليها التظاهر بأنّها تريدُ أن تعرف ما يجري، وكان على إسرائيل تزويد الولايات المتحدة بنوع المعرفة "غير المقلقة" اللازمة سياسياً بموجبات العلاقات الدّولية بين دولة عظمى حليفة ودولة لا تزال في مرحلة التأسيس. في حين أنّ السياسة الإسرائيليّة الدولانيّة كانت تقوم على الخداع، التضليل، ومقاومة أيّ نوع من أنواع "المعرفة"، مقلقة كانت أم غير مقلقة، لتؤسس لنوع من أنواع الرّدع باللايقين والضبابيّة حول قدراتها العسكريّة، وكذلك، كنوع من أنواع الآليّات الداخلية التي تقاوم أيّ محاولة "كشف" أو حالة "انكشاف" يمكن تجنُّبها.

في ضوء الكشوفات الفرنسيّة غير الرسمية

كان التقدير الأميركيّ في ستّينيات القرن الماضيّ، على المستوى الرسميّ، أنّ البرنامج النووي الإسرائيلي هو برنامج لغايات سلميّة، وأنّه لو قررت إسرائيل بالفعل الشروع في برنامج تسليح نووي، ولو تمّ ذلك بسرّية، فستتمكن المخابرات الأميركيّة من الإحاطة بهكذا تحوّل في السياسة الإسرائيليّة. ولكن، في تشرين الأول 1986، تبيّن خطأ هذا الاعتقاد عندما كشف عالم نووي إسرائيلي هو مردخاي فعنونو، معلوماتٍ سرّية عن برنامج التسليح النووي الإسرائيلي، والذي تمّ تأكيده لاحقاً باعترافات فرنسيّة غير رسميّة، من بينها اعتراف مفوّض الطاقة النووية الفرنسيّة السابق، الذي أكّد أنّ مفاعل ديمونا بُنِيَ منذ البداية وبشكل كامل لإنتاج الأسلحة النووية. ذلك عَنى أنّه بالإضافة إلى مفاعل إنتاج البلوتونيوم الضّخم والمرافق الخاصّة بإنتاج الطاقة النووية، كانت هناك أيضاً محطّة إعادة معالجة كيميائيّة ضخمة بُنيِت تحت الأرض لاستخراج البلوتونيوم المستخدم في صنع الأسلحة النووية.

طبقاً للمصادر الفرنسيّة، انتهى العمل على إنشاء المحطّة وتسليمها للإسرائيليين في العام 1965، ومنذ ذلك الحين، بدأت إسرائيل بداية من العام 1966 في إنتاج البلوتونيوم المخصص لبرنامجها العسكريّ، وهي العمليّة التي قامت إسرائيل بإخفائها عن بعثات التفتيش الأميركيّة التي زارت مفاعل ديمونا أكثر من مرّة خلال ستينيات القرن الماضي. وبحسب الوثائق الأخيرة، فقد صدّقت المخابرات الأميركيّة ما قيل لها إسرائيلياً؛ أي أن موقع مفاعل ديمونا لا يحتوي على أيّ نشاطاتٍ إنتاجيّة نوويةّ لغايات تسليحيّة، وأنّ البرنامج النووي الإسرائيليّ يسعى لإنتاج الطاقة النووية السلميّة.

الشكّ الأميركيّ وتفتيش ديمونا في 1964

بدأت الشّكوك الأميركيّة حول مفاعل ديمونا الإسرائيليّ مع إدارتيّ آيزنهاور وجون ف. كينيدي؛ الشّكوك التي أدت إلى تفتيش المفاعل من قبل بعثات تفتيش أميركيّة ولكن دون جدوى في إيجاد أيّ نشاطات غير سلميّة. كان كينيدي تحديداً مصمّماً على التثبُّت من الشكوك الأميركيّة، وقد وُوجِهَت المحاولات الأميركيّة في البداية برفضٍ إسرائيليّ من قبل بن غوريون أوّلاً ومن ثمّ ليفي شكول للسّماح للعلماء الأميركيين بزيارة موقع مفاعل ديمونا. استمرّ الرفض الإسرائيلي حتّى اغتيال كينيدي في تشرين الثاني 1963، عندما تعهّد أشكول بالسّماح للأميركيين بزيارة المفاعل في شهر كانون الثاني 1964 ولمدّة يوم واحدٍ فقط بدلاً من يومين كما طلبت الإدارة الأميركية. في ذلك الوقت كان العمل على المفاعل قد انتهى، وكتب الوفد الأميركيّ للمخابرات الأميركيّة آنذاك بعد الانتهاء من الزيارة التي دامت لإحدى عشرة ساعة: "يعتقد الفريق أنّ كلّ المواقع المهمّة في المفاعل قد تمّ تفتيشها"، وأشارت إلى خلوّ المفاعل من أيّ أنشطة نووية تسليحيّة. وانتهى التقييم الأميركيّ بعد تلك الزيارة إلى عدم وجود أيّ خطط إسرائيليّة لامتلاك أسلحة نووية، وأنّ المفاعل كان جزءاً من خطّة إسرائيل لتحضير نفسها لدخول عصر الطاقة النووية. إلّا أنّ الرواية الإسرائيليّة كما تبيّن لاحقاً، كانت مضلّلة، ورغم ذلك، قلّة فقط في الإدارة الأميركيّة أمثال هنري كيسنجر ود. روبرت فيبر، الملحق العلمي في السفارة الأميركيّة في تل أبيب، كانوا يعتقدون أنّ إسرائيل بالفعل شرعت في برنامج تسليح نووي. ذلك على الرّغم من عدم كشف فريق التفتيش الأميركيّ أيّ مواقع أو مرافق كانت لازمة، مثل محطّة إعادة المعالجة الكيميائيّة التي كانت تحت الأرض، لإنتاج الأسلحة النووية.

المفاوضات الأميركيّة- الإسرائيليّة لطمأنة عبد الناصر

اختارت الولايات المتحدة عدم المعرفة كنوع من المعرفة فيما يتعلّق بالبرنامج النووي الإسرائيليّ، على الأقل على المستوى السياسيّ وربما المخابراتي. ذلك يعني أنّ الرئاسة الأميركيّة اختارت تصديق تقارير بعثات التفتيش، رغم شكوك بعض أفرادها، لأنّها بالأصل كانت تريدُ تقارير "تطمئن" الجانب المصريّ، وجمال عبد الناصر تحديداً، لمنع أيّ سباق تسلح في المنطقة.

في المقابل، قرّرت إسرائيل أن تجعل من التضليل ركيزة أساسيّة لمشروعها النووي التسليحيّ؛ أوّلاً، أبقت الإدارة الأميركيّة في حالة "اعتقاد رسميّ" بأنّ المشروع النووي الإسرائيلي مشروع سلميّ، وبذلك أعفت الإدارة الأميركيّة من أيّ التزاماتٍ دوليّة وأيضاً تجنّبَتْ، كدولة، حالة الانكِشاف الكاملة، وهي سياسة إسرائيليّة غالباً ما تُتّبع في أيّ موضوعٍ أمنيّ وعسكريّ، أي الإبقاء على التّضليل كركيزة للسياسة الأمنيّة. ثانياً، بإبقائها على "الاعتقاد الرسميّ" الأميركيّ كما هو، تجنّبت إسرائيل طمأنة مصر، وجمال عبد النّاصر تحديداً بشكل يقينيّ من وجود برنامج تسليح نووي من عدمه. وقد شكّل ذلك ثيمة أساسيّة في المفاوضات الأميركية- الإسرائيليّة حول البرنامج النووي الإسرائيلي، حيثُ كانت الإدارة الأميركية ترغب في استخدام تقارير بعثات التفتيش لطمأنة جمال عبد النّاصر فيما فضّلت الحكومات الإسرائيليّة إبقاء عبد النّاصر ومصر في حالة من التشويش والقلق تجاه القُدرات الإسرائيليّة العسكريّة.

وقد استندت حجّة إسرائيل لعدم طمأنة عبد الناصر على مسألتين؛ أوّلاً، أنّ محو قلق عبد النّاصر وعدم يقينه من قدرات الرّدع الإسرائيليّة لن يخدم لا المصالح الأميركيّة ولا الإسرائيليّة. ثانياً، أنّه سيكون من الخطأ تزويد عبد النّاصر بأيّة معلومات حسّاسة متعلّقة بمفاعل ديمونا – ذلك على الرّغم من أنّ المعلومات الحسّاسة التي أشار إليها أشكول، رئيس الحكومة الإسرائيليّة آنذاك، هي معلومات مغلوطة وغير كاملة ولا تكشِفُ الكثير عن مفاعل ديمونا.

إلّا أنّ هذا الرّفض لم يكن نهاية النّقاش الأميركيّ- الإسرائيليّ، ففي زيارة أشكول إلى الولايات المتحدة في أيّار 1964، كتب روبرت كومر، مستشار الأمن القومي لشؤون الشرق الأوسط للرئيس الأميركي ليندون جونسون، يحثُّه على أن يكون حاسماً: "رغبة إسرائيل بإبقاء العرب في حالة من الظنّ أمرٌ خطيرٌ جداً؛ أن تظهر كأنّك ذاهب إلى الحرب النووية، دون أن تكون كذلك بالفعل، هو دعوة إلى إثارة المشاكل". في تلك الزّيارة، عارَض أشكول مرّة أخرى مقترح جونسون بطمأنة جمال عبد النّاصر قائلاً: "لا أستطيع الموافقة على إعلام ناصر بما يجري في مفاعل ديمونا لأنه عدوّ... لا يزال ملتزماً بتدمير إسرائيل... لماذا إعلام ناصر؟ لماذا يجب أن نخبره في حين أنّنا لا نعرفُ منهُ ما يفعلهُ بخصوص الصّواريخ؟" مع ذلك، تمكّن جونسون في النّهاية من إقناع أشكول بالموافقة على طمأنة ناصر، ولا تكشف الوثائق عن طبيعة الاتفاق الذي تمّ بينه وبين جونسون وما المقابل الذي من أجله وافق أشكول في النّهاية. وقد شكّلت موافقة أشكول مُشكلةً لشمعون بيريس، الذي كان من طاقم وزارة الدفاع آنذاك والذي كان مصرّاً على استراتيجيّته الخاصّة بالرّدع من خلال عدم اليقين، ورغم معارضته التامّة، إلّا أنّ جونسون تمكّن في النّهاية من فرض رأيه بضرورة طمأنة جمال عبد الناصر. مع ذلك، ليس هناك أيّ دليلٍ على الإطلاق إن كان جونسون بالفعل قد تواصل مع عبد النّاصر بخصوص مفاعل ديمونا، لا في الوثائق الأميركيّة ولا الإسرائيليّة، وحتّى اللحظة، لا يظهر أنّ أمراً كهذا قد حدث بالفعل رغم أنّه شكّل موضوعاً للمفاوضات الأميركية- الإسرائيليّة لوقت طويل.

مفاوضات زيارة 1965

في نهايات أيلول 1964 طلبت الإدارة الأميركية من أشكول السّماح لمفتّشين أميركيين بزيارة مفاعل ديمونا مرّة أخرى خلال شهر تشرين الأول من العام نفسه. وكان ردُّ أشكول على الطّلب الأميركيّ بمحاولة تأجيل موعد الزّيارة معلِّلاً ذلك: "بطريقة ما هناك العديد من المشاكل هذه الأيّام". لاحقاً، وعبر رسالة إلى السفارة الأميركيّة، طلب أشكول تأجيل الزيارة الأميركيّة إلى ما بعد الانتخابات الإسرائيلية المزمع عقدها آنذاك في تشرين الثاني 1965، أي بعد عامٍ تقريباً من موعد تلك الرّسالة، معلِّلاً ذلك بأنّ زيارة أميركيّة إلى ديمونا الآن ستقوّضه سياسياً وتظهره بمظهر الضّعيف وأنّه "من غير المعقول أن يتحوّل ديمونا في مدّة قصيرة كهذه إلى مفاعلٍ عسكريّ".

أثار طلب أشكول من الأميركيين تأجيل موعد الزّيارة الشّكوك في واشنطن ولدى المخابرات الأميركيّة التي كانت وجهة نظرها أنّ تأجيل موعد الزّيارة وما يعنيه من انعدام الرقابة الأميركيّة على النشاطات النووية الإسرائيليّة سيكونُ أمراً خطيراً، وأنّه من الممكن تحويل مفاعل ديمونا إلى مفاعل عسكريّ خلال عامين. ونتيجة لهذه الشّكوك، فقد استمرّت المفاوضات الأميركيّة- الإسرائيليّة التي أفضت في النّهاية إلى تحديد نهاية شهر كانون الثاني 1965 كموعدٍ للزيارة الأميركيّة القادمة. وقد ضغط الأميركيون في اتّجاه تحسين شروط الزّيارة هذه المرّة لتكون لمدّة يومين، وأن تكون للفريق الأميركي إمكانية وصول كاملة لجميع مرافق المفاعل والمرافق التشغيليّة الأخرى. إضافة إلى ذلك، تمكين الفريق من "تقييم عمل المفاعل بطريقة مستقلةّ كما ينبغي لتقييم عمليّة إنتاج المفاعل منذُ الزيارة الأخيرة". وأخيراً، يجب تمكين الفريق من "تحديد موقع واستخدام البلوتونيوم والمواد الانشطاريّة المنتجة في المفاعل". وكانت إجراءات صارمة كهذه، من وجهة النّظر الإسرائيليّة، مشابهة لإجراءات تفتيش وكالة الطاقة النووية، والتي رفضها أشكول بشكلٍ كُلّي قائلاً أنّ إجراءاتٍ كهذه ستجعل الزيارة تبدو "كتفتيش"، وستثير أسئلة حول السّيادة الإسرائيليّة. واقترح أشكول في المقابل زيارة لمدّة يومٍ واحد، وشدّد على أنّ تقوم الزيارة على أسس الزيارة السابقة، ما يعني أنّها "دعوة لضيوف إسرائيل وليس لمفتّشين".

كان لدى بعض الأميركيين، في كلّ من واشنطن وتل أبيب، بما في ذلك الملحق العلميّ فيبر، شكوكهم الخاصّة في أن ديمونا كان يتعلّق ببرنامج عسكري وليس بالبحث العلميّ، وأنّ إسرائيل كانت بالفعل اتخذت قراراتٍ قبل وقتٍ طويلٍ لتطوير أسلحة نووية. إلّا أنّهم كانوا يبنون شكوكهم حول أدلّة ظرفية، دون التمكّن من الوصول إلى الحلقة المفقودة في برنامج التسليح وهي "محطّة المعالجة الكيميائيّة المخفيّة تحت الأرض". وبالنّظر إلى الوراء، فقد أخطأت واشنطن الحكم فيما يتعلّق بأشكول والقضيّة النووية؛ فالمسألة النووية والموافقة من عدمها على الزيارات كانت جزءاً من صراعاتٍ سياسيّة بين أشكول وبن غوريون ورفاقه، إذ كان طلب أشكول لتأجيل الزيارات مدفوعاً بالفعل بمخاوف سياسيّة بشأن بن غوريون وبيريس وليس لاعتبارات عمليّاتية حول مفاعل ديمونا – فلم يكن ممكناً أصلاً لأيّ بعثة تفتيش أميركيّة أن تكتشف الجزء المخفيّ تحت الأرض من المفاعل والذي هو أساس البرنامج التسليحيّ الإسرائيليّ. ففي الوقت الذي كان فيه الأميركيون يعتقدون أن تأجيل الزيارة يعني أن إسرائيل كانت تريد كسب مزيدٍ من الوقت بلا رقابة أميركيّة على نشاطاتها التسليحيّة، كان المفاعل بالفعل يعمل على إنتاج السلاح النووي، وكان تأجيل الزيارة يعكس فقط قلق أشكول السياسيّ من خصومه بيريس وبن غوريون.

زيارة 1965

تكوّن الفريق الأميركيّ من ثلاثة علماء حكوميين تمّ إعلامهُم في 15 كانون الثاني 1965 أنّ الغاية من مهمّتهم تتألفُ من جزأين؛ الأوّل تقنيّ والثاني سياسيّ ويتعلّقُ بموضعة الولايات المتحدة في موضعٍ يمكّنها من "طمأنة العرب بشأن الأنشطة النووية الإسرائيليّة وأنّها لغاياتٍ سلميّة وفقط"، وذلك يعني أنّ الفريق الأميركيّ كان عليهِ العودة بتقريرٍ مطمئن، وأن لا يسعى أصلاً إلى "معرفة" أيّ شيءٍ غير مطمئنٍ حول الأنشطة النووية الإسرائيليّة.

في المقابل، شدّدت الحكومة الإسرائيليّة قواعد الزّيارة بدرجةٍ أكبر من الزّيارة السابقة، وكانت أصلاً قد فرضت شروط الزّيارة لتكون لمدّة يومٍ واحدٍ فقط، وأن تقتصر على مرافق بعينها. على الرّغم من ذلك، كان هناك اعتقاد أميركيّ أنّه وحتى مع هذه الظّروف المشدّدة، فمن شأن الزيارة الخروج بنتائج معقولة حول النشاطات النووية الإسرائيليّة كما يرد في الوثائق: "رغم أنّ الزيارة كانت سريعة ولم تكن تفصيليّة كما هو مرغوب، إلّا أنّ الشعور العام أنّ الفريق تمّ تزويده بالأساسيات اللازمة لتقييم حالة النشاط في موقع ديمونا". وعلى تلك الأساسيات، تمكّن الفريق من الوصول سريعاً إلى نتائج معيّنة وأساسُها أنّ موقع ديمونا بدا في حالة تنظيمية عشوائيّة، إن لم تكن كارثة مؤسساتيّة، ما يدلُّ على أنّ إسرائيل لا تبدو مصمّمة في مشروعها النووي المستقبليّ، وأنّ معظم خطط المفاعل تمّ تجميدها لغاية اتّخاذ هذه القرارات القوميّة. ثانياً، "لاشيء [في الموقع] يوحي بأيّ تطوّر في اتّجاه برنامجٍ تسليحيّ".

ورغم اعتقاد الفريق مثل سابقيه، بأنّ مفاعل ديمونا يفتقر إلى المكونات التقنية الرئيسة لبرنامج الأسلحة، وعلى الأخص محطّة إعادة المعالجة [المخفية تحت الأرض]، فقد قررت الولايات المتحدة أنّ المفاعل بحاجة إلى مراقبة مستقبليّة. وتمكّنت إسرائيل خلال زيارة 1965 من إظهار مفاعل ديمونا في حالة كارثيّة تنظيمياً ومؤسساتياً، والإيحاء للفريق وللأميركيين بأنّ المكوّنات الرئيسة للمفاعل قد تمّ وضعها في حالة تجميد أو على وشك التجميد. كان ذلك جزءاً من الصورة التي قدّمتها إسرائيل لنفسها على أنّها مهتمّة بمشروع نووي لغاية الطاقة النووية، إلّا أنّها ولأسباب سياسيّة وماليّة ليست مصمّمة بعد على المضيّ في تنفيذ هذا المشروع. أخبر الإسرائيليون الفريق أنّه: "لا توجد موافقة على برنامج بحث وتطوير أو ميزانيّة للسنة المالية التي تبدأ في نيسان عام 1965"، وكان ذلك جزءاً من استراتيجيّة الخداع والتضليل الإسرائيليّة بإظهار المفاعل في حالة شلل فنيّ جرّاء حالة شلل سياسيّ.

عن حالة "المعرفة" الأميركيّة في 1965

فشل التفتيش الأميركيّ، رسمياً، في العام 1965 في اختراق حالة الخداع الإسرائيليّة؛ فلا المفتّشين ولا المخابرات تمكَّنوا من إدراك أنّ البرنامج النووي الإسرائيلي كان بالأساس برنامجاً تسليحياً، أو أنّ محطّة إعادة معالجة البلوتونيوم كانت قد بُنيَت تحت الأرض كجزءٍ أساسيّ من المفاعل. وكان تصميمُ الموقع أصلاً يتضمّنُ إخفاء محطّة إعادة معالجة البلوتونيوم تحت الأرض. ولم تكن إسرائيل، كما اعتقدت الولايات المتحدة، وفقاً لاعتراف مسؤولين فرنسيين للمرّة الأولى عام 1986، بحاجة لقرارٍ سياسيّ لبناء محطة إعادة المعالجة، فالمحطّة كانت مبنيّة أصلاً، وكانت جزءاً أساسيّاً من عمل مفاعل ديمونا.

ذلك لا يعني أنّ مسؤولي الحكومة الأميركية كانوا على ثقة عمياء؛ فقد ظلُّوا قلقين من النوايا الإسرائيليّة. وقد أشارت مذكّرة لوزارة الخارجية الأميركية إلى عدّة أمور مشبوهة في تقرير المفتّشين، مثل إخفاء إسرائيل لمشروع ديمونا منذ البداية، القيود على عمليّات التفتيش، الرفض التام لمناقشة مسألة شراء اليورانيوم، وكذلك مشروع صواريخ أرض- أرض القادرة على حمل رؤوس نووية والذي كانت إسرائيل تطوّره سرّاً مع فرنسا، والتصريحات الخاصّة والعامة للمسؤولين الإسرائيليين التي أشارت إلى وجود اهتمامٍ إسرائيليّ بالأسلحة النووية. وتشير الوثائق إلى استهانة المخابرات الأميركيّة بالإسرائيليين وتصميمهم على امتلاك أسلحة نووية، وبالرغم من استمرار الشكوك لاحقاً، إلّا أنّ حالة عدم المعرفة هي الحالة التي بقيت مهيمنة: الأميركيون يفضّلون عدم المعرفة ويتظاهرون بعكس ذلك، بينما إسرائيل تلتزم الصّمت شبه المطبق بشأن برنامجها النووي الحقيقي.

المصطلحات المستخدمة:

ديمونا, رئيس الحكومة

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات