المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

قال معهد بحث الصراع الإسرائيلي- الفلسطيني "عكيفوت" في ورقة معلومات أصدرها في أيلول 2017 إن القسم الأكبر من مواد الأرشيفات الإسرائيلية محجوب عن الجمهور. وعلى الرغم من أن قانون الأرشيفات في إسرائيل يحدد مبدأ مفاده أن "كل شخص مخول بالإطلاع على المادة الأرشيفية المودعة في أرشيف الدولة"، فإن المعطيات تظهر أن الجمهور يُمنع من حق الوصول إلى الغالبية الساحقة من مواد الأرشيفات الحكومية الكبرى، خصوصا أرشيف الدولة، وأرشيف الجيش والأمن.

 

السبب في هذا هو قرارات الجهات المسؤولة عن المواد الأرشيفية بعدم كشفها، دون أية صلاحية ولا أي تسويغ.

كذلك يجري الامتناع عن فتح مواد أمام الجمهور حتى بعد انتهاء فترة التقييد التي نصّت عليها الأنظمة. ولا يتم تخصيص موارد كافية لتمويل مهام فحص المواد قبل كشفها العمومي. الى هذا تُضاف سياسة أرشيف الدولة منذ نيسان 2016 بتمكين الإطلاع على مواد تم نشرها الكترونياً فقط، مما أدى هو الآخر إلى تقليص منالية المواد الأرشيفية للجمهور، وذلك لأن معظم المواد التي سمح بكشفها في الماضي ليست موجودة على موقع الانترنت والذي بات يشكل عمليا وسيلة الإطلاع الحصرية تقريبا في مواد أرشيف الدولة.

وينوّه المعهد: إلى هذا كله أضيفت في تموز 2017 تعليمات نائب المستشار القانوني للحكومة التي أمرت أرشيف الدولة بعدم القيام بنفسه بأعمال كشف المواد وحصر الصلاحية في الجهات التي قامت بإيداع تلك المواد لكنها في الواقع تمتنع عن القيام بذلك.

والنتيجة المباشرة هي وقف كشف غالبية المواد الموجودة في الأرشيف.

معطيات هذا التقرير تشير إلى ما يلي: 42% من المواد التي تم إيداعها في الأرشيفات الحكومية ليست متاحة لاطلاع الجمهور ولا تقوم الأرشيفات الحكومية بتقديم كتالوجات لـ 94% من المواد الموجودة فيها. وهكذا فإن من يستخدمون الأرشيف لا يعرفون أية معلومات موجودة فيه، ويمنع الجمهور من الوصول إلى المعلومات التي سمح بكشفها وتم أصلا جمعها وتخزينها بأموال الجمهور ولمصلحته، وهي معلومات يجب أن تعود إلى الجمهور لكي يستخدمها في البحث والنقاش وإثراء معرفته حول السيرورات المختلفة التي قادته الى ما وصل اليه، ولكي يستخدمها لمواصلة بناء مستقبله – وفقاً لتعبير التقرير.

ومن بين نحو 15 مليون ملف في أرشيف الدولة وأرشيف الجيش وجهاز الأمن يوجد بمتناول الجمهور على الأكثر نحو 191 ألف ملف. وتوجد في أرشيف الدولة وفقا للتقديرات ثلاثة ملايين ملف ومن بينها تم السماح بالإطلاع على 400 ألف ملف فقط أي حوالي 13% من ملفات الأرشيف. على الرغم من ذلك فإن الملفات المتوفرة لاطلاع الجمهور فعلياً أقل بكثير وهي تقتصر على نحو 144 ألف ملف. وهي تشكل 8ر4% فقط من مجمل تلك الملفات.

وهكذا فبالإضافة إلى سياسة التكتم على المواد والتقتير بكشفها هناك مشاكل تقنية مثل وجود نسخ لمواد فتحت بالماضي وتم مسحها ضوئيا لإطلاع الجمهور لكن لم يتم وضعها بعد على موقع الانترنت التابع لأرشيف الدولة (كما سبقت الإشارة، منذ نيسان 2016 نصت سياسة الأرشيف على الإطلاع على المواد الالكترونية فقط وذلك وسط وتيرة بطيئة لرفع المواد على الموقع). وبالنتيجة فان 64% من المادة الأرشيفية القليلة التي تم فحصها وسمح باطلاع الجمهور عليها غير متوفرة بسبب منع الإطلاع على وثائق ورقية أصلية.

ألوف السنوات تفصل بين الوثائق والجمهور!

هناك إشكالية كبيرة أيضا فيما يتعلق بالكتالوجات للفهارس. فمن بين 8ر14 مليون عنوان للملفات المحفوظة في أرشيف الدولة وأرشيف الجيش وجهاز الأمن هناك 918465 ملفاً فقط من العناوين الظاهرة في قوائم الكتالوجات المتاحة لاطلاع الجمهور. ويؤكد تقرير "عكيفوت" أن الكتالوج هو وسيلة البحث الاساسية في الأرشيف: هذه هي القائمة الكاملة لمواد المتوفرة فيه. والكتالوج الجيد هو الذي يسمح للمهتمين بمعرفة أية مواد موجودة في الأرشيف وأيها غير موجودة، أيها ناقصة وأيها يوجد تقييد على الإطلاع عليها، وإلى متى ولماذا. الكتالوجات المفتوحة امام الجمهور هي شرط أساس وضروري للتوجه اللائق إلى تلقي المعلومات. وبدون كتالوجات كهذه من الصعب تقدير أية أجزاء من التاريخ يتم شطبها من البحث وأية سياقات وأفكار تحرم منها الأبحاث. وحين تظل أقسام كاملة من الأرشيف بدون مسح وتنظيم يزداد تأثير اختيارات عاملي الأرشيف وموظفين آخرين على التاريخ المقدم للجمهور المعني. وفي نفس الوقت تتراجع إمكانية القيام برقابة على اعتبارات وعمل البيروقراطية.

يكتب نوعم هوبشتتر، من معهد "عكيفوت"، في مقال نشره في موقع "سيحاه ميكوميت"، أن المشكلة الأساسية في عمل كشف المواد في الأرشيفات الحكومية لا تنبع من الخلاف القائم حاليا، فالأرشيفات الحكومية في إسرائيل تعاني من مشاكل عضال ومنها سياسة متواصلة من التمويل المتدني بشكل حاد لمهمات وأهداف الكشف. وهو يقدر الوقت الذي يفصل ما بين القيام بهذه المهمة وبين عرضها للجمهور بألوف السنوات. ويشير أيضا إلى ما يشكل تقليداً لدى الأجهزة المسؤولة عن كشف المواد الأرشيفية ويتجسد بتقييد إمكانية اطلاع الجمهور على المواد بما يتجاوز صلاحياتها القانونية للقيام بذلك.

وفي السنوات الأخيرة، يقول الكاتب، أضيفت مشاكل أخرى منها نظام الإطلاع على الملفات الأصلية والذي تم عمليا شطبه تماما، ويعتبره الأخصائيون والأخصائيات في المجال مساً قاتلا بالقدرة على إجراء بحث معمّق وفعّال وناجع في الأرشيف. وكذلك تم نقل صلاحية إلغاء تقييد الإطلاع على المواد الأرشيفية، من أرشيف الدولة نفسه إلى الوزارة أو الجهة الحكومية التي أنتجت تلك المواد بنفسها، "أي أن القطط عينت لكي تحرس اللبن" يضيف ساخراً. وهنا يوجه الكاتب الإنتباه إلى أن أرشيف الجيش الإسرائيلي وجهاز الأمن الذي صادر منذ وقت طويل صلاحية تحديد موعد تحرير المواد التي أنتجها، يكشف حتى الآن كما سبقت الاشارة عن 4ر0% فقط مما يوجد فيه.

يرى الكاتب أن الوضع الشامل والعريض للأرشيفات الحكومية الإسرائيلية يعمل وفق منطق مقلوب: فالقاعدة هنا هي الإخفاء بينما الاستثناء هو الكشف، بدلا من أن يكون الوضع معكوساً. وهو يرى أن هذا التوجه ملحوظ أيضا في الاعتبارات التي تحرك الجهات المسؤولة عن الأرشيفات الحكومية؛ فالأنظمة الأرشيفية تحدد مساحة ضيقة لتسويغات تقييد الإطلاع، إذ يسود توجّه "حماية المؤسسة" وهيبة الدولة لدى الجهات المعنية بالكشف! وهكذا يتم توسيع التسويغات التي تبرّر التقييد مثل الزعم بأن كشف الحقائق يضعف حجج الدولة أمام المحاكم، وهو ما تعتمده أيضا أرشيفات أخرى مثل أرشيفات الجيش وجهاز الأمن.

 

المصطلحات المستخدمة:

المستشار القانوني للحكومة

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات