المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

قال د. آساف دافيد، المدير الأكاديمي لـ"منتدى التفكير الإقليمي" في إسرائيل، إن إسرائيل، وعلى رأسها مؤسسات الحكومة والأكاديميا والاعلام الممأسس، تحلّل ما يحدث في الجانب الفلسطيني من خلال المنظور الأمني.

وأضاف أن هذا ليس بالأمر الجديد، لكن هذا المنظور يقع في حقل أوسع، مؤسساتي- سياسي. ومن المهم إضاءة هذا الجانب "لأن الخطاب المؤسساتي- السياسي يتضمن عملياً معلومات من نوع معين تصقل وعينا وتقصي- وتخفي عملياً- معلومات من نوع آخر".

تجدر الإشارة إلى أن هذا المنتدى تأسس في العام 2014 ويهدف إلى "إحداث تغيير في الوعي الإسرائيلي إزاء العالم العربي"، كما يرد في أهدافه ضمن موقعه على الشبكة.

وجاءت أقوال دافيد هذه في سياق مقال نشره أخيرا في أعقاب اتفاق المصالحة الفلسطيني. وكتب فيه:

تم التوصل أخيرا إلى مصالحة بين حركتي حماس وفتح. فتدافعت كتائب وفرق من المستشرقين في الأكاديميا والإعلام إلى تحليل كل مقولة، كل شخصية، كل خطوة، ومن ثم وضعها في سياق سياسي، تكتيكي أو استراتيجي. وهكذا جرى تحليل كل ترامب، مصر، روسيا، إيران، السعودية، قطر، أبو مازن، دحلان، هنية، السنوار، الجهاد الإسلامي، السلفيين، السنة، الشيعة، هذا الهلال وذاك الهلال. فجميعنا أذكياء وجميعنا نفهم الطريقة. لكن هذه الطريقة لا تمثل شيئاً، فالحياة نفسها، كما يقولون، أكبر من الناس، المنظمات والعمليات السياسية، ومن لا يفهم الحياة نفسها لا يفقه شيئاً.

وتابع: في هذه الأثناء نشر ملحق صحيفة "هآرتس" (بتاريخ 3 تشرين الثاني) مقابلة مع محمد منصور، أخصائي نفساني فلسطيني من إسرائيل من قرية المشهد، يتطوع في اطار منظمة "أطباء لحقوق الانسان" ويتنقل بشكل ثابت بين إسرائيل وغزة. الواقع الذي يتحدث عنه فظيع: الفوضى في قطاع غزة عارمة، وهي تشوش الأعراف والأنماط المقبولة في المجتمع الفلسطيني والعربي. مع ذلك، فنحن من جهتنا نبقى على جهلنا. والمعلومات المركزية التي ننكشف عليها في الأكاديميا والإعلام هي فقط أن هناك مصالحة برعاية مصرية قد تنجح وقد لا تنجح.

وتساءل: ما هي المعلومات التي لا نعرفها؟ كل ما تواظب منظمات حقوق الإنسان، من خلال عملها الشاق والمقدس، على نشره على مدى سنوات وسنوات، تلك المنظمات التي تحولت إلى شبه ممسحة يداس عليها في الحكومة والكنيست، والتي يضيقون عليها الخناق أكثر فأكثر لكي تصمت لكن يلوحون بها في الخارج، ومن يحاربها بشكل أشد في البيت يتفاخر بها بصوت أعلى في الخارج، لأنها لاعب منتصر في المعركة على الوعي الدولي. فمنظمات حقوق الإنسان تساعدنا أن نثبت بأن إسرائيل هي الديمقراطية الوحيدة في المنطقة، ومن لا يعجبه ذلك بإمكانه أن ينتقل للعيش في غزة برفقة هذه المنظمات. هذه هي المنظمات التي تحكي لنا عما يجري في الميدان حقاً: ما لا نريد رؤيته، سماعه أو قراءته. خذوهم من وجهنا فمن غير المريح بأن نعرف بأن هذا هو ذنبنا في نهاية المطاف.

وأكد: نعم، إنه ذنبنا. فنحن نحرم شعبا كاملا من حقه القومي، ولكي نضمن بأن يكون الانتصار تاماً ("كي الوعي") فنحن نحرم الأفراد الذين يشكلون هذا الشعب من حقوق الإنسان. لهذا نحن في نهاية المطاف مسؤولون. نحن من يتحمل مسؤولية هذه الفوضى حتى لو لم نكن الوحيدين الذين يساهمون في تفشيها.

متى كانت المرة الأخيرة التي رأيتم فيها سياسيا أو محللا مشهورا أو مستشرقا إسرائيليا من قلب الأكاديميا- مع العلم بأن جميعهم "مهنيون" وجميعهم "لا يتدخلون في السياسة" وجميعم "حياديون" وجميعهم يفهمون الطريقة- يحلل ما يجري في الضفة وغزة على أساس التقارير والمعطيات التي توفرها منظمات حقوق الانسان المتواجدة في الميدان؟ أو يتطرق إلى الجانب الإنساني في معرض الحديث السياسي عن الأوضاع في غزة مثلاً؟.

لم تروا ذلك وعلى ما يبدو لن ترونه، فلكي نحافظ على الصورة المشوهة التي بنيناها لأنفسنا، من المهم أن نواصل النظر فقط إلى الأعلى، وأن ننظر من الأعلى على السياسة، المؤسسات والعداوات الداخلية بين المجموعات المختلفة من العرب والفلسطينيين. الويل لنا إن نظرنا إلى الأناس الصغار الذين يُداس عليهم في الحياة العادية، هذه الحياة التي تصبح غير محتملة أكثر فأكثر حتى لحظة الانفجار التي تشبه اللحظة التي اشتعل فيها محمد البوعزيزي في تونس والتي لم يتنبأ أحد بها مسبقاً، كما لو أن هؤلاء العرب هم لغز!

وختم قائلاً: لا يمكن أن نتوقع شيئاً من السياسيين في اليمين، فماذا سيفعلون بأنفسهم إن لم يقوموا بالإنكار وكسر المرايا التي توضع أمامهم مرة تلو الأخرى؟ لكن بالإمكان التوجه للسياسيين في اليسار وللإعلاميين المستقيمين: هل تريدون البدء من مكان ما؟ لماذا لا تبدؤون بدمج معلومات من منظمات حقوق الإنسان حول الحاصل في غزة والضفة الغربية في طريقة نظركم وتحليلكم، ليس فقط لكي تمنحوا هذه المنظمات شرعية جماهيرية في ظل الأجواء الخانقة التي تسود الدولة انما لأن هذه هي المعلومات الوحيدة التي تعطي صوتاً وهيئة إنسانيين لهؤلاء الذين تتحدثون عنهم، المعلومات الوحيدة التي تجعلهم بشريين. فلنبدأ من هنا، والبقية، ان شاء الله، ستأتي لوحدها.

 

المصطلحات المستخدمة:

هآرتس

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات