المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

 

أقرت إسرائيل في إطار "قانون خدمات الدولة (تعيينات)" في العام 2000 ما يعرف بالواجب الدستوري بشأن ضمان "التمثيل اللائق" في صفوف العمال في جميع المستويات المهنية في سلك خدمات الدولة. وهذا الواجب نصّ أيضاً على ضمان التمثيل اللائق للمواطنين العرب، ووضعت الحكومة حينها هدف أن يصل تمثيل العرب إلى 10% مع حلول العام 2012، كما قامت بتحديد وظائف مخصصة لمرشحين عرب، وقدمت محفزات مثل المساهمة في دفع إيجار الشقة لتقليل تأثير العامل الجغرافي، وفرضت على وزارات الحكومة واجب تقديم تقارير عن تشغيلهم.

 

ولقد أظهرت وزارات الحكومة مستويات متباينة من الاستعداد للالتزام بهذه العملية، ويمكن ملاحظة أنه حيث لم تكن دافعية داخلية، كانت الرقابة الحكومية حازمة واعتُمدت عقوبات دفعت الوزارات والمؤسسات الحكومية للعمل. وأكثر الأدوات فاعلية من بين الأدوات التي استخدمتها الدولة كانت تحديد وظائف مخصصة لعمال عرب. ولقد اثبتت هذه العملية ذاتها. صحيح أن تحقيق الهدف كان بتأخير 4 سنوات، ولكن الدولة وصلت للهدف الذي حددته في العام 2016، وخلال عقد من الزمن تضاعفت تقريباً نسبة العمال العرب في خدمات الدولة.

يمكن القول إن النجاح المثبت في وزارات الحكومة هو مؤشر إيجابي إلى الأدوات التي يمكن تفعيلها في سوق التشغيل بأكملها. ووزارة المالية نفسها أقرت أنه اذا لم يجرِ تغيير دراماتيكي في هذا الموضوع، فنحن نتوقع حتى العام 2057 ارتفاعا بنسبة 80% في مقياس دين – ناتج، وهبوطا بنسبة 6% في نسب التشغيل، والإضرار بنسبة 60% في زيادة الناتج للفرد.

لكن سلك الخدمات العامة لا يتألف فقط من خدمات الدولة، فهناك 90% من عمال سلك الخدمات العامة يعملون في شركات حكومية، في شركات عامة قانونية (أقيمت بعملية تشريعية)، في الحكم المحلي وغيرها. لكن القانون الذي يلزم خدمات الدولة لا يسري على الشركات المذكورة، ونسبة العمال العرب فيها ينحصر على مدى سنوات طويلة في نسب ضئيلة. والاستنتاج بالمقارنة بين سلك خدمات الدولة وبين الشركات الحكومية والشركات العامة القانونية واضح بحدة: إن التغيير في تشغيل مواطنين عرب لا يجري بشكل تلقائي. ومن اجل إحداث تغيير يجب على الدولة أن تفعّل رقابة وعقوبات على هذه الشركات وأن تقترح محفزات للمرشحين العرب. هذه الرقابة الحكومية هي السبب المركزي في الفجوة الدراماتيكية بين سلك خدمات الدولة وسائر الخدمات العامة.

ولكن لماذا لا نشهد تغييرا دراماتيكيا في سوق القطاع الخاص، على الرغم من العرض النوعي لعمال عرب يمكنهم أن يندمجوا فيها؟

إن الجواب على ذلك بسيط: لم تصلح السوق الخاصة بقواها الذاتية إخفاقات مثل التمييز على خلفية قومية. فالمسافة ما بين العامل العربي والمشغل اليهودي ليست بمسافة الباص، القطار، او الروضات اليومية. نحن نتحدث عن فجوة ثقافية واحيانا حتى قومية، تمنع الكثير من المشغلين اليهود من رؤية المرشحين العرب كقادرين على التحول الى اعضاء طواقم متفوقين في شركاتهم. صحيح أن هناك استثناءات، ولو توجهتم الى مثلا إلى شبكة "أروما" او الى "سوبر فارم" فمن المعقول جدا أن تروا مواطنين عربا في درجات ادارية مختلفة، ولكن في الوقت نفسه تهب في الإعلام وفي أروقة الكنيست رياح التحريض ونزع الشرعية عن الجمهور العربي، وهي تؤثر على مشغلين كثيرين. ومن أجل الجسر على هذه المسافة وحتى جعل المشغل اليهودي يبحث عن العامل العربي، يجب تفعيل آليات وأدوات ذكية وناجعة، لفرض الرقابة الحكومية، مثلما فعلت الدولة لنفسها في الخدمات العامة.

أحد الامثلة البارزة على تلك الآليات، التي فعّلت صيغاً مختلفة منها دول غربية كثيرة، هي إمكانية قيام الدولة بمطالبة جميع مزوديها بالخدمات والمواد، بتقديم تقارير لها حول نسبة تشغيل عمال عرب في صفوف القوى البشرية، وحتى أن تعطي تفضيلا معينا في عملية نشر المناقصات للشركات التي تشغل عمالا عربا أكثر. وهي بهذا توجه الى السوق الخاصة رسالة واضحة مفادها أن التمثيل اللائق للمواطنين العرب مهم بالنسبة إليها، وأن الشركات المعنية بالفوز بمناقصات مطالبة بالقيام بإجراء فحص داخلي وتحريك سيرورات جدية في ذلك الاتجاه. وحين تقف أمام المرشحين إمكانية الفوز بمناقصات تقدر بالملايين وأحيانا بالمليارات، فإن دافعيتهم لتشغيل عرب ستكبر بشكل دراماتيكي.

إن التمييز على خلفية قومية يسد الطريق أمام الكثيرين من المواطنين والمواطنات العرب في تلقي فرصة عمل. وحكومة إسرائيل ما زالت تمتنع عن الاعتراف بذلك أو تعالج الأمر بدرجة غير كافية. ولعل استخدام الاقتناء الحكومي يعرض حلا قويا وفعالا ويشكل مدماكا مكملا لجهود القيادة العربية في دفع فرص تشغيلية نوعية ومنصفة لأبناء وبنات المجتمع العربي.
ويجب القول إن دفع الدولة إلى استغلال قوتها الشرائية، هو مطلب شرعي وأداة أخرى بوسع المجتمع العربي وقيادته، من رؤساء السلطات المحلية وأعضاء الكنيست والمهنيين، أن يرفعوه لتحقيق غاية رفع نسب تشغيل المواطنين العرب.
________________________
(*) مركزا مشروعي المناقصات ومجال السلطات المحلية في جمعية "سيكوي" من أجل المساواة المدنية في إسرائيل.

المصطلحات المستخدمة:

الكنيست

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات