المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

قالت ورقة "تقدير موقف" جديدة صادرة عن "معهد أبحاث الأمن القومي" في جامعة تل أبيب إن الأحداث الأمنية التي وقعت مؤخراً في الشمال والجنوب أعادت الاهتمام الإسرائيلي بـ"جبهتي المواجهة الأكثر قابلية للانفجار في مواجهة حزب الله وحماس".

وجاء في هذه الورقة التي كتبها رئيس المعهد اللواء احتياط عاموس يادلين، أنه في 5 و6 تشرين الأول الماضي أطلق تنظيم سلفي متطرف صواريخ وقذائف مدفعية من قطاع غزة على إسرائيل. وردّت إسرائيل بعنف من الجو بصورة خاصة. وفي الوقت عينه أُعلن أنه في الشمال جرى إلقاء القبض على خلية من سكان قرية الغجر تابعة لحزب الله كانت تخطط للقيام بهجمات في إسرائيل. وتطرح هذه الحوادث سؤالاً: هل هناك انعطافة في الجبهتين التي تواجهنا فيهما تنظيمات "إرهابية"؟ وهل نحن أمام بداية جولة قتال إضافية في الجنوب والشمال، أو ربما في الجبهتين في آن معاً؟
وأضافت: تجدر الإشارة إلى أن حزب الله و"حماس" ليسا معنيين في الوقت الحالي بالتصعيد، لكن ثمة احتمال بأن تؤدي أحداث تكتيكية من النوع المذكور أعلاه إلى تدهور.

ورأت الورقة أن للجبهتين الجنوبية والشمالية سمات متشابهة، ففيهما يواجه الجيش تنظيمات "إرهابية" تمأسست واكتسبت خصائص دولتية. و"العدو" في الجبهتين ليس معنياً في الوقت الراهن بالقتال ضد إسرائيل. وتحقق في مواجهة حزب الله وكذلك "حماس" ردع قوي في إثر جولات القتال السابقة. وتحقق هذا الردع من جراء الثمن الباهظ الذي دفعه التنظيمان والسكان المدنيون الذين يعتمد التنظيمان عليهم.

ولقد صمد الردع في مواجهة حزب الله في الاختبارات التي تعرض فيها التنظيم لعمليات اغتيال مسؤولين كبار فيه ولهجمات ضد عمليات تهريب السلاح النوعي من سورية إليه، وصمد أيضاً بسبب تدخل حزب الله العميق في القتال في سورية، الذي يكبده خسائر فادحة، بالإضافة إلى الأزمة المالية التي يعانيها (هناك توقعات بأن تتدفق إليه من إيران مساعدة مالية كبيرة بعد الصفقة النووية وإلغاء العقوبات). وبالتالي فإن حزب الله مرتدع بشدة عن الدخول في حرب ضد إسرائيل ولا يتوق إلى فتح جبهة ثانية.

وفي الجبهة الجنوبية تنشغل "حماس" بموضوعات داخلية - إعادة إعمار غزة بعد جولة القتال السابقة وزيادة قوتها العسكرية. وتعاني الحركة في الضفة الغربية من تآكل واضح في شرعيتها الشعبية، وهي عرضة لانتقادات شعبية حادة بسبب ضخامة الضرر الذي تكبده السكان خلال المواجهة الأخيرة مع إسرائيل والإنجازات الضئيلة التي تحققت في هذه المعركة. وفي الساحة السياسية تجد "حماس" نفسها في مواجهة مع مصر بسبب قربها من الإخوان المسلمين الذين يعتبرهم الرئيس عبد الفتاح السيسي عدواً وتهديداً وجودياً. ونجحت مصر في توجيه ضربة قاسية إلى شبكة أنفاق التهريب من سيناء إلى القطاع، وتجعل هذه الضربة من الصعب على "حماس" استعادة قوتها العسكرية كما كانت عشية عملية "الجرف الصامد"، أضف إلى ذلك الضرر الذي لحق بالقطاع بعد ابتعاد السودان عن إيران. أما الدول الداعمة لـ"حماس" وفي طليعتها تركيا وقطر، فلا تشكلان دعماً عسكرياً وسياسياً قوياً لها بما فيه الكفاية، وليس من المتوقع أن يدعماها في حال وقوع جولة قتال جديدة.

وبرأي الورقة، على الرغم من عدم وجود مصلحة في التصعيد لدى الطرفين الأساسيين، يمكن أن يحدث على الجبهتين تدهور يؤدي إلى انفجار. فحزب الله يبحث عن رد على الهجمات التي تعرضت لها شحنات السلاح النوعي، والتي ينسبها إلى إسرائيل، وعن رد عسكري ذي سمات مشابهة لهذه الهجمات يمكن أن يشمل عمليات سرية من دون تحمل المسؤولية (وفقاً للدينامية التاريخية بين حزب الله وإسرائيل، الردّ على عمليات سرية يكون عبر عمليات سرية). وهذا هو تحديداً مخطط عمل الخلية التي اكتشفت في الشمال. ويجب أن نتوقع أن يواصل الحزب محاولات تطوير وسائل من هذا النوع لضرب إسرائيل. علاوة على ذلك، فإن هجمات جديدة ضد انتقال السلاح النوعي إلى حزب الله، خاصة إذا حدثت في الأراضي اللبنانية، من المحتمل أن تؤدي إلى ردّ من جانب الخلايا النائمة التابعة للبنية التحتية الإرهابية للحزب في الخارج ضد أهداف إسرائيلية، بالإضافة إلى هجمات على الحدود في هضبة الجولان وعلى حدود لبنان. وسيزداد خطر التصعيد بصورة كبيرة لو تسببت الهجمات بوقوع خسائر بشرية، إسرائيلية أو لبنانية، بحجم يعتبر الطرفان أنه يفرض رداً.

أما الوضع على الجبهة الجنوبية فهو أقل استقراراً منه على الجبهة الشمالية حيث المواجهة ثنائية وبالتالي يمكن السيطرة عليها أكثر. وعلى الرغم من جميع القيود، فإن إسرائيل وحزب الله يمكنهما توقع خطوات الطرف الآخر ولجم التدهور نحو الحرب بسهولة نسبية. بالإضافة إلى ذلك لا توجد في الشمال أطراف لنا معها احتكاكات مستمرة تزيد من خطر التدهور. في المقابل توجد في الجبهة الجنوبية عوامل تؤدي إلى حدوث احتكاكات دائمة، من بينها القيود المفروضة على الدخول إلى غزة والخروج منها، والحصار البحري، وحفر أنفاق داخل أراضي إسرائيل والتوتر بشأن الحاجة الإنسانية لإعادة إعمار البنية التحتية المدنية في القطاع. كما أن الجبهة الجنوبية أكثر تعقيداً بسبب كثرة اللاعبين فيها، إذ تقوم تنظيمات سلفية بإطلاق نار على إسرائيل من أجل استفزاز "حماس" أكثر مما هي تهدف إلى المس بإسرائيل. وهي تفترض (عن حق) أن إسرائيل تعتبر "حماس" مسؤولة عن الوضع في المنطقة وأنها سترد عليه. لذا فإطلاق الصواريخ ضد إسرائيل معضلة متعددة الأوجه.

وأشارت الورقة إلى أن سياسة حكومة إسرائيل حيال كل إطلاق نار من القطاع واضحة: رد عنيف ضد أهداف لـ"حماس". وعلى الرغم من ذلك، تنطوي هذه السياسة على مقاربة خطرة هي احتمال خطأ في تقدير رد "حماس". على سبيل المثال إذا شعرت الحركة بأنها تخسر أرصدة بوتيرة كبيرة، أو لو وقعت في القطاع خسائر كبيرة في الأرواح، من المحتمل أن ترد الحركة بقصف واسع النطاق على إسرائيل. ومن هناك تقصر الطريق إلى جولة مواجهة إضافية.

وأكدت الورقة أن مصلحة إسرائيل العليا هي استتباب الأمن والهدوء على حدودها. ولم يتخل حزب الله ولا "حماس" عن دعوتهما إلى القضاء على إسرائيل، وهما يعتبران أن المواجهة العسكرية معها هي السبيل لتحقيق هذا الهدف. ومن أجل كبحهما يتطلب الأمر ردعا قويا وضرب تعاظم قوتيهما العسكريتين. لكن مع ذلك، بالإمكان تأجيل جولة قتال أخرى في الشمال أو في الجنوب لو أحسنت إسرائيل إدارة التوتر الناشئ عن تطلعها إلى المحافظة على الهدوء وحاجتها إلى تعزيز الردع ومنع تعاظم قوة هذه الأطراف الإرهابية.

وقالت إنه في الفترة الأخيرة جرى احتواء التوتر بصورة جيدة مع حزب الله. وجرت المحافظة على الهدوء منذ أكثر من عشر سنوات بفضل الردع الإسرائيلي القوي (ثمة من يدّعي أن الردع متبادل)، وبسبب تدخل الحزب في سورية، ولكون المواجهه ثنائية. كما جرت معالجة تعاظم القوة العسكرية لحزب الله من خلال سياسة عاقلة تركّز على منع تزود حزب الله بسلاح نوعي، والامتناع عن تحمل مسؤولية الهجمات العسكرية التي وقعت بصورة عامة في أراضي سورية فقط.

لكن يتعين على المسؤولين إيلاء الهدوء الهش الذي يسود الساحة الجنوبية المزيد من الاهتمام. كما يتعين على إسرائيل درس سياسة الردود التلقائية على كل إطلاق نار من القطاع. وإن تدخل طرف ثالث يتمثل في تنظيمات سلفية ترغب في وقوع مواجهة بين إسرائيل و"حماس"، هو بمثابة عنصر إشكالي يجب بلورة وسائل لمواجهته. ومن الأفضل مهاجمة التنظيمات المسؤولة عن خرق وقف إطلاق النار إذا كان ذلك ممكناً استخباراتياً وعسكرياً، مع عدم التخلي عن تحميل "حماس" المسؤولية عما يجري. كل ذلك مع الأخذ في العلم بأن المس بمكونات قوة مهمة بالنسبة لـ"حماس" أو المس بالأرواح بصورة كبيرة في القطاع سيؤدي إلى تغير سلوك الحركة وإلى مواجهة.

كما أكدت أن الأصح بالنسبة إلى إسرائيل هو عدم الدخول في مواجهة واسعة النطاق قبل استكمال التحقيق في عملية "الجرف الصامد" وتطبيق دروس العملية وبلورة حلول أفضل للمشكلات الاستراتيجية والتنظيمية والتكتيكية التي فشلت إسرائيل في مواجهتها في هذه المعركة. وليس من الصواب التدهور مرة أخرى نحو مواجهة من دون تخطيط مثلما حدث في المواجهة في "الجرف الصامد" التي استمرت 50 يوماً وانتهت من دون تغيير للوضع الاستراتيجي، ومن دون وضع قواعد وتسويات لمنع تعاظم قوة "حماس" مستقبلاً، ومن دون توجيه ضربة مؤلمة إلى الحركة وذراعها العسكرية بصورة خاصة بينما عمل الجيش انطلاقاً من معلومات استخباراتية غير صحيحة تتعلق بنيات العدو وبأنفاقه.

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات