المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
غارة على جباليا، أمس. (أ.ف.ب)
  • تقارير، وثائق، تغطيات خاصة
  • 77
  • برهوم جرايسي

انشغلت الأوساط والصحافة الاقتصادية الإسرائيلية في الأيام الأخيرة، بثلاثة تقارير، تؤكد أزمة الاقتصاد الإسرائيلي، بدءا من نسبة تضخم عالية جدا، نسبيا، في شهر نيسان الماضي، ناقضت كل التقديرات، وهناك من اتهم قرار توسيع الحرب بها، وأيضا تقرير النمو الاقتصادي في الربع الأول من العام الجاري، الذي جاء وفق تقديرات الحد الأدنى للعام الجاري التي تم تعديلها مرتين في الأشهر الـ 12 الأخيرة، من تقدير متفائل، مبني على أساس عدم ولوج الحرب الى العام الجاري، 5%، وحتى أدنى تقدير قبل نحو شهر بنسبة 3.5%.

التضخم المالي

وكان التضخم المالي (الغلاء) في شهر نيسان الماضي، قد سجل ارتفاعا حادا بنسبة 1.1%، بحسب ما أعلنه مكتب الإحصاء المركزي الإسرائيلي. وجاءت النتيجة لتنسف كافة التوقعات التي تراوحت ما بين 0.5% وحتى 0.7%. لكن حسب التقرير، فإن البند الأكثر تأثيرا على التضخم في نيسان، كان الارتفاع الحاد في أسعار تذاكر السفر بسبب توقف شركات عالمية عن الوصول الى المطارات الإسرائيلية، ولولا هذا البند لارتفع التضخم بنسبة 0.4%.

وبذلك يكون التضخم قد ارتفع في الثلث الأول من العام الجاري بنسبة 2.2%، في حين أن آخر التقديرات الرسمية للتضخم المالي في العام الجاري كله تصل الى 3.4%. وفي حسابات الأشهر الـ 12 الأخيرة، فإن التضخم المالي ارتفع بنسبة 3.6%، وهذا ما يؤكد أن بنك إسرائيل لن يخفض الفائدة البنكية، في إعلانه المتوقع يوم 26 أيار الجاري، لتبقى عند نسبة اجمالية 6%، منها 1.5% ثابتة.

ويقول تقرير مكتب الإحصاء إن التضخم تأثر من ارتفاع مؤشر أسعار النقل بنسبة 4.9%، مع أعلى الزيادات في نفقات السفر إلى الخارج والرحلات الجوية في إسرائيل 15.9%، واستئجار المركبات 12.8%، والتراخيص والرسوم 10.6%، والنقل العام 3.2%، وخدمات النقل 2.2%. وكانت المفاجأة الكبرى هي أسعار تذاكر الطيران إلى الخارج، التي قفزت بشكل حاد، وتجاوزت التوقعات بكثير.

وحسب تحليل صحيفة "غلوبس" الاقتصادية الإسرائيلية، فإن ارتفاع أسعار تذاكر السفر، خاصة في موسم أعياد عبرية، ساهم في زيادة التضخم بنسبة 0.7%، بمعنى لولاه لارتفع التضخم بنسبة 0.4% فقط. وفي حال كان تقدير الصحيفة صحيحا، فإن من شأن التضخم في شهر أيار الجاري أن يُحدث مفاجأة هو الآخر، بأن يسجل ارتفاعا طفيفا، أو حتى أن يتراجع، وبالتالي يلجم التضخم.

وقال المحلل الاقتصادي البارز في صحيفة "يديعوت أحرونوت"، سيفر بلوتسكر، إن السبب الرئيسي والأكبر في القفزة التي سجلها التضخم المالي في شهر نيسان الماضي، بنسبة 1.1%، وهي حوالي ضعفي التوقعات، هو قرار الحكومة باستئناف الحرب وأيضا توسيعها وتعميقها، داعيا للتركيز على هذا السبب دون غيره.

وكتب بلوتسكر في مقاله: "لقد حان الوقت لقول الحقيقة الإحصائية، والتي هي أيضا سياسية: إن تسارع التضخم في نيسان إلى معدل شهري قدره 1.1%، والذي يترجم إلى معدل سنوي قدره 14%، كان بسبب استئناف الحرب في غزة، وزيادة الأسعار التي بادرت إليها الحكومة في العديد من المناطق، والتي هي أيضا نتيجة للحاجة إلى تمويل الحرب. وعلى النقيض من ذلك، لم يكن للغذاء أي تأثير على مؤشر الأسعار المرتفعة، لسبب بسيط: لم ترتفع أسعار الغذاء على الإطلاق في نيسان، ارتفع مؤشر أسعار الغذاء بنسبة 0.1%، بل وانخفض حتى من حيث القيمة الحقيقية بنحو 1%".

وتابع: "خلال الثلث الأول من العام 2025، ارتفعت أسعار سلة الاستهلاك الأسري النموذجية بنسبة 2.1%، وهي زيادة متسارعة للغاية وفقاً لأي معيار، وخاصة في المقارنات الدولية. فقد تميزت إسرائيل في الفترة من 2010 إلى 2024 بمعدل تضخم يقارب الصفر، وهو معدل أبطأ كثيرا من المعدل السائد في البلدان المتقدمة خلال تلك الفترة. إلا أنه مع اندلاع حرب السيوف الحديدية، وخاصة في بداية العام، انقلبت الأمور رأسا على عقب؛ في حين يتقارب معدل التضخم السنوي في البلدان المتقدمة حول 2% إلى 2.5%، فإنه في إسرائيل يتسارع نحو معدلات سنوية مكونة من رقمين، بعيدا عن الهدف الذي يتراوح بين 1% إلى 3%. والسبب؟ ضغوطات الحرب". ‏

ويقول بلوتسكر "إن التركيز على العامل الحاسم وراء التضخم يجب أن يكون استئناف القتال العنيف في قطاع غزة. فتجنيد الجيش الاحتياطي بحجم ضخم له آثار تضخمية، كما أن وقف الرحلات الجوية لشركات الطيران الأجنبية له آثار تضخمية، ورفع ضريبة القيمة المضافة له تأثير تضخمي، ورفع أسعار المياه والكهرباء له آثار تضخمية، ورفع أسعار النقل العام له آثار تضخمية، وهكذا".

وختم بلوتسكر كاتبا أن "الأسعار المرتفعة، والتي تتأثر بشكل مباشر وغير مباشر بحاجة الحكومة لتمويل تكاليف الحرب، لن تنخفض، ولن يتم كبح جماح التضخم. وفي الوقت نفسه، سوف تستمر قيمة الرواتب الحقيقية لأغلب السكان العاملين في التآكل".

نمو في الربع الأول وتراجع في مستوى المعيشة

قال التقرير الدوري لمكتب الإحصاء المركزي الحكومي الإسرائيلي، في الأسبوع الماضي، إن النمو الاقتصادي في الربع الأول من هذا العام بلغ نسبة 3.4%، وهو قريب لتقديرات بنك إسرائيل المركزي، بعد تخفيض تقديراته للعام الجاري، بأن يكون النمو في العام كله بنسبة 3.5%، بعد أن كانت تقديراته في مطلع العام 4%، في حين أن تقديراته في شهر نيسان من العام الماضي قالت إن النمو في العام 2025 سيكون حوالي 5%.

ويرى محللون اقتصاديون أن البيانات الحالية معقولة، وهي تشير إلى تعافٍ معتدل، وسوف تسهل على بنك إسرائيل اتخاذ قرار إبقاء الفائدة من دون تغيير. وهذا صحيح بشكل خاص بعد نشر مؤشر أسعار نيسان، والذي أظهر معدل تضخم غير طبيعي بلغ 1.1%.

ويقول المحلل الاقتصادي موشيه تايتلبويم، في مقال له في صحيفة "كالكاليست"، التابعة لصحيفة "يديعوت أحرونوت"، إن "نسبة النمو ليست مثيرة للاهتمام، وذلك لعدة أسباب. أولا، إن النمو الحالي يتم الحفاظ عليه إلى حد كبير من خلال الإنفاق العام، وذلك بسبب المبالغ الكبيرة من المال التي تنفقها الحكومة على الحرب".

"فصحيح أن الإنفاق الحكومي ثابت إلى حد ما ولم يواصل الارتفاع، ولكن كما كتب خبراء الاقتصاد في بنك هبوعليم في مراجعتهم الأسبوعية: ’إن الإنفاق العام الحالي أعلى بنسبة 20% من مستواه قبل الحرب، وهو ما يعادل نحو 25 مليار شيكل أخرى كل ربع سنة’. ومن غير الضروري أن نقول إن النمو القائم على الإنفاق العام ليس نمواً مستداماً، لأنه في واقع الأمر يتطلب زيادة الدين الحكومي والعجز.

"وثانيا، إن نسبة النمو الحالية بعيدة كل البعد عما كنا نأمله قبل بضعة أشهر. ومن الطبيعي أن ذاكرتنا قصيرة، لكن التقديرات الأولية كانت تشير إلى أن الحرب ستنتهي في الربع الأول من العام 2024".

ويتابع تايتلبويم: "كان من المفترض أن يكون العام 2025 عام النمو، وكان أعضاء الحكومة قد بدأوا بالفعل في الاستفادة من ’الطفرة التي أعقبت الحرب’. وكان تقييم بنك إسرائيل في نيسان 2024 هو أن النمو في العام 2025 سوف يبلغ 5%، وبطبيعة الحال سوف يعتمد على النمو في الاستهلاك الخاص والاستثمارات ــ وليس على الإنفاق الحكومي. وبعبارة أخرى، فإن أرقام النمو هذه إيجابية في ظل الحرب المستمرة، ولكن حقيقة استمرار الحرب لها تكاليف اقتصادية باهظة، ولا ينبغي لنا أن نتجاهلها".

"ثالثا، على الرغم من أن أرقام النمو هذه تعكس زيادة في نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي (2.2% سنويا)، وهذه الزيادة إيجابية بالتأكيد، لأن نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي هو المؤشر الرئيس لجودة الحياة الاقتصادية، فإن نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي لا يزال أقل مما كان يتمتع به المواطنون الإسرائيليون قبل الحرب".

وقال تايتلبويم: "ينعكس تراجع جودة الحياة أيضاً في انخفاض معين في الاستهلاك الخاص. إن التراجع في الاستهلاك الخاص لا ينعكس في الاستهلاك الخاص الحالي (الغذاء وغيره)، بل في استهلاك المنتجات شبه المعمرة، مثل الأجهزة الكهربائية والملابس، الأشياء التي يمكن خفض الإنفاق عليها بسهولة أكبر".

وكان نمو الاقتصاد الإسرائيلي في العام الماضي 2024 قد سجل ارتفاعا طفيفا بنسبة 1%، وهذه النسبة تُعد انكماشا ضمنيا للاقتصاد، لأنه يقل عن ارتفاع نسبة السكان، 1.3%، والتي هي أيضا منخفضة بفعل الحرب، إلا أنه حتى نسبة النمو هذه، كان من المفترض أن تكون أقل، لأن ما رفعها، بحسب التقارير، كان صرف الحكومة على الحرب، في الجانبين العسكري والمدني، إلى جانب عوامل أخرى، لا تدل فعلا على أن النمو ارتفع بهذه النسبة، وهذا بحسب ما أكده محللون وخبراء اقتصاد إسرائيليون.

وبحسب تقرير مكتب الإحصاء، فإن ارتفاع النمو بنسبة 1%، يعني أن النمو بالنسبة للفرد قد انكمش بنسبة 0.3%، بمعنى أنه يتم احتساب كل جوانب النشاط الاقتصادي، بكافة فروعه التجارية والخدماتية، وغيرها، ويتم قسمها على عدد السكان.

وبحسب ما نشر، فإن حجم الاقتصاد الإسرائيلي تجاوز في العام الماضي 2 تريليون شيكل (ألفا مليار شيكل)، وهذا ما يعادل 556 مليار دولار، وأن حصة الفرد من هذا 201 ألف شيكل، ما يعادل 56 ألف دولار. لكن هنا من الضروري الإشارة، إلى أنه في حصة الفرد يدخل الصرف العسكري، الذي نسبته أعلى بكثير من النسبة ذاتها في الدول المتطورة في العالم.

المصطلحات المستخدمة:

يديعوت أحرونوت

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات