المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
.. في جلسة تصويت الكنيست على حل نفسه يوم  22 الجاري.  (إ.ب.أ)
.. في جلسة تصويت الكنيست على حل نفسه يوم 22 الجاري. (إ.ب.أ)

علّمت التجربة في السياسة الإسرائيلية أنه في اللحظة التي يبدأ فيها الكنيست في مسار تشريع حلّ نفسه، فإن الخطوات تتسارع حتى يتم استكمال التشريع، والتوجه لانتخابات جديدة، وأن كل المناورات التي كانت تظهر في بعض الأحيان لا تصمد. وحالياً يرافق مسار حل الكنيست سيناريو تشكيل حكومة بديلة، وعدم التوجه لانتخابات، إلا أن هذا المسار ليس فقط أنه ضعيف، بل مليء بالتعقيدات أيضاً؛ وإن تم فإنه سيرتكز على أشلاء كتل برلمانية. كذلك فإن محاولات "الدقيقة 89"، إن صح التعبير، لفرض أدوات لتغيير اللعبة البرلمانية، ضعيفة، وستتجه إسرائيل لانتخابات خامسة في غضون ثلاث سنوات ونصف السنة، وكما يبدو، في المشهد الظاهر حتى الآن، وحسب الاستطلاعات، ستنتج الانتخابات دوامة سياسية أخرى.

فقد كان قرار حل الكنيست والتوجه لانتخابات مبكرة، الذي اتخذه رئيس الحكومة نفتالي بينيت، وشريكه يائير لبيد، الذي سيتولى رئاسة الحكومة الانتقالية، بموجب اتفاقية الحكومة الحالية، تعبيراً عن استسلام سياسي، أمام انهيار كتلة "يمينا"، وفقدان سيطرة بينيت عليها، إذ كانت هي الحلقة الأضعف في معادلة تماسك الائتلاف، كونها الأشد تطرفاً من بين كتل اليمين الاستيطاني الثلاث في الحكومة، فهي محسوبة على التيار الديني الصهيوني، رغم أن علمانيين يشاركون فيها.

وعدم تمرير قرار تمديد قانون الطوارئ، الذي ينظم إسرائيلياً فرض القوانين الإسرائيلية الكثيرة على المستوطنات والمستوطنين، وقوانين أخرى تخرق كلها القانون الدولي، في ما يتعلق بالسيطرة على الفلسطينيين في المناطق المحتلة منذ العام 1967، كان القشة التي قصمت ظهر البعير، لأن كتلة "يمينا"، ورغم أن توجهاتها وسياساتها اليمينية المتطرفة هي المسيطرة على الحكومة، كانت طيلة الوقت في حالة تصادم داخلي مع أطراف الائتلاف الأخرى.

ومنذ اليوم الأول للحكومة، أفلت من "يمينا" نائب انضم إلى المعارضة، هو عميحاي شيكلي، رافضا تشكيلة الائتلاف، التي تضم كتل ما يسمى "اليسار الصهيوني"، وبعد ذلك بدأت الضغوط من المعارضة البرلمانية اليمينية، وأيضاً من أوساط استيطانية ومتدينة صهيونية خارج الكنيست على النواب المتدينين في هذه الكتلة لحثّهم على التمرد على الائتلاف، وهذا ما رأيناه في مطلع شهر نيسان مع من كانت رئيسة كتل الائتلاف، النائبة عيديت سيلمان، وفي الشهر الأخير، أيضاً، مع النائب نير أورباخ.

وما ميّز كتلة "يمينا" عن الكتلتين الأخريين من اليمين الاستيطاني في الائتلاف، وهما "أمل جديد" برئاسة جدعون ساعر، و"إسرائيل بيتنا" برئاسة أفيغدور ليبرمان، أنها لم ترفض بنيامين نتنياهو رئيساً للحكومة، وانضمت له حينما حاول تشكيل الحكومة بعد الانتخابات الأخيرة، في نهايات آذار 2021، في ما أن الكتلتين الأخريين تعارضان شخص نتنياهو وليس الليكود؛ وهذا ما جعل "يمينا" هي الكتلة الأضعف، من خلال نوابها، لأنهم شعروا بأنهم غريبون عن هذه التشكيلة الحكومية، التي كانت تبدو متعارضة في ما بينها، بسبب الشركاء "الغريبين" عن جمهور "يمينا".

حل الكنيست والحكومة البديلة

بحسب قانون الكنيست، فإن حل الكنيست يحتاج لأغلبية عددية لا تقل عن 61 نائبا، بمعنى أغلبية أعضاء الكنيست الـ 120، وكل أغلبية أقل من هذه تكون لاغية، باستثناء إقرار القانون بالقراءة التمهيدية (من حيث المبدأ) الذي يمكن أن يكون بكل أغلبية في قاعة الكنيست.

ثم يبدأ مسار التشريع، لإقرار القانون بالقراءة الأولى، وبعدها يعود للجنة البرلمانية المختصة، ليعود إلى الهيئة العامة، ويقر في الجلسة ذاتها بالقراءتين الثانية والثالثة، ويصبح ناجزاً، بينما يخرج الكنيست إلى عطلة انتخابات في تاريخ يحدده قانون حل الكنيست.

وهذه تفاصيل دقيقة لتفسير ما قد يجري لاحقا. فيوم الأربعاء الماضي أقرّ الكنيست بالقراءة التمهيدية مشاريع قوانين حل الكنيست التي قدمتها مختلف الكتل البرلمانية وليس الحكومة، بإجماع من كانوا في قاعة الكنيست. ومن المفترض أن يتم إنجاز التشريع في مساراته في هذا الأسبوع، ولكن ليس واضحاً متى سيخرج الكنيست إلى عطلة انتخابات، فخلال الفترة المتبقية من الممكن إقرار قوانين، ولاحقاً خلال العطلة، من الممكن إقرار قوانين عليها توافق بين المعارضة والائتلاف.

لكن بتزامن مع بدء مسار تشريع حل الكنيست، ظهرت مناورة تشكيل حكومة بديلة برئاسة بنيامين نتنياهو، ويكثر الحديث عنها في وسائل الإعلام؛ لكن في الوضع القائم، فإن تشكيل حكومة بديلة يواجه تعقيدات جمّة، ويحتاج في الأساس إلى انشقاق في كتلتي "يمينا" و"أمل جديد"، وفي حين أن إمكانية استكمال الانشقاق في الأولى ممكنة جداً، فإن الضبابية تطغى على موقف بعض نواب "أمل جديد" الذين هم أساساً منشقون عن حزب الليكود، ومعارضون لاستمرار تزعّم نتنياهو وسيطرته على الحزب كلياً.

في أوائل شهر أيار 2012، انعقدت الهيئة العامة للكنيست، لاستكمال إقرار حل الكنيست بالقراءتين الثانية والثالثة، وبعد الإقرار بالقراءة الثانية، وقبل أن ينطق رئيس الكنيست بالانتقال للتصويت على القانون بالقراءة الثالثة النهائية، طلب رئيس الحكومة يومها، بنيامين نتنياهو، مهلة مشاورات، وتوجه إلى مكتبه في الكنيست، سوية مع من كان رئيساً لأكبر كتلة معارضة، "كديما"، شاؤول موفاز، واتفقا على تشكيل حكومة بديلة، بانضمام كديما للحكومة. وتشكّلت حكومة مريضة منذ لحظتها الأولى، مليئة بالتناقضات، وواجهت سطوة نتنياهو وانقلابه على ما اتفق عليه، ولم تدم الحكومة لأكثر من شهرين ونصف الشهر، ثم جرى حل الكنيست نهائياً، والتوجه لانتخابات جرت في منتصف شهر كانون الثاني 2013.

اليوم هناك من يستذكر هذا، كي يطرح فكرة تشكيل حكومة بديلة، لكن الظروف البرلمانية مختلفة كلياً، لأن الأمر يحتاج أولا إلى إسقاط الحكومة الحالية بأغلبية عددية لا تقل عن 61 نائباً، ولا يمكن تحقيق هذه الأغلبية، قبل إحداث انشقاق في كتلتي "يمينا" و"أمل جديد". وفي المقابل، تحاول كتل الائتلاف، أو ما تبقى منها، منع هذا الاحتمال، بتسريع تشريع قانون حل الكنيست، ليكون هو الاحتمال الأكبر، على أن تجري الانتخابات، كما يبدو، في اليوم الأول من شهر تشرين الثاني المقبل.

لكن حتى لو حصل ما هو احتمال ضعيف، بمعنى تشكلت حكومة بديلة، فإن عمرها سيكون قصيراً جداً، قد يستغلها نتنياهو للإجهاز كلياً على الحزب المنشق عن الليكود، "أمل جديد"، رغم أنه ليس بحاجة لهذه المناورة وفق ما تشير له الاستطلاعات، وهذا ما سنأتي عليه لاحقاً.

قانون منع تولّي نتنياهو رئاسة الحكومة

منذ العام 2020 ظهر في أجواء الكنيست مشروع قانون يمنع تكليف من يواجه لوائح اتهام بالفساد بمهمة تشكيل حكومة، والقصد بنيامين نتنياهو، وتم إفشال القانون بأغلبية شارك فيها زعيم حزب "أزرق أبيض" بيني غانتس، الذي انشق عن تحالفه الواسع بعد انتخابات نيسان 2020، وتشارك مع نتنياهو في حكومة لم تصمد لبضعة أشهر.

ظهر هذا المشروع من جديد بعد انتخابات آذار 2021، وفي حين أن غانتس بات معنياً به، فإن كتلة "يمينا"، وكتلة "القائمة العربية الموحدة"، بزعامة عضو الكنيست منصور عباس، عارضتا القانون، من باب عدم قطع الجسور مع نتنياهو الذي قد يعود في كل وقت متاح لكرسي رئيس الحكومة. والآن يلوّح نواب من حزب العمل وغيره بطرح القانون في الفترة المتبقية حتى بدء عطلة الكنيست، إلا أن فرص هذا القانون باتت ضعيفة أكثر، إلى درجة معدومة، خاصة مع ظهور سلسلة استطلاعات تتنبأ حالياً، بتعاظم قوة الليكود برئاسة نتنياهو في الانتخابات المقبلة.

خفض نسبة الحسم

هناك مشروع قانون آخر يجري الحديث عنه، في محاولة لإقراره في الفترة المتبقية حتى خروج الكنيست لعطلة انتخابات، وهو خفض نسبة الحسم، عن النسبة الحالية- 3.25%- إلى 2% كما كانت في آخر انتخابات لها في العام 2013.

وتأتي هذه المحاولة في ظل استطلاعات تتنبأ باحتمال عدم عبور كتل برلمانية حالية نسبة الحسم، وإضافة لهذه الكتل هناك كتلة أخرى بالتحديد معنية بأن تشق نفسها، وهي كتلة المتدينين المتزمتين الأشكناز "يهدوت هتوراة" التي تضم منذ العام 1992 حزبين متنافسين في هذا الجمهور.

غير أن احتمال تمرير قانون خفض نسبة الحسم ليس واضحاً، مع ميل لعدم تمريره، إذ إن الكتل الكبيرة، وخاصة الليكود و"يوجد مستقبل" وحتى حزب "إسرائيل بيتنا" بزعامة ليبرمان الذي قد تتراجع قوته قليلاً في الانتخابات المقبلة، تعارض القانون، كما أن حزب شاس للمتدينين المتزمتين الشرقيين (السفاراديم) يعارض القانون خوفاً من حدوث انشقاق في صفوفه، أو ظهور منافسين له في قاعدته الانتخابية.

لكن الليكود سيكون بين مطرقة شاس وسندان "يهدوت هتوراة". ويضاف لحسابات الليكود أنه معني بأن يعبر حزب يقيمه النائب عميحاي شيكلي، المنشق الأول عن حزبه "يمينا" مسانداً الليكود نسبة الحسم؛ إذ بموجب القانون فإن شيكلي لا يستطيع الانضمام لأي من الأحزاب الممثلة برلمانياً حالياً، بعد أن أعلن عنه حزبه "نائباً منشقاً"، بموجب القانون الإسرائيلي الخاص بهذه الحالة.

وفي الحسابات التي أجريناها بين مؤيد ومعارض للقانون، فمن دون تأييد الليكود لهذا التعديل القانوني، سيكون من الصعب رؤية أغلبية له، ولذا فإن الأمر سيتضح في الأيام المقبلة. وفي حال وجدت أغلبية للقانون، فإن خفض نسبة الحسم سيغير الكثير من الخارطة الانتخابية، وبالتالي المشهد البرلماني الذي ستفرزه الانتخابات، ليكون أكثر تشتتاً مما هو عليه الآن.

قراءة الاستطلاعات الحالية

تكثفت استطلاعات الرأي العام في الأيام الأخيرة مع صدور قرار حل الكنيست، ورغم أنها استطلاعات سابقة لأوانها، فإنها قد تشير إلى توجهات معينة في الشارع، لكن هذه التوجهات قد تنقلب لاحقاً كثيراً، مع التقدم نحو يوم الانتخابات وفي يوم الانتخابات ذاته. وهذا ما يحصل عشية كل انتخابات، وغالباً في يوم الانتخابات. وعلى مدى السنوات، سجلت استطلاعات الرأي الفشل تلو الفشل، وفي آخر انتخابات آذار 2021، كان فشل التوقعات أكثر.

عناوين وسائل الإعلام الإسرائيلية بعد كل استطلاع تقريباً متشابهة: لا توجد أغلبية مطلقة لأحزاب الائتلاف الحاكم حالياً، كما لا توجد أغلبية كهذه لفريق نتنياهو الحالي، والكتلة التي تحسم الأغلبية هي "القائمة المشتركة" بتركيبتها الحالية، التي من المؤكد أنها لن تكون شريكة فعلية مع أي فريق حاكم.

لكن قراءة وسائل الإعلام الإسرائيلية ليست واقعية مئة بالمئة، لأنها تتعامل مع حزب "يمينا" برئاسة بينيت على أنه معارض لليكود برئاسة نتنياهو، وأنه لن ينضم لحكومته بعد الانتخابات، في حال تولى نتنياهو التكليف، بينما ليس هذا هو موقف الحزب، وهذا ما ثبت بعد الانتخابات السابقة، خاصة وأن المؤشرات تتكاثر حول أن بينيت قد يغادر الحلبة البرلمانية، على الأقل في الانتخابات المقبلة، ويترك حزب "يمينا" لمصيره، يبحث عن قائد جديد.

وفي هذه الحالة، بمعنى ضم نتيجة "يمينا" في الاستطلاعات إلى فريق نتنياهو، فإن الأغلبية لحكومته واضحة، وتتراوح حالياً ما بين 63 إلى 65 نائباً. ولا حاجة للتعمق في تحليل هذه التركيبة، لكنها مهما ظهرت بتماسك سياسي، فإنها لن تكون خالية من الخلافات والمنافسات داخل معسكر اليمين الاستيطاني، وهي ليست قليلة وليست سهلة.

تقريباً كل استطلاعات الرأي العام تمنح الليكود ما بين 35 إلى 36 مقعداً، وقد حقق الليكود مثل هذه النتيجة في واحدة من الجولات الانتخابية الأربع الأخيرة، التي جرت بين نيسان 2019 وآذار 2021. لكن تعاظم قوة الليكود ستكون بالضرورة على حساب أحزاب شريكة له أو معارضة.

في المجمل، فإن غالبية الأحزاب والكتل الممثلة حاليا، تحافظ على قوتها أو تزيد وتقل بقليل، ومصدر زيادة الليكود الظاهرة في استطلاعات الرأي، ممكن تفسيره في جانبين: الأول هو على حساب أحزاب في معسكر اليمين الاستيطاني، مثل حزب "أمل جديد" المنشق عن الليكود، الذي يخسر في هذه الاستطلاعات مقعدين، ما يجعله عند حافة نسبة الحسم، إضافة إلى مقعد أو مقعدين آخرين في حزب "إسرائيل بيتنا"، الذي عادة ما يستعيد قوته خلال الحملة الانتخابية.

أما باقي المقاعد، فواضح أنها ناجمة عن انزياح الجمهور الإسرائيلي أكثر نحو اليمين واليمين المتشدد، وهذا يظهر في تراجع قوة حزب ميرتس، الذي عاد لدائرة التهديد بعدم عبور نسبة الحسم فاقداً مقعدين من قوته، وحزب العمل الذي يتراجع حتى الآن بمقعد واحد.

 

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات