المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
تظاهرة مناصرة لفلسطين في مدينة برن السويسرية. (إ.ب.أ)
  • كلمة في البداية
  • 58
  • أنطوان شلحت

ثمة أمران يستحقان المتابعة من الآن فصاعداً في إثر وقف إطلاق النار في قطاع غزة وتنفيذ صفقة التبادل بين إسرائيل وحركة حماس، بناء على الخطة التي طرحها الرئيس الأميركي دونالد ترامب وفيها ما ينطوي على احتمال إنهاء الحرب، كما لا يني يردّد، صباحاً مساءً.

هذان الأمران هما: الأول، أن واشنطن هي من حسمت في نهاية المطاف وقف إطلاق النار؛ الثاني، أن وضع إسرائيل الدولي بات يوحي أكثر فأكثر بأنها دولة معزولة وربما منبوذة، وفيما يخص المستجد المتعلق بالقضية الفلسطينية الذي من شأنه أن يترتب على تصاعد هذا الوضع الدولي، فإنه قد يشي بالدفع قدماً بسيرورة تدويل الصراع.

(1)

بالنسبة إلى الأمر الأول، تتفق أغلب التحليلات في إسرائيل على أنه ليس لدى هذه الأخيرة خيار سوى الرضوخ حيال أي إملاءات آتية من واشنطن. بل إن رئيس تحرير صحيفة "هآرتس"، ألوف بن، يعتقد أن الولايات المتحدة هي التي تفرض سياستها الإقليمية على إسرائيل منذ إقامة هذه الأخيرة في العام 1948 (12/10/2025).

وفي أحد التحليلات الأبعد مدى بهذا الصدد، جرت الإشارة إلى أن إسرائيل تجاوزت منذ زمن ذروة قوتها في الحرب التي تشنها على قطاع غزة، ورئيس الحكومة بنيامين نتنياهو نفسه يعلم جيداً أنه لم يعد هناك ما يمكن العودة إليه في هذه الحرب. ويعتقد كاتب هذا التحليل، وهو اللواء في الاحتياط يسرائيل زيف، أن الذروة كانت في حزيران من العام الماضي، حين جرى برأيه تفكيك البنية العسكرية لحركة حماس، ومنذ ذلك الحين، غيّرت الحركة أسلوب قتالها كلياً إلى ما وصفها بأنها "وضعية البقاء في قيد الحياة". وجزم بأن العمليات العسكرية اللاحقة كلها، بما فيها عملية "عربات جدعون ب"، ليست سوى عمليات غير ضرورية، وهي بمثابة إكراه سياسي لحكومة كان القاسم المشترك لأفعالها التمسك بفتات نجاحاتٍ حافظت على تماسُكها الداخلي.

وفي قراءة زيف، وكذلك غيره من المحللين العسكريين الإسرائيليين، فإن عملية عسكرية تُقدَّم بأنها إنجاز لمُجرّد أنها دفعت بسكان القطاع جنوباً، أو دمرت عدداً كبيراً من الأبراج السكنية، ليست سوى إعلان إفلاسٍ عسكري. ويصل زيف، فيما يخص ترامب والعلاقات الإسرائيلية- الأميركية، إلى بيت القصيد حين يكتب أن ترامب أدرك فعلاً أن نتنياهو أمسى منفصلاً عن دلالات الحرب، وغير قادر على اتخاذ قرار بشأن إنهائها، فاتخذ القرار بدلاً منه (5/10/2025).

(2)

يبقى الأمر الثاني المرتبط بعزلة إسرائيل الدولية وبمترتبات ذلك على مستقبل الصراع والقضية الفلسطينية الأكثر أهمية.

وفي كل ما يخص هذا الشأن تحديداً لا بُدّ من أن نشير في عجالة إلى ما يلي:

أولاً، ثمة اتفاق مُضمر بين أغلب المحللين وكتاب الرأي في إسرائيل على أن إسرائيل فشلت في إيجاد أي وسيلة عسكرية لتحقيق ما كان يصفه رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو وأبواقه بأنه "نصر مطلق"، وأنه في أثناء ذلك تسبّب بمقتل عشرات الآلاف من السكان المدنيين، وبكارثة إنسانية للملايين في القطاع. وإن العبارة الأكثر رواجاً في إسرائيل لهذا الاستنتاج هي أن مفهوم "النصر المطلق" هو رغبة سياسية أكثر مما هي واقعية.

ثانياً، معظم المحللين الإسرائيليين الذين يقرون بأن هناك إنجازات عسكرية حققتها إسرائيل في الحرب على غزة وامتداداتها في لبنان وسورية وإيران واليمن، يشدّدون على أن هذه الإنجازات بقيت في المستوى التكتيكي، من دون أن تُترجم إلى "رؤية استراتيجية" على المستوى الإقليمي، أو على المستوى الدولي. فهي، بحسب ما يؤكد محلل الشؤون العربية في صحيفة "هآرتس" تسفي برئيل (7/10/2025)، وكبير المعلقين السياسيين في صحيفة "يديعوت أحرونوت" ناحوم برنياع (8/10/2025)، لم تُنشئ "تحالفاً دفاعياً إقليمياً إسرائيلياً - عربياً - أميركياً"، بل بالعكس، فالتغييرات التي جرت خلال العامين الماضيَين لا تسير في الاتجاه الذي يطمح إليه نتنياهو، وبدلاً من تحالف إقليمي بقيادة إسرائيل، شُكّلت جبهة عربية دولية ترى في إسرائيل تهديداً لاستقرار المنطقة، وبدلاً من التطبيع المنشود مع السعودية، جاءت الاعترافات الدولية المتتالية بدولة فلسطين، بمبادرة من السعودية وفرنسا، وخيّمت بعض الظلال على اتفاقيات السلام مع مصر والأردن والإمارات العربية المتحدة، وإسرائيل تتحول إلى دولة منبوذة، وبات مواطنوها وبضائعها وباحثوها وفنانوها أشخاصاً غير مرغوب فيهم في أصقاع العالم.

ثالثاً، لعل الأهم من ذلك، وفقاً لمحلل الشؤون العربية في صحيفة "يديعوت أحرونوت" آفي يسسخاروف (9/10/2025)، أن القضية الفلسطينية حصلت على اعتراف دولي لم يسبق أن حظيت به من ذي قبل، وعلى إنجازات سياسية يلاحظها العالم أجمع، منها عزل إسرائيل سياسياً والاعتراف مُجدّداً بهذه القضية. وما بات ماثلاً الآن هو فقط "الأمل بأن يتيح وقف إطلاق نار طويل الأمد إخراج إسرائيل من عزلتها الدولية التي دخلت فيها نتيجة موجة من معاداة السامية، ومن السياسة الإسرائيلية الفاشلة في الوقت عينه". أما المحلل العسكري لصحيفة "معاريف" آفي أشكنازي (8/10/2025) فرأى أن القضية الفلسطينية تمكنت من كسب الرأي العام العالمي إلى جانبها. وبات بالإمكان رؤية الانجراف الأوروبي في اتجاهها: أعلام فلسطين في كل زاوية، وتظاهرات في كل ساحة وميدان، فضلاً عن إعلانات الدول في الأمم المتحدة بشأن الاعتراف بدولة فلسطين، وازدياد العزلة التي تعيشها إسرائيل في العالم.

رابعاً، بموجب ما تؤكد أدبيات "معهد أبحاث الأمن القومي" في جامعة تل أبيب، فإن الصورة على الساحة السياسية تبدو معاكسة تماماً لما تم تحقيقه من إنجازات عسكرية إسرائيلية في مختلف الجبهات. وتؤكد ورقة تقدير موقف لهذا المعهد من إعداد الباحثة بنينا شرفيط- باروخ (8/10/2025) أنه بعد عملية "طوفان الأقصى" يوم 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، حظيت إسرائيل بدعم غير مسبوق، وبإدانة حازمة لحركة حماس، ولكن بعد عامين، أصبح موقع إسرائيل في أدنى مستوياته على الإطلاق، وهي تعيش عزلة دولية تتعمق يوماً بعد يوم. وبرأيها من السهل على صنّاع القرار إلقاء اللوم فقط على القوى المعادية لإسرائيل في العالم، وعلى ظاهرة معاداة السامية، ولا شك في أن هذه الظواهر موجودة وناشطة حتى قبل الحرب، وقد تصاعدت منذ اندلاعها، لكن الادعاء أن "العدو وحده هو المسؤول"، مع تجاهُل تام للمسؤولية الإسرائيلية، لا يجب قبوله في المعركة الدبلوماسية، وينبغي التشديد على أن المسؤولية المباشرة عن الهزيمة السياسية تقع على عاتق حكومة إسرائيل.

أما خلاصة ما تقوله هذه الباحثة ففحواه أن المعركة الأهم في هذه اللحظة "ليست المعركة العسكرية بل السياسية، ونحن نخسر في هذه المعركة الأخيرة، حتى أن رئيس الحكومة نتنياهو أقرّ بذلك في ’خطاب إسبارطة’ الذي ألقاه مؤخراً. وفي هذه المعركة بالذات، تساهم حكومة إسرائيل فعلياً في مساعدة الخصم، أمّا ثمن الهزيمة السياسية فسوف ندفعه جميعاً".

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات