المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
.. من أعمال قمة الإعلام المسيحي السابعة المنعقدة في القدس من 2 إلى 6 تشرين الثاني 2025. (صحف)
  • تقارير، وثائق، تغطيات خاصة
  • 24
  • ياسر مناع

"منذ السابع من تشرين الأول/ أكتوبر (2023) لم نواجه حرباً على أرض الواقع فحسب، بل واجهنا حرباً بالكلمات والصور أيضاً، حول كيف يتم تشويه رواية إسرائيل بسبب التحيّز والمعلومات المضللة. لذا، فإن حضوركم هنا مهم للغاية. إن الصحافيين المسيحيين وقادة الإعلام بمثابة ناقلين للحقائق، حيث جلبوا التعاطف للجماهير التي لا تسمع وجهة نظر إسرائيل. أنتم تؤكدون أن هذا البلد ليس مجرد فكرة، إن هذا البلد موطنٌ لأناسٍ حقيقيين يدافعون عن بلدهم. إن ما بدأ بالأكاذيب على إسرائيل ينتهي بكراهية اليهود حول العالم"- بهذه العبارة افتُتحت أعمال قمة الإعلام المسيحي السابعة التي انعقدت في مدينة القدس خلال الفترة الممتدة من 2 إلى 6 تشرين الثاني 2025.

ويُعد هذا الحدث ملتقى سنوياً تنظّمه الحكومة الإسرائيلية بمشاركة مؤسسات وشخصيات إعلامية وسياسية من دول متعددة؛ بهدف ترسيخ وتعزيز ما تصفه إسرائيل بـالشراكة الإعلامية مع العالم المسيحي، في سياق سعي منظم للتأثير في الخطاب الإعلامي الدولي وإدارة الصراع على مستوى السردية والرواية. [1]

تأتي هذه القمة في سياق جهود إسرائيل المتواصلة لتلميع صورتها وإعادة ترميم مكانتها الدولية عقب حرب الإبادة على غزة 2023 وفي ظل تصاعد موجات الإدانة والانتقاد في الأوساط الحقوقية والإعلامية العالمية. وفي هذا الإطار، تُوظَّف قمة الإعلام المسيحي كمنصة لاستعادة زمام السردية وحشد شبكات دعم دينية مسيحية وإعلامية وتقديم الرواية الرسمية الإسرائيلية في قالب يخفف من وطأة الاتهامات ويعيد إنتاج الشرعية الرمزية في الفضاء الغربي.

تستعرض هذه المساهمة تعريف قمة الإعلام المسيحي وأهدافها الاستراتيجية ومحاورها التشغيلية والشخصيات المشاركة فيها. كما تتناول أثر القمة على إسرائيل، ولا سيما في سياق محاولات تلميع صورتها وتعزيز شرعيتها الدولية في أعقاب حرب الإبادة على غزة.

في ذكرى احتلال القدس ... البدايات الأولى

تعود بدايات قمة الإعلام المسيحي في إسرائيل إلى العام 2017، حين استضافت الحكومة الإسرائيلية للمرة الأولى نحو 130 صحافياً من قرابة ثلاثين دولة في فعالية امتدت عدة أيام. وقد جاءت هذه الخطوة في إطار توجّه رسمي إسرائيلي نحو بناء شراكات استراتيجية مع الإعلام المسيحي العالمي بوصفه حليفاً طبيعياً في ميدان السردية السياسية والدبلوماسية العامة.[2]

برز في تلك المرحلة دور نيتسان حين، مدير مكتب الصحافة الحكومي آنذاك باعتباره أحد أبرز مهندسي هذا المسار الجديد. وقد تزامن انعقاد القمة الأولى مع الذكرى الخمسين لاحتلال القدس الشرقية العام 1967. ما أضفى عليها رمزية سياسية واضحة في سياق إعادة إنتاج الخطاب الإسرائيلي حول القدس الموحدة.

وصفت القمة الأولى بأنها "حدث تاريخي غير مسبوق"، إذ مثّلت - وفق وصف المنظّمين - المرة الأولى التي تحتضن فيها الحكومة الإسرائيلية مؤتمراً إعلامياً مخصصاً حصرياً لوسائل الإعلام المسيحية الدولية. وقد افتُتحت القمة بخطاب لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو واختُتمت بكلمة للرئيس الإسرائيلي الأسبق رؤوفين ريفلين.

استمر انعقاد القمة بانتظام سنوياً، لتتحول تدريجياً إلى منصة تواصل دولية تجمع رموز الإعلام المسيحي والقيادة السياسية الإسرائيلية. ومع تفشي جائحة كوفيد - 19، انتقلت أعمال القمة الرابعة العام 2020 إلى الفضاء الافتراضي، حيث حقق البث الرقمي للقمة أكثر من سبعة ملايين مشاهدة على فيسبوك، ما منح الحدث بعداً وظيفياً جديداً قائماً على التأثير الواسع منخفض التكلفة ومرتفع الانتشار. [3]

أما القمة الخامسة (2021)، فقد حظيت بمشاركة رسمية واسعة. فقد شارك فيها كل من رئيس الوزراء آنذاك نفتالي بينيت، ووزير الخارجية يائير لبيد، وزعيم المعارضة آنذاك بنيامين نتنياهو، والرئيس يتسحاق هرتسوغ، في مشهد يعكس أهمية هذه القمة في دعم إسرائيل عالمياً.

وفي دورتها السابعة العام 2025، انعقدت القمة في القدس بين 2 - 6 من تشرين الثاني 2025، بتنظيم مشترك بين مكتب الصحافة الحكومي (GPO) ووزارة الخارجية الإسرائيلية والزمالة الدولية للمسيحيين واليهود (IFCJ) ، إذ تجاوز عدد المشاركين 150 صحافياً ومؤثراً من أكثر من أربعين دولة. [4]

من أبرز محطات القمة هو حفل توزيع جائزة "أعمدة القدس"، التي تُمنح لشخصيات متميّزة تقديراً لإسهاماتها البارزة في مجال الدبلوماسية العامة الإسرائيلية. وقد نال الجائزة في عام 2025 كل من: 

  1. دوغلاس موراي، الكاتب والصحافي والمفكّر البريطاني المعروف بدوره الإعلامي في الدفاع عن إسرائيل والتصدي لخطاب نزع الشرعية عنها في الإعلام الغربي ومنصات التواصل الاجتماعي.
  2. تشارلي كيرك، مؤسس ورئيس منظمة Turning Point USA، وأحد أبرز القيادات السياسية الشابة في الولايات المتحدة، وناشط مؤثر في دعم إسرائيل داخل الأوساط المحافظة والجامعية.
  3. يورغن بوهلر، رئيس السفارة المسيحية الدولية في القدس (ICEJ)، والقيادي الديني المسيحي الذي يكرّس جهوده لتعزيز الهجرة اليهودية إلى إسرائيل وتطوير العلاقات المسيحية - اليهودية عالمياً.
  4. يعيل إكشتاين، رئيسة الزمالة الدولية للمسيحيين واليهود (IFCJ)، التي تقود نشاطاً إنسانياً ودينياً واسع النطاق لتعزيز الشراكة بين اليهود والمسيحيين ودعم إسرائيل والمجتمعات اليهودية حول العالم.

بهذا التطور المتدرج، يمكن القول إن قمة الإعلام المسيحي تحوّلت خلال أقل من عقد من الزمن من فعالية رمزية إلى أداة مركزية في هندسة التحالف السردي بين إسرائيل والتيارات الإنجيلية واللوبيات المسيحية الداعمة لها عالمياً.

الأهداف الاستراتيجية للقمة ومحاورها التشغيلية

عند التمعن في الكلمات والمداخلات خلال القمة نستطيع القول بأن أهداف القمة السنوية المعلنة تدور في نطاق أربعة مسارات مترابطة، وهي على النحو التالي:

  1. ترسيخ المعرفة الميدانية: ترتكز القمة على نقل المشاركين إلى جولات في مناطق تصفها إسرائيل بأنها مهمة سياسياً، مثل النقب الغربي والضفة الغربية، إلى جانب مواقع دينية. ويُقدَّم هذا المسار بوصفه طريقة لإنتاج إدراك مباشر لما يجري على الأرض، بدلاً من الاكتفاء بتلقي الروايات عبر التغطيات البعيدة أو المحتوى الرقمي.[5]
  2. مواجهة معاداة للسامية: يؤكد البيان الرسمي للحكومة الإسرائيلية العام 2025، أن القمة تُعنَى بمجابهة معاداة السامية في شبكات التواصل، وبإعادة تقديم إسرائيل باعتبارها دولة مبتكرة ومتنوعة ومنفتحة. وفي الاتجاه نفسه، يلخّص مدير التحالف الأوروبي من أجل إسرائيل (ECI) توماس ساندِل هذه الرؤية بالقول "إن الحقيقة تتعرض للهجوم في جبهة قتال ثامنة هي الإعلام الدولي".[6]
  3. توطيد التحالف اليهودي - المسيحي على قاعدة سردية مشتركة: يتكرر هذا الهدف بوضوح في خطابات الزمالة الدولية للمسيحيين واليهود (IFCJ) ومنشوراتها. إذ تُصوَّر القمة كتعبير عن التزام متبادل بمفاهيم العدالة والحقيقة وكإطار عملي لتعزيز الروابط بين الطرفين ضمن خطاب تضامني متنامٍ.
  4. تعميق شبكات الاتصال مع المسيحيين العاملين في الإعلام: تسعى القمة إلى بناء علاقات أكثر كثافة مع الصحافيين والمؤثرين المسيحيين، انطلاقاً من قناعة بأن المجتمعات المسيحية عالمياً تمثل أحد أهم خزانات الدعم. وبذلك تتحول القمة إلى آلية لتقوية الحضور الإسرائيلي في المجال السردي عبر قنوات يُنظر إليها باعتبارها أقل عدائية وأكثر قابلية للتجاوب.

قمة 2025: سياق ما بعد 7 أكتوبر وتكثيف حرب الرواية

بلغت القمة ذروة حضورها الرمزي في قمة 2025. وقد وصفت القمة كاستجابة لتصاعد التضليل ومعاداة السامية بعد 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023. ويظهر هذا الإطار بوضوح في صياغات المشاركين والمنظمين[7]:

  1. في افتتاح القمة، قيل إن الهدف هو تمكين الصحافيين المسيحيين من فهم الوضع الميداني في إسرائيل وخوض معركة الحقيقة في عالم مضلل.
  2. ووُصفت القمة بأنها ليست تجمعاً مهنياً فحسب، بل جسر تضامن يقوم على قيم مشتركة واحترام متبادل ورابطة لا تنكسر قائمة على الإيمان والشراكة مع إسرائيل.

 

الشخصيات المشاركة والأكثر تأثيراً

يمكننا تقسيم المشاركين في قمة الاعلام المسيحي الى ثلاث دوائر رئيسية، وهي:

  1. الدائرة الرسمية الإسرائيلية: تشكل هذه الدائرة الإطار الحكومي الذي يمنح القمة طابعها الرسمي ورعايتها السياسية. تضم أبرز قيادات الدولة ومسؤوليها التنفيذيين، ممن يستخدمون المنصة لتأكيد التحالف مع الإعلام المسيحي وتعزيز السردية الإسرائيلية على المستوى الدولي.شارك ضمن هذه الدائرة عددٌ من أبرز قادة الدولة، وفي مقدمتهم ثلاثة من رؤساء الوزراء: بنيامين نتنياهو، نفتالي بينيت ، ويائير لبيد، إلى جانب يتسحاق هرتسوغ رئيس الدولة.
  2. دائرة الشركاء المؤسسين: تتشكّل هذه الدائرة من مؤسساتٍ توصف بأنها ذات طابع "ديني - إنساني" تضطلع بدور تعبوي يهدف إلى ترسيخ خطاب التحالف اليهودي - المسيحي، وربط إسرائيل بشبكات مسيحية دولية عبر قنوات دعم وتأثير منظمة.
  3. دائرة الفاعلين الخارجيين: تمثل جمهور القمة الأساسي، من صحافيين وقادة رأي ورجال دين من عشرات الدول.حيث شاركت وفود إعلامية من دول آسيوية وأفريقية وأوروبية، من بينها وفد نيبالي، وأعلنت سفارة إسرائيل في نيبال عن مشاركة ممثلين عن منصات إعلامية محلية ما يعكس توسع القمة خارج الدوائر الغربية التقليدية. إضافة إلى شخصيات إعلامية مسيحية بارزة من الولايات المتحدة وأميركا اللاتينية.

 

أثر القمة على إسرائيل ... قوة ناعمة وسردية عالمية

يمكن القول بأن أثر القمة على إسرائيل يكمن في ثلاثة مسارات متداخلة، وهي كالتالي:

  1. تدويل السردية الإسرائيلية: تستخدم القمة كآلية لتكوين رواة داعمين ينقلون رواية إسرائيل إلى لغات وفضاءات إعلامية متعددة، ضمن تصورٍ يعتبر حرب المعلومات والوعي ساحة مركزية للصراع.
  2. توسيع شبكات التأثير العابرة للحدود: تجمع القمة صحافيين ومؤثرين وتمنحهم تجربة ميدانية ولقاءات موجهة، بما يسهّل عودتهم إلى بلدانهم محمّلين بقصص وصور واقتباسات قابلة للنشر وإعادة التدوير.
  3. تحويل الدعم الديني المسيحي إلى رأسمال سياسي: تحول القمة تحت المسمى الديني إلى نفوذ في الرأي العام عبر مؤثرين في فضاء التواصل الاجتماعي وقنوات إعلامية واجتماعية داعمة لإسرائيل وفاعلة داخل مجتمعاتها.

 

[1] مكتب الصحافة الحكومي الإسرائيلي (GPO)، "انضمّوا إلى قمة الإعلام المسيحي السابعة 2025"، YouTube، 2 تشرين الثاني 2025. https://www.youtube.com/live/NbKTJe7ArVQ

[2] سي بي إس نيوز، "الصحافة المسيحية الأميركية تجد أصدقاء لها في إسرائيل"، 18 تشرين الأول 2017. https://www.cbsnews.com/news/israel-prime-minister-benjamin-netanyahu-welcomes-evangelical-christian-press/

[3] مايك إيفانز، "تحطيم رقم قياسي: أكثر من سبعة ملايين مشاهدة لقمة الإعلام المسيحي الافتراضية لإسرائيل"، شبكة البث المسيحي (CBN)، 11 تشرين الثاني 2020. https://cbn.com/news/news/record-shattered-over-7-million-views-israels-virtual-christian-media-summit

[4] مكتب الصحافة الحكومي الإسرائيلي (GPO)، "إسرائيل تستضيف قمة الإعلام المسيحي 2025: جسر للتواصل الدولي والإيمان والتفاهم"، 29 تشرين الأول 2025، تم تحديثه في 2 تشرين الثاني 2025. https://www.gov.il/en/pages/israel-to-host-christian-media-summit-2025-29-oct-2025

[5] مايان هوفمان، "تجمّع الإعلام المسيحي في القدس للدفاع عن إسرائيل"، يديعوت أحرونوت ، 11 أيلول 2025. https://www.ynetnews.com/article/b1mxmk6yzl  

[6] مكتب الصحافة الحكومي الإسرائيلي، مصدر سبق ذكره.

[7] جنيد قيصر، "حين يلتقي الإيمان بالوقائع: مهمة قمة الإعلام المسيحي في عالم مضلَّل"، تايمز أوف إسرائيل، 10 تشرين الثاني 2025. https://blogs.timesofisrael.com/faith-meets-facts-the-christian-media-summits-mission-in-a-misled-world/

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات