المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
قيمة الشيكل تشهد ارتفاعًا أمام العملات العالمية، وخاصة الدولار (صحف)
  • تقارير، وثائق، تغطيات خاصة
  • 15
  • برهوم جرايسي

توالت في الأيام الأخيرة سلسلة معطيات في الاقتصاد الإسرائيلي، توحي بمسار انتعاش، إلا أن المحللين والخبراء يدعون للحذر، خاصة وأن الميزانية العامة للعام المقبل 2026، لم تتبلور بشكل نهائي؛ فالتضخم المالي في الأشهر الأخيرة دخل إلى النطاق الذي حددته السياسة الاقتصادية، وهو ما ساهم في قرار خفض الفائدة البنكية، هذا الأسبوع، بعد حوالي عامين من جمودها عند إجمالية 6%. كما أن النمو الاقتصادي في الربع الثالث من العام الجاري، سجل ارتفاعًا حادًا لم يعرفه الاقتصاد الإسرائيلي منذ سنوات طوال، إلّا أن هذا كان رد فعل على تراجع الاستهلاك الفردي في الربع الثاني من العام الجاري بسبب الحرب على إيران.

فقد قرر بنك إسرائيل المركزي مساء الاثنين 24 تشرين الثاني الجاري، خفض الفائدة البنكية بنسبة 0.25% (ربع نقطة)، وباتت الفائدة الإجمالية 5.75%، منها 1.5% ثابتة. وقال محافظ بنك إسرائيل، أمير يارون، إنّ التضخم دخل نطاق الهدف، في حين أن قيمة الشيكل تشهد ارتفاعًا أمام العملات العالمية، وخاصة الدولار.

وأضاف في تصريحات إعلامية، بعد إعلان قرار البنك المركزي، أنه لا يمكن الإعلان منذ الآن أن يكون خفض للفائدة في الأشهر المقبلة، فكل هذا مرتبط بوضعية الاقتصاد الإسرائيلي، وأيضًا بكيفية إدارة الاقتصاد، في إشارة إلى الموازنة العامة، واستبعد المحافظ أن تعود الفائدة إلى المستوى الصفري الذي كانت عليه لسنوات عديدة قبل وفي ظل سنوات جائحة كورونا.

وكان التضخم المالي (مؤشر الأسعار) قد سجّل في شهر تشرين الأول الماضي ارتفاعًا بنسبة 0.5%، بحسب ما أعلنه مكتب الإحصاء المركزي في منتصف هذا الشهر، وكان هذا وفق توقعات جميع المحللين والخبراء. وتأثر مؤشر الأسعار في تشرين الأول الماضي، من ارتفاع أسعار موسمي، مثل الخضار والفواكه بنسبة 3.9%، والملبوسات والأحذية بنسبة 3%، والصحة بنسبة 0.5%، وصيانة البيوت بنسبة 0.4%. وعلى الرغم من أن الغلاء سجل منذ بداية العام الجاري ارتفاعًا بنسبة 3.1%، إلا أنه في حسابات الأشهر الـ 12 الأخيرة، بقي التضخم المالي عند نسبة 2.5%، كما في الشهر الماضي، لأن الغلاء في شهر تشرين الأول الماضي، كان بذات النسبة في ذات الشهر من العام الماضي 2024.

وهذا المقياس السنوي الذي يتبعه الخبراء لاحتساب وتيرة التضخم، يدخل أيضًا في حسابات واعتبارات بنك إسرائيل المركزي لتحديد الفائدة البنكية. وبما أن التضخم في الأشهر الـ 12 الأخيرة وقع، للشهر الثاني على التوالي، ضمن المجال الذي حدّدته الحكومة للعام 2025 بين 1% و3%، فإن هذا قاد إلى خفض الفائدة البنكية للمرة الأولى منذ كانون الثاني 2024.

ونشير هنا إلى أن وتيرة التضخم في العام الجاري، أقل بشكل ملحوظ جدًا عن العام الماضي 2024، الذي بلغ إجمالي التضخم فيه 3.2%. ففي العام الماضي سجل التضخم في الأشهر العشرة الأولى منه، ارتفاعًا بنسبة 3.9%، مقابل 3.1% في العام الجاري. ونضيف إلى هذا أنه استنادًا إلى ما ينشر تباعًا، فلم يكن ملموسًا غلاء في الشهر الجاري، تشرين الثاني، كما أن الشهر الأخير من كل عام، يكون فيه الغلاء بنسبة طفيفة، وغالبًا في العقد الأخير تكون النسبة "سلبية"، ما يدعم الاستنتاج بأن حصيلة التضخم في العام الجاري 2025، ستكون أقل من 3%، وهي السقف الأعلى للتضخم الذي تحدده السياسة الاقتصادية الإسرائيلية.

ارتفاع حاد في النمو الاقتصادي

وكان النمو الاقتصادي الإسرائيلي في الربع الثالث من العام الجاري (تموز- أيلول)، الذي أعلن حصيلته مكتب الإحصاء المركزي مطلع الأسبوع الماضي، قد فاجأ الأوساط الاقتصادية، الرسمية والخاصة، إذ سجل ارتفاعًا حادًا، نسبيًا، بنسبة تزيد عن 3%، وبمعدل سنوي 12.4%، لكن التفاصيل التي ساهمت في هذا الارتفاع، تدل على أن هذه النتيجة كانت تقليدية لفترة ما بعد الحرب على إيران، التي على الرغم من أنها لم تستمر لأكثر من 12 يومًا في شهر حزيران الماضي، إلا أن الأجواء التي سبقتها، ثم تلتها لفترة قصيرة، ساهمت في لجم النمو الاقتصادي، وفي الأساس لجم الصرف الفردي والعائلي الاستهلاكي والحياتي، وهو رد فعل تقليدي في زمن الحروب، إذ أن الجمهور يقلل الصرف، تحسبًا لما هو أسوأ. ومن ضمن هذا، أن الجمهور يؤجل مشتريات حياتية، مثل معدات بيتية، وما يمكن تأجيله، حتى تتضح الأوضاع أمامه، وهذا انعكس في الارتفاع الحاد بالاستهلاك العائلي الحياتي، في الربع الثالث من العام الجاري، بعد الحرب على إيران، بنسبة لامست 11%.

ويقول المحلل الاقتصادي أدريان بايلوت، في مقال له في صحيفة "كالكاليست": "إن الأسواق تثق ببنك إسرائيل، فقد استجاب الاقتصاد الإسرائيلي بقوة، كما هو متوقع، وكما أشارت البيانات التي بدأ إصدارها في تموز 2025. وليس من المفاجئ هنا اتجاه الاقتصاد الإسرائيلي، بل المفاجأة في قوته. فالاستنتاج الواضح هو أن الاقتصاد الإسرائيلي قد عاد إلى النشاط بفضل طلب العائلات، وهو أمر قد يكون إشكاليًا، على الأقل بالنسبة لمحافظ بنك إسرائيل، البروفيسور أمير يارون. ففي النهاية، يُعد هذا عاملاً يلعب دورًا في التضخم المالي بشكل تقليدي".

وتابع بايلوت: إن "البيانات تتحدث عن نفسها: قفزة بنسبة 23% في الاستهلاك الخاص (سنويًا)؛ قفزة بنسبة 97% في استهلاك السلع الحياتية، وقفزة بنسبة 108% في استهلاك السلع شبه الحياتية. من ناحية أخرى، أشارت آخر قراءتين للتضخم المالي، إلى تضخم بنسبة 2.5%، وهو ضمن هدف استقرار الأسعار الذي حددته الحكومة (1%-3%)، ولم يرتفع التضخم منذ حزيران".

وأضاف بايلوت: "إذا لم يكن ذلك كافيًا، فإن انخفاض قيمة العملات الأجنبية وخاصة الدولار، أمام الشيكل، الذي شهدناه مؤخرًا، يُمثل آلية انكماشية رئيسية تُقلل من تكلفة الواردات، لذلك، سيُشكل هذا تحديًا لبنك إسرائيل، الذي يتعيّن عليه الحفاظ على ضبط التضخم وضمان عدم تجاوز الطلب للعرض مجددًا".

ويقول بايلوت إنه "على الرغم من نسبة النمو الاستثنائية، وهي من أعلى المعدلات المسجلة هنا في السنوات العشر الأخيرة، من المهم أن نتذكّر أن هذا ربع سنوي استثنائي، نتج عن مزيج نادر من قاعدة منخفضة، وعودة مفاجئة إلى الروتين، وموجة مشتريات أسرية لمرة واحدة. فهذه ليست "نقطة التوازن" الجديدة للاقتصاد الإسرائيلي، على العكس من ذلك، إذ تشير جميع المؤشرات المبكرة للربع الرابع بالفعل إلى تباطؤ، وفي نهاية العام ككل من المتوقع أن يتقارب الناتج المحلي الإجمالي مع مستويات أكثر اعتدالاً، حوالي 2.5%-3%. لذلك، قبل الاحتفال بـ ’المعجزة الاقتصادية’ للربع الثالث، يجدر انتظار البيانات النهائية لعام 2025، حيث من المتوقع أن تظهر صورة أكثر توازنًا وواقعية. لقد فاجأ الاقتصاد الجميع، لكن هذه في الأساس قفزة فنية، وليست تغييرًا حادًا في الاتجاه".

ويقول المحلل الاقتصادي ناتي طوكر، في مقال له في صحيفة "ذي ماركر": "إن بيانات الناتج المحلي الإجمالي تُظهر التطور الاقتصادي الشامل لإسرائيل، ولكن عند النظر إلى نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي، والتغير فيه مقارنة بالنمو السكاني، يتضح أن الوضع حرج للغاية. في الواقع، ارتفع نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي في إسرائيل بنسبة 10.8% على أساس سنوي، في الربع الثالث من العام الجاري، ولكنه لا يزال منخفضًا مقارنة بفترة ما قبل الحرب. إذ بلغ نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي ربع السنوي حوالي 43 ألف دولار في الربع الثالث (بأسعار عام 2020) - وهو رقم أقل قليلا مما كان عليه في الربع الثاني من عام 2023". وتابع طوكر: "تشير أحدث التقديرات الصادرة عن بنك إسرائيل ووزارة المالية إلى أن النمو في العام 2025 سيصل إلى 2.5% و2.8% على التوالي. في غضون ذلك، بلغ النمو في الأرباع الأربعة المنتهية بنهاية الربع الثالث 3.5%. ومع ذلك، عند حساب العام 2025 ككل، سيتم خصم بيانات الربع الرابع من العام 2024، والتي كانت مرتفعة نسبيًا، لذا فإن علامة الاستفهام الكبيرة تكمن في شكل بيانات الربع الرابع من هذا العام".

المصطلحات المستخدمة:

الشيكل

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات