المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
صورة تعبيرية. (صحف)
  • تقارير، وثائق، تغطيات خاصة
  • 10
  • هشام نفاع

يعاني جهاز حضانات الأطفال في إسرائيل من أزمة حادة في القوى العاملة. ووفقاً لتقديرات وزارة العمل والرفاه، هناك نقص بنحو 3000 مربية حالياً، ووفقاً لتقرير وضعه المعهد الإسرائيلي للتربية في الطفولة المبكرة للعام 2024، فقد تم إغلاق أكثر من 500 حضانة خلال العام بسبب نقص الأيدي العاملة المهنية، وتترك أكثر من نصف المربيات العمل في الحضانات خلال السنة الأولى لتوظيفهن بسبب الشروط السيئة.

وردت هذه المعطيات، التي وُصفت كـ"حالة طوارئ"، خلال جلسة للجنة حقوق الطفل، الأسبوع الفائت، بحثت "الحلول لأزمة نقص القوى العاملة في الحضانات". وطالب فيها ممثلو المنظمات العاملة في الحقل والسلطات المحلية "بإعلان حالة طوارئ في هذا القطاع".

 رئيسة اللجنة كيتي شطريت قالت إن: "المسؤولية والإشراف على الفئة العمرية من 0 إلى 3 سنوات ليست مجرد قضية تعليمية، بل مهمة وطنية. للأسف هذه حالة طوارئ حقيقية. عشرات آلاف الأطفال يجبرون على البقاء في منازلهم، مما يدفع الأهالي إلى ترك وظائفهم والتخلي عن تحقيق ذواتهم. من غير المعقول أن أكثر من 50% من المربيات يتركن العمل خلال السنة الأولى. هذا رقم مقلق يظهر صعوبة الحفاظ على القوى العاملة في هذا المجال، ويدل على حاجة ملحة لمراجعة شروط العمل، والإشراف المهني، والتدريبات المقدمة للعاملين".

"بدون تغيير جوهري، لن يكون في العام القادم جهاز تعليم مبكر"

رئيسة اللجنة قدّمت ما يمكن اعتباره نصف حل، إذ لجأت الى ملء الوظائف الشاغرة من جهاز "الخدمة الوطنية المدنية"ودعت إلى إعطاء أولوية لقطاع التعليم المبكر ضمن مجالات هذه الخدمة: "أرى في ذلك فرصة ممتازة يمكن أن تؤدي إلى بداية حل طويل الأمد".

الخدمة الوطنية- المدنية في إسرائيل هي إطار تطوّعي تنظمه الهيئة الحكومية للخدمة الوطنية- المدنية، يتيح لمن أُعفي من الخدمة العسكرية أو لم يُستدعَ إليها، أداء خدمة مدنية لمدة سنة أو سنتين في مجالات التعليم، الصحة، الرفاه، الأمن المدني والإدارة العامة. تهدف الخدمة، وفقاً للبيانات الرسمية وبمفرداتها، إلى تعزيز التضامن والمشاركة المجتمعية، وتمنح المتطوعين حقوقاً مثل مخصصات شهرية، تأمين صحي، وشهادة إنهاء خدمة تخوّلهم الحصول على امتيازات مشابهة لحقوق الجنود المسرّحين.

لكن مدير عام سلطة الخدمة الوطنية المدنية قال استمراراً لكلمة رئيس اللجنة إن نحو 20 ألف شاب وشابة يخدمون في الخدمة الوطنية، لكن العشرات فقط يعملون في الحضانات. ورفض طلب اللجنة برفع أولوية هذا المجال قائلاً: "علينا أن نحدد على حساب أيّ المجالات سيكون ذلك، لأن عدد المتطوعين محدود. لن ننقل ألف شاب وشابة من أماكن أخرى لصالح الحضانات – هذا لن يحدث. كلما كان الدور مهما وذا مغزى أكبر، كلما أتى المزيد منهم للخدمة الوطنية".

 أحد رؤساء البلديات رأى أنه: "إذا لم يحدث تغيير جوهري، فلن يكون في العام القادم جهاز تعليم مبكر، وستشاهدون الأهالي غير قادرين على الذهاب للعمل. للأسف، لا أحد يدرك حجم الأزمة الكبرى التي تشهدها إسرائيل بسبب نقص المربيات، والتي بدت تمتد أيضا لرياض الأطفال".

وقال أحد أعضاء الكنيست بلهجة ساخرة: "نحن على وشك استقدام عمال أجانب للعناية بأطفالنا"!!

 "هذا تقصير في أفضل الأحوال وجريمة في أسوأها"

ممثل منتدى الحضانات الخاصة، ذكّر بتعهد وزارة المالية بمساواة رواتب المربيات في الحضانات برواتب المساعدات في رياض الأطفال، قائلاً: "لكن ذلك لم يتحقق، والفارق بينهما يبلغ 26%". أما ممثل وزارة المالية فزعم خلال الجلسة: "تبين لنا أن نسبة تبدل العاملات في الحضانات الحكومية تشبه نظيرتها في الحضانات الخاصة، ما يشير إلى أن هناك عوامل أخرى غير الأجر". وأضاف أن الأسعار التي تفرضها الدولة على الحضانات بسبب زيادة أجور المربيات قد ارتفعت في حزيران 2023، وقررت الحكومة تمويل الزيادة كاملة – أكثر من نصف مليار شيكل من ميزانية الدولة.

 وتابع: "لكن عندما فحصنا الأجور في العام الدراسي 2023-2024 وجدنا أن أكثر من 80% من المربيات لم يتلقين الأجر الذي تم تحديده. وبخلاف آلية تمويل الرواتب في رياض الأطفال، فإن الدعم في الحضانات يخصص للأهالي، وبالتالي تكون الحضانات مجرد وسيط لنقل الأموال". وأشار إلى أن الوزارة تجري حالياً فحصاً جديدا للعام 2024-2025.

 اللجنة البرلمانيّة لخّصت في بروتوكولها أنه "لا يعقل أن زيادة الأجر التي خصصت للمربيات لم تصل إليهن، بل بقيت لدى الجهات المشغلة. وفقاً للبيانات، نحو 80% من الحضانات لم تدفع الأجور كما يجب. وزارة المالية مطالبة بتقديم توضيحات والكشف عن الجهة المسؤولة عن الرقابة على تنفيذ قواعد الدعم. هذا تقصير في أفضل الأحوال، وجريمة في أسوأها. تطلب اللجنة من وزارة المالية ربط أجور المربيات بأجور مساعدات رياض الأطفال، والنظر في إمكانية تحويل الرواتب عبر السلطات المحلية بدلاً من المنظمات التي تشغل الحضانات".

منذ مطلع العام كان معروفاً رسمياً عن نقص 3000 مربية

المعطيات التي تناولتها اللجنة البرلمانية، وتمت مناقشتها بأوصاف حادة كـ"الطوارئ"، ليست جديدة. فمنذ مطلع العام الجاري حذّر منتدى الحضانات النهارية، الذي يدير أطراً تعليمية لـ 120 ألف طفل رضيع، من الوضع وطالب بمساواة أجور المربيات في الحضانات بأجور المساعدات في رياض الأطفال. ووفقاً لتقرير نشرته صحيفة "كلكاليست" الاقتصادية في شباط الماضي، أدى النقص في المربيات إلى إغلاق أكثر من 500 حضانة، ومنع قبول 40 ألف طفل إضافي في الأطر التعليمية.

وفق تقرير المعهد الإسرائيلي للتربية في الطفولة المبكرة – أورانيم، تم في العام 2024 إغلاق 518 حضانة نهارية، والسبب الرئيس هو النقص في المربيات. ومنظمة "نعمات"، أكدت أن هذا يحدث أسبوعياً تقريباً في نحو عشر حضانات، وفي أحسن الأحوال يتمكن الطاقم من إبلاغ الأهالي مسبقاً كي يبحثوا عن ترتيب بديل لرعاية أطفالهم.

منظمة "نعمات" اختصار عبري لـ: نساء عاملات ومتطوعات، هي منظمة نسائية إسرائيلية تأسست العام 1921، وتُعتبر أكبر حركة نسائية في إسرائيل. تعمل وفق موقعها على النهوض بمكانة المرأة في مجالات العمل، التعليم، الأسرة والمجتمع، وتدير شبكات واسعة من الحضانات النهارية، مراكز الدعم الأسري، والبرامج الاجتماعية. تضم عشرات الآلاف من العضوات وترتبط تاريخياً بـاتحاد نقابات العمال- "الهستدروت". وتوضح "نعمات" أن مباني الحضانات قادرة على استيعاب 40 ألف طفل إضافي، لكن لا يمكن تشغيلها لعدم توفر المربيات. وتقدّر النقص بنحو 3,000 مربية، لكنها تضيف أنه من الصعب معرفة العدد الدقيق لأن المربيات يدخلن ويتركن العمل باستمرار. العمل صعب ومتطلب، والأجر هزيل.

منتدى الحضانات النهارية الخاضعة للرقابة (أي العاملة ضمن الجهاز الرسمي وليس تلك الحضانات الخصوصية) يضم 13 منظمة حضانات. وقال ممثلو المنتدى إن الحكومة وعدت سابقاً بمساواة الأجور بين المربيات في الحضانات النهارية الخاضعة للرقابة والمساعدات في رياض الأطفال، إلا أنه في الواقع، ارتفعت أجور المساعدات بآلاف الشواكل، بينما "نسيت" الدولة موازنة أوضاع المربيات اللاتي بقين متخلفات عن الركب. كان في الحضانات النهارية الخاضعة للرقابة نحو 120 ألف طفل تتراوح أعمارهم بين 3 أشهر و3 سنوات، وتعمل فيها حوالي 16 ألف مربية.

الوزارات الحكومية تزعم: هناك ميزانيات لكنها لا تصل إلى المربيات

بحسب وثيقة صادرة عن منتدى الحضانات، فإن الأجر الابتدائي للمربية هو 5900 شيكل، بينما يتراوح أجر المساعدة في رياض الأطفال بين 7000 و8000 شيكل. إضافة إلى ذلك، تعمل المربية 269 يوماً في السنة، بينما تعمل المساعدة وفق العطل الدراسية الرسمية أي 219 يوماً فقط، ولساعات أقل. والنتيجة هي خروج المربيات من الحضانات والتوجه إلى رياض الأطفال.

في العام الماضي، مُنحت المربيات منحة استمرارية على أربع دفعات بمجموع 8600 شيكل، كان من المفترض أن تقرّب أجورهن من أجور المساعدات في رياض الأطفال، كخطوة انتقالية نحو المساواة الكاملة في الأجور. لكن لم يُخصص أي ميزانية لزيادة الأجور، كما تم إيقاف المنحة. وقالت "نعمات" إن تكلفة مساواة الأجور تبلغ نحو 450 مليون شيكل، في حين أن تكلفة المنحة كانت 200 مليون شيكل.

موقف الوزارات الحكومية – أمس واليوم -  يزعم أن الميزانيات لا تصل إلى المربيات، لأن بعض الجمعيات المشغّلة لا تنقل كامل الأموال إليهن. فبحسب قسم الميزانيات في وزارة المالية، وجدت لجنة الأسعار الحكومية أن معظم المشغّلين يدفعون أجوراً أقل مما خُصص لهم، ولهذا رفضت اللجنة رفع المخصّصات مجدداً خشية أن لا تصل الزيادات إلى العاملات فعلياً – كما ادعى.

وزارة التربية والتعليم تدعي أنها تعمل مع المالية على بناء آلية رقابة جديدة، أما البلديات فحذرت على لسان ممثليها من "انفصال تام بين صُنّاع القرار والواقع الميداني". فيما تقول المنظمات الناشطة إن الدولة لم تضف تمويلاً بل رفعت مدفوعات الأهالي. وشككت في الادعاء الذي تطرحه وزارة المالية بأن 80% من المشغلين يدفعون للحاضنات أقل مما يتلقون. وقالت "نعمات": رغم كل الطلبات، لم يُعرض التقرير الذي استندت إليه وزارة المالية لطرح هذا الادعاء. هذا معطى غير منطقي. المنظمات الكبيرة تدفع أكثر مما تحصل عليه.

بحث: السبب المركزي للأزمة غياب سياسة حكومية موحدة وممولة

استمرار الجدل يسلط الضوء على مواصلة الحكومة تجاهل توصيات تقرير المعهد الإسرائيلي للتربية في الطفولة المبكرة – أورانيم، الذي أكد أن غياب سياسة حكومية موحدة وممولة بشكل مستقر هو السبب المركزي للأزمة البنيوية في رعاية وتعليم الأطفال حتى سن 3 سنوات، ويدعو إلى اعتبار هذه المرحلة أولوية وطنية في السياسة التعليمية والاجتماعية.

وكانت توصياته كالتالي:

إنشاء هيئة وطنية موحدة تُشرف على التعليم في سنّ الطفولة المبكرة، وتجمع المعطيات عن كل الأطر، بما في ذلك الخاصة وغير الخاضعة للرقابة. ووضع تشريع جديد يُعرّف رسمياً مفهوم "التعليم العام في الطفولة المبكرة" وينظّم شروط الترخيص والاعتراف. وتحسين أجور المربيات والمربّين وتوسيع برامج التدريب والتأهيل المهني، لمواجهة النقص الحاد في القوى البشرية. وتوحيد نظام التمويل بين وزارات التعليم، المالية، والرفاه لضمان شفافية وصول الميزانيات إلى العاملات وليس فقط إلى الجمعيات المشغّلة. وتوسيع نطاق السّبْسَدة للأهالي، خاصة في المدن الفقيرة والبلدات العربية والجنوبية، لتقليص الفجوات في فرص الوصول إلى التعليم المبكر. وتحسين آليات الرقابة والجودة في الحضانات القائمة، وإلزام كل مؤسسة بمستوى تأهيل وإشراف تربوي واضح. وإقامة قاعدة بيانات وطنية علنية تشمل كل الحضانات (الرسمية والخاصة) لضمان الشفافية والمساءلة.

أخيراً، لوضع الأمور في السياق: بلغت تكلفة الحرب منذ تشرين الأول 2023 ما يقارب 125 مليار شيكل حتى أوائل 2025. العجز في ميزانية الدولة ارتفع إلى نحو 6.9% من الناتج المحلي الإجمالي العام 2024، نتيجة الإنفاق الحربي المرتفع. وجاء في مقترح ميزانية 2025، أنه "إذا أعطينا لقطاع ما، فعلى الأرجح أن نأخذ من آخر". مثلا، تمّ اقتطاع مبالغ مخصصة للتعليم أو تأخر تنفيذ برامج التعليم المبكر، في حين أن الأولوية السياسية الحالية وتوزيع الموارد يميل نحو الأمن والعسكرة...

المصطلحات المستخدمة:

نعمات, الهستدروت, الكنيست

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات