المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
  • تقارير، وثائق، تغطيات خاصة
  • 36
  • ياسر مناع

عُقد يوم 15 تشرين الأول 2025، اجتماع خاص للجنة الخارجية والأمن في الكنيست بناءً على طلب عضو الكنيست تسفي سوكوت، لمناقشة "تصاعد ظاهرة التهريب عبر الحدود الجنوبية بواسطة الطائرات المسيّرة (الدرونات)"، وهي ظاهرة آخذة في الاتساع بشكل ملحوظ خلال الأشهر الأخيرة وفق الادعاءات الإسرائيلية. أحد الجوانب المهمة في هذه القضية هو غياب التعاون بين الأجهزة الأمنية الإسرائيلية في مواجهة الظاهرة. فكل جهة تدّعي أن معالجة المشكلة تقع ضمن صلاحيات الجهة الأخرى.[1]

شارك في الجلسة عدد من أعضاء الكنيست، إلى جانب ممثلين عن الأجهزة الأمنية، وعن منظمة "الحارس الجديد" التي عرضت "خطة شاملة للتعامل مع هذا التهديد المتنامي، بهدف تعزيز قدرة إسرائيل على مراقبة الحدود الجنوبية والتصدي لعمليات التهريب المتكررة التي تهدد الأمن الإسرائيلي".

وخلال النقاش، تطرّق المشاركون إلى عمليات تهريب الطائرات المسيّرة من الحدود المصرية، مؤكدين أنّها باتت تمثّل خطراً فعلياً على أمن إسرائيل. وأعرب عدد من أعضاء الكنيست وسكان مستوطنات المناطق الحدودية عن قلقهم البالغ من استمرار الظاهرة، متسائلين عن أسباب عجز الأجهزة الأمنية الإسرائيلية عن وضع حدّ نهائي لها.

أوضح ضابط الأمن في مستوطنة قادش برنيع الواقعة على الحدود مع مصر، أنّ حجم عمليات التهريب عبر المنطقة يفوق بكثير ما يُذكر في التقارير الرسمية، مشيراً إلى أنّ عدد الطائرات المسيّرة التي تُحلّق يومياً عبر الحدود أكبر بكثير من التقديرات المتداولة.

تتناول هذه المساهمة أساليب التهريب والأرقام غير المسبوقة التي سُجّلت مؤخراً على الحدود المصرية – الإسرائيلية وفق المصادر الإسرائيلية، كما تستعرض أبرز النقاشات والحلول المقترحة إسرائيلياً على المستويات الحكومية والبرلمانية والميدانية لمواجهة هذه الظاهرة المتصاعدة.

طريقة التهريب

يجلس المهرّبون في بعض المناطق في أرض تبعد نحو ثمانية كيلومترات عن الحدود، بينما في مناطق أخرى يصل المهربون الإسرائيليون بهدوء إلى نقاط تبعد 1 - 5 كيلومترات عن الجدار الحدودي، فتختلف نقاط الانطلاق حسب التضاريس والاستراتيجية الميدانية.[2]

منذ أن بدأت إسرائيل في العام 2010 بناء حاجز حدودي كبير، واكتمال السياج بطول 241 كيلومتراً العام 2013، تغيّرت طرق التهريب: بعد تغيير سياسة إطلاق النار راقب المهربون الجدار وابتعدوا عنه، فبرزت ظاهرة استخدام الطائرات المسيّرة التي تسرّعت منذ أيار 2024.[3]

تُشغّل الطائرات المسيّرة من الجانب الإسرائيلي فتعبر فوق مناطق مأهولة في فتحة نيتسانا إلى الجانب المصري حيث تُحمّل بالمخدرات أو الأسلحة من قبل مهربين هناك، ثم تعود إلى داخل إسرائيل، وفي بعض الليالي تقوم الطائرة الواحدة بعدة رحلات ذهاباً وإياباً ويُحتسب كل مسار كعملية تهريب منفصلة.

رغم شيوع التحليق فوق مناطق مأهولة، فإن التعليمات الميدانية للجنود تقضي بالسماح بإطلاق خمس رصاصات فقط على الطائرة لإسقاطها، خشية أن ينزلق إطلاق النار إلى الأراضي المصرية ويتسبب في حادث أمني. وتُؤمن الحدود في الوقت الراهن فرقة باران التي تضمّ كتيبتين نظاميتين فقط: كراكَال وباردلاس إلى جانب فرق تأهب ودعم من الشرطة.

أرقام متصاعدة وإجراءات محدودة

أظهرت المعطيات التي عُرضت أمام لجنة الخارجية والأمن في الكنيست تصاعداً لافتاً في ظاهرة التهريب بواسطة الطائرات المسيّرة من الحدود المصرية إلى داخل إسرائيل خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة، إذ سُجِّلت نحو 900 عملية تهريب، تحديداً 896 عملية، مقارنة بـ 464 عملية في الفترة ذاتها من العام 2024، ما يشير إلى تضاعف حاد في حجم الظاهرة.

ووفقاً لتقرير مراسل قناة i24NEWS في الجنوب، فقد بلغت عمليات التهريب الجوي عبر الحدود المصرية مستويات غير مسبوقة؛ إذ تعبر يومياً ما بين 20 إلى 40 طائرة مسيّرة محمّلة بأسلحة، ومخدرات، وذخائر، وسجائر، وأحياناً حتى بحيوانات حيّة. وتنفّذ بعض هذه الطائرات عدّة رحلات ذهاباً وإياباً في الليلة الواحدة، ويُحتسب كل مسار كعملية تهريب مستقلة، بحيث يصل المعدل الشهري إلى ما بين 700 و1,000 عملية تهريب. [4]

وخلال عيد رأس السنة العبرية وحده، جرى تسجيل 550 طائرة مسيّرة خلال ثلاثة أيام فقط، بمعدلٍ يومي تجاوز 100 عملية تهريب. وتستطيع الطائرة الواحدة نقل ما يصل إلى 100 كغم من المواد المهرّبة، بما في ذلك عشر بنادق M-16  أو أربع رشاشات ماج، بل وأحياناً أسلحة نوعية مثل صواريخ مضادة للدروع وعبوات ناسفة.

وتشير بيانات مجلس مستوطنات رامات هنيغف الإقليمي، استناداً إلى معطيات الفرقة العسكرية 80، إلى أنّ ظاهرة التهريب بالطائرات المسيّرة بدأت بالتصاعد منذ العام 2024؛ إذ سُجِّلت 104 عمليات تهريب في النصف الأول من ذلك العام، و464 عملية في النصف الثاني، ثم 559 عملية خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة منه. أما في الربع الأول من العام 2025، فقد ارتفع العدد إلى 627 عملية تهريب، أي ما يقارب الضعف مقارنة بالفترة ذاتها من العام السابق. وتشير الإحصاءات الأحدث إلى تنفيذ 896 عملية تهريب خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة، في مقابل أقل من نصف هذا العدد في الفترة الموازية من العام 2024.[5]

ورغم إدخال الجيش الإسرائيلي أنظمة تكنولوجية جديدة لمكافحة هذه الظاهرة، إلا أنّ الانخفاض في عدد الحوادث كان نسبياً ومحدوداً. وقد عبّر ضابط الأمن في مستوطنة قادش برنيع الحدودية، عن صعوبة الواقع الذي يعيشه سكان المستوطنة، قائلاً: "بدأنا العام الماضي بخمس عمليات تهريب في الشهر، وبعد شهرين ارتفع العدد إلى تسعين. وفي عيد رأس السنة وحده سُجِّلت 550 عملية خلال ثلاثة أيام، والطائرات تمرّ من فوق رؤوسنا".

من يتحمّل المسؤولية؟

شهدت جلسة الكنيست نقاشاً حاداً حول مسؤولية التعامل مع ظاهرة تهريب الطائرات المسيّرة من الحدود المصرية. إذ أن بتسلئيل غينوسار، مسؤول المناطق في منظمة الحارس الجديد، وجّه انتقاداً شديداً لما وصفه بانعدام المسؤولية وتشتت الصلاحيات بين الأجهزة المختلفة، متسائلاً: من هو الشخص الذي يعتبر هذا الملف مسؤوليته؟ من يدرجه في ميزانية العام 2026؟ ومن يقدّم تقريراً عن المعالجة؟ لا أرى جهة تعتبر هذا واجبها اليومي.

من جانبها، حذّرت ليمور سون هار - ميلخ، نائبة رئيس الكنيست وعضو حزب "عوتسما يهوديت"، من استمرار تفاقم الظاهرة رغم التحذيرات السابقة، مشيرة إلى أنّها ليست جديدة، إذ سبق أن نُظّمت حولها مؤتمرات بمشاركة أعضاء كنيست، لكن إسرائيل - كما يحدث عادة - لا تتعامل مع القضايا إلا بعد أن تنفجر. وطالبت بتحديد واضح للصلاحيات بين الجيش والشرطة والشاباك، وتساءلت عمّا إذا كانت هناك منظومة قانونية تنظم العمل، وإن لم تكن موجودة، فهل يلزم تعديل تشريعي يتيح للقوات الميدانية الرد الفوري بدون التعرض للمساءلة القانونية؟[6]

بدوره، قال عضو الكنيست تسفي سوكوت، صاحب طلب النقاش، إن الأسلحة المهرّبة من الحدود مع مصر تهدف إلى السيطرة على قواعد الجيش في الجنوب، محذراً من أن "العدو يتسلّح بحرية من داخل إسرائيل"، وأن هذه الأسلحة "تُستخدم من قبل التنظيمات الإرهابية التي تُخطط منذ الآن لعملية السابع من أكتوبر القادمة". وأضاف: "إن كنا في الماضي نتحدث عن أنفاق تحت الأرض، فإننا اليوم أمام أنفاق في الهواء". معتبراً أن الظاهرة تمثّل تهديداً أمنياً وجودياً يستوجب استجابة وطنية عاجلة.

أما النائب يولي إدلشتاين، فقال إن النقاش تجاوز الطابع الأمني وأصبح مسألة استراتيجية، إذ إن حماس تعيد بناء قدراتها، والطائرات المسيّرة أحد المسارات المحتملة لذلك، داعياً إلى تحرك سريع قبل فوات الأوان. في المقابل، أشار النائب عميت ليفي إلى أن الكنيست ناقش المسألة قبل عام من دون أي تقدم ملموس، معتبراً أن استمرار الوضع يشكّل "انتهاكاً صريحاً للسيادة الإسرائيلية".

وختم بتسلئيل غينوسار بالتأكيد أن الطائرات المسيّرة تنتشر أيضاً في مناطق أخرى مثل وادي عربة، متسائلاً من جديد: من الذي يعرض خطة عمل للحكومة؟ من يقدّم تقريراً للمساءلة؟ وشدّد على أن الملف يشمل الجيش والشرطة وحرس الحدود والشاباك، وأن التعامل مع تهريب السلاح لا يجوز أن يُختزل كقضية جنائية عادية، بل يجب إعادة تعريفها كقضية أمن قومي تتطلب تنسيقاً مؤسساتياً واضحاً.

الحلول المقترحة لمواجهة التهريب عبر الحدود المصرية

أولاً: توحيد جهود المنظومة الأمنية

في أعقاب هذا النقاش في الكنيست أصدر رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو تعليماته إلى وزارة الدفاع وسائر الأجهزة الأمنية ذات الصلة بإعداد توصيات عملية ومتكاملة تهدف إلى القضاء على عمليات تهريب الأسلحة عبر الحدود بين مصر وإسرائيل، على أن تُقدَّم هذه التوصيات خلال شهرين. تهدف هذه الخطة إلى توحيد الجهود الأمنية والعسكرية والتقنية ضمن إطار حكومي منسّق يقدّم حلولاً تنفيذية قابلة للتطبيق في الميدان.[7]

ثانياً: المسار التشريعي

أشارت نائبة رئيس الكنيست ليمور سون هار- ميلخ  إلى وجود ثلاثة مقترحات قوانين قيد التداول لمواجهة الظاهرة من زوايا متعددة:

  1. قانون لترخيص وتنظيم استخدام الطائرات المسيّرة، يحدّد شروط اقتنائها وتشغيلها ومراقبتها.
  2. قانون لمكافحة شبكات التهريب، يتضمن عقوبات رادعة وتوسيع صلاحيات الجهات الأمنية في الميدان.
  3. قانون لتطوير منظومات دفاعية تكنولوجية متخصصة في رصد واعتراض الطائرات المسيّرة.

وأكدت ليمور سون هار- ميلخ أن هذه القوانين الثلاثة تشكّل حزمة تشريعية متكاملة تمكّن الدولة من بناء استجابة فعّالة ومترابطة، شرط أن يتم تنسيق التنفيذ بين الجهات العسكرية والأمنية والقانونية بصورة منسّقة ومدروسة.

ثالثاً: خطة منظمة الحارس الجديد

قدّم بتسلئيل غينوسار، مدير المناطق في منظمة الحارس الجديد، خطة عمل ثلاثية المحاور للتعامل مع الظاهرة، تقوم على:

  1. إنشاء هيئة حكومية موحّدة تتولى المسؤولية التنفيذية عن مكافحة تهريب الطائرات المسيّرة، وتنسّق بين الجيش والشرطة والشاباك وحرس الحدود.
  2. إقرار تشريع خاص ومحدّد يوضّح آليات المواجهة والعقوبات، ويمنح صلاحيات قانونية موسّعة للقوات العاملة في الميدان.
  3. تعزيز الاستيطان الزراعي والأمني في المناطق الحدودية، لا سيما عبر تحويل مناطق إطلاق النار إلى أراضٍ زراعية إسرائيلية، من منطلق أن الوجود المدني- الصهيوني الدائم يشكّل رافعة أمنية واستراتيجية لتحقيق الاستقرار وردع التهريب.

رابعاً: المبادرات الاستيطانية

قدّم المستوطنون والمزارعون في بني نتساريم، التابعة للمجلس الإقليمي إشكول، سلسلة من المبادرات الميدانية التي تهدف إلى الحدّ من ظاهرة تهريب الطائرات المسيّرة عبر الحدود الجنوبية. تمحورت هذه المقترحات حول تعزيز الوجود الاستيطاني والزراعي في المنطقة بوصفه عنصراً أمنياً فعّالاً.

أكّد السكان أن إقامة سلسلة من المستوطنات الزراعية بين إشكول ورمات هنيغف تمثّل خطوة حيوية لتأمين الحدود، مشيرين إلى أنّه حين كان شارع رقم 10 مفتوحاً أمام المتنزهين، لم تُسجّل أي عمليات تهريب. كما تحدّثوا عن فرقة التأهب التي تعمل ضد المهرّبين، موضحين أنهم في ظل غياب الدعم الكافي من السلطات اشتروا مركبات ميدانية خاصة لتمكينهم من ملاحقة المهرّبين بفعالية أكبر.

وطالب السكان بتوسيع التنسيق مع وحدات الجيش والشرطة، وبالحصول على دعم مالي ولوجستي مباشر لتقوية قدرتهم على العمل الميداني، مؤكدين أن الجهد الأهلي وحده لا يكفي من دون مساندة أمنية رسمية. كما شددوا على ضرورة إشراك سلطة أراضي إسرائيل في دعم الزراعة الحدودية، وفتح شارع رقم 10 مجدداً بما يتيح الحركة المدنية ويُظهر السيادة الإسرائيلية الفعلية على الأرض.

 

[1] فيلد أربلي، الظاهرة تضاعفت والدولة تتجاهل: التهديد على الحدود الجنوبية خرج عن السيطرة، معاريف، 15 تشرين الأول 2025، https://www.maariv.co.il/news/politics/article-1241808.

[2] كوريئيل إيلانا. "900 عملية تهريب خلال 3 أشهر: ’طوفان من الطائرات المسيّرة من الحدود المصرية’، البيانات الكاملة"، يديعوت أحرونوت، 15 تشرين الأول 2025.

[3] عمانوئيل فابيان، الحدود مع مصر قد تشتعل، صحيفة "زمان يسرائيل"، 22 كانون الثاني 2025. https://www.zman.co.il/556769/popup/

[4] أرنولد نتييف. "حصرياً: الأرقام غير القابلة للتصديق وراء عمليات التهريب على الحدود مع مصر"، i24NEWS، 30 أيلول 2025، https://www.i24news.tv/he/news/news/defense-news/artc-43846

[5] كوريئيل إيلانا، مصدر سبق ذكره.

[6] عميحاي شيلا، "عمليات التهريب على الحدود مع مصر تخرج عن السيطرة، والسكان يوجّهون أصابع الاتهام إلى الشاباك"، كول يهودي، 15 تشرين الأول 2025،  https://2u.pw/lXR2Sj

[7] هيزكي باروخ. "نتنياهو يتحرك لمواجهة تهديد الطائرات المسيّرة القادمة من مصر"، أخبار إسرائيل الوطنية، 15 تشرين الأول 2025، https://www.israelnationalnews.com/news/416288

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات