افتتح الكنيست الإسرائيلي الـ 25 هذا الأسبوع، الدورة الشتوية الأخيرة، وفي الوقت ذاته، عامه البرلماني الأخير، الذي سينتهي بانتخابات برلمانية؛ ويبقى السؤال عن موعدها، فهل ستكون مبكّرة في ربيع العام المقبل 2026، أم في موعدها القانوني، في نهاية تشرين الأول 2026، وهذا هو الاحتمال الأقوى؛ إذ ليس لدى بنيامين نتنياهو ما يهدد حكومته، إلا إذا رأى فرصة سانحة لفوز حاسم في انتخابات مبكرة، فعلى الأغلب أنه سيحتاج لهذا العام الكامل (12 شهرا)، لترتيب أوراق داخلية عدة، بعد ما يبدو حاليا أن الحرب قد انتهت. وسيشهد الائتلاف الحاكم في الدورة الشتوية جاذبات، وشد حبل، إلا أن أيا من الشركاء ليس معنيا بانتخابات مبكرة، قد تفقده الشراكة السياسية الأمثل بالنسبة له، ويخاطر بعدم العودة إلى الحكم.
واستمرار الولاية البرلمانية حتى الآن، مع احتمال قوي لاستكمال السنوات الأربع القانونية، حطم كل التوقعات بانتخابات مبكرة، التي لم تتوقف منذ أن بدأ التداول بها، مباشرة مع تشكيل الحكومة الحالية، بعد نحو شهرين من الانتخابات الأخيرة، التي جرت يوم 1 تشرين الثاني 2022.
لكن كان واضحا لنا، منذ ذلك الحين، أن الحديث عن سقوط الحكومة كان منسلخا عن واقع هذه الحكومة، من جانب مركّباتها، التي تشكّل فريق الليكود الحاكم، بقيادة بنيامين نتنياهو، وتلتقي على قاعدة سياسية متينة، اليمين الاستيطاني المتطرف، وبضمنه التيارين الدينيين: الديني الصهيوني المتشدد، والحريديم المتزمت؛ إذ لم يكن أي خيار أفضل لكل واحدة من الكتل البرلمانية؛ وهذه الحال مستمرة، على الرغم من خروج كتلة يهدوت هتوراة من الائتلاف، إذ لا أحد يتعامل مع هذه الكتلة على أنها كتلة معارضة، وهي لن تسعى لإسقاط الحكومة، على الأقل في المدى المنظور.
خياران أمام نتنياهو
يقف بنيامين نتنياهو أمام خيارين لا ثالث لهما، في سنة انتخابات: تقديم موعد الانتخابات ببضعة أشهر، بمعنى إلى ربيع العام المقبل، أو الاستمرار في الحكم حتى يوم الانتخابات الذي يقرّه القانون، 27 تشرين الأول من العام 2026، وإذا حصل هذا الاحتمال الثاني، تكون إسرائيل قد استكملت ولاية برلمانية كاملة، بموجب القانون، لأول مرّة منذ العام 1988.
وخيار تقديم موعد الانتخابات سيكون في حالتين فقط: أولا، أن يرى نتنياهو انقلابا في استطلاعات الرأي العام تمنح فريقه الحاكم أغلبية مطلقة واضحة، وأكثر من التي أفرزتها الانتخابات السابقة لهذا الفريق، وليس فقط تحسن وضعية الليكود. وثانيا، أن لا تنجح حكومته في إقرار الميزانية العامة، للعام المقبل 2026، حتى اليوم الأخير الذي ينص عليه القانون، 31 آذار من العام المقبل.
فحتى الآن، يتأخر إعداد الميزانية بشكل كامل، إذ أنه من المتّبع أن يصوّت الكنيست على الميزانية بالقراءة الأولى مع بدء الدورة الشتوية، لكن حصل مرارا تأخير كهذا. والتأخير الحالي يعود لعدم وضوح الرؤية، من حيث استمرار الحرب، أو حالة التأهب، فهذا سينعكس مباشرة على ميزانية الجيش وحجمها، وأيضا تبعات استمرار حالة الحرب على الاقتصاد.
وقد يرى البعض أن هذه الحكومة أمام احتمال تفككها على خلفية قضيتين، الأولى قانون تجنيد الحريديم، وهذا ما سنأتي عليه هنا، والثانية إذا ما تم فعلا انتهاء الحرب، وسد احتمال تطبيق ما يدعو له أشد المتطرفين في حكومة التطرف، وهو إعادة احتلال قطاع غزة، وتهجير أهاليه، ولو غالبيتهم، واستيطان القطاع من جديد، لكن المؤشرات البادية حتى الآن تقول إن دعاة هذا المشروع خفت صوتهم نسبيا، وكما يبدو أنهم استوعبوا الواقع العالمي، أكثر من أي شيء آخر.
وفي الواقع القائم، فإن نتنياهو يحتاج إلى هذا العام كاملا، منذ الآن، لأنه سيستثمر الوقت في السعي لترميم الكثير من الأوضاع، التي على أساسها تراجعت القوة البرلمانية المجتمعة للائتلاف الحاكم في الاستطلاعات، وخسر الأغلبية المطلقة، باستثناء سلسلة استطلاعات تنشرها القناة التلفزيونية 14 اليمينية الاستيطانية المتطرفة، وهي استطلاعات تنقض جميع استطلاعات الرأي التي تنشرها وسائل الإعلام الإسرائيلية الأخرى، وأحيانا معاهد بحثية.
وأول شيء سيسعى له نتنياهو تخفيف الضربات الاقتصادية، التي وقعت على الجمهور في عامي الحرب، وخاصة في مجال الضرائب، وبموازاة ذلك، فإن تحسن الأوضاع الاقتصادية قد تقود بنك إسرائيل المركزي إلى خفض تدريجي ملموس للفائدة البنكية، وهو قرار لا سيطرة عليه من الحكومة.
كذلك سيراهن نتنياهو على أن انتهاء الحرب سيغيّر المزاج العام، ويعيد له بعضا من قوته السياسية، إلا أن نتنياهو لم ينفك عن إطلاق التهديدات باستئناف الحرب، على خلفية عدم تسلم كل جثث القتلى الإسرائيليين المحتجزين في القطاع، وحاليا يصعب الوصول اليها بفعل الدمار الذي خلفته الحرب.
على أجندة الدورة الشتوية
القضيتان المركزيتان، اللتان ستكونان على أجندة الدورة الشتوية الجديدة، هما ميزانية الدولة للعام المقبل، وهذه ما أسلفنا الحديث عنها هنا، والقضية الثانية، وهي الملتهبة، قانون تجنيد الشبان الحريديم، لكن ليس هذا فقط، بل سيسعى الائتلاف الحاكم لاستئناف محاولاته لتغيير ركائز الحكم، من حيث صلاحيات جهاز القضاء أولا، وبضمنه جهاز المستشارة القانونية للحكومة والوزارات، مع استمرار استهداف المستشارة القانونية الحاليّة للحكومة، غالي بهراف- ميارا، والسطوة السياسية على الجهاز المهني الثابت في الوزارات ومؤسسات الحكم.
وأكثر من هذا، حسب تقارير صحافية، سيسعى الائتلاف لزيادة القيود على الترشح للانتخابات، وهنا استهداف واضح للأحزاب والحركات التي أساس نشاطها في المجتمع العربي، كسعي لكسر الجسم البرلماني الذي يهدد استمرار الحكومة الحالية، بعد الانتخابات المقبلة، والقصد هنا لا يعني شراكة هذه الأحزاب في الحكومة المقبلة، وإنما تغييبها عن الانتخابات قد يعيد توزيع الأصوات، بشكل يعزز قوة الائتلاف الحاكم، لكن حتى الآن الحديث عن مسعى لمنع حزب أو أكثر، أو إلغاء ترشيح شخصيات ستكون مستهدفة منذ الآن.
والتقديرات قوية بالنسبة للتوصل إلى صيغة توافقية بين كتلتي الحريديم وباقي مركّبات الائتلاف الحاكم، بشأن قانون فرض الخدمة العسكرية على شبان الحريديم، إذ بحسب تقارير إعلامية، فإن مفاوضات هادئة جارية بين رئيس لجنة الخارجية والأمن البرلمانية، بوعاز بيسموت، من حزب الليكود، وكتلتي الحريديم، اللتين ستضغطان لإنجاز القانون حتى نهاية العام الجاري.
لكن من جهة أخرى، فإن أي صيغة سيرضى بها الحريديم، ستكون عليها اعتراضات من جهات سياسية وغيرها، من دعاة فرض الخدمة كاملة على الحريديم، ما يعني تقديم التماسات إلى المحكمة العليا ضد القانون، لكن التماسات كهذه، حتى استكمال النظر فيها، وصدور قرار افتراضي من المحكمة يطلب تعديلات على القانون، يكون الكنيست قد شارف على الخروج إلى عطلة انتخابات، في حال جرت في موعدها القانوني، وبهذا يكون الائتلاف قد دحرج هذه القضية إلى الحكومة التالية التي ستتشكل بعد الانتخابات.
آخر الاستطلاعات
تشير آخر الاستطلاعات في جميع وسائل الإعلام، باستثناء استطلاعات القناة 14 التلفزيونية، اليمينية المتطرفة، السابق ذكرها، أن أيا من الفريقين، الحاكم، والمعارضة الصهيونية، لن يحقق أغلبية مطلقة، فيما لو جرت الانتخابات في هذه الأيام. وفي الوسط، تمنح استطلاعات الرأي 10 مقاعد مناصفة بين الكتلتين اللتين تمثلان الجمهور العربي، كتلة "الجبهة الديمقراطية والعربية للتغيير"، وكتلة "القائمة العربية الموحدة".
وهذه إحدى نقاط ضعف جميع الاستطلاعات، التي باتت وكأنها تخصص 10 مقاعد للعرب، بناء على نتائج الانتخابات قبل 3 أعوام، علما أن القوة المجتمعة للكتلتين، مع قائمة "التجمع الوطني الديمقراطي"، التي لم تجتز نسبة الحسم، يومها، كانت توازي 14 مقعدا، وأن أي تحالف جديد، من شأنه أن يعيد المقاعد الأربعة المفقودة لتكون فعلية، واحتمال لأكثر، وهذا ما سيكون على حساب فريقي الائتلاف، والمعارضة الصهيونية.
آخر الاستطلاعات، التي ظهرت في نهاية الأسبوع الماضي، قبل أيام قليلة من افتتاح الدورة البرلمانية، منحت الفريق الحاكم مجتمعا، ما بين 51 إلى 52 مقعدا، وفريق المعارضة الصهيونية ما بين 58 إلى 59 مقعدا، والباقي كما ذكر، 10 مقاعد "مخصصة" للعرب. لكن في هذا الجانب، نرى أن كل الاستطلاعات تقريبا، تتوقع أن لا يجتاز بيني غانتس مع حزبه نسبة الحسم، وأن حزب "يوجد مستقبل"، بزعامة يائير لبيد، سيخسر ما بين 15 إلى 17 مقعدا، من المقاعد الـ24 التي له الآن.
وما زال حزب "الصهيونية الدينية"، بزعامة وزير المالية بتسلئيل سموتريتش، يصارع نسبة الحسم، التي تضمن تمثيل 4 مقاعد، فتارة يجتازها، وتارة أخرى يخسر التمثيل البرلماني، في حين أن شريكه السابق، إيتمار بن غفير، تتوقع له استطلاعات الرأي، أن يزيد تمثيله الحالي من 6 مقاعد حاليا، إلى ما بين 7 وحتى 9 مقاعد.
نقطة الضعف الأخرى، المستمرة في جميع استطلاعات الرأي، هي القوة المتوقعة لكتلي الحريديم، وهذا ما أشرنا له في السابق، إذ حاليا يسيطر حزب شاس، بزعامة آرييه درعي، على 11 مقعدا، بينما تحالف يهدوت هتوراة له 7 مقاعد، علما أنه في الانتخابات السابقة خسر هذا التحالف فائضا بأكثر من نصف مقعد.
وقوة الحريديم تعتمد بنسبة 85% تقريبا على جمهور الحريديم، فحزب شاس يحصل عادة على مقعدين من شرائح في الجمهور الشرقي، التي تعيش ظروفا اقتصادية أضعف من غيرها، بينما 95% من أصوات تحالف يهدوت هتوراة تأتي من جمهور الحريديم، وهذه معطيات ترتكز على تحليلنا لنتائج الانتخابات، في جولات السنوات الأخيرة.
ولا يبدو أن هاتين القائمتين ستخسران من جمهور الحريديم، أضف إلى هذا، فإنه بفعل نسب التكاثر الطبيعي لدى الحريديم، حوالي 4% سنويا، فإن قوة الحريديم بين ذوي حق التصويت، تزداد كل أربع سنوات بأكثر من مقعد برلماني كامل، أضف إلى هذا أن نسبة التصويت لديهم هي ما بين 88% إلى 92%، مقابل نسبة عامة بحوالي 71%، ما يعني أن هاتين القائمتين ستفوزان بمقعد، وعلى الأغلب مقعدين إضافيين، في الانتخابات المقبلة، ليصل المجموع إلى 20 مقعدا، بينما استطلاعات الرأي تمنحهما بالمعدل، 15 إلى 16 مقعداً.
ما يراد قوله إن حوالي 4 مقاعد للحريديم، ومثلها وأكثر لدى العرب، ستعيد توزيع المقاعد بشكل مختلف عما يظهر في استطلاعات الرأي.
المصطلحات المستخدمة:
الصهيونية, بتسلئيل, لجنة الخارجية والأمن, الكتلة, الليكود, الكنيست, بنيامين نتنياهو, يائير لبيد, آرييه درعي