المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
نتنياهو في الكنيست في 13 الجاري حيث ألقى ترامب خطاباً. (أ.ف.ب)
  • تقارير، وثائق، تغطيات خاصة
  • 52
  • شيرين يونس

لم ينقشع غبار الحرب تماما في قطاع غزة الذي لا يزال يعد شهداءه ويحصي جرحاه ومفقوديه ويتفقد أهله المباني التي دمرتها حرب العامين. وفي إسرائيل لا يزال النقاش محتدما بل زاد حدة بشأن ما حققته هذه الحرب من نتائج وهل بلغت الأهداف التي أعلنتها الحكومة.

يقول الجنرال المتقاعد إسحق بريك، المعروف في الأروقة الإسرائيلية بأنه "نبي الغضب" والذي حذر مرارا خلال الحرب من التوغل البري واستمرار الحرب وعدم جهوزية الجيش للمعارك البرية، في مقالة نشرها في صحيفة "معاريف" بعد التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار إن الهدف الذي حدده رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو لهذه الحرب من خلال إسقاط حماس غير قابل للتحقيق منذ البداية، فحماس لن تسلم سلاحها ولن تهزم بشكل كامل من جانب الجيش الإسرائيلي. وهو ما يشير إلى أن هدف نتنياهو لم يتحقق عمليا (وفق بريك) إلى جانب أن الجيش الإسرائيلي سينسحب في نهاية المطاف من مساحة قطاع غزة كاملة مع الإبقاء على انتشار محدود في مناطق فاصلة عن المستوطنات الإسرائيلية ضمن ما يعرف بـ"البيريمتر". ويبني بريك توقعاته هذه على أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب هو من دفع فعليا إلى هذا الاتفاق ومن سيضغط على الأطراف لتطبيق كل المراحل الواردة فيه.

في المقابل لا تزال هناك بعض الجهات الإعلامية والسياسية في إسرائيل التي تشير إلى مخاوف من قرار العودة إلى الحرب في حال أدار ترامب ظهره للمنطقة وانشغل في ملفات أخرى أو إن وجد نتنياهو بتلك العودة وسيلة تزيد استقرار ائتلافه وأيام حكومته. ويرى هؤلاء أن عدم إعادة جثث المحتجزين الإسرائيليين من قطاع غزة دفعة واحدة قد يكون أحد دوافع نتنياهو لاستئناف التوتر، غير أن وسائل إعلام كانت قد نشرت أن الجيش والأجهزة الأمنية أوصت الحكومة باستخدام الطرق الدبلوماسية لتجاوز "أزمة الجثث".

بكل الأحوال فإن أداء رئيس الحكومة الإسرائيلية في الأيام التي أعقبت زيارة الرئيس الأميركي إلى المنطقة يوحي بأن الرجل يستعد لكل السيناريوهات بما فيها إطالة أمد حكومته الحالية بقدر الإمكان وإعادة الأحزاب الدينية "المحتجة" إلى صفوفها. فنتنياهو الذي يقال إسرائيليا وتوضح تصريحات دونالد ترامب أن الاتفاق فرض عليه بات يتحول نحو استغلال كل مراحل الاتفاق لترتيب أوراقه السياسية، خاصة وأن خطة ترامب تسعى لتوسيع إطار اتفاقات التطبيع بين إسرائيل وعدد من الدول العربية والإسلامية على رأسها المملكة العربية السعودية.

ويكثر رئيس الحكومة الإسرائيلية في الأيام الأخيرة الحديث عن وحدة الإسرائيليين، وضرورة تثبيتها بعد الحرب، كما يحاول مخاطبة الشارع من خلال خطوات من شأنها أن تزيد شعبيته كزيارة المحتجزين الذين أفرجت حماس عنهم أو الاتصال بذوي الموتى. كما أنه سعى ووزير الدفاع إلى تغيير الاسم الإسرائيلي للحرب على غزة من "السيوف الحديدية" إلى حرب "الانبعاث" أو "النهوض" وهو بهذه الخطوات يحاول تعزيز رواية الانتصار الإسرائيلي على حماس مستعدا بذلك للانتخابات المقبلة. فمع افتتاح الدورة الشتوية للكنيست يكون العد التنازلي للانتخابات قد بدأ ليبقى السؤال هل ستعقد في موعدها المحدد في أواخر تشرين الأول المقبل أم أن إسرائيل ستشهد انتخابات مبكرة؟

ما من إجابة واضحة حقا لهذا السؤال، فهي تتعلق بعوامل كثيرة نعدد بعضها كما وصفها مراقبون إسرائيليون:

تقول الصحافية دافنا ليئيل، مراسلة الشؤون السياسية في القناة الثانية عشرة الإسرائيلية، إن ائتلاف نتنياهو بشكله الحالي قد لا يشهد مزيدا من الانسحابات خاصة من جانب حزبي بتسلئيل سموتريتش وإيتمار بن غفير اللذين لم يعد لديهما "مصلحة" انتخابية بالانسحاب خاصة أن الاتفاق أعاد المحتجزين الأحياء دفعة واحدة ورتب من جانب رئيس أميركي مقبول على أروقة اليمين. وتتابع ليئيل قراءتها بالقول إن بن غفير وسموتريتش قد يلجآن بين وقت لآخر إلى اتهام الحكومة ورئيسها بالتراجع أو الضعف أمام حماس لكنهما لن يذهبا باتجاه الانسحاب من الائتلاف في المرحلة الحالية.

في المقابل يسعى نتنياهو في الأشهر المتبقية لولاية الكنيست الحالية لتشريع قوانين تزيد سيطرة السلطة التنفيذية وتقلص دور الجهاز القضائي وتتدخل حتى في وتيرة محاكمة نتنياهو نفسه في قضايا الفساد التي يتهم بالضلوع فيها إلى جانب تجنب تشكيل لجنة تحقيق رسمية في أحداث السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023 وإخفاق الحكومة والأجهزة الأمنية والعسكرية بالتنبؤ بها والتعاطي معها لحظة وقوعها.

في مقابل مواقف بن غفير وسموتريتش التي رافقت تحليلات استمرار الحرب على غزة، تعود الأحزاب الحريدية شاس ويهدوت هتوراة التي انسحبت من الائتلاف لكنها أبقت على دعمها له، إلى الواجهة في ظل الأزمة المستمرة حول قانون إعفاء الحريديم من التجنيد الذي تصر تلك الأحزاب على تمريره.

وقبل أيام أعلن رئيس لجنة الخارجية والأمن البرلمانية، النائب بوعاز بيسموت، أنه سيقدم أفكارا رئيسة ووثيقة مبادئ لقانون "الإعفاء من التجنيد" تعرض على الكنيست للبحث، وسط تساؤلات عما إذا كانت سترقى للمستوى الذي يطالب به الحريديم من ناحية ويمكن أن تتجاوب مع روح ما أقرته المحكمة العليا بشأن قانون التجنيد من ناحية أخرى. وبهذا الصدد يتساءل المعلق السياسي في صحيفة "هآرتس" يوسي فيرتر عن أهداف بيسموت - نتنياهو من هذه الوثيقة "غير المدروسة" وهل تسعى لإغراء نواب شاس ويهدوت هتوراة بالعودة إلى الحكومة أم خلافا لذلك لإثارة أزمة ائتلافية مع الأحزاب الدينية والتوجه إلى انتخابات يكون عنوانها "قانون التجنيد" بدلا من نتائج الحرب على غزة؟

يعتمد استقرار الحكومة في المرحلة المقبلة أيضا على إمكانية تمرير الموازنة العامة في إسرائيل، إذ ينص القانون على إقرار الموازنة قبل نهاية آذار وحل الكنيست في حال تجاوز الموعد من دون إقرارها والتوجه لانتخابات مبكرة. ومما هو واضح أن الموازنة المقبلة بالذات ستخضع للكثير من النقاش وربما الابتزازات من جانب أحزاب الائتلاف (خاصة الحريدية في حال لم يتم التوافق على صيغة بشأن قانون التجنيد) كما أنها قد تشهد تضخما واضحا في موازنة الأمن بعد الحرب على غزة.

ذكرنا في سياق موعد الانتخابات المقبلة ثلاثة عوامل أساسية تؤثر في هذا الموعد من ناحية بنيامين نتنياهو (الموازنة، الحريديم والأحزاب اليمينية المتطرفة) وفي الحقيقة أن جميعها يؤخذ بعين اعتبار نتنياهو وفق وضعه السياسي وفرصه في تشكيل الحكومة المقبلة، لكن الأهم أن هناك مزيدا من القضايا التي باتت تناقش في الأروقة الإعلامية بشكل خاص كعوامل من شأنها أن تحدد شكل المرحلة المقبلة والتحديات التي تواجهها إسرائيل وحكومتها.

تدرج صحيفة "يسرائيل هيوم" وغيرها من وسائل الإعلام ملفات الفساد التي يبدو أن نتنياهو ضالع فيها خاصة "ملف 1000" المعروف بملف الهدايا ضمن القضايا التي يأخذها نتنياهو بالحسبان في الاستعداد للمرحلة المقبلة، وتقول الصحيفة إن أي تقدم أو تباطؤ في هذه القضايا أمام القضاء سيؤثر في اعتبارات نتنياهو. في المقابل تقول "هآرتس" إن الطلب المباشر الذي تقدم به الرئيس الأميركي خلال خطابه في الكنيست بمنح عفو رئاسي لنتنياهو في ملف السجائر والشمبانيا سيكون له دور في تحديد شكل المرحلة المقبلة، خاصة أن الصحيفة تنصح الرئيس الإسرائيلي بعدم الاستجابة لهذا الطلب إلا في حال أعلن نتنياهو تحمله المسؤولية عن هذه الملفات والتزم اعتزال الحياة السياسية.

لا تقل أهمية الأوضاع الاقتصادية السيئة التي أدت إليها حرب العامين في إسرائيل والتوقعات بأن نتنياهو سيبحث عن صيغ "مرضية" لشرائح واسعة من المجتمع الإسرائيلي ضمن موازنة العام المقبل والسياسة الاقتصادية للحكومة ما بعد الحرب.

أما الشرخ المتواصل في المجتمع الإسرائيلي والذي بدأ خلال محاولة الانقلاب القضائي قبل أحداث السابع من تشرين الأول/ أكتوبر وتعزز طوال الحرب، فيعد جانبا من جوانب التحديات التي تواجهها إسرائيل عموما وحكومة نتنياهو بشكل خاص، لا سيما وأن ذلك التصدع قد يزداد مع بدء المطالبة الجدية بلجنة تحقيق رسمية تتقصى في حيثيات الحرب وتحمل الحكومة المسؤولية عن اخفاقاتها. في هذه المرحلة ما هو واضح أن الحكومة الحالية لن تسعى إلى تشكيل مثل هذه اللجنة بل ستتصدى لها بكل الطرق، لكن أي حراك شعبي يدعم تشكيل اللجنة من شأنه أن يؤثر أولا في حالة المجتمع الإسرائيلي وكذلك في التفاعلات داخل الحكومة.

وسط كل هذه القضايا، لا يزال المشهد السياسي المقبل في إسرائيل ضبابيا يعززه تفاوت الخلاصات الداخلية بشأن الحرب وعدم قدرة المعارضة البرلمانية على بناء بديل واضح لبنيامين نتنياهو في المرحلة المقبلة، بعد أن تماهت هذه المعارضة مع سياسة نتنياهو حيال قطاع غزة وبقي صوتها خافتا أمام حالة تراجع صورة إسرائيل وسط المجتمع الدولي.

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات