المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
صورة لمغادرين عبر مطار بن غوريون. (صورة تعبيرية/ صحف)
  • تقارير، وثائق، تغطيات خاصة
  • 15
  • برهوم جرايسي

أحد الأسئلة التي ستكون مطروحة في إطار التوقعات لنتائج الانتخابات البرلمانية الإسرائيلية، التي ستجري في بحر العام المقبل 2026، هو مدى تأثر النتائج النهائية مما يسمى إسرائيليا بـ "ميزان الهجرة السلبي"، بمعنى أن أعداد الذين يغادرون البلاد، مع توجهات إقامة طويلة المدى نسبيا، أو حتى هجرة، أكثر بشكل ملموس جدا من المهاجرين إلى البلاد، أو العائدين بعد طول غياب، وهذا استنادا لاعتقاد له أساس، أن الغالبية الساحقة جدا من المغادرين، لو بقوا في يوم الانتخابات لكان تأييدهم لأحزاب المعارضة حاليا، وكل هذا بسبب الفوارق غير الكبيرة نسبيا، في توزيعة المقاعد التي تظهرها حاليا استطلاعات الرأي العام، لدى توزيعها مقاعد الكنيست الـ 120.

وكان مكتب الإحصاء المركزي الإسرائيلي قد نشر في منتصف الشهر الجاري، أيلول، إحصائية السكان، بمناسبة رأس السنة العبرية، وبرز في الإحصائية الجديدة، مجددا، نسبة تكاثر السكان المتدنية، في الأشهر الـ 12 الأخيرة، بين رأس السنة السابق، أيلول 2024، والشهر الجاري، بنسبة 1%، وهي أدنى نسبة تكاثر عرفتها إسرائيل منذ الإعلان عن قيامها، إذ أن نسبة التكاثر في العام 2023 الميلادي، بلغت 1.5%، وفي العام 2024 الميلادي نسبة 1.3%، وبحسب النسبة المعلنة في هذا الشهر، يبدو أن نسبة التكاثر في نهاية العام الجاري 2025، لن تكون أكثر بكثير من 1%، وقد تفاجئ بأقل، إذا ما استمرت الحرب.

والدلالة على أن السبب في تراجع نسب التكاثر هو الحرب أساسا، هي أن نسبة التكاثر حتى شهر أيلول 2023، كانت 2%، في حسابات الأشهر الـ 12 التي سبقتها، والهبوط الحاد جرى في الأشهر الثلاثة الباقية من ذلك العام، وهي أشهر الحرب. وهذا التراجع نابع ليس فقط من تراجع أعداد المهاجرين إلى البلاد، أو عودة غائبين اليها، بل أيضا لكثرة الذين غادروا البلاد، ما كسر ميزانية الهجرة لصالح المغادرين.

بحسب التعريفات الإسرائيلية، فإن المهاجر هو من غادر البلاد ولم يعد اليها في الأشهر الـ 12 التي تسبق صدور التقرير، لكن في الآونة الأخيرة، عمل مكتب الإحصاء المركزي على تعديل هذا التعريف، كما سنرى لاحقا هنا، وبدأت تصدر احصائيات تقريبية، لمن يغادر البلاد مع مؤشرات مكوث لفترة طويلة في الخارج، وهذا ما ترصده السلطات الإسرائيلية في المطار الدولي، مثل حجم الأمتعة التي تكون مع المغادرين، وأحيانا يتم توجيه سؤال كهذا للمغادرين.

وقد تناثرت احصائيات كثيرة في العامين الأخيرين، حول أعداد المغادرين، ومنها ما يمكن اعتباره مبالغا به، لكن إذا اعتمدنا احصائيات رسمية وشبه رسمية، فبالإمكان التقدير أن عدد الذين غادروا البلاد لأمد طويل، في العامين الأخيرين، يتراوح ما بين 140 ألف إلى 200 ألف شخص، وهنا نشير إلى أن هذا يشمل بضعة آلاف من العرب، وأيضا في هذا من يبالغ حينما يقول إن عدد العرب الذين غادروا يفوق 22 ألفا، لكن هنا الأسباب تختلف، إذ أن قسما جديا من الذين يغادرون، يبتعدون عن مجتمعهم بسبب ارتفاع خطير في منسوب الجريمة.  

ليست الحرب وحدها والغالبية من الجيل الشاب

وبرأي المحلل الاقتصادي أدريان بايلوت، في مقال له في صحيفة "كالكاليست"، فإن الهجرة من البلاد بدأت قبل اندلاع الحرب، ويعزو هذا لمبادرات الحكومة الحالية، لما يسمى إسرائيليا "الانقلاب على الجهاز السلطوي"، أو "الانقلاب على جهاز القضاء"، وكتب: "في العام 2022، وصل إلى البلاد حوالي 74.4 ألف مهاجر، وهو رقم قياسي لأكثر من عقد من الزمن، وقد انخفض هذا العدد في العام 2023 إلى 46 ألفا فقط، ثم انخفض مجددا في العام 2024 إلى 31.1 ألف مهاجر، وفي هذا العام 2025، إلى 25 ألف مهاجر فقط (البيانات من أيلول إلى أيلول من كل عام). بمعنى آخر، منذ صعود حكومة نتنياهو- سموتريتش- الحريديم، انخفض عدد المهاجرين بمقدار الثلثين. ومما لا يقلل إثارة للقلق أن هذا الانخفاض مستمر ومتواصل".

ويتابع بايلوت: "58% من الانخفاض في عدد المهاجرين (حوالي 29 ألفا) حدث في العام 2023. ويُظهر تحليل بيانات وزارة الاستيعاب والهجرة، شهريا، أن انخفاض الهجرة في ذلك العام بدأ قبل السابع من أكتوبر 2023 بوقت طويل، بعد تسجيل رقم قياسي تجاوز 7 آلاف مهاجر في كانون الثاني من ذلك العام. وانخفض العدد خلال ذلك العام، ووصل في أيلول إلى حوالي ألفي مهاجر. بمعنى آخر، لا يمكن إرجاع هذا الانخفاض إلى الفشل والحرب فقط، مع أنه كان لهما تأثير كبير بالتأكيد. ففي الربع الأخير من العام 2023، بلغ متوسط ​​عدد المهاجرين 1588 مهاجرا فقط شهريا".

وأضاف أن "الأمر الأهم هو ما حدث للإسرائيليين الذين غادروا البلاد. لفهم أهمية هذه البيانات، من المهم الاطلاع على طريقة القياس الجديدة نسبيا التي يعتمدها مكتب الاحصاء المركزي (تعريف الهجرة). إذ عمل المكتب على تحديث تعريفات الإسرائيليين المغادرين، من إحصاء يقيس الإقامة المتواصلة في الخارج لمدة عام واحد (365 يوما)، إلى تعريف يقيس الإقامة التراكمية في الخارج لمدة لا تقل عن 275 يوما، خلال العام من تاريخ المغادرة الحاسمة، بما في ذلك أول 90 يوما متتالية في الخارج. وهذا بدون احتساب الزيارات إلى إسرائيل في العام التالي للمغادرة".

وإن "الفكرة وراء التعريف الجديد هي منح الإسرائيلي الذي يسافر إلى الخارج فرصة العودة خلال الأشهر التسعة التالية لمغادرته"، قبل اعتباره "مهاجرا". بعد هذه الفترة فقط، يُصنف "كمرشح للهجرة".

وفقا لمكتب الإحصاء المركزي، اعتبارا من أيلول 2025، كان هناك حوالي 79 ألف شخص غادروا البلاد وانطبق عليهم تعريف "المهاجر"، مقارنة بحوالي 21 ألف عادوا. بمعنى آخر، كان التوازن الداخلي بين الإسرائيليين سلبيا، وبلغ حوالي 58 ألف شخص. وللمقارنة، في العام الماضي (عندما طُبّق نظام التعريف الجديد بالفعل)، كان هذا العدد أقل من النصف: 27500 شخص. بمعنى آخر، في ليلة رأس السنة العبرية 2024، كان هناك 55300 شخص مرشحين للهجرة، مقارنة بـ 27800 شخص عادوا (الفرق هو نفسه 27500). لا يُمكن إجراء مقارنة عكسية للبيانات، لأنه في عام 2023، كانت البيانات قد عولجت بالفعل وفقا للنظام القديم.

ويقول المحلل الاقتصادي سامي بيرتس، في مقال له في صحيفة "ذي ماركر"، إنه وفقا لتحليل مكتب الإحصاء المركزي، فإن 81% من مغادري البلاد، هم من أبناء 49 عاما وما دون، ما يعني أن الحديث عن أجيال شابة.

ويضيف أنه في التقدير الثاني هذه الشريحة هي من ذوي أصحاب المؤهلات العلمية والمهنية العالية، بمعنى تلك القادرة على الانخراط في أسواق العمل في البلدان التي تنتقل للعيش فيها. ويؤكد بيرتس أن هذا يعني خسارة الاقتصاد الإسرائيلي لأصحاب مؤهلات قادرة عن دعم الإنتاجية.

التأثير الافتراضي على نتائج الانتخابات

جميع استطلاعات الرأي العام الإسرائيلية، التي تصدر تباعا منذ الانتخابات الأخيرة، لكن بالذات في العامين الأخيرين، تشير إلى أن الفارق بين مجموع ما تحصل عليه أحزاب المعارضة البرلمانية الصهيونية، بمعنى من دون المقاعد العشرة التي "تخصصها" استطلاعات الرأي العام لممثلي الجمهور العربي، وهذا أحد مواطن خلل الاستطلاعات، وبين مجموع مقاعد الفريق الحاكم حاليا، يتراوح ما بين 8 إلى 12 مقعدا، وهذا فارق ليس كبيرا نسبيا، بمعنى أنه قابل للجسر أو لتقليص الفارق.

وتتعامل استطلاعات الرأي العام مع أشخاص مستطلعين متواجدين في البلاد بطبيعة الحال، وتعتمد في تحليلاتها على توزيعة الشرائح السكانية، لكنها لا تأخذ بعين الاعتبار، حاليا، أولئك المغادرين حديثا؛ والاحتمال الأكبر أن لا يعودوا في السنة القريبة، بمعنى حتى الانتخابات المقبلة، وقد يلحق بهم آخرون.

بالإمكان التقدير إلى درجة التأكد أن الغالبية العظمى جدا، من المغادرين، هم من الجمهور الأقرب لفريق المعارضة البرلمانية. وهذه الفرضية ترتكز على الطابع الجماهيري للفريق الحاكم، الذي بغالبيته العظمى من الجمهور المتدين والمحافظ، إذ أن نصف المقاعد الـ 64 التي شكلت الائتلاف الحاكم حاليا، بعد الانتخابات الأخيرة، كانت لأحزاب دينية، من الحريديم والتيار الديني الصهيوني، ويضاف لهؤلاء جمهور من التيار الديني الصهيوني يمنح أصواته لحزب الليكود، وهذا جمهور أيديولوجي متزمت، أو قريب منه، ولا يسارع لهجرة "الوطن الموعود".

وعلى أساس أن مجموع من غادر يتراوح ما بين 140 ألفا إلى 200 ألف، مع الأخذ بعين الاعتبار الأطفال من بينهم، فيمكن التقدير أن فريق المعارضة البرلمانية سيخسر ما بين مقعدين إلى 4 مقاعد برلمانية افتراضية، وهذا من شأنه أن يقلص الفارق في نتائج التصويت الظاهرة حاليا.

مع ذلك من الواضح أن عوامل كثيرة ستلعب دورا في النتائج النهائية للانتخابات المقبلة، ومن ضمنها العامل الديمغرافي هذا، وأيضا الظروف السياسية والعسكرية، التي ستكون طاغية في فترة الانتخابات.

المصطلحات المستخدمة:

الصهيونية, دورا, الليكود, الكنيست

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات