المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
صورة تلفزيونية لروبوت متفجر قبيل استخدامه في غزة. (صحف)
  • تقارير، وثائق، تغطيات خاصة
  • 6
  • ياسر مناع

في سياق الحرب الإبادة المستمرة على غزة، لجأ الجيش الإسرائيلي إلى تبني تكتيكات قتالية حديثة تستند إلى مبدأ تقليل الخسائر والتكاليف الإسرائيلية إلى أدنى حد، في مقابل إيقاع أكبر قدر ممكن من الدمار والخسائر في الجانب الفلسطيني. ومن بين أبرز هذه التكتيكات إعادة تأهيل ناقلات جند قديمة تم إخراجها من الخدمة العسكرية، وتحويلها إلى ناقلات مفخخة انتحارية تُدفع إلى قلب المناطق السكنية في القطاع.

تحت مسمى الحاجات القتالية، جرى تحويل هذه الناقلات إلى وسائل تفجيرية انتحارية تُدار عن بُعد وتُدفع نحو الأحياء السكنية. وتتمثل وظيفتها في تدمير المباني السكنية، وإحباط العبوات الناسفة والألغام المزروعة على جوانب الطرق، إضافة إلى تفجير الأنفاق وفتح ممرات تسهّل تقدّم القوات البرية.

تُشغّل هذه المنظومة بكثافة -عشرات المرات يومياً- لا سيما خلال ساعات الليل. وتعتبر قيادة المنطقة الجنوبية في الجيش الإسرائيلي أن هذا النموذج يجب أن يكون جاهزاً في أي لحظة وبنسبة تشغيلية تقارب 100% لكل مهمة. كما يُناقَش داخل المؤسسة العسكرية ترشيحه لجائزة أمن إسرائيل.

تستعرض هذه المساهمة الناقلات المخففة الانتحارية من جهة خصائصها التشغيلية وعيوبها، وتوضح آليّة عملها، كما تتطرق إلى الدوافع التي أدّت إلى اعتماد هذا التكتيك غير المأهول في سياق الحرب الجارية في غزة.

الناقلات الانتحارية M-113 : المسار التاريخي

وُضعت مواصفات ناقلات الجنود المدرّعة من طراز M-113 في الولايات المتحدة خلال خمسينيات القرن العشرين، ودخلت الخدمة الفعلية في الجيش الأميركي العام (1960)، حيث استُخدمت في حرب فيتنام بقدرتها على نقل أحد عشر جندياً مجهزاً إضافة إلى طاقم مكوّن من شخصين. ومع مرور الوقت، غدت واحدة من أكثر ناقلات الجنود المدرعة انتشاراً على مستوى العالم.[1]

 وفي مطلع السبعينيات أدخل الجيش الإسرائيلي  “Zelda”إلى الخدمة، حيث شاركت سريعاً في حروب محورية مثل حرب تشرين الأول/ أكتوبر مع مصر (1973) وحرب لبنان الأولى (1982)، غير أن تقدّم عمرها التشغيلي وضعف مستوى تدريعها جعلاها أقل حصانة أمام التهديدات الحديثة، الأمر الذي أدّى إلى وقوع حوادث متكرّرة دفعت الجيش تدريجياً إلى إخراجها من الخدمة العملية، واستبدلت بمركبات من نوع نامير وإيتان.[2]

ورغم إخراجها من خطوط القتال الأمامية، ظلّ الاهتمام قائماً بتوظيف هذه الناقلات بطرق جديدة. ففي العام 2013 أعلن الجيش الإسرائيلي عن تجارب لتشغيل نسخ مُسيطر عليها عن بُعد، وهو ما تُرجم في أول استخدام عملياتي العام 2014 خلال الحرب على غزة، حيث استُخدمت لأغراض التزويد ضمن وحدة متخصّصة بالمركبات غير المأهولة.

لاحقاً، وفي العام 2019، أشارت تقارير إلى أن الجيش الأميركي نفسه أعاد تكييف بعض النماذج لاستخدامها كمنصّات روبوتية. ومع استمرار الحرب على قطاع غزة (2023)، أُعيد توظيف عدد من ناقلات M-113 كوسائل غير مأهولة وناقلات مفخخة موجّهة. وفي العام 2025 أعلنت وزارة الدفاع الإسرائيلية عن فتح مناقصة لبيع هذه المدرّعات.[3]

خلفية الفكرة وسياق الاستخدام

على مدار السنوات الماضية استخدم سلاح الهندسة القتالية في الجيش الإسرائيلي جهازاً خاصاً لتأمين المحاور الطويلة والواسعة، وكذلك المفترقات والشوارع التي كان يُخشى أن تكون مزروعة بالعبوات الناسفة. يقوم هذا النظام على إطلاق صاروخٍ مملوء بشريطٍ متسلسل من الشحنات المتفجرة أو على سحب شريطٍ حاوي شحنات، وعند تفجير السلسلة بكاملها يتكوّن ممر آمن خالٍ من الألغام بطول نحو 120 متراً وعرض يقارب 6 أمتار. ولا تزال تُوظَّف أحياناً في الحرب الحالية لتأمين ممرات طويلة داخل قطاع غزة.[4]

مع إطالة أمد الحرب على غزة أدركت قيادة الجيش الحاجة إلى إدارة اقتصاد النار، فقلّصت الاعتماد على هذه الوسائل باهظة التكلفة وقررت الاحتفاظ بها لاحتمال اندلاع حروب على جبهات أخرى. لذا، بحث الجيش عن بدائل أكثر مرونة واقتصادية في ذات الوقت، من هنا كانت عملية إعادة توظيف مخزون الناقلات والآليات القديمة المخزّنة كوسائل قابلة للاستخدام الميداني.

طُوِّر هذا البديل جزئياً على يد شعبة “ألتا” التابعة للصناعات الجوية الإسرائيلية، إذ أنه لا يحتاج إلى سائق أو مُشغّل بشري، ما يمكّن الجيش من تنفيذ مهام في مساحات ميدانية ضيقة مثل فتح المحاور وكشف العبوات الناسفة من دون تعريض الجيش لأي نوع من أنواع الخطر.

آلية التشغيل والعمل

تعتمد إحدى الطرق العملية على جرافة من طراز D9 تجرّ وراءها الناقلة المفخخة، وتضعها عند مفترق يُحتمل أن يكون مفخّخاً بالعبوات الناسفة أو بين مبانٍ سكنية. في النسخة الأولية من التطوير كان الجيش يملأ الناقلة بالمتفجرات – إسرائيلية الصنع - ويُرسلها إلى مجمّع مبانٍ مُستهدف فتنفجر الناقلة بكامل حمولتها. حيث فُجِّرت خلال العام الماضي نحو 20–30 ناقلة من هذا النوع. عند تفجير الناقلة نفسها تُدمَّر بالكامل وتتطاير أجزاؤها في كل اتجاه، وتنفجر العبوات المزروعة في المنطقة معها.[5]

لاحقاً، تم تطوّير نسخة تُجنِّب إتلاف الناقلة: تُحمّل الناقلة بصندوق أو جهاز داخلي يحوي كميات كبيرة من المتفجرات، ثم يُسقَط الصندوق أو يُترك في المكان وتنسحب الناقلة إلى منطقة آمنة قبل تفجير الحمولة عن بُعد. بهذه الطريقة تُحافظ القوات على الهيكل القابل لإعادة الاستخدام. يؤدّي تفجير مثل هذا الصندوق إلى تأثير يعادل تقريباً قنبلتين ثقيلتين جويتين.

المشكلات والعيوب العملياتية

يواجه هذا النموذج قصوراً عملياً ملحوظاً. إذ أن حالات الفشل في التفجير متكرّرة، ولا توجد حتى الآن نتيجة تحليل نهائية تُبيّن سبب ذلك بصورة قاطعة. ثمة تقديرات متعددة قد تفسر الظاهرة، لكنها لم تُدرس بصورة مُحكمة بعد كون التقنية الجديدة وُلدت كحلّ ارتجالي ميداني ثم انتقلت الفكرة العامة بين الوحدات المختلفة، لكن التفاصيل الصغيرة لا تزال تتغيّر تبعاً لقدرات كل وحدة.

عندما تفشل آلية التفجير وتبقى الناقلة محمّلة ومُعطّلة في صلب منطقة الخطر، تتخذ القوة الإسرائيلية إجراءً عملياً يتمثل في إطلاق النار عليها من مسافة بعيدة بهدف تفجيرها قسراً. الاقتراب المباشر لاستكمال تفجيرها أو إزالة الخطر يكون في هذه الحالات غير ممكن عملياً لأن المخاطرة بكشف المقاتلين كبيرة للغاية، خصوصاً إذا تعرّضت الناقلة لنيران مسلحين في أثناء محاولة الاقتراب.

من ناحية فاعلية التدمير، تُعدّ هذه الوسيلة أقل ملاءمة لتفجير المباني مقارنة بالأدوات المتخصّصة؛ تُستخدم بشكل أكثر فاعلية لتفجير مفترقات مركزية أو فتح ممرات عرضية بدلاً من هدم منشآت متينة أو إجراء تطهير شامل للمباني. ورغم أن وزن المادة المتفجرة المحمولة في الناقلة قد يصل إلى أربعة أضعاف وزن الشحنات المستخدمة في منظومات تطهير المسارات التقليدية أو أكثر، ويتفاوت هذا الوزن تبعاً لعدد الصهاريج أو البراميل المُستخدمة، إلا أن ذلك لا يترجم بالضرورة إلى نفس مستوى الفاعلية في إبطال العبوات أو تطهير المسارات كما تفعل منظومات الشريط المتسلسل المخصّصة.

ختاماً، على ضوء نتائج هذا التطبيق العملياتي، شرع الجيش الإسرائيلي في تطوير مسارين تطبيقيين إضافيين للناقـلات الروبوتية،[6] وهما:

 المسار الأول: ناقلات إمداد روبوتية، وهي تعمل بديلاً عن قوافل الإمداد البشرية المعرضة للمخاطر عند الدخول إلى أراضٍ مشتبه بزراعتها بالعبوات؛ تُحمّل هذه الناقلات بالمؤن (طعام، ماء، ذخيرة ومعدات لوجستية) لتصل إلى مناطق القتال من دون تعريض عناصر التزويد للخطر.

المسار الثاني: الناقـلات القاتلة الروبوتية وهي ناقلات مُزوّدة بأنظمة إطلاق نار قادرة على التحرك في الأزقة والتعرّف على مسلحين والاشتباك معهم. أُدخلت نماذج أولية من هذه الناقلات القاتلة ميدانياً في الأيام الأولى من الحرب عبر وحدات خاصة لفترات قصيرة وبسرية، ثم أُوقفت ويجري حالياً العمل على إيجاد منظومة أكثر تطوّراً وتقدّماً.

 

[1] ماثيو ج. سيلينغر، "ناقلة الجنود المدرعة M113"، مؤسسة التاريخ العسكري للجيش الأميركي. https://armyhistory.org/m113-armored-personnel-carrier/

[2] شاي ليفي، "توثيق يكشف: هكذا تعمل ناقلة الجند الانتحارية للجيش الإسرائيلي"، ماكو، 24 كانون الأول 2024. https://www.mako.co.il/pzm-soldiers/Article-e9f40bec9f8f391027.htm

[3] المصدر السابق.

[4] يشاي ألمكاييس. "تحقيق: ناقلات الجنود المدرعة الانتحارية التي ينكر الجيش الإسرائيلي وجودها"، مكور ريشون، 28 تموز 2024. https://www.makorrishon.co.il/magazine/dyukan/774007/ .

[5] دورون كادوش." الناقلات المدرعة التي تتجوّل بحرية في غزة". إذاعة الجيش الإسرائيلي، 21 أيلول 2025. https://x.com/Doron_Kadosh/status/1969643710271869116

[6] المصدر السابق.

المصطلحات المستخدمة:

مكور ريشون, شاي

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات