المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
"حديث نتنياهو عن ارتفاع البورصات مضلل". (صورة تعبيرية)
  • تقارير، وثائق، تغطيات خاصة
  • 17
  • برهوم جرايسي

أدخل رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، الأسبوع الماضي، الأوساط الاقتصادية الإسرائيلية، ومعهم المستثمرين من الخارج، في حالة تخبط، بعد أن ألقى خطابا أعلن فيه أن إسرائيل تواجه مؤشرات حصار اقتصادي، وقد تضطر لاتباع اقتصاد منغلق على نفسه، وفي اليوم التالي، زعم أنه قد تم فهمه خطأ، وأن الاقتصاد الإسرائيلي يشهد انتعاشا حتى في ظل عامي الحرب؛ وبالرغم من أن نتنياهو يشير بصوت عال إلى ارتفاع حجم البورصات الإسرائيلية خلال عامي الحرب، بما بين 50% إلى 60%، فإن تقريرا آخر يؤكد أن دخل الفرد من الناتج الإسرائيلي قد تراجع أربع سنوات إلى الوراء، ما يعني تراجع مستوى المعيشة.

 

وكان نتنياهو قد ألقى خطابا، يوم الاثنين 15 أيلول الجاري، في المؤتمر السنوي لمحاسب الدولة الإسرائيلي، قال فيه إن الاقتصاد الإسرائيلي بات يواجه حصارا عالميا، وزاد على ذلك، أن إسرائيل قد تكون أمام خيار "الاقتصاد الإسبارطي"، نسبة إلى مملكة إسبارطة، في اليونان القديمة، التي انتهجت اقتصادا منغلقا على نفسه؛ وأحدث هذا التصريح ضجة عارمة، في وسائل الإعلام، التي قالت أيضا إن هلعا بدأ يدب في الأوساط الاقتصادية، فمن هو المستثمر الإسرائيلي، أو الخارجي، الذي سيقبل أن يقود مشاريع ضمن اقتصاد منغلق على ذاته، في عالم يخوض معارك للتوسعات والانتشار الاقتصادي.

وفي اليوم التالي، وكما يبدو بعد أن أيقن حجم الضرر الذي أحدثه نتنياهو، وهو الذي يُعد إسرائيليا لديه خبرة اقتصادية، وكان في ما مضى وزير مالية، عقد نتنياهو مؤتمرا صحافيا، زعم فيه أنه تم فهمه خطأ، إذ أن الاقتصاد الإسرائيلي ينتعش أيضا في ظل الحرب الدائرة منذ عامين تقريبا، ودلالة على هذا، بحسب نتنياهو، فإن البورصات الإسرائيلية تسجل ارتفاعات غير مسبوقة، منها ما تراوح ما بين 50% إلى 66%، مثل مؤشر تل أبيب 125، وزاد على هذا، أن قيمة الشيكل تتعزز أمام العملات العالمية الكبرى، وبشكل خاص الدولار، الذي تراجعت قيمته أمام الشيكل، منذ مطلع العام الجاري، بنسبة 9%، وتراجع عن الذروة التي سجلها في الأسابيع الأولى للحرب، بنسبة تفوق 13.5%.

وزعم نتنياهو في خطابه الثاني: "تطرقتُ أمس إلى قضية واحدة، وهي القيود السياسية، وليس الاقتصادية، في الصناعات الأمنية. هذه الصناعات حققت إنجازات كبيرة، لكن الدرس الأبرز الذي استخلصناه من الحرب هو أننا نريد أن نكون في وضع لا يُفرض فيه علينا أي قيد. نسعى للوصول إلى استقلال أمني. وقلت في المؤتمر: لا تقيدونا، نحن نقفز إلى الأمام. علينا تقليص البيروقراطية التي تكبلنا. حصل سوء فهم أحدث بلبلة في البورصة، لكن الأسواق فهمت ما قصدتُه، قوة الاقتصاد الإسرائيلي".

لكن خطاب نتنياهو الثاني، لم يهدئ من حركة البورصات الإسرائيلية، التي سجلت في الأيام الأولى بعد خطابه الأول تراجعا ولو بنسب قليلة. فقد ختمت مؤشرات البورصة الإسرائيلية، الرئيسية، أسبوعها الماضي، أي بعد ثلاثة أيام من خطاب نتنياهو الأول، بتراجعات بنسب تراوحت ما بين 2% إلى حوالي 3%، وهناك بعض القطاعات التي سجلت تراجعا في أسهمها تراوحت ما بين 4% وحتى 7%.

80 خبيرا إسرائيليا يحذرون من كارثة اقتصادية

وكان 80 خبيرا، من أبرز الاقتصاديين الإسرائيليين في السنوات الأخيرة، قد حذروا بوثيقة جماعية، نشرتها صحيفة "يديعوت أحرونوت" على موقعها في شبكة الإنترنت، من "خطر حقيقي يهدد متانة واستقرار الاقتصاد الإسرائيلي، نتيجة للعواقب الوخيمة للحرب الدائرة، وسلوك الحكومة تجاهه".

وقال مبادرو الوثيقة لصحيفة "يديعوت أحرونوت"، إن "هذا تحذير جديٌّ من خطر كارثة اقتصادية، لم تشهد إسرائيل مثيلا لها من قبل، إذا لم يحدث تغيير جذري في الوضع السياسي والأمني ​​الراهن في إسرائيل، والذي يزداد سوءا".

وبحسب ما كتبوا، فإن "قرارات الحكومة باحتلال مدينة غزة، مع إخلاء نحو مليون شخص، في عملية ستستمر لأشهر طويلة، ستُلحق أضرارا جسيمة بالمواطنين الإسرائيليين، وستُسبب تراجعا في الدولة، وخاصة لدى جيل الشباب، ورأس المال البشري، وستُلحق ضررا بالغا بمكانة إسرائيل الدولية المتدهورة أصلا، وستُلحق أضرارا جسيمة باقتصادها ومجتمعها واستقرار دولة إسرائيل على المدى الطويل، هذا بالإضافة إلى الوفيات والإصابات العديدة والمخاطر على حياة المخطوفين، المتوقعة نتيجة العملية العسكرية التي لن تهزم حماس على أي حال".

كما يؤكد الموقعون على الوثيقة، أن "الخطوة العسكرية لاحتلال قطاع غزة بأكمله ستُسبب تكاليف مباشرة هائلة، بما في ذلك أيام الاحتياط والأسلحة والمعدات العسكرية، مما سيؤدي حتما إلى زيادة هائلة في ميزانية الدفاع بعشرات المليارات من الشواكل".

وأضافوا، أن "احتلال مدينة غزة سيجعل إسرائيل، وفقا للقانون الدولي، ذات سيادة على غزة. وبناء على ذلك، ستتحمل إسرائيل جميع نفقات الحكم العسكري، والمساعدات الإنسانية، ومسؤولية السكان، بما في ذلك توفير الطعام والشراب، ونظامي الصحة والتعليم، والكهرباء، والمياه، والصرف الصحي، وجمع النفايات، والبنية التحتية للنقل".

 وتشير التقديرات المتحفظة إلى ميزانيات ضخمة تبلغ نحو 60 مليار شيكل، وهو ما يُعادل الميزانية السنوية لوزارة الصحة الاسرائيلية. ومن المتوقع، بحسب ما جاء، أن يؤدي احتلال غزة إلى فرض عقوبات اقتصادية من الدول الأوروبية، وإلى أضرار جسيمة بالعلاقات التجارية مع القطاع الخاص، مما سيُلحق ضررا بالغا بالتجارة مع أوروبا، الشريك التجاري الرئيسي لإسرائيل، وقد تنضم دول غربية أخرى إلى العقوبات. وهناك خطر حقيقي من أن يُسرّع احتلال غزة من هجرة رأس المال البشري عالي الجودة من إسرائيل، ويسبب انخفاضا كبيرا في الناتج المحلي الإجمالي ومستويات المعيشة، بحسب ما أكده الخبراء ذاتهم.

محللون: نتنياهو يقود إلى مخاطر اقتصادية

في اليوم التالي لخطاب نتنياهو الأول، كان من الصعب أن تجد مقالا واحدا، أو تصريحا، يساند ما قاله نتنياهو بشأن الاقتصاد المنغلق، وإن وجد شخص كهذا، فلربما اختار الصمت.

فقد قال المحلل الاقتصادي في صحيفة "كالكاليست"، أدريان بايلوت، إنه "بعد أشهر من الانهيار السياسي، قرر رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو الاعتراف بالعزلة السياسية غير المسبوقة التي تعاني منها دولة إسرائيل. ماذا يُقال عن ذلك؟ إن إدراك المشكلة هو بداية معالجتها، لكن رئيس الحكومة لم يُقدّم أي علاج".

وتابع كاتبا: "ركّز نتنياهو في خطابه المثير للجدل أمس في مؤتمر المحاسب العام في القدس، والذي أُطلق عليه بالفعل اسم ’خطاب إسبارطة’، على العزلة الاقتصادية. لا خلاف حول هذا التصريح، لكن تفسير نتنياهو لهذه العزلة مثير للجدل: فوفقا له، يعود ذلك كله إلى أن الأقلية الإسلامية غزت أوروبا، وأصبحت أقلية كبيرة وصاخبة وعدوانية، وتطالب بمقاطعة إسرائيل ومعاقبتها وعزلها. ويقول إن السياسيين مُجبرون على الامتثال لمطالب هذه الأقلية الإسلامية. ويضيف نتنياهو أن شبكات التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام الدولية مسؤولة أيضا عن هذا الوضع".

وأضاف بايلوت: "من المرجح أن نتنياهو لا يملك خطة، لكن هذا لم يمنعه من الإدلاء بتصريحات مثيرة. سيتعين علينا بشكل متزايد التكيف مع اقتصاد ذي خصائص الاكتفاء الذاتي. إنها كلمة أكرهها، فأنا من أنصار السوق الحرة... ولكن قد نجد أنفسنا في وضع تُعرقل فيه صناعاتنا للأسلحة. سيتعين علينا تطوير صناعات الأسلحة هنا. سيتعين علينا أن نكون مثل أثينا وإسبارطة العظمى. ليس لدينا خيار".

وقال المحلل الاقتصادي في صحيفة "يديعوت أحرونوت"، سيفر بلوتسكر، إنه حتى الآن، "لم تُفرض على إسرائيل عقوبات اقتصادية رسمية بعد، ولم تُجمّد اتفاقيات التجارة الحرة التي وقّعتها مع عشرات الدول، لكن التوجه واضح: يُنظر حاليا إلى إسرائيل بشكل متزايد على أنها دولة استغلالية ومتغطرسة، مهووسة بالانتقام وتتذمر من الرأي العام الدولي. باختصار، دولة مُنهكة، من غير المرغوب فيها، وغير مربحة، ولا تستحق إقامة علاقات اقتصادية معها".

وتابع: "إسرائيل اليوم دولة منفتحة على التجارة الخارجية، وتشجعها كرافعة للكفاءة، والقدرة التنافسية، والإنتاجية، والرخص. ويلعب هذا الاقتصاد المفتوح دورا محوريا في المعجزة الاقتصادية الإسرائيلية التي بدأت في أواخر الخمسينيات. لكن حكومة نتنياهو تريد الآن إيقاف هذه المعجزة وإخمادها. وإطفاء أنوار الاقتصاد لإشعال شعلة النصر على أنقاض غزة، وضمها، مع مليوني نسمة، تحت ستار حكومة عسكرية. إنه جنون وخطر وجودي".

وأضاف بلوتسكر: "لا يوجد اقتصاد مزدهر ومتنام يعتمد على الاكتفاء الذاتي في العالم. لن تجد اقتصادا مكتفياً ذاتيا إلا في ظل ديكتاتورية: أبرز نظامين مكتفيين ذاتيا في العالم هما كوريا الشمالية وإيران. اختر أيهما ترغب في التعايش معه. ولا تنسَ أن تشكر رئيس الحكومة الأوحد في جيله، الجنرال نتنياهو".

جوانب من وضعية الاقتصاد

حاول نتنياهو في خطابه الثاني، كما ذكر، تقليص الأضرار التي تسبب بها خطابه الأول، واتجه إلى ابراز جوانب قوية في الاقتصاد الإسرائيلي، وبشكل خاص، ارتفاع حجم البورصات الإسرائيلية في عامي الحرب، بنسب تتراوح ما بين 50% إلى 60% مقارنة عما كانت عليه عشية الحرب، خاصة مؤشر تل أبيب 125، الذي ارتفع حجمه من 1800 نقطة عشية الحرب إلى أكثر بقليل من 3 آلاف نقطة في هذه الأيام.

لكن كما ذكر سابقا هنا، فإن الأيام القليلة التي أعقبت خطاب نتنياهو الأول، خسرت فيها مؤشرات البورصة الإسرائيلية المركزية، ما بين 2% إلى 3%.

كذلك اتكأ نتنياهو على قيمة الشيكل أمام العملات العالمية، التي تعززت بنسبة 9%، وتراجع عن الذروة التي سجلتها في الأسابيع الأولى للحرب، بنسبة تفوق 13.5%.

لكن في المقابل، فإن كل التقارير الإسرائيلية الرسمية تشير إلى تراجع أو تباطؤ الاستهلاك الفردي، وهو أحد ركائز النمو الاقتصادي.

كذلك فإن الصادرات تشكل نسبتها من حسابات النمو الاقتصادي الإسرائيلي العام من أعلى النسب في العالم، بمعنى أن اعتماد النمو الاقتصادي على الصادرات، هو من الأعلى في العالم. وكانت صحيفة "كالكاليست" قد نشرت بحثا للخبير الاقتصادي الدكتور غيل بافمان، استنتج فيه أنه حتى العام 2023، كانت حركة الصادرات الإسرائيلية سنويا، أفضل من حركة التجارة عالميا، بمعنى حينما كانت ترتفع حركة التجارة العالمية، كانت نسبة ارتفاع الصادرات الإسرائيلية أعلى، وحينما كانت تتراجع التجارة العالمية، كانت نسبة تراجع الصادرات الإسرائيلية أقل. لكن خلال عامي الحرب، هذا الاتجاه انقلب، وقد كان نمو الصادرات الإسرائيلية أقل من نسبة ارتفاع التجارة العالمية.

وفي الأسبوع الماضي، نشر مكتب الإحصاء المركزي الإسرائيلي، تقريرا يعدّل فيه نسبة الانكماش الاقتصادي في الربع الثاني من العام الجاري، إلى الأسوأ، من 3.5% في التقرير السابق، إلى 4% في الأسبوع الماضي، رغم أن النمو في الربع الأول، كان قد سجل ارتفاعا بنسبة 3.3%، ويقول المحللون، إن العامل الأكثر تأثيرا على النمو السلبي في الربع الثاني من العام الجاري، كان الحرب على إيران، على الرغم من أنها دامت 12 يوما، وفي الشهر الأخير من الربع الثاني (حزيران).

وتعليقا على هذا التقرير، قال المحلل أدريان بايلوت، السابق ذكره هنا، إن المشكلة الأكبر في تقرير مكتب الإحصاء المركزي، هو أن حصة الفرد من الناتج المحلي العام، تقلصت بنسبة 5%، وإذا ما تمت المقارنة بقيمة الشيكل، وبعد احتساب نسبة التضخم المالي (مؤشر الغلاء)، فإن حصة الفرد من الناتج المحلي قد تراجعت بأربع سنوات، بمعنى أصبحت كما كانت عليه في منتصف العام 2021.

 

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات