المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
بن غفير: اندفاعة قياسية لنهج العسكرة. (وكالات)
  • تقارير، وثائق، تغطيات خاصة
  • 27
  • ياسر مناع

شهدت وتيرة التسليح في المجتمع الإسرائيلي تصاعداً ملحوظاً عقب هجوم السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023، لا سيما في أوساط المستوطنين في الضفة الغربية. كما أن ذلك ليس حكراً على المؤسسات الأمنية، كوزارة الأمن القومي أو الجيش الإسرائيلي فقط، بل ثمّة دعم مباشر من منظمات صهيونية فاعلة في الولايات المتحدة وأوروبا. وفي هذا السياق، تحوّلت وحدات / فرق التأهب المنتشرة في عشرات المستوطنات إلى ركن مركزي في المشهد الأمني الاستيطاني، إذ أنها تخضع لتدريبات قتالية، وتُجهَّز بأسلحة متقدمة، وكان آخرها بنادق قنص دقيقة من طراز جلبوع “DMR” ، فضلاً عن أجهزة اتصال ومراقبة ليلية.

تهدف هذه المساهمة إلى تسليط الضوء على فرق التأهب وأنواع الأسلحة التي يتلقّاها المستوطنون، والدوافع الكامنة وراء هذا الاتجاه، إضافةً إلى أبرز جمعية داعمة لهذا المسار، وكذلك الشركات والمؤسسات التي تتولى مسؤولية تدريب فرق التأهب.

أرقام ومشاريع قوانين

منذ السابع من أكتوبر، شهد المجتمع الإسرائيلي ارتفاعا حادا في أعداد حاملي السلاح الفردي، إذ ارتفع العدد من نحو 170 ألفاً إلى ما يقارب 300 ألف شخص. ويأتي هذا الارتفاع في سياق سياسة حكومية تهدف إلى توسيع قاعدة الترخيص لحيازة الأسلحة، شملت المصادقة على خطوات إضافية لتوسيع هذا الرقم، إلى جانب قرار جديد يسمح لحراس الأمن بحمل أسلحتهم حتى خارج أوقات دوامهم الرسمي. [1]

في هذا السياق، قدم وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير، مقترحاً للجنة الخارجية والأمن في الكنيست لما وصفه بـ"إصلاح شامل لسياسة حيازة السلاح المدني في إسرائيل"، الرامي إلى إلغاء القيد الزمني الذي كان يحصر أهلية الحصول على الترخيص بمن خدموا في الجيش خلال السنوات العشرين الأخيرة فقط. وبهذا، أصبح من الممكن لآلاف الجنود المسرحين، الذين انتهت خدمتهم قبل أكثر من عقدين، التقدّم بطلبات للحصول على السلاح، بشرط أن تكون خدمتهم قد أُدّيت في مهام عملياتية.[2]

كما شمل التعديل توسيعاً لتعريف "الخدمة في قوى الأمن" ليضم فئات جديدة من المدربين العسكريين، مثل قادة الفرق غير القتالية، والمراقبين الميدانيين، ومدربي المشاة، والمدرّعات، والهندسة القتالية، والمدفعية، والقنص، والإنقاذ، والإخلاء، وجمع المعلومات القتالية، والدفاع الجوي، إضافة إلى عناصر من دوريات حرس الحدود. ويُمنح هؤلاء كذلك حق التقدّم بطلبات الحصول على السلاح، شرط استيفاء باقي الشروط المنصوص عليها في الأنظمة الرسمية.

يشير مدير قسم ترخيص الأسلحة النارية في وزارة الأمن القومي إلى أنّ ثمّة إقبالاً غير مسبوق على طلبات حيازة السلاح: فقد تلقى القسم 395 ألف طلب منذ بدء الحرب. وقد أسفرت هذه الطلبات عن إصدار أكثر من 210 آلاف موافقة مشروطة، استُكملت منها 162 ألف رخصة فعلية.[3]

فرق  الإنذار/ التأهب

تُعد "فرق التأهب" فرقا عسكرية مسلحة، تتشكّل من سكان المستوطنة أنفسهم، وتضم متطوعين يمتلكون خبرات ومهارات عسكرية. وتكمن مهمتها الأساسية في سدّ الفجوة الزمنية التي تنشأ بين لحظة الإعلان عن هجوم في المستوطنة ووصول الجيش إلى المكان، ثم مواصلة العمل إلى جانب قوات الأمن النظامية وتحت قيادتها عند وصولها. [4]

تُقام هذه الفرق بشكل أساسي في "مستوطنات التخوم"، أي المستوطنات الواقعة بمحاذاة التجمعات الفلسطينية والتي يُنظر إليها على أنها أكثر عرضة لهجمات محتملة، مثل مستوطنات الضفة الغربية، أو تلك المحيطة بقطاع غزة، بالإضافة إلى مستوطنات الجولان التي تُعتبر مهدّدة بهجمات من أطراف عربية.

وتتكوّن كل فرقة من نحو 15 إلى 40 مقاتلاً، جميعهم متطوعون خضعوا لتدريب متخصص ومكثف يؤهلهم للتعامل مع مجموعة واسعة من السيناريوهات، مثل تسلل عناصر مسلحة، أو التعامل مع عمليات خطف واحتجاز رهائن، أو السيطرة على مبانٍ مأهولة. وقد تجسّدت هذه السيناريوهات فعلاً خلال الهجوم الذي شنّته حركة حماس على مستوطنات غلاف غزة صباح يوم السبت الموافق 7 تشرين الأول/ أكتوبر، حيث اضطلعت هذه الفرق بدور مباشر في المواجهة قبل وصول القوات النظامية.

التسليح في مستوطنات الضفة الغربية

في تقرير نشرته صحيفة "القناة السابعة" بتاريخ 10 أيار 2025، أعلن المجلس الإقليمي لمستوطنات السامرة، برئاسة يوسي داغان، عن خطوة غير مسبوقة تمثّلت في توزيع عشرات بنادق القنص المتطورة من من طراز جلبوع “DMR” على فرق التأهب في المستوطنات. وتُصنّف هذه البنادق ضمن الأسلحة عالية الدقة والفتك، إذ يصل مداها إلى نحو 800 متر، كما أن تكلفة الواحدة تقدر بنحو 28 ألف شيكل؛ ما يمنح حامليها قدرة استهداف فائقة في البيئات المختلفة.[5]

وإلى جانب بنادق القنص، كانت فرق التأهب قد تلقّت في وقت سابق أنواعاً إضافية من الأسلحة ، ومن أبرزها:

  1. بنادق هجومية من طرازي “عراد” و”إيميتان”، المستخدمة في وحدات النخبة مثل "يمام"، وتم تطويرها لتناسب بيئات الاشتباك القريب والعمليات الميدانية داخل مناطق الاستيطان.
  2. مسدسات شخصية، حيث جرى توزيع مسدسات شخصية على نحو 500 امرأة من سكان المستوطنات.
  3. معدات واقية، تضمنت سترات واقية من الرصاص، خوذاً قتالية، طائرات مسيّرة للمراقبة، وأجهزة للرؤية الليلية.

الجهات المموّلة والمنفّذة

جرى تنفيذ مشروع تزويد فرق التأهب ببنادق القنص بدعم مالي من منظمة "أصدقاء مستوطنات يهودا والسامرة"، حيث بلغت قيمة التبرعات نحو مليون شيكل، وخُصصت لشراء الأسلحة من شركة تصنيع إسرائيلية يديرها جنود خدموا في وحدات النخبة مثل "يمام" و"دوفدوفان"، ما يضمن التزام هذه المعدات بالمعايير العملياتية المعتمدة لدى القوات الخاصة في الجيش الإسرائيلي.

فيما حصل المجلس على موافقة استثنائية من وزارة الأمن القومي، بدعم مباشر من الوزير إيتمار بن غفير، لتسريع الإجراءات القانونية وتسهيل إتمام الصفقة. وشارك في إنجاح المشروع ما يُعرف بـ"فريق المساعدة بقيادة جدعون"، والذي يضم شخصيات دينية وقانونية بارزة، مثل الحاخام تسوريئيل بوبليل والمحامي جدعون مارغليت، اللذين ينشطان في المجال الاستيطاني.

بدأت هذه الحملة التسليحية في أعقاب هجوم السابع من أكتوبر 2023 بحسب داغان ، إذ كشفت عمق الفجوة بين التوقعات الأمنية للجمهور الإسرائيلي وقدرة المؤسسة العسكرية على الاستجابة الفورية في حالات الطوارئ. واعتُبرت تلك الأحداث محفزاً رئيساً لإطلاق مبادرات تهدف إلى تمكين المستوطنين من الدفاع عن أنفسهم.

يؤكد داغان أن مهمتين رئيستين ماثلتان أمامه: الأولى، تحقيق النصر في ما يصفها بـ"الحرب الوجودية" عبر التنسيق الكامل مع الجيش الإسرائيلي، والأجهزة الأمنية، ووحدات التأهب؛ والثانية، تعميق المشروع الاستيطاني، إذ يعتبر أن التوسع في الاستيطان هو النصر الأكبر.

ويرى داغان أن مشروع تزويد فرق التأهب ببنادق القنص جاء في أعقاب عثور الجيش الإسرائيلي على مختبر متطور لصناعة قذائف RPG في شمال الضفة الغربية، ما اعتبره تهديداً مباشِراً ودافعاً لتعزيز المبادرة الذاتية لدى المستوطنين وعدم الانتظار لقرارات مركزية من الحكومة أو الجيش.

"جمعية أصدقاء يهودا والسامرة في الولايات المتحدة"  (AFJS)

تأسست جمعية "أصدقاء يهودا والسامرة في الولايات المتحدة" العام 2022، من أجل تعزيز الوعي العام وتكريس الرواية بشأن الوجود الاستيطاني الإسرائيلي في الضفة الغربية، والتي ترى بأنها "قلب إسرائيل التاريخي والمعاصر".[6]

تركّز الجمعية في أنشطتها على ترويج ما تعتبره "الحق الطبيعي والتاريخي" للشعب اليهودي في السكن والاستيطان في الضفة الغربية، وتُسهم فعلياً في دعم المجتمعات الاستيطانية من خلال تقديم تمويل مادي وتخطيط استراتيجي لمبادرات إنسانية، ومشاريع زراعية وخدمية متنوعة.

وتتبنّى الجمعية خطاباً سياسياً يدعو إلى فرض السيادة الإسرائيلية الكاملة على الضفة الغربية عبر تطبيق شامل ومباشر للقانون الإسرائيلي، انطلاقاً من قناعة أيديولوجية بأن ما يُعرف بـ"عودة اليهود إلى أرض الأجداد" هو مسار مشروع، بل ضروري، في سياق استعادة الوطن القومي اليهودي.

تتمحور المهام الأساسية للجمعية حول المساهمة في تمويل المشاريع المتنوعة والتخطيط وتطوير البنية التحتية الزراعية في المستوطنات. كما تسعى المنظمة إلى بناء قاعدة اقتصادية استيطانية متينة عبر توسعة مشاريع الإسكان وتشجيع إقامة المصانع، بما يخدم غايات الاستيطان ويوفّر مقومات البقاء والتوسع.

وتولي الجمعية أهمية خاصة للدور الإعلامي والتوعوي، إذ تعمل على تثقيف الجمهور، محلياً ودولياً، من خلال تقديم سردية "الواقع كما هو على الأرض"، وفق رؤيتها، في محاولة لتكريس فهم دولي أكثر قبولاً للنشاط الاستيطاني الإسرائيلي في الضفة الغربية.

التدريب العسكري في المستوطنات

في موازاة الحكومة الإسرائيلية والجيش، تشرف منظمات ومدارس أمنية على تدريب المستوطنين عسكرياً، ومن أبرزها:

أولاً: "كاليبر 3"- مدرسة تدريبية أمنية

تُعدّ مؤسسة "كاليبر 3" مركزاً متخصصاً في التدريب الأمني، تأسست العام 2007 على يد شارون غات في المنطقة الصناعية التابعة لغوش عتصيون، بالقرب من مستوطنة إفرات. حملت المؤسسة اسم حغاي (حاييم) ليف الذي قُتل في غزة العام 2002. وتقدم المؤسسة نفسها كمدرسة دولية لتأهيل الأفراد على المهارات القتالية والتكتيكية، موجّهة لكل من الأجهزة الأمنية الإسرائيلية، ولفرق التأهب المحلية في المستوطنات، إضافة إلى مدنيين وسياح من إسرائيل وخارجها. [7]

ترتكز رؤية "كاليبر 3" على ثلاثة مبادئ أساسية: الأمن، المهنية، وقيم القتال اليهودي، وتتخذ من الشعار التوراتي "لِنُعَلِّم بني يهوذا القوس" راية لها.

وتشمل منشآت المؤسسة: ميادين إطلاق نار متقدمة تتيح الرماية بزاوية 360 درجة في بيئة تحاكي القتال داخل مناطق عمرانية، بالإضافة إلى متجر يبيع أسلحة، معدات تكتيكية، أدوات للدفاع عن النفس، مستلزمات للجنود، وتذكارات مثل القمصان والقبعات. كما تعمل "كاليبر 3" على إنشاء ميادين رماية خاصة لمؤسسات أمنية داخل إسرائيل وخارجها، وتدير حالياً أربعة فروع داخل إسرائيل (غوش عتصيون، كرميئيل، القدس، بئر السبع)، إلى جانب فرع دولي في الولايات المتحدة.

ثانياً: "حراس يهودا والسامرة وغزة"

منظمة "حراس يهودا والسامرة وغزة" المعروفة باسم "مشمروت يشع" تأسست العام 1988 وتُعد واحدة من أبرز المنظمات الاستيطانية، فيما تدعوا إلى فرض السيادة اليهودية الكاملة على "أرض إسرائيل"، وتؤكد أن كل شبر من "أرض إسرائيل" هو مقدس ولا يجوز التنازل عنه تحت أي ظرف. كما تعتبر أن تحقيق الأمن القومي الإسرائيلي مشروط بجمع الشتات اليهودي، وتحقيق الاستقلال العسكري والاقتصادي، والتخلّص من العناصر "المعادية" داخل الأرض.[8]

تنشط منظمة "مشمروت يشع" ميدانياً من خلال تعزيز أمن المستوطنات عبر تدريب فرق التأهب، بالتعاون مع الجيش الإسرائيلي، وتوزيع معدات قتالية ودروع واقية، إلى جانب دعم طبي يشمل تجهيز الطواقم الميدانية وإنشاء غرف طوارئ. كما تقدم دعماً قانونياً للمستوطنين في قضايا الأرض والأمن، وتشرف على مشاريع استيطانية زراعية لزراعة الزيتون والكرمة بهدف تعزيز الوجود اليهودي في المناطق الريفية.

وتعمل أيضاً على تأهيل المستوطنين مهنياً من خلال دورات في الزراعة، الحدادة، النجارة، وتربية المواشي، وخصوصاً لمن هم في طريقهم إلى الخدمة العسكرية أو أنهوا خدمتهم. كذلك، تقدّم المنظمة نفسها كمظلة حماية مجتمعية للمستوطنات البعيدة عن مراكز الدولة، وتلعب دوراً محورياً في تأمين الوجود الاستيطاني في مناطق تُعد من الأكثر توتّراً جغرافياً وأمنياً في الضفة الغربية.

 

[1] كدري عوڤديا، شيرا. "تسهيل إضافي في الحصول على رخص السلاح، والمخاوف: ارتفاع متوقع في حالات العنف ضد النساء"، يديعوت أحرونوت، 12 أيار 2025. https://www.ynet.co.il/news/article/yokra14366208#google_vignette

[2] أبراهام بلوخ، "إيتمار بن غفير اتخذ قراراً دراماتيكياً؛ هذه هي التداعيات المتوقعة"، معاريف، 13 أيار 2025. https://www.maariv.co.il/news/politics/article-1196027

[3] الكنيست. "لجنة الأمن القومي صادقت على تعديل أنظمة السلاح الناري"، أخبار الكنيست، 12 أيار 2025. https://main.knesset.gov.il/news/pressreleases/pages/press12.05.25.aspx

[4]  للمزيد أنظر/ي وليد حباس، "فرق الإنذار (التأهب): لجان شعبية مسلحة من المستوطنين"، مدار، 16 تشرين الأول (أكتوبر) 2023، https://linksshortcut.com/ZLKnw

[5] القناة 7. "لأول مرة في إسرائيل: وحدات الطوارئ في السامرة تتسلّم بنادق قنص". 11 أيار 2025. https://www.inn.co.il/news/668605

[6] للمزيد أنظر/ي الموقع الإلكتروني للجمعية https://afjs.org/

[7] للمزيد أنظر/ي الموقع الرسمي للمدرسة العسكرية "كاليبر 3"، https://www.caliber3range.com/%d7%90%d7%95%d7%93%d7%95%d7%aa-%d7%a7%d7%9c%d7%99%d7%91%d7%a8-3

[8] للمزيد أنظر/ي منشورات "مشميروت يشع"، http://www.sdzoa.org/DANZIGER/Mishmeret_Yesha_brochure.pdf 

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات