المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
لجنة التربية والتعليم في الكنيست تصادق على قانون يمنع تشغيل المعلمين والمعلمات الحاصلين على شهادة أكاديمية من مؤسسات السلطة الفلسطينية. (صحف)
  • تقارير، وثائق، تغطيات خاصة
  • 26
  • هشام نفاع

يتضح عمق أزمة جهاز التعليم في إسرائيل هذه الفترة، على نحو متواصل، من خلال كشوفات متتالية عن مكامن خلل، تبدأ بالتمييز ضد الطلاب والمعلمين العرب، ولا تنتهي بها.

فقد بحثت لجنة شؤون الشباب في الكنيست مؤخراً موضوع "تخطيط، تمويل ومستقبل الخطة الخمسية للمجتمع العربي من وجهة نظر الشباب". ووفقاً لرئيسة اللجنة، عضو الكنيست نعماه لزيمي (العمل): "يواجه الشبان والشابات من المجتمع العربي سلسلة من التحديات الفريدة والمميزة في الانتقال إلى الحياة البالغة - الاندماج في التعليم العالي وسوق العمل والاندماج في المجتمع الإسرائيلي ككل"​​. وتابعت قائلة إن "المعطيات تتحدث عن نفسها: فهناك معدلات بطالة مرتفعة، وانخفاض لمعدلات الاندماج في الأوساط الأكاديمية، ونقص في التوجيه المهني المُصمم خصيصاً، وصعوبة مستمرة في الحصول على فرص متكافئة".

صحيح أنه "في السنوات الأخيرة، رصِدت ميزانيات حكومية خصيصاً للنهوض بالمجتمع العربي، ولكن في ضوء التخفيضات في ميزانيات الخطط الخمسية وسياسة الحكومة بالموضوع، من الضروري دراسة تنفيذ الخطط، والتأكد من أنها توفر استجابة حقيقية لفئة الشباب، واقتراح اتجاهات للتحسين والتكيف مع الاحتياجات على أرض الواقع"، بحسب رئيسة اللجنة.

الميزانية المخصصة للطالب العربي تعادل 40% مما للطالب اليهودي

المديرة العامة لشركة "ناس" للأبحاث والاستشارة، د. نسرين حداد- حاج يحيى، قالت إن نسبة الشباب (18-34 عاماً) من المجتمع العربي بين إجمالي الشباب في إسرائيل هي 27%. و"اليوم، وصلت نسبة الرجال والنساء العرب بين جميع الشباب في إسرائيل، إلى أعلى مستوياتها على الإطلاق، حيث انخفضت الولادة في المجتمع العربي وأصبحت الآن مماثلة للمجتمع اليهودي. يعيش 75% من سكان البلدات العربية في البلدات التي تحل في المرتبة 1-3 في العناقيد الاجتماعية والاقتصادية لمكتب الإحصاء المركزي، مقارنة بـ 23% من سكان البلدات اليهودية والمختلطة".

 وأشارت الباحثة إلى عدم المساواة في ميزانيات جهاز التربية والتعليم العربي، حيث يتلقى الطالب العربي فعلياً ميزانية أقل بنسبة 40% (حوالي 13 ألف شيكل) من الطالب اليهودي، والفجوة ما زالت موجودة، وخصوصاً في أوساط المدارس التي تضم طلاباً في وضع اجتماعي واقتصادي منخفض، وتحديداً في الصفوف العليا. التعليم اللامنهجي في المجتمع العربي ناقص، ويعاني من مكامن خلل مختلفة في البنية التحتية، ورأس المال البشري، وتطوير المواد التعليمية والأنشطة الملائمة. وأكدت أن عدم المساواة يؤدي إلى التسرّب من المدارس، وكذلك انخفاض مستوى أهلية وجودة شهادة البجروت (التوجيهي)، وصعوبات في تعلم اللغات العربية والعبرية والإنكليزية.

ممثلة وزارة التربية والتعليم، د. نيطاع موشيه، نفت في ردها حجم الفجوة في ميزانيات المدارس الابتدائية، لكنها أقرت بوجود فجوة في المدارس الثانوية "لأن الميزانيات تُعطى حسب الطلاب والبرامج".

أكثر من نصف طلبة الدراسات العليا في التربية لا ينوون العمل في التعليم

في سياق ذي صلة بأزمة جهاز التعليم، تم بحثه في اللجنة البرلمانية نفسها، حذر ممثلو اتحاد الطلاب الجامعيين خلال جلسة للجنة حول موضوع "النقص في معلمي المدارس" من أن نحو 57% من طلاب التربية في الجامعات والكليات المختلفة لا ينوون العمل في مجال التدريس، وأن 47% من بين طلاب التربية يفكرون في تغيير موضوع الدراسة بموضوع آخر. وحذرت اللجنة مما اعتبرته: "تلاعباً بمستقبل أطفالنا" معتبرةً أن "جهاز التربية والتعليم الرسمي العام معرض للانهيار. فالجهاز لم يعد يعتبر مهنة التعليم ضمانا للمستقبل".

 البروفيسور حاييم شاكيد، رئيس الكلية الأكاديمية "حمدات" ورئيس منتدى كليات التربية الأكاديمية، حذّر  من النقص في المعلمين كما ونوعا، ودعا إلى جذب الشباب ذوي الكفاءات إلى موضوع التربية والتعليم وإدارة التدريس، وذلك من خلال رفع الأجور وتحسين الظروف وتحسين العلاقات مع أولياء الأمور. بالإضافة إلى ذلك دعا البروفيسور شاكيد إلى رفع مكانة المهنة ومكانة الكليات التربوية، وتحسين النظرة الأكاديمية إليها بما في ذلك تمويلها من قبل لجنة التخطيط والتمويل وليس من قبل وزارة التعليم.

عضو الكنيست أحمد طيبي عرض الضائقة التي يعاني منها 12 ألف حامل شهادة تدريس في المجتمع العربي ممن لا يعملون، والمشكلة الاجتماعية التي تسببت بهذا هذه البطالة. وعلى الرغم من اقتراحه بخصوص استيعاب المعلمين العرب في جهاز التربية والتعليم اليهودي – حيث تم فعلا استيعاب المئات منهم – إلا أن الميزانيات المخصصة لهذه الملاكات ما زالت بمثابة عائق أمام ذلك. ودعت عضو الكنيست ميخال فولديغير إلى تخصيص دورات إرشادية للمعلمين وتوفير مواد إثراء ومرافقة شخصية لهم خلال عملهم.

وزيرة التربية والتعليم السابقة البروفيسور يولي تامير، قالت إن الاستثمار القليل في ميزانية لجنة التخطيط والتمويل بما يخص كليات التربية كان من الممكن أن يؤدي إلى ازدهار كليات التربية، فيما حذر إيتمار كرمير، مدير "مشمار" التربية الرسمية أنه على الرغم من معطيات وزارة التربية والتعليم فإن مديري المدراس يعانون من الإرهاق بسبب الجهد المبذول في إيجاد المعلمين وتوزيعهم، وفي نصف المدارس هناك نقص بنسبة 10% من المعلمين. المشكلة مركبة وتتكون من تعيين معلمين بدون تأهيل مناسب، أو معلمين لا يلائمون طبيعة المدرسة، أو تقليص ساعات التدريس في بعض المواد، وأحيانا التخلي عن تدريس بعض المواد بالكامل.

الفجوة ما زالت كبيرة بين أجور المعلمين والمعدّلات في سوق العمل

دافيد معجان، رئيس مجال التربية العليا والقوى البشرية في التربية في مكتب الإحصاء المركزي، كشف عن أنه في العقد الأخير كان هناك ارتفاع بنسبة 32% في عدد المعلمين في البلاد، بينما سجل ارتفاع بعدد الطلاب بنسبة 19% فقط، بحيث أنه خلال الأعوام 2021-2025 طرأ ارتفاع كبير في حجم ملاكات التربية في مجمل جهاز التربية والتعليم وتم إضافة 21 ألف موظف تدريس. وفي العام 2025 أضيف إلى جهاز التعليم 13،905 موظفي تدريس منهم 11،624 معلما جديدا (مقارنة بـ 14،888 في العام السابق 2024، أي بانخفاض يقارب 21.9%) و2،281 معلما عادوا بعد انقطاع ثلاثة أعوام أو أكثر. في السنة الدراسية 2022 خرج من جهاز التعليم 10،847 معلما، مقارنة بـ 10،123 معلما في السنة الدراسية 2021 (بزيادة حوالي 7.2).

 وعلى مدار العامين 2021-2022، كانت نسبة خروج المعلمين من جهاز التربية والتعليم السنوية مستقرة، حوالي 5.2% في المتوسط سنويا. وانخفض متوسط عدد الطلاب في الصف الواحد خلال الثلاثين عاما الماضية، ففي المرحلة الثانوية انخفض من 27 إلى 25 طالبا، في الإعدادية من 31 إلى 28، وفي الابتدائية من 27 إلى 24 طالبا. ورغم ثبات معدلات تعيين المعلمين الجدد على مر السنين، إلا أن عدد المعلمين الجدد ما زال يفوق عدد من يتركون مهنة التعليم، وبالتالي فإن معدلهم لا يؤثر على حجم الجهاز التعليمي. وحذر من غياب هيئة مختصة بتجنيد وجذب المعلمين للمرحلتين الثانوية والإعدادية.

دان فيكمان، ممثل قسم الميزانيات في وزارة المالية، أكد أن كليات التربية يجب أن تحصل فعلا على ميزانيات من قبل لجنة التخطيط والتمويل، وهذه عملية معقدة ومتواصلة، حسب وصفه. أما باتيا هيكلمان، مركزة كليات التدريس في مجلس التعليم العالي، فقالت إن 9 كليات فقط حصلت فعلياً على ميزانيات من لجنة التخطيط والتمويل ولكن يتعلم في هذه الكليات فقط نحو أربعين بالمائة من طلاب موضوع التدريس، وأنه بالمتوسط فإن كلية واحدة تنتقل من ميزانيات وزارة التربية والتعليم للحصول على ميزانيات من لجنة التخطيط والتمويل في مجلس التعليم العالي.

البروفيسور تسيبي ليبمان، رئيسة لجنة التخطيط والتمويل، عرضت برامج اللجنة لتحسين مكانة كليات التدريس، فيما أضاف يوفال فورغان، رئيس طاقم التربية في مركز الأبحاث والمعلومات، شهادات كثيرة لمديري مدارس حول النقص في المعلمين في الميدان.

 وفقاً لمداخلة، د. إيال بار حاييم، الباحث في موضوع التربية في "منتدى أرلوزوروف"، صحيح أن أجور المعلمين قد ارتفعت بشكل جدي في السنوات الأخيرة، إلا أن الأجر في مهن في السوق الحرة قد ارتفعت بشكل كبير، ولذلك فإن الفجوة بقيت كبيرة على حالها. ودعا إلى الاستثمار في أجور منافسة للمعلمين، وتأهيل متواصل على طول فترة العمل في مجال التربية والتعليم.

قانون معادٍ لتشغيل المعلمين العرب سيفاقم من أزمة النقص المزمنة

في سياق الشكوى من النقص في دافعية العمل بمهنة التدريس، يجب التوقف عند مشروع قانون معادٍ للمعلمات والمعلمين العرب، وقد صادقت عليه لجنة التربية والتعليم، تمهيداً للقراءتين الثانية والثالثة. وهو قانون يقضي بمنع تشغيل المعلمين والمعلمات الحاصلين على شهادة أكاديمية من مؤسسات السلطة الفلسطينية.

 في اقتراح القانون، أشار مقدمو الاقتراح إلى ازدياد عدد المواطنين والمقيمين الإسرائيليين الذين يتلقون تعليمهم في المؤسسات الأكاديمية في السلطة الفلسطينية خلال الأعوام الأخيرة، وكذلك عدد خريجي هذه المؤسسات الذين يلتحقون بجهاز التربية والتعليم في إسرائيل. وأضافوا أن الدراسة في هذه المؤسسات تتضمن، في كثير من الحالات، محتوىً معادياً للسامية وتلقيناً يهدف إلى نفي وجود دولة إسرائيل، وتحريضاً شديداً ضدها. وأشاروا إلى أن الهدف من اقتراح القانون هو "منع التأثير الضار للسلطة الفلسطينية المعادي لدولة إسرائيل وقيمها، والحفاظ على القيم التعليمية لإسرائيل كدولة يهودية وديمقراطية، كما هو منصوص عليه في قانون التعليم الرسمي".

 وبناءً على ذلك، سعى مقدمو اقتراح القانون إلى تعديل القانون والنص على أن من يحوز على شهادة أكاديمية من مؤسسة تعليم عالٍ في السلطة الفلسطينية، أو من مؤسسة تابعة لها، يُعتبر فاقداً للشهادة الأكاديمية المطلوبة للعمل كمعلم في إسرائيل. ويتضمن اقتراح القانون أحكاماً انتقالية قانونية لا ينطبق بموجبها القانون على من يعملون بالفعل كمعلمين. بالإضافة إلى ذلك، يجوز لأي شخص أكمل بالفعل شهادة أكاديمية في السلطة الفلسطينية أو جزءاً منها (سنة دراسية واحدة أو أكثر) العمل في جهاز التربية والتعليم، شريطة حصوله على شهادة تدريس من مؤسسة لتأهيل المعلمين في إسرائيل خلال عامين.

 في غضون المداولات، أشارت المستشارة القانونية للجنة، المحامية تامي سيلع، إلى الصعوبات الدستورية، وأوضحت: "يجب أن يكون للتشريع الذي ينتهك حقوقاً مثل حرية العمل غرض مناسب ومتناسب، وأن يستند إلى أسس واقعية - ولم تُقدَّم أي أسس واقعية كافية خلال المداولات حول اقتراح القانون. استمعنا إلى موقف الجهات المهنية بشأن الغرض التربوي، لكننا لم نسمع أي دعم للحجة الشاملة القائلة بأن أي شخص درس في المؤسسات الأكاديمية في السلطة الفلسطينية يؤثر سلباً على الطلاب. علاوة على ذلك، يمكن تحقيق غرض اقتراح القانون - وكان هناك اتفاق واسع على أهميته وفائدته - بطرق أكثر تناسباً".

 وفي إحدى الجلسات، قال رئيس اللجنة، عضو الكنيست يوسف طيب (شاس): "لن نقبل أن يُدرّس أطفالنا، بمن فيهم العرب، مَن تشربوا كراهية اليهود في أثناء دراستهم في مؤسسات السلطة الفلسطينية، في بيئة تُشجّع على الإرهاب"، عى حد تفوّهه. وأضاف عضو الكنيست أفيحاي بوآرون (الليكود): "هذا القانون حاسمٌ لمنع 7 تشرين الأول/ أكتوبر المقبل، وهذا ليس مبالغةً، فآلاف المعلمين الذين يُدرّسون في المدارس الإسرائيلية تلقوا تأهيلهم في مؤسسات السلطة الفلسطينية، ويعملون كمبعوثين لها في جهاز التربية والتعليم الخاص بالعرب في إسرائيل، بتمويل كامل من وزارة التربية والتعليم. نحن نمنع ذلك بهذا القانون".

 وهنا قال رئيس بلدية رهط، طلال القريناوي: "في مدينتي 2،500 معلم. إذا أُقرّ هذا القانون، ماذا تريدون؟ هل تريدون البطالة؟ هل تريدون أن نعود إلى نسبة بطالة تتراوح بين 30% و40%؟"

 هذا ووفقاً للمعطيات التي عرضها مركز الأبحاث والمعلومات في الكنيست خلال هذه المداولات، بدأ 30،339 معلماً ومعلمة التدريس في جهاز التربية والتعليم العربي خلال العقد الماضي؛ 11% منهم حاصلون على شهادة أكاديمية من السلطة الفلسطينية، مما يمثل زيادة. ومن بين 3،447 معلماً ومعلمة، يُدرّس 62% منهم في القدس الشرقية، و29% يُدرّسون في النقب، و9% في مناطق أخرى. وفي العام الدراسي الحالي، يُدرّس حوالي 6،700 معلم ومعلمة في القدس الشرقية، 60% منهم على الأقل هم من خريجي وخريجات المؤسسات الأكاديمية الفلسطينية

المصطلحات المستخدمة:

الليكود, الكنيست, أحمد طيبي

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات