المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
أيمن عودة. (صحف)
  • تقارير، وثائق، تغطيات خاصة
  • 21
  • عبد القادر بدوي

تأتي محاولات عزل النائب أيمن عودة، أحد أبرز ممثلي الفلسطينيين في الداخل في الكنيست الإسرائيلي، في لحظة سياسية حرجة وشديدة الخطورة، تتقاطع فيها حرب الإبادة الإسرائيلية المستمرة على قطاع غزة منذ 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، وحرب بوتيرة أقل في الضفة الغربية والقدس، مع تصعيد ممنهج يستهدف الفلسطينيين في الداخل، ففي الوقت الذي تُمارس فيه آلة القتل على أوسع نطاق ضد الفلسطينيين في غزة والضفة، تتحرك إسرائيل لتضييق الخناق وحصار المواطنين الفلسطينيين في الداخل، بما في ذلك تجريدهم من أدواتهم السياسية والبرلمانية.

في هذا السياق، تأتي إجراءات عزل النائب أيمن عودة، وفق "قانون الإقالة"، أكثر من مجرد مسار قانوني شكلي؛ بل هي تعبير عن سياسة عميقة تهدف إلى نزع الشرعية عن الصوت الفلسطيني، وتجريم الموقف السياسي المناهض للاحتلال والحرب، وتحويل "العمل البرلماني" إلى ساحة مغلقة. فمن خلال هذا القانون، تمنح الأغلبية البرلمانية لنفسها صلاحيات "شبه قضائية" لعزل نواب منتخبين بذريعة "التحريض" أو "دعم الإرهاب" الذي يُحدّد بمقاس اليمين الصهيوني.

تعكس هذه الإجراءات نمطاً متسارعاً من تقويض الحريات السياسية للفلسطينيين في الداخل، عبر أدوات قانونية تُطوّع لخدمة الهيمنة اليهودية على الأقلية العربية، وهو الأمر الذي يُسلّط الضوء عليه تقرير صدر عن المعهد الإسرائيلي للديمقراطية بعنوان: "’قانون الإقالة’- مراجعة لإجراءات إقالة عضو الكنيست أيمن عودة" أعدّته مجموعة من الباحثين، تُسلّط الضوء على الإجراءات التي تم اتباعها، ومخاطر ذلك على النظام الإسرائيلي لاحقاً، وذلك لأن النقاش حول عزل أيمن عودة يكتسب أهمية مضاعفة، بوصفه لا يمسّ فقط بحق فرد في التمثيل، بل يطاول حق جماعة كاملة في التعبير السياسي والتمثيل البرلماني المستقل. هذه المساهمة، تقدّم استعراضاً شاملاً لأبرز ما تضمّنه التقرير، مع أهمية الإشارة إلى أن المصطلحات مصدرها الدراسة نفسها ولا تعبّر عن وجهة نظر معدّها أو مركز مدار.

حول قانون "الإقالة/ العزل"

يُشير التقرير إلى أن الكنيست صادق على التعديل رقم 44 لـ "قانون أساس: الكنيست" ("قانون الإقالة") في تموز 2016، وقد أشار التعديل- بحسب البند 42 أ (ج) من "قانون أساس: الكنيست"، أنه يمكن للكنيست أن يقيل أحد أعضائه بأغلبية كبيرة وبإجراء خاص. منذ سنّ هذا التعديل، شرع الكنيست مرتين بإجراءات رسمية لعزل عضو كنيست: محاولة فاشلة لعزل عوفر كسيف (في شباط 2024)، والجهود المبذولة في الوقت الحالي لعزل عودة.

يُشير التقرير إلى أن "قانون الأساس" اشترط من أجل عزل عضو كنيست أن "يقر الكنيست بأنه قد تحقق فيه، بعد انتخاب تلك الدورة من الكنيست، ما ورد في البند 7أ(أ)(2) أو (3) بخصوص مرشح": أي أن الكنيست قرر أن في أفعال عضو الكنيست ما يُشكّل "تحريضاً على العنصرية" أو "دعماً لكفاح مسلح، من دولة عدو أو من منظمة إرهابية، ضد دولة إسرائيل".

بحسب الإجراء القانوني المتبّع، ووفقاً لـ "قانون أساس: الكنيست"، فإن البدء بإجراءات الإقالة/ العزل يجب أن تبدأ بطلب يتقدّم به 70 عضو كنيست (من بينهم على الأقل 10 أعضاء من المعارضة) بحيث يتضمن الطلب مرفقاً يوضح الأدلة والمبررات إلى رئيس الكنيست، في هذه المرحلة، يتم إحالة الطلب إلى لجنة الكنيست، وإعلام العضو المنوي عزله بشأن النقاش في اللجنة قبل 10 أيام، مع منحه حق الترافع، وكذلك للمستشار القضائي للحكومة. في هذه المرحلة، فإن قرار اللجنة يجب أن يُتخذ بأغلبية لا تقل عن ثلاثة أرباع أعضائها (في حال لم توص اللجنة بذلك فإن قرارها نهائي ونافذ). في المقابل، إذا أوصت اللجنة بالعزل/ الإقالة، فإن الهيئة العامة للكنيست يجب أن تنعقد من أجل إقالته، بأغلبية 90 من أعضائها، شرط أن يُعقد النقاش في الهيئة العامة خلال ثلاثة أسابيع من يوم قرار لجنة الكنيست بالعزل.

يُشير التقرير إلى أن تدخّل المحكمة في عملية العزل يُعد جزءاً من الإجراء نفسه، حيث يحق لعضو الكنيست أن يتقدّم بطلب استئناف على القرار أمام المحكمة العليا، حيث تمارس المحكمة دوراً غير عادي لا يشبه الالتماسات الأخرى، فعندما تفحص المحكمة صحة القرار، لا يدور الحديث عن مسألة تجاوز صلاحيات الكنيست أو عن مدى معقولية القرار كما تفحص المحكمة في حالات الالتماسات المتعلقة بقرارات الكنيست، بل ما إذا كان القرار مبرراً ويتماشى مع الأدلة والأسباب للعزل، مع فحص مدى التزام الكنيست بجميع الإجراءات القانونية المنصوص عليها في القانون. إن المنطق من وراء ذلك بحسب التقرير، وبالاستناد إلى سوابق قانونية للمحكمة، هو أن إجراء الإقالة في الكنيست هو إجراء "شبه قضائي"، وفي إطاره لا تتخذ الكنيست قراراً "سياسياً" بحتاً- بل تتخذ قراراً قضائياً يمس بشكل بالغ بحق الانتخاب والترشح. بالتالي، وفي إطار الرقابة القضائية، ووفقاً لتلك القائمة لإجراءات شطب المرشحين، فإن فحص المحكمة سيكون حول أدلة قاطعة، واضحة ومُقنعة، تشير إلى تحقق أحد السببين: "التحريض على العنصرية أو دعم كفاح مسلّح ضد دولة إسرائيل"، وإذا لم تُظهر الأدلة تحقّقاً لأحد هذين السببين، فمن المرجّح أن تتدخل المحكمة في القرار.

تداعيات تطبيق "قانون الإقالة/ العزل" على التمثيل السياسي للأقليات

يُشير التقرير إلى إن تطبيق إجراء العزل، إلى جانب أدوات أخرى مثل شطب المرشحين والقوائم قبيل الانتخابات، يثير مخاوف جدية من حيث المساس التراكمي بحقوق التمثيل السياسي للأقليات، وكذلك، من استخدام هذا الإجراء كأداة للإقصاء السياسي بأثر رجعي، وذلك انطلاقاً من أن التمثيل السياسي يُعد مكوناً أساسياً في النظام الديمقراطي ليس فقط بالنسبة للأفراد المنتخبين، بل وربما بالأساس، بالنسبة للمجموعات التي يُمثّلونها. لذلك، يؤكّد التقرير أنه عندمه تُستخدم أدوات صارمة ضد ممثلي الأقليات بشكل ممنهج، فإن المساس لا يكون فقط بحق الفرد، بل أيضاً بحق الجماعة في التعبير السياسي، والانتماء المدني، والتأثير على اتخاذ القرار.

من ناحية أخرى، يشير التقرير إلى أنه على الرغم من أن الخطر المباشر من عزل عضو الكنيست أيمن عودة يطاول ممثلاً عن المجتمع الفلسطيني في الداخل، فإن من المهم التأكيد أن أي مجموعة– سياسية، أيديولوجية، دينية أو إثنية – يمكن أن تجد نفسها في موقع الأقلية في لحظة ما، وذلك لأن آلية الإقالة التي تخضع لهيمنة الأغلبية السياسية قد تُستخدم لاحقاً لإقصاء أصوات نقدية أخرى، وهو ما يمس بجوهر الديمقراطية التعددية، ولذلك، فإن حماية حق الأقلية في التمثيل السياسي تتجاوز مصلحة مجموعة محددة، كما يؤكّد التقرير، بل هي شرط للحفاظ على شرعية العملية الديمقراطية بأكملها.

المساس بالتمثيل السياسي للفلسطينيين في الداخل

يؤكد التقرير أن المضي في إجراءات عزل عضو كنيست من الأحزاب العربية ينضم إلى سلسلة من القوانين والممارسات السياسية التي تحدّ من تمثيل الأقلية العربية في إسرائيل، وحتى لو لم يُفضِ هذا الإجراء إلى إقالة فعلية، فإن مجرّد وجودها يعزّز الشعور بالإقصاء ويُقلّص من هامش العمل البرلماني، خصوصاً في دولة تُعرّف نفسها على أساس الهوية القومية للأغلبية.

من ناحية أخرى، وعلى الرغم من أن القانون نص على ضرورة أن يكون هناك 10 أعضاء من المعارضة في كتاب الإقالة الأولي، فإن ذلك يشوبه عيب أن الأحزاب العربية نادراً ما تشارك في الائتلافات الحكومية، سواءً بفعل سياسات الإقصاء أو اختيارها البقاء خارجها، ما يزيد من هشاشة تمثيلها البرلماني، ويُفقدها القدرة على التأثير على أدوات السلطة، ومنها إجراءات العزل، لذلك، فإن الأدوات الإجرائية المصمّمة لضمان توازن سياسي لا توفر حماية جوهرية للحقوق السياسية للأقلية العربية.

أثر الإجراء وتداعياته على الخطاب الديمقراطي

يؤكّد التقرير أن إجراء العزل والإقالة يُنتج أثرا رادعا على حرية التعبير السياسي لأعضاء الكنيست، وذلك عدا عن المساس المباشر بحرية الترشّح والتمثيل. إن مجرد وجود إجراءات إقالة- حتى وإن لم تنجح في النهاية- من شأنها أن ترسل رسالة واضحة للسياسيين والجمهور كذلك: التعبير عن مواقف نقدية، خصوصاً تلك التي تتعلق ببنية الدولة أو سياساتها تجاه الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة، أو هويتها كدولة يهودية- قد يُستخدم كذريعة للإقالة والعزل. وفي مثل هذا الوضع، يُشير التقرير إلى أن النواب قد يلجأون لممارسة رقابة ذاتية على أنفسهم ويتجنبون التصريحات السياسية الجوهرية خوفاً من العواقب الشخصية والسياسية، ما يضع قيوداً على حرية التعبير في مساس جوهري بالنظام الديمقراطي.

من ناحية أخرى، يؤكّد التقرير أن الخطر الكامن في مثل هذه الأداة المصممة (بشكلٍ عام) لحماية الديمقراطية ممن يسعون لإسقاطها- تتحول إلى وسيلة لإضعافها من الداخل، من خلال كبح منظم لأصوات الأقلية، والمسّ بالتمثيل، وتضييق الفضاء السياسي لفئات معينة. لذلك، حتى وإن كان الخطر الحالي يتركّز على تمثيل الأقلية العربية، فإن المساس بالحق في التمثيل الجماعي يُشكّل تهديداً مبدئياً للديمقراطية، إذ أن كل مجموعة قد تجد نفسها في لحظة معينة في موقع أقلية سياسية أو أيديولوجية، الأمر الذي سيحوّل مثل هذه السابقة (حرمان مجموعة أقلية من التمثيل) إلى أداة قد تُستخدم لاحقاً ضد مجموعات أخرى- وبهذا تُقوّض أسس التعددية الديمقراطية بأسرها.

التعقيب على إجراء إقالة عودة

يؤكّد التقرير أن الإجراء الذي جرى في لجنة الكنيست بخصوص عزل أيمن عودة يُسلّط الضوء بجد على كل المخاوف من القانون منذ تشريعه، حيث ورد في كلمة افتتاح الجلسة التي ألقاها رئيس اللجنة أوفير كاتس (من بين الموقعين على طلب العزل)، وقبل الاستماع إلى أية أدلة أو تصريحات من عودة: "أيمن عودة دعم الإرهاب بشكل واضح"، مؤكداً أنه لن يسمح باستمرار عضويته، بالإضافة إلى تصريحات أعضاء كنيست آخرين تسير في نفس الاتجاه. من ناحية أخرى، تخلّل إجراء عزل النائب عودة خطاب مشبع بمصطلحات هجومية ذات طابع سياسي بحت، وتجاهل لمواقف المستشارة القانونية للكنيست- مثل رأيها بشأن التصريحات التي يجوز النظر فيها إجرائياً، لأنها فقط وردت في الرسالة التي وقع عليها الـ 70 نائباً عند بدء إجراءات العزل.

إن الإجراء الذي حصل في الكنيست أشار بشكلٍ واضح إلى أنها ليست هيئة قادرة فعلياً على الاستماع لأدلة أو تقييمها أو اتخاذ قرارات قانونية حقيقية بخصوص العزل بموجب القانون، حيث كان موقف المستشارة القضائية للحكومة واضحاً: تصريحات النائب عودة لا ترتقي إلى مستوى الإقالة وفقاً للقانون، ومع ذلك، تجاهلت اللجنة هذا الموقف، وأقرّت توصية بعزله.

في الختام، يؤكّد التقرير على أن إجراء الإقالة أو العزل هو استثنائي جداً في الأنظمة الديمقراطية، وفي الأمثلة القليلة التي يوجد فيها مثل هذا الإجراء، فإنه مخصص بعد أن يتم إدانة العضو إدانة جنائية نهائية ونادراً ما يُستغل لأغراض سياسية. أما في إسرائيل، فالوضع مختلف، من حيث وجود آلية داخلية في الكنيست لإقالة أعضاء كنيست، رغم أن القانون يحدد حالات معينة تنهي العضوية تلقائياً (مثل الإدانة بجريمة فيها "وصمة عار")، لكن الوضع الحالي الذي يسمح للأغلبية باتخاذ قرار سياسي بإقالة ممثل أقلية يُعد مسا خطيرا بالحق في الترشح والانتخاب والتمثيل.

خلاصة القول، إن الكنيست ليس المكان المناسب لإجراء شبه قضائي من حيث الأدلة والاستماع والتقييم واتخاذ قرارات قضائية، وقد لوحظ كيف تحول لمسرح للهجوم والخطاب السياسي، مع تجاهل تام لموقف المستشارة القضائية، الأمر الذي يُشير إلى أن مثل هذا الإجراء يُعد جزءا إضافيا من خطة "الانقلاب القضائي" والذي يظهر بشكل متكرر في تجاوز أجهزة إنفاذ القانون.

المصطلحات المستخدمة:

لجنة الكنيست, دورا, الكنيست, أيمن عودة

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات