ما زال الخلاف في المنظومة السياسية الإسرائيلية قائماً وحادّاً بشأن إقامة لجنة تحقيق رسمية حول أحداث 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023. وقد عاد ليشتعل مرة أخرى في جلسة أخيرة للجنة رقابة الدولة في الكنيست، والتي انعقدت "للاستماع إلى تقرير مراقب الدولة حول أنشطة مكتبه بما يخص حرب السيوف الحديدية"، كما جاء في بيانها.
تحدث رئيس اللجنة عضو الكنيست ميكي ليفي ("يوجد مستقبل") في بداية الجلسة عن "توقعات الجمهور العريض" لإقامة لجنة تحقيق رسمية، فقال: "إن معظم مواطني دولة إسرائيل يطالبون بتلقي إجابات وهم يستحقون الحصول عليها. ولكن أكثر من ذلك، هم يطالبون بمحاسبة المسؤولين". وعن وجهة نظره الشخصية قال: "في ضوء الكارثة الكبيرة التي حلت بنا في ذلك السبت الأسود فإن الحرب الطويلة التي ما زلنا في خضمها، وتداعيات هذه الأحداث على مواطني دولة إسرائيل، لا يمكنها أن تمر من دون إجراء تحقيق جدي، مباشر وصارم. وإن الأداة الوحيدة لتحقيق هذه الأهداف هي لجنة تحقيق رسمية".
وتابع أنه كان "أول من توجّه إلى مراقب الدولة بطلب البدء بعملية الفحص، بل وحثثته على البدء بها في أقرب وقت ممكن. وبما أن الحكومة تتجنب إقامة لجنة تحقيق رسمية، فأنا أعتقد أنه لا يوجد أمر أنسب من قيام الكنيست من خلال لجنة رقابة الدولة بالتصويت على إقامة لجنة تحقيق رسمية. كان ذلك متبعاً في الماضي، والآن أصبح أكثر ضرورة. ويلزمني القانون بالانتظار حتى صدور تقارير مراقب الدولة حتى أتمكن من المضي قدماً في هذا التوجه".
زعيم حزب معارض اتهم المراقب "بالخداع" لمنع لجنة تحقيق
وجه عدد من أعضاء اللجنة، من أحزاب المعارضة، إلى مراقب الدولة اتهاماً مفاده أنه يعرقل إقامة لجنة تحقيق رسمية. فقال عضو الكنيست يوآف سيغالوفيتش إن هناك "تجاوزاً في سلطة مراقب الدولة"، وذلك "يعيق ويعرقل بشكل فعلي إمكانية تشكيل لجنة تحقيق رسمية في المستقبل"، "هناك حدود لقدرة مؤسسة مراقب الدولة. ليست لديه صلاحية أو أدوات للتحقيق في أحداث 7 أكتوبر. تحدثت معه وحاولت أن أنتزع منه تصريحاً: ‘قل إنك تؤيد إقامة لجنة تحقيق رسمية’. حتى عائلات المختطفين طالبته بأن يصرّح بذلك، لكنه رفض. هو موظف عام، وتصريحه له قيمة معنوية. منصبه يُلزمُه بالتصريح علناً بأنه يجب إقامة لجنة تحقيق رسمية".
فيما قال عضو الكنيست إلعازار شطيرن: "لا أفهم كيف يتهرب المراقب من الإجابة على السؤال الأكثر أساسية: لماذا حتى اليوم لم تُقم لجنة تحقيق رسمية؟ هناك شعور بالإفشال المتعمّد". بينما تساءلت عضو الكنيست ميراف بن آري: لماذا يواصل مراقب الدولة فحص الأحداث عندما لا يؤدي تقرير المراقب إلى فرض العقوبات. أما عضو الكنيست مئير كوهين - وكلهم من حزب "يوجد مستقبل" - فقد رأى أن المراقب "يفحص الجوانب الأمنية رغم أنه غير مخول بذلك بموجب المادة 2 من قانون مراقب الدولة".
ارتباطاً بهذا الجدل، كشف الصحافي يوفال كرني في موقع "واينت" عن أن مواجهة سابقة جرت بين المراقب وبين الحزب المذكور. وكتب: في الخامس من أيلول الماضي، وصل أربعة من موظفي مكتب مراقب الدولة إلى مكاتب حزب "يوجد مستقبل" في تل أبيب للقاء مع رئيس الحزب يائير لبيد. وقد عملوا على التحقيق في مجزرة 7 أكتوبر والأحداث التي سبقتها، وطلبوا استجوابه بصفته رئيس حكومة سابق. وقد قال لهم لبيد: "أنا لا أجادل ولا أتنازع مع موظفي دولة، لكنكم شركاء في خديعة. إن هذا التحقيق خديعة من قبل مراقب الدولة متنياهو إنغلمان، الذي يريد خدمة نتنياهو وتلويث جميع مواد التحقيق، بهدف عرقلة إمكانية إقامة لجنة تحقيق رسمية. أنا مواطن يحترم القانون وسأجيب على جميع الأسئلة، لكنني أطالب بتسجيل ذلك في البروتوكول: هذه خديعة من طرف نتنياهو".
ويصف الصحافي ما جرى بعد ذلك بالقول: "ساد صمت طويل في الغرفة، لكن في نهايته وجّه المحققون الأسئلة، وردّ لبيد عليها. لقد مرّت ثمانية أشهر، وحتى اليوم لا يزال لبيد يرى أن التحقيق يشكل تجاوزاً تاماً لصلاحيات مراقب الدولة. وعلى الهامش، فإن من لم يُستدعَ بعد للإدلاء بشهادته أو تقديم روايته أمام مراقب الدولة هو رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو".
وختم الموقع العبري، متطرقاً إلى الجلسة البرلمانية المذكورة أعلاه، بأن "ما بدأ باحتجاج من لبيد في خريف العام الماضي، أخذ هذا الأسبوع بُعداً رسمياً. ففي جلسة لجنة مراقبة الدولة في الكنيست، وبحضور إنغلمان، اتهمه كبار مسؤولي ’يوجد مستقبل’ بأنه متحمّس لإفشال إقامة لجنة تحقيق رسمية".
المراقب: إذا أقيمت لجنة تحقيق رسمية فسنعمل بالتنسيق معها
من جهته، ردّ مراقب الدولة، مرتين على الاتهامات الموجهة إليه، مرة أمام اللجنة ولاحقاً في بيان خاص. مما قاله للجنة: "منذ اللحظة الأولى، عملنا بكل جدية لفرض الرقابة على كافة الهيئات وعلى جميع المستويات"، مضيفاً أنه تمت المصادقة على إطار التحقيق الذي تمت صياغته أمام جهاز الشاباك والجيش الإسرائيلي، وأن مكتبه استكمل العمل في الفترة الأخيرة على 19 موضوعا مختلفا، وتم تمرير المسودات إلى الجهات الخاضعة للرقابة للنظر فيها. وأشار المراقب إلى أنه في الأشهر الأولى للحرب قامت طواقم مكتبه بجولات ميدانية واجتمعت مع مواطنين من أجل دراسة الفجوات. وفي تشرين الثاني 2023 توجه برسالة إلى رئيس الحكومة وشرح فيها أوجه القصور التي تم التعرف عليها. وفي كانون الثاني 2024 أعلن عن فتح تحقيق شامل وفي شباط 2024 تم تقديم التماس إلى المحكمة العليا في محاولة لمنع إخضاع قضايا تتعلق بالحرب للرقابة. وأكد إنغلمان أنه "سيتم فرض الرقابة على جميع المستويات بما فيها رئيس الحكومة، الوزراء، الجيش الإسرائيلي والمستويات المدنية"، مشدداً على أنه "في حال تم اتخاذ القرار بإقامة لجنة تحقيق رسمية فسنعمل بالتنسيق مع اللجنة".
وفي ما يخص صلاحياته أوضح المراقب أن "قضاة محكمة العدل العليا ردوا على المستشارة القانونية للحكومة بأن مسألة الصلاحيات ليست مطروحة على الأجندة" وأنه "سيكون من السيء جدا محاولة تقييد مراقب الدولة. لديه استقلالية وهو جزء من النسيج الديمقراطي لدولة إسرائيل".
لاحقاً أعلن في بيان منفصل أنه قال "من اللحظة الأولى، عملنا بجد لإجراء رقابة على جميع الجهات". وأضاف: "كان ينبغي خلال هذه الفترة نشر تقارير تتعلق بالمواضيع الجوهرية، والتي كانت لتُعطي إجابات لمواطني إسرائيل بشأن الإخفاقات التي أدت إلى مجزرة السابع من أكتوبر. في الوقت الذي كان فيه أمر مؤقت من المحكمة العليا قائماً ويمنع إجراء رقابة داخل الجيش الإسرائيلي والشاباك، بدأنا بالتحضير الميداني للرقابة، حتى نكون مستعدين لإجرائها فور السماح بذلك. الآن، المخطط الذي تم الاتفاق عليه مع الجيش الإسرائيلي والشاباك حصل على صفة قرار محكمة، ونحن نعمل وفقاً له".
اليمين يتهم أجهزة الأمن بالتنسيق مع المعارضة والمجتمع المدني
وسط هذا الجدل بين المعارضة والمراقب، تواصل الحكومة السعي لإحباط أي تقدّم باتجاه إقامة لجنة تحقيق رسمية. وكشفت القناة التلفزيونية 13 أنه "في الوقت الذي تحاول فيه الحكومة في الأسابيع الأخيرة إيجاد بديل لتشكيل لجنة تحقيق رسمية لأحداث 7 أكتوبر، فإن نتنياهو يشارك في بعض المناقشات التي يجريها حول هذا الموضوع د. رافي بيطون، الذي سبق أن ساعد وزير العدل ياريف ليفين في صياغة إصلاحه في جهاز القضاء. ويُعتبر بيطون شخصاً معادياً لجهاز القضاء الإسرائيلي، ومرشحاً بارزاً من وجهة نظر ليفين لتولي منصب قاضٍ في المحكمة العليا".
أما صحيفة "يسرائيل هيوم" اليمينية فقد أبرزت ما أسمته "الحملة" التي أطلقتها "الحركة من أجل جودة الحكم" ضد مراقب الدولة ودعوتها لعدم تخريب التحقيق في أحداث 7 أكتوبر. وقالت الصحيفة بلهجة اتهامية ساخرة: "هذه الحملة الجماهيرية، التي تتضمن لافتات ممولة تحمل صورة المراقب، ربما لم تكن لتكون مثيرة للقلق كثيراً في مناخ الاحتجاجات الحالي، حيث تظهر صورة رئيس هيئة القوى البشرية في الجيش الإسرائيلي على لافتة إعلانية في شارع أيالون. لكنها بالفعل مثيرة للقلق. وخاصة في ظل إصرار الأجهزة الأمنية، بتنسيق مدهش مع المعارضة ومنظمات المجتمع المدني، على إقامة لجنة تحقيق رسمية فقط، يترأسها شخص يتم اختياره من قبل رئيس المحكمة العليا".
وتابعت: "ثم جاءت التماسات من حركة "من أجل جودة الحكم" وحركة "أومتس" (الحركة من أجل إدارة سليمة وعدالة اجتماعية وقانونية)، والتي أدت إلى صدور أمر مؤقت جمّد التحقيق في سلوك الجيش الإسرائيلي وجهاز الشاباك في 7 أكتوبر لأكثر من عام. وقد أُضفيت الشرعية على كل ذلك من خلال رأي قانوني غريب للغاية من المستشارة القانونية للحكومة، غالي بهراف- ميارا، التي ادعت أن التحقيق في سلوك الأجهزة الأمنية في 7 أكتوبر لا يدخل ضمن صلاحيات مراقب الدولة. وربما هذا ما يفسر الادعاءات التي وجهتها المعارضة لإنغلمان في لجنة مراقبة الدولة، بشأن غياب صلاحيته"، ادّعت الصحيفة.
يد الحكومة خلف محاولات منع إقامة لجنة التحقيق
بالتزامن مع هذا، كشفت صحيفة "معاريف" عن أن "وضع تقدم التشريع لتشكيل لجنة تحقيق في أحداث السابع من أكتوبر، والذي يدفع به عضو الكنيست أريئيل كيلنر (الليكود)، متعثر. وهذا رغم أن الصيغة الأولية نشرت قبل نحو ثلاثة أشهر، إلا أن اقتراح القانون نفسه لم يُعرض بعد على طاولة الكنيست. المشروع الذي صاغه كيلنر يهدف إلى استبدال الآلية المتبعة للجنة تحقيق رسمية، التي يتم تشكيلها من قبل رئيس المحكمة العليا." وتتابع الصحيفة: "بدلاً من ذلك، يقترح كيلنر تشكيل لجنة تحقيق خاصة مكوّنة من تسعة أعضاء، وفقاً للتركيبة التالية: قاضيان مؤهلان لتولي منصب قضاة في المحكمة العليا، اثنان من كبار المسؤولين السابقين في الجيش الإسرائيلي أو الشرطة أو الشاباك، شخصيتان عامتان ذواتي خبرة إدارية واسعة من القطاع العام أو الخاص، وممثلان عن عائلات المخطوفين والقتلى. أما العضو التاسع، والذي سيشغل منصب رئيس اللجنة، فسيتم اختياره من قبل الأعضاء الثمانية الأوائل.
أما اختيار الأعضاء الستة من أصحاب التخصصات "فسيتم بإحدى طريقتين: إما بأغلبية خاصة من 80 عضو كنيست، أو بطريقة متساوية – ثلاثة ممثلين يعيّنهم الائتلاف وثلاثة تعيّنهم المعارضة. وبعد اختيارهم، سيكون هؤلاء الستة هم من يقررون من سيكونان ممثليْن عن عائلات الضحايا. وعلمت صحيفة "معاريف" بتفصيل لم يُنشر حتى الآن في مخطط القانون: مجال التحقيق الذي سيتم في إطار لجنة التحقيق لن يركّز فقط على أحداث 7 أكتوبر نفسها، بل سيشمل مراجعة تاريخية تمتد لـ30 عاماً – من اتفاقيات أوسلو وحتى المجزرة. وستُطلب من اللجنة دراسة التطورات في قطاع غزة على مرّ السنوات، بما في ذلك تأثير فك الارتباط، واختطاف الجندي جلعاد شاليط، وصفقة شاليط وإطلاق سراح الأسرى – بما في ذلك إطلاق سراح يحيى السنوار".
تنقل صحيفة "معاريف" أن "مَن منح كيلنر الضوء الأخضر لصياغة المخطط لم يكن سوى رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو نفسه. وبالرغم من ذلك، فإن القانون متعثر – ولا يتم دفعه قدماً فعلياً. وبحسب مصادر سياسية، فإن نتنياهو لا يدعم في هذه المرحلة طرح اقتراح القانون على طاولة الكنيست، رغم أنه غير مستعد لتشكيل لجنة تحقيق رسمية وفقاً للإجراء التقليدي". بمعنى أن نتنياهو هو من وقف خلف هذا المقترح الذي سيتم بمقتضاه توسيع السياق التاريخي والسياسي للحدث حتى ثلاثة عقود إلى الوراء، وبالتالي سيخفف مسؤولية الحكومة الحالية بدرجة كبيرة عن الأحداث. وفي الوقت نفسه، وفقاً لما نقلته الصحيفة، فإن نتنياهو هو من يعرقل أو يضع كوابح أمام تقدّم هذا المقترح.
المصطلحات المستخدمة:
مراقب الدولة, يسرائيل هيوم, لجنة مراقبة الدولة, الليكود, رافي, الكنيست, رئيس الحكومة, بنيامين نتنياهو, يائير لبيد, مئير كوهين