بدا الوضع في إسرائيل، خلال الأسبوع الفائت، كما لو أن أزمة شديدة حاصلة في اليمين الإسرائيلي، وأن هناك انقساما في حزب الليكود الحاكم، وذلك بعد إعلان رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، عن معارضته لمشروع "قانون التسوية" الذي كان من شأن سنّه في الكنيست أن يمنع إخلاء وهدم خمسة مبان في الحي الاستيطاني "غفعات هأولبناه" التابع لمستوطنة "بيت إيل". وبدا كأن نتنياهو يقف ضد وزراء حكومته ونواب تحالفه في الكنيست، الذين أعلنوا عن تأييدهم لمشروع القانون. لكن تبين في النهاية أن هدف هذا الأداء من جانب نتنياهو هو التراجع خطوة إلى الوراء ليتقدم عشرات الخطوات إلى الأمام في المشروع الاستيطاني، لدرجة أن أحد وزرائه تمنى لو تصدر قرارات قضائية عديدة مثل قرار هدم خمسة مبان تحتوي على ثلاثين شقة في "غفعات هأولبناه" كي تقرر الحكومة بناء 851 وحدة سكنية جديدة في المستوطنات، مؤكدا على أن "المستوطنين حصلوا على صفقة جميلة".
يتابع الإسرائيليون الانتخابات الرئاسية في مصر بتوجس وترقب، بعد أن وجهت ثورة "25 يناير"، في بداية العام الماضي، صفعة لم يتوقعوها وأدت إلى الإطاحة بالرئيس السابق حسني مبارك، الذي اعتبروه أقرب سياسي في الشرق الأوسط من إسرائيل وحليف قادتهم الاستراتيجي. وسبق أن جاهرت إسرائيل أن خسارتها مبارك كانت كبيرة للغاية، إلى درجة أنها انتقدت بشدة الرئيس الأميركي، باراك أوباما، معتبرة أنه تخلى عن حليفه بمجرد بدء الثورة المصرية.
وبعد أن انضم الإخوان المسلمون إلى ثورة "25 يناير" في نهايتها وقبل يوم واحد من رحيل مبارك عن الحكم، تنفس الإسرائيليون الصعداء، معتبرين أنه ثبتت توقعاتهم بأن "الربيع العربي" ليس إلا "خريفا إسلاميا" سيصعد الإسلاميون على أمواجه إلى سدة الحكم في مصر، على غرار ما حصل في أقطار عربية أخرى.
تفجرت قضية اللاجئين الأفارقة بقوة في الشارع الإسرائيلي، الأسبوع الماضي. فقد اندلعت أعمال عنف ونهب ضد الأفارقة والمحال التجارية التي يشترون طعامهم واحتياجاتهم منها في حي "هتيكفا" في جنوب تل أبيب، وذلك في نهاية مظاهرة شارك فيها نحو ألف مواطن إسرائيلي، ومهرجان خطابي قاده نواب من أحزاب اليمين واليمين المتطرف، الذين، حسبما أجمعت وسائل الإعلام الإسرائيلية، حرضوا المتظاهرين على اللاجئين. وبالمناسبة، فإن نواب اليمين هؤلاء هم نفسهم النواب الذين يحرضون ضد الفلسطينيين واليسار في إسرائيل ويدعمون المستوطنين والاستيطان ويطرحون القوانين العنصرية والمعادية للديمقراطية.
تركز اهتمام الإسرائيليين في ذكرى النكبة في العام الماضي- 2011- على الحدود، وذلك عندما تظاهر مئات الشبان في الجانب السوري من الحدود في هضبة الجولان، والآلاف في الجانب اللبناني من الحدود مع إسرائيل. وحاول قسم من المتظاهرين، وكانت غالبيتهم من مخيمات اللاجئين في سورية ولبنان، تخطي الحدود والدخول إلى إسرائيل، في تظاهرة رمزية لتطبيق حق العودة. وردت قوات الجيش الإسرائيلي على ذلك بإطلاق النيران العشوائية وقتلت عشرات المتظاهرين وأصابت مئات آخرين بجروح. وتكرر هذا المشهد بعد ثلاثة أسابيع، في يوم ذكرى النكسة. حينذاك، لم ينزعج الإسرائيليون من مشاهد القتل الجماعي على الحدود، بل اعتبروا أن جيشهم يحمي دولتهم من مسيرات "اللاجئين العائدين".
تسود توقعات في إسرائيل بأن الدراما التي جرت الأسبوع الفائت، عندما نام الإسرائيليون، مساء الاثنين، على وقع تقديم الانتخابات العامة واستيقظوا، فجر الثلاثاء، على حكومة وحدة وطنية، لن تكون نهايتها وفقا للسيناريو المتوقع.
وتشير التوقعات إلى أن رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، عندما اتفق مع رئيس حزب كاديما، شاؤول موفاز، بعد منتصف ليل الاثنين - الثلاثاء، على تشكيل حكومة وحدة، إنما أراد، في الواقع، أن يستبدل حكومة بأخرى، وأن يغير تركيبة حكومته، أي أن الحديث لا يدور فقط على إقامة تحالف واسع مؤلف من 94 نائبا من بين نواب الكنيست الـ 120.
تجري الانتخابات العامة في إسرائيل، عادة، إما في موعدها القانوني المقرر وإما بصورة مبكرة في حال نجاح المعارضة في الإطاحة بالحكومة أو رئيسها خلال ولايتهما أو في حال وفاة رئيس الحكومة. لكن هذا ليس الحال في إسرائيل، الآن، إذ أن رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، هو الذي قرر إنهاء ولاية حكومته، انطلاقا من تقديره أنه سيعود إلى سدة الحكم بعد الانتخابات المبكرة المقبلة، المزمع إجراؤها في الرابع من أيلول هذا العام، بدلا من تشرين الثاني من العام المقبل (2013).
وقال نتنياهو في خطاب ألقاه أمام مؤتمر حزب الليكود في تل أبيب، مساء أمس الأحد (6/5/2012)، إنه "من الأفضل إجراء معركة انتخابية قصيرة خلال 4 شهور يكون من شأنها إعادة الاستقرار السياسي". وأضاف "لن أتعاون مع معركة انتخابية على مدار سنة ونصف السنة ستلحق ضررا بالدولة".
الصفحة 54 من 61