تقارير خاصة

تقارير عن قضايا راهنة ومستجدة في إسرائيل.

تركز اهتمام الإسرائيليين في ذكرى النكبة في العام الماضي- 2011- على الحدود، وذلك عندما تظاهر مئات الشبان في الجانب السوري من الحدود في هضبة الجولان، والآلاف في الجانب اللبناني من الحدود مع إسرائيل. وحاول قسم من المتظاهرين، وكانت غالبيتهم من مخيمات اللاجئين في سورية ولبنان، تخطي الحدود والدخول إلى إسرائيل، في تظاهرة رمزية لتطبيق حق العودة. وردت قوات الجيش الإسرائيلي على ذلك بإطلاق النيران العشوائية وقتلت عشرات المتظاهرين وأصابت مئات آخرين بجروح. وتكرر هذا المشهد بعد ثلاثة أسابيع، في يوم ذكرى النكسة. حينذاك، لم ينزعج الإسرائيليون من مشاهد القتل الجماعي على الحدود، بل اعتبروا أن جيشهم يحمي دولتهم من مسيرات "اللاجئين العائدين".


أما في ذكرى النكبة هذا العام، فقد تركز اهتمام الإسرائيليين على الضفة الغربية وقطاع غزة حيث جرت مسيرات ومهرجانات بهذه المناسبة، كذلك جرت مواجهات بين الشبان الفلسطينيين وقوات الجيش وحرس الحدود الإسرائيلية في مناطق متفرقة في الضفة. ومرّ يوم 15 أيار وبعده عادت الحياة إلى مجراها العادي.

لكن إحياء ذكرى النكبة داخل إسرائيل، في أراضي 48، كان ذا صدى مختلف. فقد أعلنت لجنة المتابعة العليا عن إضراب عام وشامل في السلطات المحلية والمؤسسات التعليمية العربية، لكن لم تلتزم جميعها بهذا القرار. كذلك أغلقت معظم المحال التجارية أبوابها، خصوصا في الشوارع الرئيسة في المدن والقرى العربية. وجرت مسيرة مركزية إلى قرية اللجون في منطقة المثلث الشمالي وأقيم مهرجان شارك فيه الآلاف.

إلا أن الصدى الأبرز لإحياء ذكرى النكبة، هذا العام، كان للأنشطة التي نظمها طلاب عرب ويهود في الجامعات الإسرائيلية، في 14 أيار في جامعة تل أبيب، وفي اليوم التالي في الجامعة العبرية في القدس، وفي 16 أيار في جامعة حيفا. ورغم أن رئيس جامعة حيفا، البروفسور أهارون بن زئيف، أعلن في اللحظة الأخيرة عن إلغاء النشاط لإحياء ذكرى النكبة إلا أن الطلاب والمحاضرين نظموا تظاهرة خارج الحرم الجامعي ضد قرار الجامعة.

وأثارت هذه الأنشطة في الجامعات ضجة كبيرة في إسرائيل، وفرضت سجالا حول النكبة. وبدا واضحا أن لإحياء ذكرى النكبة في إسرائيل، بمشاركة مئات الطلاب والمحاضرين اليهود، أثرا مضاعفا.



"قانون النكبة" الجديد

أعلن حزب "إسرائيل بيتنا" اليميني، في يوم ذكرى النكبة، طرح مشروع قانون جديد على جدول أعمال الكنيست يهدف إلى منع الجامعات الإسرائيلية من السماح بإحياء ذكرى النكبة وذلك في أعقاب إحياء هذه الذكرى في جامعة تل أبيب. وقالت صحيفة "يديعوت أحرونوت" إن مشروع القانون الجديد يقضي بوقف إعطاء ميزانيات لجامعات تسمح بإحياء ذكرى النكبة أو مراسم مشابهة داخل حرمها الجامعي "وتتعارض مع مبادئ إسرائيل".

وأضافت الصحيفة أن مشروع القانون الجديد يأتي مكملا لما يعرف بـ "قانون النكبة"، الذي سنه الكنيست العام الماضي، وينص على توقف حكومة إسرائيل عن تمويل مؤسسات وهيئات تحيي أو تشارك في إحياء مناسبات فلسطينية وخصوصا ذكرى النكبة. وأفادت الصحيفة بأن وزير التربية والتعليم الإسرائيلي، غدعون ساعر، بحث في الأيام الأخيرة إمكانية منع منح ميزانيات لجامعة تل أبيب، عقابا لها على سماحها بإحياء طلاب عرب ويهود لذكرى النكبة. وتبين للوزير أنه لا يستطيع سلب ميزانيات في هذا السياق، لأن الجامعة لم تؤيد إحياء الذكرى. لكن من شأن مشروع القانون الجديد أن يسمح بوقف ميزانيات عن الجامعة.

وينص مشروع القانون الجديد على أنه سيكون بإمكان وزير التربية والتعليم، الذي يتولى رئاسة مجلس التعليم العالي أيضا، أن يوقف ميزانيات لجامعات يجري فيها نشاط مؤيد للفلسطينيين داخل حرمها حتى لو لم تؤيد إدارة الجامعة مضامين هذه الأنشطة. وبلور مشروع القانون الجديد رئيس لجنة التربية والتعليم في الكنيست، أليكس ميلر، من "إسرائيل بيتنا"، الذي بادر إلى طرح "قانون النكبة" العام الماضي.

وقالت الصحيفة إن مشروع القانون الجديد يلقى تأييدا من جانب أعضاء كنيست آخرين من التحالف ومن كتلة "الاتحاد الوطني" المعارضة. ويأتي مشروع القانون هذا في سياق سلسلة القوانين العنصرية والمعادية للديمقراطية التي قدمها ويسعى لتقديمها أعضاء كنيست من الأحزاب المشاركة في تحالف حكومة بنيامين نتنياهو اليميني.

وفي أعقاب ضغوط اليمين الإسرائيلي، قررت إدارة جامعة حيفا، في اللحظة الأخيرة، إلغاء النشاط لإحياء ذكرى النكبة الفلسطينية بمبادرة طلاب عرب ويهود، وذلك على أثر انتقادات شديدة وجهها اليمين الإسرائيلي لإدارتي جامعة تل أبيب والجامعة العبرية في القدس اللتين سمحتا بنشاط مشابه. وأعلن رئيس جامعة حيفا عن إلغاء النشاط قبل ثلاث ساعات من إجرائه وعلى الرغم من أن الطلاب المبادرين للنشاط حصلوا على تصريح من الجهات ذات العلاقة وبينها دائرة الأمن في الجامعة.

وكان مقررا عرض مسرحية للممثل سليم ضو حول النكبة والحكم العسكري الذي كان مفروضا على الأقلية العربية في إسرائيل منذ العام 1948 وحتى العام 1965.

ونقل الموقع الالكتروني لصحيفة "هآرتس" عن الدكتور إيلان صبان، من كلية الحقوق في جامعة حيفا، قوله إن "إدارة الجامعة لم تلتفت إلى الأهمية والقدوة التي تعطيها في الفترة الحالية للمجتمع الإسرائيلي. ويحزنني أن أرى مؤسسات أكاديمية أخرى تُبدي شجاعة لا أجدها في مؤسستي". وأضاف أن قرار الجامعة يبين "ضيق الأفق وعدم التعاطف مع الأقلية والنفاق".



"حال الجامعات ليست جيدة"!

ذكرت صحيفة "هآرتس"، يوم الجمعة الماضي، أن أنظمة الجامعات تمنحها إمكانية قمع الأنشطة العامة للطلاب بشكل كامل تقريبا. ففي جامعة حيفا، على سبيل المثال، ومثلها الجامعة العبرية وجامعة بار إيلان أيضا، توجد صلاحيات بأيدي رئيس الجامعة "بإصدار أوامر بشأن إيقاف أو منع أي نشاط عام لفترة محدودة، واتخاذ الإجراءات التي يراها مناسبة لهذا الغرض".

وأشارت الصحيفة، أيضا، إلى نشاط إحياء ذكرى النكبة في جامعة تل أبيب، إذ اشترطت إدارة الجامعة إجراءه بأن يتعهد الطلاب بتكاليف دائرة الأمن لحراسة النشاط. كذلك منعت إدارة الجامعة الطلاب من إقامة منصة واستخدام مكبرات الصوت. لكن في الوقت نفسه، لم تمنع إدارة الجامعة اليمين المتطرف الذي تظاهر ضد نشاط إحياء ذكرى النكبة، واستخدم الخطباء اليمينيون مكبرات الصوت للدعوة إلى ترحيل العرب ورفض إقامة دولة فلسطينية "في أرض إسرائيل".

ونقلت الصحيفة عن أحد رؤساء الجامعات الإسرائيلية، الذي طلب عدم الإشارة إلى هويته، قوله: "لم نكن أبدا في وضع متطرف إلى هذا الحد من الناحية السياسية، وهذا التطرف يتغلغل إلى الحرم الجامعي. وأنا لا أذكر تدخلا كهذا، وتدخل وزير التربية والتعليم الآن في محاولة لمنع مراسم في الجامعة هو تدخل ينطوي على إشكالية. وهو تدخل فظ ومباشر ولا يوجد مكان لتدخل كهذا".

وشدد رئيس الجامعة على أنه "من الواضح لكل رئيس جامعة أنه لا يستطيع أن يضحي بحياة الجامعة على مذبح تقديس الديمقراطية. فالضغوط هائلة من الداخل والخارج، والمؤسسة مرتبطة بميزانية الدولة، وتصل تهديدات مبطنة طوال الوقت بأنه سيتم المس بالميزانية. ويجري بحث في الكنيست حول كل مظاهرة، ويوجد تهديد دائم بأنه ’إذا لم تنصاعوا لنا فسوف نسن قانونا’، وهذه أصبحت لازمة، ومعروف أن مجموعة القوانين التي أخذت تقيد خطواتنا تتزايد".

وأضاف أن هناك المتبرعين للجامعات "والضغوط حقيقية، وهم يقولون ’ببساطة لن نسمح لكم’. وكل ميزانية التطوير في الجامعات تقريبا متعلقة بالمتبرعين، وهذا ضروري من أجل استمرار وجود الجامعات. والمتبرعون يعرفون بكل مظاهرة، ويعرفون ماذا يحدث في الغرف الدراسية. هذه أجواء إشكالية من المراقبة والتجسس. ونحن في حال ليست جيدة".



"إحياء ذكرى النكبة يهدف إلى نزع شرعية إسرائيل"!

نُشرت خلال الأسبوع الماضي مقالات عديدة في الصحف الإسرائيلية حول النكبة وإحياء ذكراها، برز خلالها سجال بين من يعارضون إحياء هذه الذكرى وبين من أيدوا حق الفلسطينيين في إحياء ذكرى نكبتهم، التي ما زالت تبعاتها مستمرة حتى اليوم.

واعتبر المحلل السياسي في "هآرتس"، أري شفيط، في مقال نشره يوم الخميس الماضي، أن "يوم النكبة هو يوم عدواني. فلو أراد الفلسطينيون أن يتذكروا الكارثة الفلسطينية التي حلّت بهم في العام 1948، لاختاروا ذلك في اليوم الذي وقعت فيه مجزرة دير ياسين، في التاسع من نيسان. ولو أراد الفلسطينيون أن يحيوا ألم الخروج إلى الشتات، لاختاروا اليوم الذي تم فيه الطرد الجماعي من اللد، في 13 تموز".

وتابع "لكن الفلسطينيين قرروا أن يوم النكبة هو اليوم الأول من قيام دولة إسرائيل، 15 أيار. وهم بأنفسهم شهدوا على أن ما يمثل أمام أعينهم ليست القرى، وإنما دولتنا. وحدادهم ليس كارثتهم وإنما نهضتنا. وعندما قرر الفلسطينيون أن يوم ذكراهم يحل في اليوم الذي يرمز لاستقلالنا، فإنهم أوجدوا صداما مباشرا بين الروحين القوميتين لكلا الشعبين".

واعترف شفيط بأن "إسرائيل الرسمية تحاول التنكر للكارثة الفلسطينية. الحقائق معروفة، لكن يتم قمعها. لكن، هذا لم يحدث بذنبنا. وإذا أصدرنا أمرا فقط إلى جامعة تل أبيب بأن تتجاهل الشيخ مونس [القرية الفلسطينية المهجرة التي أقيمت الجامعة على أنقاضها]، فإن الشيخ مونس ستختفي".

وأضاف "لكن فلسطين السياسية تقوم بعمل أخطر. فهي لا تخلد الماضي، وإنما تستخدمه من أجل ضرب إسرائيل وتفتيتها. وهي تحول حق العودة للاجئين إلى حق للقضاء على إسرائيل. وهي تحيي ذكرى الشيخ مونس من أجل سلب مستقبل [الحي المقام على أراضي القرية المهجرة] رامات أفيف".

واعتبر شفيط أن اعتراف إسرائيل بالنكبة الفلسطينية مشروط بأنه "عندما يعترف الفلسطينيون، أخيرا، بالقصة اليهودية الكبرى وبالكارثة اليهودية الكبرى، سنتمكن نحن أيضا من الاعتراف بقصتهم وكارثتهم. وعندما يعترف شقيقنا التوأم [أي الشعب الفلسطيني] بأننا هنا، ولدينا الحق في أن نكون هنا، سنتمكن من الشعور بألم من كان هنا وذهب ولن يعود إلى هنا".

من جانبه اعتبر رونين شوفال، رئيس حركة "إم تِرتسو"، التي تنظم النشاط السياسي لليمين في إسرائيل وبضمن ذلك ملاحقة الأكاديميين الليبراليين، في مقال في "هآرتس"، يوم الأربعاء الماضي، أن "دولة إسرائيل تقف اليوم أمام إستراتيجيتين مختلفتين ترميان إلى القضاء عليها". ورأى أن الإستراتيجية الأولى هي البرنامج النووي الإيراني "والحصول على سلاح نووي، وهو جهد معناه، في حال نجاحه، وجود خطر واضح وجدي على مستقبل الشعب اليهودي".

وأضاف أن "الثانية هي إستراتيجية ديربن. وقد سعى مؤتمر ديربن لحقوق الإنسان، الذي عُقد في العام 2001، إلى هزم دولة إسرائيل بواسطة القوة الناعمة. ويدور الحديث على الإستراتيجية التي تستخدم معايير مزدوجة، معيار لإسرائيل وآخر لباقي العالم. وهناك عشرات المنظمات الدولية والإسرائيلية التي تنشغل من الصباح وحتى المساء بتشويه استحواذي لإسرائيل، انطلاقا من هدف إستراتيجي يتمثل في نزع إنسانية وشرعية الدولة، أي تصنيف المشروع الصهيوني على أنه مشروع معاد للإنسانية، وإقرار المفهوم بأن دولة إسرائيل كدولة يهودية هي كيان غير أخلاقي ولا حق له في الوجود".

وتابع أن "إستراتيجية ديربن" هي المسؤولة عن محاكمة الجنود الإسرائيليين على خلفية اتهامهم بارتكاب جرائم حرب خلال الحرب على غزة، في نهاية العام 2008، وهي المسؤولة عن اتهام إسرائيل بانتهاج الأبارتهايد ضد الفلسطينيين، وهي المسؤولة عن أساطيل الحرية لكسر الحصار على غزة، ومسؤولة عن الحملات الدولية لمقاطعة إسرائيل، وهي المسؤولة أيضا عن "فكرة النكبة".

ورأى شوفال إن "المذنب في فضيحة مظاهرات يوم النكبة في جامعة تل أبيب ليس العرب. فالعرب ينشطون وفق تراثهم السياسي خلال القرن الأخير، ويحاولون القيام بما حاولوا القيام به دائما وهو القضاء علينا. المذنبة في ذلك هي حكومة إسرائيل، التي لا تتعامل بشكل منهجي مع إستراتيجية ديربن، وكل تعاملها مع القافلة البحرية، والقافلة الجوية، وتصنيف جنود الجيش الإسرائيلي على أنهم مجرمو حرب، والمقاطعة، والاتهامات بالأبارتهايد، ويوم النكسة، ويوم النكبة، وباقي الأمراض الخبيثة، هو تعامل عرضي وهاوٍ، ومن خلال معالجة الأعراض وليس معالجة عميقة للظاهرة. وليس هذا وحسب، وإنما أيضًا معالجة الأعراض بصورة خفيفة بسبب الاستسلام لتهجمات النخبة المعادية للصهيونية".



المستبدون بالذاكرة

في سياق النكبة، لفت الكاتب الصحافي يارون لندن، في مقال في صحيفة "يديعوت أحرونوت"، في 14 أيار الحالي، إلى أن "الشجار بين التعصب والتشكيك هو أساس الخلاف الناشب داخلنا. فاليمين الصهيوني لا يسمح لأي شكوك بأن تتغلغل إلى فكره، بينما اليسار الصهيوني يشعر بأنه يوجد لدى أعدائنا قصة بطولية جديرة. وعلى ما يبدو فإن التعصب يقوى والتشكيك يضعف. ويسهل على الإنسان أن يصر على رأيه إذا كان لا يخيم على رأيه أي شك. ويسهل عليه القضاء على عدوه ومصادرة أملاكه كأنه أحد مقاتلي يهوشع [بن نون، الشخصية التوراتية التي احتلت أريحا]، إذا كان مقتنعا بأن حربه هي حرب أبناء النور ضد أبناء الظلام".

وأضاف لندن أن "الاعتراف بأن عدالتك معيبة هو أمر أصعب. وتميل كفة الميزان لصالح ادعاءاتك، لكن الكفة لا تهبط بسرعة وإنما ببطء. وثمة حاجة إلى كم كبير من الثقة بالنفس من أجل تأييد وجهة النظر المركبة هذه... المتعصب يكره المتشكك لأن المتشكك يهاجمه في قلبه. وهكذا فقط بالإمكان تفسير الحظر الذي يفرضه السياسيون من اليمين على من يحاول الحفاظ على ذكرى الكارثة، الـ ’نكبة’، التي جعلها الفلسطينيون تحل بهم في العام 1948.

و’تحل بأنفسهم’ هي صيغة الرأي السائد بين اليهود، وأنا أتمسك بهذا الرأي، لكن واضح لي أن اليهود تمسكوا بالفرصة التي صادفتهم من أجل تشتيت جموع الفلسطينيين ومن أجل مصادرة أراضي الكثيرين من ’الغائبين الحاضرين’".

وحول تأريخ فترة النكبة كتب لندن أن "الوطنيين المتعصبين ينفون فصولا غير لطيفة في تاريخنا، لكنهم في الوقت نفسه يذكرون بتعصب الشعوب المنتصرة، التي ارتكبت جرائم كبيرة، ولم تعبر عن الندم ومحت جرائمها من التاريخ الذي دوّنته. والحقيقة هي أن لا أحد بين الأنظمة الديمقراطية يتصرف هكذا. والفرنسيون يعبرون عن ندمهم من دون توقف بسبب الحرب في الجزائر، وكتب التاريخ الأميركية تسرد بتوسع تعامل المهاجرين الأوروبيين مع الأصلانيين [أي الهنود الحمر] والعبيد السود".

وأكد لندن أنه لا يمكن محو ذاكرة الشعوب. وأشار إلى أنه "لو كان بالإمكان أن نمحو من ذاكرتنا فصولا ظالمة وإرغام الآخر على نسيان سبب حزنه، لكنت مستعدا أن أدرس الفائدة الكامنة في أفعال المستبدين بالذاكرة، لكن الذاكرة تتملص مثل الماء. وهي تقطر إلى الأعماق وتخزن في بئر جوفي ما. ولا يمكن إسكات لمسات الشك، وأحيانا تنبثق أسئلة مقوضة في رأس يهودي شاب وبريء".

وأردف لندن أن الشاب اليهودي "قد يسأل، مثلا، ما هي القيمة الأخلاقية لـ ’تصريح بلفور’ الذي نؤسس عليه الادعاء بشأن اعتراف العالم بحقنا التاريخي في البلاد؟. وهو قد يتساءل حتى حول ما إذا كان هناك بصيص عدل في الادعاء الفلسطيني؟، لأن قصاصة الورق التي أرسلها اللورد بلفور إلى اللورد روتشيلد لا تحتوي على أقوال الله، وإنما على كلمات ملتوية هدفها خدمة الاستعمار البريطاني على حساب سكان البلاد العرب".

وأضاف أن الشاب اليهودي "قد يشكك أيضا بحصانة التصويت في 29 تشرين الثاني [على قرار التقسيم]. فقد أيدت [التقسيم] 33 دولة من أصل 44 دولة عضوا في الأمم المتحدة، لكن الغالبية العظمى من الجنس البشري لم تكن ممثلة في المنظمة. وهل خدع الاستعمار، وإيمان البروتستانت ومشاعر الذنب لدى أوروبا المعادية للسامية ينبغي أن تقنع الفلسطيني بالموافقة على احتلال بلاده؟".

وخلص لندن إلى أنه "توجد للرواية الصهيونية قوة بالغة، لكنها تضعف كلما تتم إضافة أكاذيب إليها وكلما يتم إسكات روايات الخصم. ولا يتردد الصهاينة الواثقون بعدالتهم المبدئية في التعبير عن انزعاجهم. ومن ليس مستعدا لأن يفصح عن شكوكه، فهذا مؤشر على أنه لا يثق بأسس وجهة نظره. والوطنيون [من اليمين] الذين يصرخون هم الجبناء الكبار".



هذا التقرير ممول من قبل الاتحاد الأوروبي



"مضمون هذا التقرير هو مسؤولية مركز "مدار"، و لا يعكس آراء الاتحاد الاوروبي".