تحتل القضية الفلسطينية مرتبة متدنية جداً في سلم أولويات الجمهور الإسرائيلي واهتماماته، كما ترى الأغلبية من بينه "ضرورة" إضعاف قيادة الشعب الفلسطيني ومؤسساته، وإذا ما أبدى بعض الاهتمام بهذه القضية فهو اهتمام من منظور وضع إسرائيل الدولي وما يمكن أن تجنيه من ثمار وفوائد من أية خطوة تخطوها في اتجاه التوصل إلى تسوية سياسية، سلمية، للنزاع الإسرائيلي ـ الفلسطيني. ويعكس هذا الرأي تراجعاً كبيراً، واضحاً تماماً، في موقف الجمهور الإسرائيلي عموماً من النزاع مع الشعب الفلسطيني، أوضاع الشعب الفلسطيني الحياتية وآفاق حل هذا النزاع سلمياً، عما كان عليه هذا الموقف في سنوات قريبة خلت.
قوبل تقرير رسمي إسرائيلي جديد حول شكل ومدى الاستعدادات الحكومية لمواجهة أزمة المناخ بتغطية استثنائيّة وحتى بقلقٍ غير مسبوق، سواء في وسائل الإعلام أو لدى الجهات الناشطة والمهتمّة بجودة البيئة، إذ أنه ركّز الضوء على المخاطر التي باتت معروفة للمهتمّين والدارسين، ولكنه وضعها في سياق فشل الحكومات الإسرائيلية المتراكم ليس في حماية البيئة فقط، بل أيضاً في حماية المواطنين. وصفحات التقرير تقدّم صورةً لمخاطر في ازدياد وتفاقم، ويكاد لا يوجد قطاع مدنيّ واحد لا يعاني من مصاعب ومشاكل وقصور في الأداء، مما يحمل تهديدات حقيقية في المستويات المنظورة والوسطى والاستراتيجية.
تقف الحكومة الإسرائيلية، هذا الأسبوع، أمام الامتحان الأصعب منذ حصولها على الثقة في منتصف حزيران الماضي، حينما ستعرض على الهيئة العامة في الكنيست مشروع الموازنة العامة للعامين الجاري والمقبل، للتصويت عليه بالقراءة النهائية. وبدا حتى مطلع الأسبوع، أن الائتلاف الذي يتركز على 61 نائبا من أصل 120 نائبا ما زال متماسكا، وقد ينجح في تمرير الميزانية. في المقابل، فإنه على الرغم من أن الائتلاف هش وضعيف نسبيا، إلا أنه نجح في تمرير قانون عجزت عنه حكومات سابقة، وهو ما سيكسر احتكار إصدار "شهادات الحلال"، لينهي جدلا قائما منذ سنوات طويلة.
تُصادف هذا الشهر ذكرى مرور 30 عاماً على انعقاد مؤتمر مدريد للسلام في الشرق الأوسط (30/10- 1/11/1991) والذي شارك فيه بنيامين نتنياهو عندما كان يشغل منصب نائب وزير الخارجية الإسرائيلي. ولا شك في أن العودة إليه وإلى ما تلاه من تطوّرات وصولاً إلى أيامنا الراهنة، من شأنها أن تُوضّح بعض ما يمكن وصفه بأنه ثوابت موقف إسرائيل حيال عملية التسوية التي ترمي إلى أن تحققها لقضية صراعها مع الفلسطينيين.
بيد أن هذه الوقفة تأتي، على وجه التحديد، في سياق نفض الغبار عن السردية الإسرائيلية الأكثر تداولاً لهذا المؤتمر من جهةٍ، وأيضاً من أجل تأصيل طرائق المقاربة والتأويل لما شهده المؤتمر من مُقدّمات ووقائع من جهةٍ ثانيةٍ.
ولعلّ أول ما يتعيّن التنويه به بهذا الصدد هو حقيقة أن إسرائيل أرغمت على المشاركة في هذا المؤتمر في حينه، بعد أن هدّد الرئيس الأميركي في ذلك الوقت جورج بوش الأب رئيس الحكومة الإسرائيلية آنذاك إسحق شامير بعدم منحه ضمانات لازمة لقروض طلبتها حكومته، ما يعني أن هذا الأخير كان رافضاً لعقده أصلاً. في الوقت نفسه يتعيّن أن نتوقف ولو بإيجاز أمام ما يلي: بدايةً نجمت معارضة إسرائيل لعقد مؤتمر دوليّ للسلام، كما يؤكد مقربون من شامير، عن حقيقة أن فكرة المؤتمر الدولي كانت فكرة عربيّة بالأساس، يُراد منها أن يُصار إلى تطبيق قرار مجلس الأمن الدولي رقم 242 والذي، وفقاً لقراءة إسرائيل، يتحدث عن الانسحاب من أراضٍ محتلة (منذ العام 1967)، وحدود آمنة ومعترف بها، وحل عادل لمشكلة اللاجئين الفلسطينيين.
الصفحة 229 من 914