المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
الفلسطينيات في إسرائيل: موقع متدنٍ في الاختبارات الجندرية والجغرافية-الاقتصادية.
الفلسطينيات في إسرائيل: موقع متدنٍ في الاختبارات الجندرية والجغرافية-الاقتصادية.

تؤكد دراسة إسرائيلية حديثة أن التمييز في التشغيل بين النساء والرجال في إسرائيل ما زال قائماً وواضحاً بالأرقام والبيانات، سواء من حيث الأجر أو حجم الوظيفة أو المكانة في العمل، وهو يتّخذ صورة أكثر حدّة في المناطق الطرفيّة قياساً بالمناطق المركزية، وصورة أكثر حدّة حين تطبّق هذه الاختبارات الجندرية والجغرافية-الاقتصادية على المواطنين العرب قياساً بالمواطنين اليهود.

فقد نشر معهد الأبحاث والمعلومات التابع للكنيست قبل أسابيع بيانات حول تشغيل النساء في مركز البلاد بالمقارنة مع مناطق الأطراف. وتعرّف الدراسة موضوعها على أنه جمْع بيانات حول تشغيل النساء حسب الألوية، مع التركيز على التمييز بين الألوية الطرفية والألوية الأخرى الأكثر مركزيّة. وهي عبارة عن تحديث لدراسة سابقة تمت كتابتها حول هذا الموضوع في العام 2018. ولكن في حين أن تلك السابقة قدمت بيانات التشغيل وفقاً للمناطق المختلفة في إسرائيل، فإن الوثيقة الحالية تقوم بإجراء المقارنة على أساس التقسيم الإداري للألوية من قبل وزارة الداخلية. يتم التمييز بين المناطق الطرفية والمناطق الأكثر مركزية، في البحث، وفقاً للمعايير المعمول بها في قرار الحكومة رقم 667، الذي يحدد المناطق الطرفية وفقاً لمؤشر مشترك، يدمج بالمحصلة مؤشر الأطراف والمؤشر الاجتماعي والاقتصادي في مكتب الإحصاء المركزي. بالإضافة الى المعطيات عن نسب التشغيل تقدم الدراسة معطيات حول الأجور، مكانة التوظيف في العمل، نطاق العمل وإمكانيات التنقل إلى أمكنة العمل.

وتضيف الورقة البحثية أنه من أجل عرض المعطيات الأخيرة الأكثر حداثة، فهي تتضمن بيانات العام 2021. ومع ذلك، نظراً لحقيقة أن سوق العمل ذلك العام كانت ما تزال متأثرة بوباء كورونا، فقد اختارت الباحثتان د. ميخال ليرر و د. نيلي كفير، اللتان وضعتا الدراسة، إحضار بعض أحدث البيانات حتى بدء تفشي الوباء، أي بيانات 2019؛ كذلك، فبسبب تأثير الوباء على سوق العمل وعلى وجه الخصوص في إزاء ظروف العمل الفريدة التي اتسمت بها فترة كورونا (بشكل أساس إخراج عدد كبير من الموظفين والعاملين في إجازة غير مدفوعة الأجر لفترات طويلة نسبياً)، فإن بيانات العام 2019 والعام 2021 معروضة بشكل منفصل. كما تجدر الإشارة إلى أن الوثيقة مبنية بشكل أساس على الإحصاء الوصفي، باستثناء الاختبارات الفردية التي اعتمدت على تحليلات إحصائية.

نسب التشغيل: في كل الألوية النساء أقل من الرجال

في العام 2019، في جميع الألوية تقريباً - الطرفية والمركزية - وفي كلا المجموعتين السكانيتين، اليهودية والعربية، بقدر توفر البيانات عنهما - معدلات التشغيل بين النساء أقل من معدلات التشغيل بين الرجال. مثلاً: في منطقة عكا، معدلات تشغيل الرجال والنساء في المجتمع اليهودي هي 71.6% و61.5% على التوالي، ومعدلات تشغيل الرجال والنساء من السكان العرب هي 64.4% و38.1%على التوالي. بينما في لواء حيفا بلغت نسبة تشغيل الرجال والنساء في المجتمع اليهودي 63.7% و57.6% على التوالي، ومعدلات تشغيل الرجال والنساء في المجتمع العربي 65.5% و44.8% على التوالي.

يُظهر فحص الفجوات الجندرية في معدلات التشغيل بين جميع السكان أن الفجوة بين الجنسين تضيق كلما تحركنا نحو ألوية أكثر مركزية (لوحظ هذا الاتجاه في العام 2019 ولكن لم تتم ملاحظته في العام 2021). مع ذلك، فحين يتم فحص كل مجموعة سكانية على حدة، اليهودية وكذلك العربية، تظهر اختلافات كثيرة بين الألوية، الطرفيّة منها والأكثر مركزية، وبشكل لا يتيح الإشارة الى توجّه واضح.

في ما يخص نسبة عدم التشغيل (الموصوف بـ "البطالة") فعندما يجري فحص عموم السكان، تزداد الفجوة الجندرية اتساعاً كلما تقدمنا من الأطراف نحو المناطق الأكثر مركزية. في الوقت نفسه، عند فحص كل مجموعة سكانية على حدة، اليهودية منها والعربية، يظهر اتجاه مختلط. ففي المجتمع العربي، كان معدل عدم التشغيل بين النساء في العام 2019 أكبر من معدل عدم تشغيل النساء في جميع الألوية – لكن الدراسة تقول إنه ليس من الممكن الإشارة إلى اتجاه واضح في ما يتعلق بالاختلافات الكبيرة بين الألوية الطرفية والألوية المركزية. هذا بينما لدى السكان اليهود، هناك ألوية فيها نسبة عدم التشغيل بين الرجال أكبر منها لدى النساء، وهناك ألوية الوضع فيها معاكس لهذا. على سبيل المثال، في لواء الخضيرة، كان معدل عدم التشغيل بين السكان اليهود 4.8% للنساء و3.7% للرجال. وفي لواء يزراعيل (مرج ابن عامر) بلغ معدل عدم التشغيل بين النساء وبين الرجال 3.9% و4% على التوالي.

 الأجور: اختلاف في غير صالح العرب، جندرياً وجغرافياً

تظهر البيانات الواردة في الدراسة أن هناك اختلافات بين العاملين الأجيرين اليهود وبين العاملين الأجيرين العرب سواء من حيث فجوات الأجور على خلفية الجندر أو في المناطق الطرفية.

بين اليهود: يتبيّن من الدراسة أنه كلما تقدمنا من الألوية الطرفية نحو الألوية الأكثر مركزية، يزداد متوسط الأجر الشهري بشكل منتظم ومتسق تقريباً، سواء بالنسبة للرجال أو النساء. على سبيل المثال، في العام 2019، كان متوسط الأجر الشهري للعاملين الرجال في منطقة الجولان (السوري المحتل – المُحرّر) 6748 شيكلا، بينما كان متوسط الراتب الشهري للعاملين الرجال في تل أبيب 10748 شيكلا. كانت أجور العاملين اليهود في جميع الألوية أعلى من أجور العاملات اليهوديات. عموماً، يتبيّن أن الفجوات في الأجور على خلفية جندرية في الألوية المركزية (الفعلية منها والنسبيّة) أكبر منها في الألوية الطرفيّة.

بين العرب: لم تجد الدراسة بين العاملين الأجيرين العرب اتجاهاً مشابهاً مفاده أن متوسط الأجر الشهري في الألوية المركزية أعلى من الأجر في الألوية الطرفية، لا بين العاملين الرجال ولا بين العاملات النساء. كذلك، فبين كل العاملين العرب أيضاً، كانت أجور العاملين الرجال أعلى من أجور العاملات النساء في جميع الألوية، على الرغم من أنه لا يمكن الإشارة إلى وجود اتجاه واضح: فهناك ألوية مركزية وجدت فيها فجوة الأجور الجندرية أعلى مقارنة بالألوية الطرفية، وهناك أيضا حالات معاكسة.

في ما يتعلق بالسكان العرب - باستثناء منطقة الجولان- لا يختلف متوسط الأجر الإجمالي للنساء بشكل كبير بين الألوية المركزية والألوية الطرفية. أي أن الفجوات بين الأطراف والمركز بين السكان العرب أصغر منها مقارنة بالسكان اليهود. ومع ذلك، هنا أيضاً، أجور الرجال أعلى من أجور النساء في جميع الألوية الطرفية، على الرغم من أنه لا يمكن الإشارة إلى اتجاه واضح؛ هناك ألوية مركزية الفجوة فيها بين أجور الرجال وأجور النساء أصغر.

أما من حيث نطاق وحجم الوظيفة فقد وجدت الدراسة أنه في جميع الألوية نسبة الرجال الذين يعملون بوظيفة كاملة عادةً ما تتجاوز نسبة النساء اللاتي يعملن بوظيفة كاملة: نحو 80% إلى 90% بين الرجال؛ ونحو 60% إلى 70% بين النساء. ويتبيّن أنه في جميع الألوية، الطرفية منها والمركزية، نسبة النساء اللاتي يعملن بوظيفة جزئية هي أكبر من نسبة الرجال العاملين بوظيفة جزئية. ويبدو أن نسبة النساء اللاتي يعملن بوظيفة جزئية في الألوية الطرفية هي أكبر بعض الشيء من النسبة في الألوية المركزية. أي أنه توجد في الألوية المركزية نسبة أعلى من النساء العاملات بوظائف كاملة.

في جميع المناطق نسبة النساء بوظائف كاملة أقل من الرجال!

وفقاً لبيانات مكتب الإحصاء المركزي، فإنه في جميع الألوية هناك عدد أقل من النساء العاملات بوظائف مستقلة قياساً بالرجال في نفس نوع الوظائف. صحيح أن هناك بعض الفروق العينيّة بين الألوية في ما يتعلق بنسبة العاملين المستقلين فيها، إلا أنه لا توجد فروق ذات دلالة إحصائية بين الأطراف والمركز.

في العام 2021، كان نحو 88% من مجموع العاملين في إسرائيل أجيرين، 9% يعملون كمستقلين ونحو 3% كانوا يعملون في وضع "آخر" - أعضاء تعاونية، أعضاء كيبوتس أو أفراد عائلات غير مدفوعي الأجر. ومن بين هؤلاء، تشكل النساء 50% من إجمالي الأجيرين (رجال ونساء) و42% من جميع العاملين كمستقلين. ويوجد في جميع الألوية ضمن الوظائف المستقلة نساء أقل من الرجال. هناك اختلافات بين الألوية، لكن لا توجد فروق ذات دلالة ملحوظة بين الأطراف والمركز، باستثناء منطقة تل أبيب حيث تعمل نسبة أعلى من الرجال والنساء في وظائف مستقلة.

عند فحص وضع المرأة في المجتمع اليهودي فقط، يبدو أن هناك انقساماً مشابهاً لتقسيم عموم السكان. وهذا يعني أنه في جميع الألوية عدد العاملات المستقلات أقل من الرجال المستقلين. من اللافت الإشارة إلى أنه يوجد في المنطقة الجنوبية أقل نسبة للعاملين المستقلين، بين الرجال والنساء على حد سواء. أما في ما يتعلق بالمواطنين العرب، فإن البيانات المتوفرة من المكتب المركزي للإحصاء لا تسمح بإجراء قياس خاص بهم في هذه النقطة. مع ذلك، فمن خلال دراسات سابقة حول الموضوع تبيّن أنه ليس هناك نساء مستقلات بين السكان العرب. (هذا لا يعني أنه لا توجد بالمرة نساء عربيات مستقلات في أعمالهن، بل أنه ليست هناك معطيات كافية متوفرة من أبحاث أفردت مساحة لفحص المسألة، وما يتوفر منها هو هامشي لدرجة لا تتيح الإشارة الى حجم مشاركة النساء في أعمال مستقلة).

من ناحية التنقل إلى مكان العمل: في جميع الألوية - الطرفية منها والمركزية - معدل النساء العاملات في اللواء الذي يسكنّ فيه أعلى من نسبة العاملين الرجال الذين يعملون في منطقة سكناهم. أي أنه يتم تشغيل نسبة أعلى من الرجال خارج الألوية التي يسكنون فيها – داخل المنطقة الواسعة أو خارجها. وبالتالي فإن الرجال يسافرون إلى أماكن العمل أكثر من النساء.

عموماً، في ما يتعلق بالسكان اليهود، ففي معظم الألوية المركزية، متوسط الأجر الإجمالي للعاملات النساء أعلى من أجر العاملات النساء في الألوية الطرفية. ومع ذلك، تنوّه الدراسة، فإن أجور العاملين الرجال في هذه الألوية أعلى بكثير من أجور العاملات النساء. عموماً، تجدر الإشارة إلى أن متوسط الأجر الإجمالي للعاملين الرجال هو أعلى من متوسط أجر العاملات النساء في جميع الألوية. بالإضافة إلى ذلك، تزداد الفجوة اتساعاً بين أجور الرجال وأجور النساء في الألوية المركزية مقارنة بالألوية الطرفية. قد يكمن أحد تفسيرات هذه الفجوة في نطاق وحجم الوظائف لدى العاملات النساء: في جميع المناطق، نسبة النساء اللاتي يعملن في وظائف كاملة هي أقل من نسبة الرجال العاملين في نفس حجم الوظيفة.

أحد أسباب الفجوات في معدلات التشغيل بين الرجال والنساء، كما تقول الدراسة، متعلّق بالتحدي المتمثل في الجمع بين الحياة الأسرية والعمل، وهو تحد يؤثر حتى اليوم على النساء أكثر من الرجال، بحكم تقاليد محافظة متوارثة "تحرر" الرجل من العمل في البيت، وهو ما لا ينطبق على النساء، حتى حين يكنّ عاملات كالرجال. يكتسب هذا التحدي زخماً في الألوية الطرفية، لأن المسافة بين مكان الإقامة ومراكز التشغيل قد تكون أكبر، ولأن المناليّة النسبية أقل (تُعرّف المناليّة النسبية بأنها إمكانية الوصول إلى العمل بواسطة وسائل النقل العامة من مختلف الأماكن) لأنه في معظم التجمعات الطرفيّة، وخصوصاً في البلدات العربية، ترجع المنالية المنخفضة إلى التقييدات القائمة في مجال خدمات النقل العامة.

المصطلحات المستخدمة:

نيلي, الخضيرة, كيبوتس

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات