المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
بينيت مع أعضاء من حزبه في جلسة الكنيست يوم 29 حزيران الماضي.  (أ.ف.ب)
بينيت مع أعضاء من حزبه في جلسة الكنيست يوم 29 حزيران الماضي. (أ.ف.ب)

انطلقت حملة الانتخابات البرلمانية الإسرائيلية، مع قرار الكنيست حل نفسه، والتوجه لانتخابات ستجري يوم الأول من تشرين الثاني المقبل، لتكون إسرائيل أمام انتخابات خامسة في غضون 42 شهرا، وبعد الانتخابات الأخيرة بنحو 19 شهرا. وبحسب التقديرات، فإن هذه الانتخابات ستفرز خارطة برلمانية مختلفة؛ وبخلاف ما تستنتجه وسائل الإعلام الإسرائيلية، فإن بنيامين نتنياهو سيشكل حكومة بأغلبية ضيقة، بحسب الاستطلاعات، بانضمام حزب "يمينا" لائتلافه، هذا إذا نجح "يمينا" في تخطي نسبة الحسم، التي قد تهدده، على ضوء تفتت هذا الحزب. أما الليكود، فإنه يجدد الطاعة العمياء لزعيمه نتنياهو، لتنتقل المنافسة الحادة على قائمة الحزب الانتخابية، وبالذات على مواقع الصدارة فيها.

كما نقول دائما، من السابق لأوانه حسم النتيجة النهائية، فالانتخابات بعيدة بنحو أربعة أشهر، والأمور ستتضح أكثر بتفاصيلها الدقيقة، مع تقديم القوائم للجنة الانتخابات المركزية، في منتصف شهر أيلول، لتتضح طبيعة التحالفات التي ستنشأ لخوض الانتخابات، ومن ثم سيكون أسهل تقدير المشهد السياسي المتوقع.

لكن استطلاعات الرأي التي تنشر بكثافة نسبية، تطرح توجها لتقاسم المقاعد البرلمانية بين الفرق الحزبية، ولا نسميها "معسكرات"، لأن الاختلافات السياسية بين الأحزاب المنافسة على سدة الحكم، والمرشحة للمشاركة فيه، تتضاءل مع تقدم السنين، وتبقى اختلافات ليست جوهرية عميقة، من رؤية فلسطينية عربية.

وسائل الإعلام الإسرائيلية، والمحللون فيها، يقسمون نتائج الاستطلاعات إلى ثلاث مجموعات: فريق الائتلاف الحاكم حاليا، وبضمنه القائمة العربية الموحدة، الجناح البرلماني لشق الحركة الإسلامية الجنوبي، وفريق الأحزاب الحليفة لليكود وزعيمه نتنياهو، ولا يحصل أي من هذين الفريقين على أغلبية مطلقة، ففي الوسط تقف القائمة المشتركة، التي تواصل استطلاعات الرأي منحها 6 مقاعد، بحسب قوتها البرلمانية الحالية.

وكما قلنا في الأسبوع الماضي، إن هذه قراءة تتعامل مع حزب "يمينا" بزعامة رئيس الحكومة المستقيل، نفتالي بينيت، وكأنه سيكون خارج تشكيلة نتنياهو الحكومية، وهذا غير صحيح، لأن هذا الحزب، الذي قرر زعيمه التنحي وعدم خوض الانتخابات المقبلة، هو أصلا ليس معارضا لشخص نتنياهو ولا لليكود، وبناء عليه، وفق هذه الاستطلاعات، فإن نتنياهو قادر على تشكيل حكومة بأغلبية ضيقة ما بين 62 إلى 63 مقعدا، في حين أن "القائمة العربية الموحدة" بزعامة عضو الكنيست منصور عباس، قد تلعب دور "الدولاب الخامس" في مركبة نتنياهو الحاكمة، برغم مهاجمة نتنياهو لها، لأنها وافقت على المشاركة في ائتلاف حكومة بينيت- لبيد.

وعلى الرغم من هذا الاستنتاج، فإن هذا لا يعني أن تشكيلة كهذه تعتمد كلها على أحزاب اليمين الاستيطاني، والتي تشمل كتلتي المتدينين المتزمتين (الحريديم)، ستكون حكومة ثابتة مستقرة، بل ستكون متنافسة متناحرة في ما بينها، في إطار التنافس على جمهور اليمين الاستيطاني، الذي ليس آخذاً بالاتساع، بالذات بسبب التكاثر السكاني الطبيعي لجمهور المتدينين من مختلف التيارات، وإنما أيضا لأن نسبة التصويت لديه، أعلى بنحو 40% من معدل نسبة التصويت لدى اليهود العلمانيين، (نسب تصويت أقل من 60% لدى العلمانيين، و85% وأكثر لدى المتدينين)، ناهيكم عن نسبة التصويت المتوقعة بين العرب، والتي قد ترتفع قليلا عن الانتخابات السابقة، وفق المشهد القائم حاليا.

كذلك، فإن توزيع المقاعد قد تحسمه مسألة عدم اجتياز قوائم انتخابية، أحزابها ممثلة حاليا في الكنيست والحكومة، وأبرزها حزب "أمل جديد" برئاسة جدعون ساعر، الذي تُجمع تقريبا كل استطلاعات الرأي على منحه 4 مقاعد، وهي الحد الأدنى الذي تجيزه نسبة الحسم للتمثيل البرلماني. كما أن حزب ميرتس عاد لدائرة التهديد بعدم اجتيازه نسبة الحسم، بحصوله في الاستطلاعات على أربعة مقاعد.

والحزب الجديد التي سيدخل لاحقا، في دائرة التهديد، هو "يمينا"، رغم أن استطلاعات الرأي ما تزال تمنحه ما بين 5 إلى 6 مقاعد، لكن هذا الحزب سيواجه صعوبات داخلية، بعد قرار بينيت عدم خوض الانتخابات، والتخلي عن رئاسة حزبه، لينقلها إلى شريكته السياسية منذ سنوات طوال، أييلت شاكيد، وزيرة الداخلية الحاليّة.

بينيت ومصير حزب "يمينا"

العناوين الصارخة في وسائل الإعلام عن قرار نفتالي بينيت عدم خوض الانتخابات المقبلة، وتنحيه عن رئاسة حزبه "يمينا"، كانت أكبر من الحدث، فبينيت لم يكن في أي وقت شخصية مركزية ذات شعبية واسعة في الشارع الإسرائيلي، وأقصى ما وصل له، أنه تولى رئاسة الحكومة مدة عام، في ظروف غير طبيعية، وقد لا تجدها في أي مكان آخر يعتمد نظام الحكم فيه على حكومة برلمانية، إذ إنه ترأس الحكومة وهو يترأس حزبا صغيرا في تمثيله البرلماني، وفقد بينيت السيطرة على نوابه تدريجيا نتيجة تركيبة الحكومة، التي كانت بعيدة عن طموح اليمين الاستيطاني، بتياره الديني والآخر العلماني.

ظهر بينيت في ما مضى على واجهة السياسة كمدير عام لمجلس مستوطنات الضفة الغربية، وقبل هذا كان ضابطا في جيش الاحتلال، وذات يوم تباهى بكمية الدم الفلسطيني على يديه. ثم توجه إلى القطاع الاقتصادي الخاص، وكسب ثروة، وأقام حركة شعبية اسمها "إسرائيل لي" سوية مع شريكته السياسية أييلت شاكيد.

في النصف الثاني من العام 2012، قرر خوض السياسة البرلمانية، وشكّل حزبا، إلا أنه لاحقا اندمج في حزب المفدال باسمه الجديد في حينه "البيت اليهودي"، ونجح في تشكيل ائتلاف حزبي بين قوى التيار الديني في اليمين الاستيطاني، وسعى إلى تمثيل العلمانيين في هذا التحالف، ونجح في تحقيق 12 مقعدا في انتخابات مطلع العام 2013، للكنيست الـ 19، وكان شخصية مركزية في حكومة بنيامين نتنياهو التي لم تدم عامين، وفي الانتخابات التالية، في ربيع العام 2015، هبط تمثيل تحالفه إلى 8 مقاعد.

في نهاية العام 2018، قرر بينيت وشريكته شاكيد الانشقاق عن التحالف الذي كان يقوده، وأقام حزبا جديدا، لم يعبر نسبة الحسم في الانتخابات التي جرت في نيسان 2019، إذ ابتعد عن نسبة الحسم بأقل من ألفي صوت. وقد أعاد بناء التحالف اليميني الاستيطاني قبيل انتخابات أيلول 2019، ثم انشق التحالف مجددا قبل انتخابات آذار 2021.

في الحكومة التي تولى رئاستها مدة عام، تبعثرت كتلته البرلمانية التي كانت ترتكز على 7 نواب بعد الانتخابات، وخسرت نائبا مع بدء عمل الحكومة، وفي الأشهر الثلاثة الماضية خرج منها نائبان آخران.

قرار بينيت بنقل رئاسة الحزب إلى شاكيد لا يعني أنه سيكون بمقدورها قيادة الحزب مجددا، بعد أن قادته مرة واحدة في انتخابات أيلول 2019، وقد تواجه تنافسا على رئاسة الحزب تمهيدا للانتخابات المقبلة، بالذات من أحد نواب التيار الديني الصهيوني في الحزب، الذي يسعى لخلق شراكة بين المتدينين الصهاينة والعلمانيين من معسكر اليمين الاستيطاني ذاته.

تشير التوقعات، ارتكازا إلى نتائج انتخابات آذار 2021، إلى أن حزب "يمينا" سيشهد انهيارا في معسكر التيار الديني الصهيوني الاستيطاني، وهو التيار المهمين على التيار الديني الصهيوني، الذي تلاشى فيه في إسرائيل التيار الإصلاحي، خلافا لوضعية هذا التيار الديني اليهودي في العالم، وخاصة في الولايات المتحدة.

وإن أقوى المؤشرات نجدها في النتائج التفصيلية في انتخابات آذار 2021 الأخيرة للكنيست الـ 24، والتي عرضناها في بحث قمت بإعداده حول الخارطة السياسية والديمغرافية في المستوطنات- آذار 2021، وصدر عن المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية- رام الله، في شهر حزيران 2021، ضمن "أوراق إسرائيلية" رقم 72.

ففي تلك الانتخابات، كانت المنافسة حادة جدا في المستوطنات التي كل المستوطنين فيها من التيار الديني الصهيوني، بين حزب "يمينا" وتحالف "الصهيونية الدينية"، الأشد تطرفا؛ إذ حصل تحالف "الصهيونية الدينية" على أكثر بقليل من 50% من أصوات تلك المستوطنات، مقابل 21% لحزب "يمينا"، ونسبة تقارب 12% لحزب الليكود. والنسبة الباقية توزعت على مختلف القوائم المشاركة.

وبالإمكان القول إن منهجية التصويت في شريحة المستوطنات تلك، تدل على منهجية التصويت في التيار الديني الصهيوني بشكل عام، حتى وإن افترضنا أنه خارج المستوطنات تضعُف قوة تحالف "الصهيونية الدينية"، الذي 29% من إجمالي أصواته كانت من المستوطنات والقدس، رغم أن حجم أصوات المستوطنات والقدس من إجمالي الأصوات الصحيحة بشكل عام، كان 10%.

ولهذا فإن حزب "يمينا" قد يدفع ثمن تركيبته للحكومة الحالية لدى جمهور اليمين الاستيطاني، ويتراجع عن قوته البرلمانية التي حققها قبل في الانتخابات السابقة، ما قد يضعه أقرب إلى دائرة التهديد بعدم اجتياز نسبة الحسم، ولكن قد يسعى إلى تحسين ظروفه الانتخابية لاحقا، وهذا ما سنتابعه لاحقا.

وعودة إلى بينيت، فإن قراره بعدم خوض الانتخابات كما يبدو يعود لدوافع المكانة الشخصية، من رئيس حكومة يستقطب الأضواء، إلى رئاسة حزب، تمثيله البرلماني مهدّد.

الليكود و"مراسم الطاعة" لنتنياهو

حينما بدأت تظهر مؤشرات لثبات الحكومة الحالية، مع تمرير الموازنة العامة للعامين الماضي والجاري، وبالتزامن مع عودة محاكمة نتنياهو بقضايا الفساد إلى صدارة وسائل الإعلام، أعلن ثلاثة من قادة الليكود، هم النواب يسرائيل كاتس ونير بركات ويولي إدلشتاين، عزمهم على ترشيح أنفسهم لرئاسة الليكود، فيما ظهرت في الأجواء أسماء أخرى، لكنها لم تعلن رسميا ترشحها.

ولاحقا، وفي مطلع العام الجاري، شرع نتنياهو في السعي لإعادة ترتيب أوراقه في الحزب، وهاجم الأبرز من المرشحين المذكورين، كاتس وبركات، بادعاء أنهما يرتكزان على منتسبين جدد للحزب، وليس على القاعدة الحزبية الثابتة. وكانت هذه إشارة إلى عزمه الاستمرار في قيادته لليكود، وإلى أنه ليس معنيا بالتنحي.

لاحقا، مع بدء القلاقل في الحكومة، خفت صوت المتنافسين، حتى تلاشى كليا، وفي الأسبوع الماضي، أعلن الواحد منهم تلو الآخر، عدم عزمه منافسة نتنياهو على رئاسة الليكود، لتتغير الحسابات عندهم، إذ إن همّهم حاليا، كما الآخرين في كتلة الليكود، هو تثبيت أنفسهم في قائمة الحزب، وأن يكونوا في المقدمة، تمهيدا لتولي وظائف ذات مغزى في حال شكّل نتنياهو الحكومة المقبلة.

هذا يعني أن نتنياهو سيكون رئيسا من دون منافس لليكود، الذي يترأسه بشكل متواصل منذ نهاية العام 2005، وقبل هذا كان رئيسا للحزب من العام 1993 وحتى العام 1999. وخلالها تولى رئاسة حكومته الأولى، 1996- 1999. لكن ليس هذا فحسب، بل إن نتنياهو سيشدد قبضته أكثر هذه المرّة على حزبه، وسيكون حسم الكثير من نتائج الانتخابات الداخلية في الليكود بين يديه.

بموجب نظام حزب الليكود لانتخابات قائمته للكنيست، فإن حوالى 33% من نواب الكتلة البرلمانية سيفقدون مقاعدهم، إلا إذا حاز الحزب على مقاعد أكثر. وللتوضيح، فإن قائمة الليكود تتشكل من مرشحين على المستوى القطري، ومن آخرين على مستوى المناطق، إلا أن من دخل الكنيست عن منطقته الحزبية، لا يجوز له في الانتخابات التالية الترشح عن منطقته، وإنما فقط على المستوى القطري، وهناك تحصين لمقاعد المناطق في الأماكن المضمونة أو شبه المضمونة للكنيست. وهذا النظام شهد تغيرات في الجولات الانتخابية الثلاث الماضية، بسبب توالي الانتخابات.

وكما ذكر، فإن المنافسة هي ليست فقط على مكان مضمون، وإنما على موقع متقدم في القائمة، والتجربة في السنوات الـ 17 الأخيرة، التي يتولى فيها نتنياهو رئاسة الحزب، تؤكد أن هذا الأخير درَجَ على تصفية الطامحين لرئاسة الحزب، من قرروا منافسته على الرئاسة، ولن يكون ثمة ما يمنع نتنياهو من أن يمارس ذات الأسلوب ضد الطامحين لزعامة الحزب من بعده وليس ضده.

ومهاجمة نتنياهو ليسرائيل كاتس ونير بركات قبل نحو 6 أشهر قد تكون مؤشرا لنظرته لهما، فهو لا يريد أسماء تهدد مكانته، واحتكاره لقيادة الحزب، أو أن تحتل قوة خاصة في صفوف الحزب.

وعمليا لا يوجد ما يعيق استمرار نتنياهو في زعامة الليكود، وبالتالي زعامة الحُكم، إلا صدور قرار بإدانته في المحكمة، مع وصمة عار قانونية تمنع استمرار وجوده في الحلبة السياسية. لكن على الرغم من مرور ما بات يقارب العام ونصف العام، على بدء مداولات المحكمة، إلا إنها تتحرك ببطء، وبحسب التقديرات فإن أول قرار قد يصدر عن المحكمة لن يكون قبل مرور عامين، وهناك من يقدّر ذلك بثلاثة أعوام وأكثر.

بموجب القانون القائم، فإن نتنياهو يستطيع الاستمرار في منصبه، حتى صدور قرار أول بإدانته، مع وصمة عار قانونية، ففي هذه الحالة سيكون عليه الاستقالة من رئاسة الحكومة والحكومة ككل، حتى لو قرر الاستئناف على القرار، واستمرت مداولات المحكمة. وطالما أن هذا لا يحصل، فإن نتنياهو مستمر، إلا إذا طرأت مفاجأة غير متوقعة.

 

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات