في الثّالث عشر من أيَّار الماضي ظهرت فيديوهات لمُواطنين عرب في مدينة اللدّ تُظهِرُ تجمهر مجموعاتٍ من المستوطنين المُسلِّحين الذين كانوا قد وصَلوا من مستوطنات الضفَّة الغربيَّة لقَمْعِ الاحتجاجات العربيّة في المدينة؛ في الوقت الذي كانت فيه الشّرطة الإسرائيليّة قد أعلنت حظر تجوالٍ في المدينة ومنعَتْ دُخول أو خُروج أيّ أحَدٍ منها. في الآن ذاتهِ، كان بنيامين نتنياهو، رئيس الحكومة الإسرائيليّة السابق، يُحاولُ الدَّفع باقتراحِ إدخال الجيش الإسرائيليّ إلى المُدُنْ التي يمكِنُ وصفها الآن بالمُتمرِّدة، كمدن اللد، حيفا، أمّ الفحم، عكّا وغيرها من المُدُن الفلسطينيّة التي شهِدَتْ حالَةً غير مسبوقة من الاحتجاجات العنيفة التي كانت قد خرجت في البداية ضدّ المخططات الاستعماريّة الصهيونيّة في حيّ الشيخ جرّاح، ولكنَّها وخلال أسبوعين تحوّلت إلى احتجاجاتٍ ضدَّ وحشيّة الشّرطة التي كانت قد قتلت الشهيدين محمَّد كيوان (19 عاماً) من مدينة أم الفحم، وموسى حسّونة (31 عاماً) من مدينة اللد.
ما تزال تداعيات إسقاط تمديد سريان قانون حرمان العائلات الفلسطينية من لم الشمل مستمرة، وتستعد الحكومة الإسرائيلية الجديدة لبلورة قانون بديل يؤدي إلى ذات النتيجة: الحرمان من لم الشمل. إلا أن تجنّد كتل اليمين الاستيطاني بقيادة الليكود، لإسقاط قانون بمنتهى الأهمية بالنسبة للمؤسسة الإسرائيلية الحاكمة، وقانون بهذا المستوى من العنصرية والتشدد السياسي، بات ضربة مرتدة على كتل المعارضة اليمينية من حيث لا تدري. فقد ساعد تصويتها المعارض الحكومة في التحديات البرلمانية في المدى المنظور. في المقابل، فإن الحكومة تصعّد مسار التصادم مع كتلتي اليهود الحريديم؛ وبعد قرارات ستقلص الميزانيات لمؤسسات الحريديم، جاء مشروع قانون كسر احتكار إصدار شهادات الحلال اليهودي، وهذا لن يكون الإجراء الأخير في موجهة الحريديم وقيادتهم.
تم نشر ما عُرف كـ "مشروع بيغاسوس" (1) بالتزامن في 17 وسيلة إعلام حول العالم. فقد كشفت منظمة العفو الدولية ومنظمة Forbidden Stories (قصص محظورة) أن هواتف حوالي 180 صحافياً وناشطاً في مجال حقوق الإنسان ونشطاء مناهضين للنظام في بلدانهم في جميع أنحاء العالم قد تم اختراقها باستخدام تكنولوجيا شركة NSO للتجسس والسايبر الإسرائيلية. وفقاً للنشر، شمل الاستخدام نشطاء في الهند والمملكة العربية السعودية والمكسيك والمجر (هنغاريا) وأذربيجان والإمارات العربية المتحدة وغيرها، حيث تم استخدام برنامج القرصنة "Pegasus" الخاص بشركة NSO لأغراض شملت التعقب والردع والمضايقة وفي بعض الحالات، وفقاً للاشتباه، تم استخدامه حتى القتل.
يشكل قرار المحكمة الإسرائيلية العليا الذي رفض طلبات التماس قدمتها جمعيات حقوقية لإلغاء "قانون القومية الإسرائيلي" أو تعديل أي بند فيه، والذي اتخذ بأغلبية عشرة قضاة ضد قاض واحد- هو القاضي العربي الوحيد في هذه المحكمة- أحدث دليل على ماهية النظام السياسي في إسرائيل. ومثلما كتبت صحيفة "هآرتس" في الافتتاحية الخاصة التي أنشأتها أمس (الأحد)، فإن المحكمة العليا أثبتت بذلك أنها في طليعة الهيئات التي تقف وراء قانون أساس (دستوري) يرسي نظام الفوقية اليهودية والدونية العربية ويمس بقيمة المساواة. وكأنها بذلك تريد أن تدرأ عن نفسها التهمة التي ما انفكت جهات يمينية إسرائيلية كثيرة توجهها إليها، وهي تآكل الوزن الذي تقيمه لهوية إسرائيل اليهودية في قراراتها، وهي تهمة تروم هذه الجهات منها الحدّ من حقوق الإنسان، وكبح احتكام الجهاز القضائي عموماً إليها.
بالتأكيد لا يُعدّ قرار المحكمة العليا هذا الدليل الوحيد على ماهية نظام إسرائيل السياسي، فلقد سبقته دلائل كثيرة، كما تتوازى معه دلائل أخرى آخذة بالتراكم يوماً بعد يوم. مهما تكن هذه الدلائل، اخترنا أن نسلط الضوء في هذا العدد من "المشهد الإسرائيلي" على كيفية وقوف هذا النظام السياسي من وراء عمليات نهب الأراضي والممتلكات الفلسطينية ولا سيما في القدس الشرقية المحتلة، كما في سائر أراضي 1967، ومثلما كانت الحال عليه في أراضي 1948 ولا تزال، وذلك من خلال ترجمة مقالة مدعمة بالقرائن كتبها أحد ناشطي جمعية "عير عاميم" ("خمسون طيفاً للتهويد في القدس الشرقية") وشدّد فيها بشكل خاص على أن هذه العمليات هي نتاج تخطيط وتنفيذ تقوم به دولة الاحتلال.
الصفحة 230 من 894