كشفت تداعيات الحرب الإسرائيلية الأخيرة على قطاع غزة النقاب عما هو أبعد من العنصرية ضد الفلسطينيين، حيث يمكن القول إن الفلسطيني في الداخل أصبح متهماً بدعمه للإرهاب حتى يثبت براءته. بالإضافة إلى ذلك، تحولت أماكن العمل والمؤسسات الأكاديمية والثقافية ومنصات التواصل الاجتماعي إلى ما يشبه مقصلات اجتماعية وسياسية تستهدف أي فلسطيني يعبر عن تضامنه مع أهالي غزة.
وقّعت 32 منظمة حقوقية في إسرائيل على عريضة تحذّر من الترانسفير الجاري حاليا، وبوتيرة متصاعدة، في مناطق الضفة الغربية منذ بداية الحرب على قطاع غزة يوم 7 تشرين الأول الماضي. وبالتحديد، يقوم المستوطنون بتوسيع نطاق اعتدائهم بحق مجموعات مختلفة من الفلسطينيين في المناطق "ج"، بما يشمل الطرد والإبعاد عن مساحات جديدة من الأراضي بالإضافة إلى إجبار فلسطينيين آخرين مثل البدو ورعاة المواشي على ترك أماكن سكنهم تحت قوة السلاح. وهكذا في الوقت الذي تكاد تنحصر فيه اهتمامات الإعلام، والمنظمات الدولية، والحكومة الإسرائيلية، بالإضافة إلى المجتمع الدولي، بمجريات الحرب في قطاع غزة، تقوم جماعات مختلفة من المستوطنين المتطرفين بحملات ممنهجة من الاعتداءات على الفلسطينيين في الضفة، لا بد من استعراضها في هذه الورقة.
أصبح من الواضح تماماً أن الصدمة العسكرية ـ المعنوية غير المسبوقة التي أصيبت بها إسرائيل من جرّاء الهجوم الذي نفذته حركة حماس يوم السابع من تشرين الأول 2023 في منطقة الشريط الحدودي مع قطاع غزة (والتي تُعرف باسم "منطقة غلاف غزة") واستهدفت المواقع العسكرية والبلدات السكانية المنتشرة في محيط قطاع غزة، بما أسفرت عنه من أعداد كبيرة جداً من القتلى والجرحى والمخطوفين من المدنيين والعسكريين الإسرائيليين، وبما أيقظته في الذاكرة اليهودية الجمعية، ثم ما تلاها وسوف يتلوها من تداعيات ـ أصبح من الواضح أن هذه الصدمة تشكل، في نظر الأوساط السياسية الحاكمة في إسرائيل على وجه التحديد، فرصة لا يجوز تفويتها في سبيل تمرير مشاريع سياسية وأمنية مختلفة تحت ستار الحرب وتحت خيمة "الإجماع القومي" من جهة، وبعيداً عن الرقابة البرلمانية، الإعلامية، الجماهيرية، القضائية، من جهة أخرى.
بدأت تتبلور حركة احتجاج من عائلات حوالي 200-250 أسيراً ومفقوداً إسرائيلياً. هذه الحركة تعاني من أزمة واضحة: من جهة، هي في طريقها لأن تكون "حركة مقدسة" قد لا يمكن معارضتها من قبل الحكومة والشارع الإسرائيليين خصوصا وأن العديد من الأسرى هم من المدنيين. من جهة أخرى، تدرك هذه الحركة أن إطلاق سراح كافة الأسرى الإسرائيليين سيكون في مقابل تحرير كافة الأسرى الفلسطينيين، وهذا بحد ذاته قد يشكل "انتصارا" لحركة حماس قد لا تستطيع إسرائيل، التي لم تستفق بعد من صدمة ما حدث يوم السابع من تشرين الأول، أن تتحمله وفق الظروف القائمة الآن.
هذه الورقة تلقي الضوء على هذه الأزمة.
الصفحة 106 من 894