تستمر الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة لليوم الـ 38 على التوالي، والتي جرى شنّها في إثر الهجوم المباغت لحركة حماس على مواقع عسكرية في منطقة الحدود مع قطاع غزة، وعلى ما يعرف باسم"بلدات غلاف غزة"، يوم 7 تشرين الأول الماضي. ولعلّ أول ما يصادفنا في مجرى إجمال ما تراكم حتى الآن هو عدم وجود تفاوت كبير بين مختلف المحللين العسكريين والمختصين في الشؤون الأمنية في قراءة تحديّاتها القريبة المقبلة التي سنتوقف عند معظمها في هذه المقالة.
لا شك في أن الحكومة الإسرائيلية الحالية برئاسة بنيامين نتنياهو على اطلاع بأنه لا "حسيب ولا رقيب" في الزمن الحالي على ما يجري في مناطق الضفة الغربية، وبأن رئيس "مجلس المستوطنات" صار له نفوذ أكبر من الجيش الإسرائيلي والإدارة المدنية. وفي ظل اتجاه أنظار المجتمع الدولي نحو ما يجري في قطاع غزة، تشهد الضفة الغربية حاليا أوسع حملة اعتداءات من قبل المستوطنين، بالإضافة إلى توسع جغرافي استيطاني، وتلعب مجالس المستوطنات دورا "ريادياً" في ذلك. هذه المقالة تسلط الضوء على ما يحصل في الضفة الغربية في وقت الحرب.
لطالما شكلت التقنيات العسكرية والأمنية الإسرائيلية مصدر ذخر لإسرائيل على مدار العقود الماضية، فبفضلها انتقلت إلى مصاف الدول الرائدة في صناعة وتطوير التقنيات الأمنية والعسكرية عالمياً، كما تمكّنت من أن تحجز لها مكاناً متقدّماً في قائمة الدول المصدّرة للتقنيات الأمنية والعسكرية ومنظومات الرقابة والتجسّس حول العالم، ويعود السبب في ذلك لامتلاكها "ميزة" تُكسبها أفضلية وتجعلها أكثر قابلية من العديد من الدول في تسجيل نجاحات في هذا المجال؛ فقد شكّل استمرار الاحتلال للأراضي الفلسطينية المحتلة العام 1967 (وبطبيعة الحال النظام الرقابي الأمني المفروض على الفلسطينيين في الداخل)، يُضاف إلى ذلك الحروب المختلفة التي شنّتها على الفلسطينيين والدول العربية طيلة العقود الثمانية الماضية، ساحة اختبار وتجربة لهذه التقنيات والمنظومات، وهي ساحة متاحة على مدار الساعة لاختبار وتجربة هذه التقنيات والتأكد من فعاليتها استناداً لمبدأ التجربة والخطأ. لكن من ناحية أخرى، شكّلت بعض الحروب انتكاسة لإسرائيل في هذا المجال وأثّرت بشكلٍ كبير على قدرتها في تسويق هذه التقنيات أو بعض منتجات الصناعة العسكرية الإسرائيلية بالتعاون مع الشركات ذات الصلة.
في موازاة حرب التدمير والإبادة التي تواصل إسرائيل شنّها ضد قطاع غزة للأسبوع السادس على التوالي، تزداد اتساعاً، يوماً بعد يوم، دائرة وحدّة الأصوات الداعية في إسرائيل إلى تحديد المفاهيم المركزية التي شكلت قاعدة الرؤية الأمنية ـ السياسية الإسرائيلية التي يسود الإجماع على حقيقة أنها مُنيت بالفشل الذريع، بل بالانهيار التام، انطلاقاً من القناعة بأن تحديد تلك المفاهيم هو الشرط الأول والضروري في مسيرة إعادة ترميم ما ينبغي ترميمه في العقيدة السياسية والأمنية الإسرائيلية، ثم في إعادة هيكلة الأجهزة، المنظومات والأذرع المكلفة بتطبيق هذه العقيدة في المستقبل.
الصفحة 110 من 901