المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

اكتشف المجتمع الإسرائيلي أخيراً بذور الشر، إنها مجموعة من الأشرار الذين استخدموا رموز النازيين الجدد كإطار للنشاط العنيف لهذه الزمرة. وبطبيعة الحال فإن الساسة اللاهثين وراء الدعاية والشهرة لن يفوتوا هذه الفرصة، فسرعان ما ظهرت اقتراحات لتغيير القانون أو لاستخدام تعسفي لإجراءات ووسائل من قبيل الطرد من البلاد وسحب الجنسية وتعديل قانون العودة.

لا شك في أن الظاهرة التي كشف النقاب عنها أخيراً (وهي ليست جديدة على الإطلاق) جديرة بالشجب والمعالجة القضائية والعقوبة القانونية، بيد أن ردود الفعل المتهورة التي صدرت عقب الكشف عنها هي التي ينبغي لها بالذات أن تثير جل القلق، أو على الأقل التساؤل والاستغراب الشديدين. لا يختلف اثنان على أن استخدام الرموز النازية أو ممارسة العنف هو أمر مرفوض ومدان ينبغي محاربته بالوسائل القانونية المتاحة لنا. مجموعة الأشرار التي كشف عنها ستنال العقوبة المنصوص عليها في القانون، بما يؤدي إلى منع محاولات المحاكاة قدر الإمكان.

ولكن، هل تكمن هنا، في هذه الزمرة المجنونة، بذور الشر والفوضى؟ أليست المعالجة المندفعة لهذه الزمرة بمثابة ذريعة للسياسيين والجمهور بمجمله لإشاحة النظر والتغاضي عما يحدث أمام أبصارنا؟!

المجتمع الإسرائيلي، وبمعزل عن هذه الزمرة، مشبع بالعنصرية والعنف. وفي إسرائيل لا أمل لمجموعات نازية من هذا الطراز الذي اكتشف الآن في أن تتحول إلى تيار أو "اتجاه"، ليس فقط لأنه يوجد في إسرائيل وفي صفوف اليهود رهبة خاصة من التداعيات النازية، وإنما أيضاً لأنه يوجد للعنصرية الإسرائيلية عنوان واسع وشعبي آخر، ألا وهو السكان العرب سواء القاطنين في المناطق المحتلة أو القاطنين في إسرائيل عينها. وبغية محاربة هذه العنصرية، يتعين على أولئك السياسيين الذين يتعالى صوتهم في موضوع زمرة الأشرار التي يدور الحديث عنها أن يغيروا مواقفهم وأن يراجعوا أفعالهم وسلوكهم.

هؤلاء "الزاعقون" لا ينتبهون مثلاً إلى أنهم يستخدمون طريقة تفكير تولد تداعيات تاريخية تثير غضباً أشد. إن المطالبة، كما فعل أحد أعضاء الكنيست، بتحري جذور أجداد المهاجرين (الروس) واستبعاد من كان أحد جديه فقط يهودياً.. ألم نكن نحن أيضاً ضحية تصنيف لـ "نصف يهودي" و"ربع يهودي" وما شابه؟! فضلاً عن ذلك، هل نقبل بالفرضية القائلة إن الذي تعتبر أصوله يهودية مائة بالمائة لا يمكن أن يكون مصاباً بانحراف نازي وعنصري؟! هل يكون المقياس لسحب أو إلغاء المواطنة على خلفية نازية جديدة- حسبما طلب عضو كنيست آخر- هو فقط استخدام الرموز كما فعلت زمرة الأشرار المذكورة، أو ربما أيضاً على أساس مضامين أخرى؟!

وعندئذٍ من الذي سيحدد ما هو المضمون الذي يبرر إلغاء المواطنة؟ عندما أطلقنا صوتاً محقاً من أجل حماية العمال الأجانب من عنف العصابة المذكورة، ألم نفكر بالعنف الذي نمارسه تجاه أولئك العمال أنفسهم طوال الوقت وفوق ذلك بغطاء رسمي؟! أليست الطريقة التي تعالج بها سلطات الهجرة قضية العمال الأجانب بمثابة عنف يستحق النقد؟! أليست المعاملة والنظرة التي يصطدم بها لاعبو كرة قدم أجانب سود البشرة، هي تعبير سافر عن عنصرية تستحق الشجب والإدانة؟ وبالأساس: أليست "فرضية العمل" التي ينطلق منها المجتمع الإسرائيلي والتي تتحدث عن "دولة يهودية" هي تفضيل لليهود وإلى حد المس بحقوق غير اليهود؟! إن الطريقة التي يعتدي بها المستوطنون على الفلسطينيين في "المناطق" تكشف أمام أعيننا عن عنصرية عنيفة وخطيرة بدرجة لا تقل عن عنصرية زمرة الأشرار التي أثارت انتباه الرأي العام والطبقة السياسية الإسرائيلية في الأيام الأخيرة. إن الطريقة التي ننكل بها بالفلسطينيين في المناطق المحتلة، وبمعزل عن الخشية من الإرهاب، ينبغي لها أن تثير السخط والغضب بدرجة لا تقل عن أفعال وممارسات زمرة الأشرار النازيين الجدد.

كثيرون في إسرائيل يماثلون النازية والنازيون الجدد باللاسامية. في الحالة التي نحن بصددها لا يدور الحديث عن مجموعة دافعيتها لا سامية (فالاعتداء بالضرب على المتدينين الحريديم وعلى المعاقين سيان في نظر أفراد هذه الزمرة) وإنما عنصرية. يا حبذا أن لا نقع ضحية لحجة "دفاع" تلوح في هذه الأثناء مؤداها: "هذه الزمرة ليست لا سامية". الحديث يدور عن عنصرية عنيفة، ويمكن لليهود بالتأكيد أن يكونوا عنصريين عنيفين. ينبغي أيضاً تقصي سؤال آخر: ما الذي دفع بمجموعة من المهاجرين من أوروبا الشرقية إلى انتهاج هذا النوع من العنف المسنود بغطاء أيديولوجي من هذا الطراز؟! أليست نظرة المجتمع الإسرائيلي للأصول الإثنية اليهودية، بمعنى للمركزية الإثنية والعنصرية اليهودية، سبباً غير مباشر أو مباشر لهذه الظاهرة المخيفة التي نقف بصددها؟ مهما كانت الزاوية التي سننظر منها للأمر، فإن القصة الحقيقية هي قصة إفلاس وعجز المجتمع الإسرائيلي في النضال ضد العنصرية ومن أجل التسامح والليبرالية والديمقراطية.. إذا كنا نمتلك القدرة على الاستجابة للتحدي المطروح، فإن علينا العودة إلى الأسس المتمثلة بأجهزة ومؤسسات التعليم والتنشئة الاجتماعية من جهة، وسلوك وأداء السلطتين التشريعية والتنفيذية، من جهة أخرى، ومن خلال رؤية شمولية رحبة.

_____________________________

* الكاتب رئيس مركز التاريخ الألماني في الجامعة العبرية- القدس. المقال ترجمة خاصة بـ"المشهد".

المصطلحات المستخدمة:

الكنيست

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات