المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

قبل فترة طويلة، كان هناك من نَبَّه إلى المكانة الهزيلة، أو على الأدق انعدام المكانة، لـ "مجلس الأمن القومي" الإسرائيلي، حتى في هذا الموقع الإلكتروني. كان الاهتمام بالموضوع معدوماً على وجه التقريب، لذلك لم تظهر اليوم أية أصداء لاستقالة رئيس وكبار المسؤولين في المجلس مؤخراً.

وكالمعتاد التفت الكثيرون إلى انعدام الموارد الاقتصادية التي يفترض توفرها للمجلس، وإلى شروط العمل المتدنية وما إلى ذلك. ونقل عن أحد العاملين سابقاً في "المجلس" في مقابلة أجريت معه دون ذكر اسمه أنه "أكد أن الأشخاص العاملين في المجلس، والذين يتميزون بمستوى شخصي رفيع ودافعية للمساهمة واستعداد لاستثمار وبذل الجهود، يصطدمون بجهاز بيروقراطي معقد، ومنقسم على نفسه، ويقع العاملون في المجلس ضحية مؤامرات داخلية وإدارة لا تقوم بدورها كما يجب، وكل ذلك لقاء رواتب متدنية. وحسب قوله فإن عليك أن تكون يائساً حتى تقبل بالعمل في مجلس الأمن القومي. والدليل أن آخر رؤساء المجلس تركوا مناصبهم وسط ضجة وغضب شديدين وأحياناً وسط توتر على المستوى الشخصي مع مسؤولين كباراً في المؤسسة الأمنية" [موقع "أوميديا" 10/8/2007]. لا بد من الإقرار أن هذه الأقوال قاسية، غير أن السؤال هو: ألم يكن الأمر معروفاً قبل ذلك؟ الجواب بالإيجاب، لكن كما هو معتاد لدينا، فإن ما هو غير فوري وملح ومتوهج، لا مكان له في الخطاب العام. كما هو معروف فقد ولد "المجلس" نتيجة "بنشر" وكان حتى مولدوه مندهشين من هذا "المخلوق" الجديد. لا حاجة لاستعراض سيرة "مجلس الأمن القومي" لأنها معروفة للكثيرين. فالمجلس منذ إقامته وحتى الآن لم يقدم أية مساهمة تذكر لتحقيق الأهداف التي أقيم من أجلها. التفسير الأكثر بساطة لهذه الحقيقة هو عدم قدرة "المجلس" على إيجاد وتبوأ مكانته الملائمة في المنظومة الأمنية الإسرائيلية. أما التفسيرات الأكثر عمقاً فيمكن لها أن تُضيء وتكشف الوضع على حقيقته.

لقد تحول "مجلس الأمن القومي" إلى مجرد مؤسسة أخرى يمكن العثور فيها على أماكن عمل ومناصب لـ "الكبار" في الهيئة الأمنية. فأولاً، كان رؤساء المجلس من العسكريين الذين أخرجوا، لأسباب مختلفة، من مسارهم الطبيعي في الأطر التي عملوا فيها. وبغية استكمال قوام الطاقم أُستعير لمجلس الأمن القومي أشخاص جيدون كان انتماؤهم إلى أطر أخرى، مثل جهاز "الموساد"، وزارة الخارجية، الجيش الإسرائيلي وما إلى ذلك.

والشيء الذي لا يقل أهمية، هو أن رؤساء الحكومة المختلفين قاموا بواجبهم العام (من باب رفع العتب...) لكنهم عملياً تعاطوا مع "المجلس" كإضافة تافهة أو ديكور ليس إلاّ. ولم يقم أي من رؤساء الأجهزة الأمنية بتزويد "المجلس" بالمعلومات، ناهيكم عن إشراكه أو أخذ توصياته بنظر الاعتبار. وبمرور الوقت بدأوا يعينون في رئاسة المجلس جنرالات "سابقون" (أي احتياط) أو مسؤولون كبار "سابقون" في جهاز "الموساد"، وقد كان هذا "الترتيب" مريحاً لهؤلاء أيضاً، لكنه لم يكن هناك أي عمل حقيقي.

نفس المسؤول الكبير السابق في "المجلس" الذي اقتبست أقواله آنفاً، قال إن البيروقراطية الداخلية والأحابيل، بمعنى صراعات الأنا، كانت ملازمة للمجلس أيضاً.

كاتب هذه السطور اصطدم أيضاً بنفس البيروقراطية البغيضة. فهل كانت الموارد هي محط الأنظار، أو أساس الاهتمام؟ كلا.. فقد عرضت على "المجلس" خدمات شخص "من نفس أهل البيت"، وبتطوع كامل، دون مرتب أو سعياً لأية منافع أخرى. لكن طَلَبُه لم يُستجب، بل ولم يتلق أي جواب أو رد على طلبه. ولما وصل هذا نهاية المطاف، بعد أكثر من سنة، كان رداً سلبياً. من حق أية هيئة أو منظمة أن ترفض قبول أي شخص كان، حتى لو جاء متطوعاً. لكن لا يجوز لها أن تقرر بأن مؤهلات المتقدم بالطلب ليست ملائمة طالما لم يجر فحص أو اختبار جوهري سواء للمؤهلات أو القدرة على المساعدة.

لا ريب في أن "مجلس الأمن القومي" حيوي لأمن الدولة... ومن يحدد مكانته هم دائماً وأبداً أولئك الذين يقفون على رأسه والعاملون فيه. لن يكون ممكناً دفع أي مشروع جاد دون دعم كامل من رؤساء وزعماء الدولة والأجهزة الأمنية. وطالما أن هذه الشروط ليست متوفرة فإنه لا أمل في أن يعمل مجلس الأمن القومي كما يليق به.

_______________________

* الكاتب مؤرخ وخبير في شؤون الأمن القومي. المقال ترجمة خاصة بـ "المشهد" (المصدر: شبكة الانترنت).

المصطلحات المستخدمة:

مجلس الأمن القومي, الموساد

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات