المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

في التاسع عشر من شهر شباط الماضي عقد في القدس الغربية لقاء ثلاثي جمع بين وزيرة الخارجية الأميركية، كوندوليزا رايس ورئيس الحكومة الإسرائيلي، إيهود أولمرت والرئيس الفلسطيني محمود عباس (أبو مازن).

هذا اللقاء تقرر قبل عدة أسابيع كجزء من تنفيذ تعهد الرئيس بوش، في نطاق خطابه حول العراق، بزيادة دور الولايات المتحدة في عملية السلام في الشرق الأوسط. غير أن توقيت اللقاء- بعد توقيع إتفاق مكة بين حركتي "فتح" و"حماس"- حوله إلى لقاء إشكالي ومركب بالنسبة لجميع الأطراف وخلق لديها توقعات متضاربة.

من جهته يسعى أبو مازن إلى تسويق اتفاق مكة للمجتمع الدولي كإنجاز مهم وكدليل على استعداد "حماس" لإبداء مرونة. وعليه فقد كان لديه أمل على الأقل في إبداء استعداد إسرائيلي وأميركي لرفع الحصار الدولي، ولو جزئياً، عن السلطة الفلسطينية.

إيهود أولمرت، الذي انحدرت مكانته لدى الجمهور الإسرائيلي إلى الحضيض، ليس في موقع يتيح له إظهار مرونة في مسائل مبدئية مثل اعتراف إسرائيل بالحكومة الفلسطينية الجديدة، أو الإعلان عن استئناف المفاوضات حول التسوية الدائمة. لذلك فقد شكل اللقاء بالنسبة له فرصة ليسوّق للجمهور الإسرائيلي ما يمكن وصفه بالموقف الأمني الحازم.

أمّا كوندوليزا رايس فقد جاءت في محاولة لاستطلاع وتفحص إمكانية إيجاد صيغة تساعد في استئناف العملية السياسية. إضافة إلى ذلك، وفي ضوء معارضة الرئيس بوش لاتفاق مكة، والتوجه العام المشابه في الكونغرس الأميركي فضلاً عن موقف الحكومة الإسرائيلية، لم تتمكن رايس من استخراج أو تحصيل أية نتيجة ملموسة أو مهمة من هذا اللقاء. بناء على ذلك فقد استخدمت الولايات المتحدة اللقاء، في توقيته الراهن، كوسيلة للتظاهر (خاصة أمام حليفاتها) بوجود تحرك وجهد ما في النزاع الإسرائيلي- الفلسطيني، ولكن ليس أبعد من ذلك.

بناءً على هذه الأرضية السياسية، عرضت كل من إسرائيل والولايات المتحدة موقفاً لا يقبل المساومة فيما يتعلق بشروط اللجنة الرباعية الدولية (الاعتراف بإسرائيل، وقف العنف واحترام الاتفاقيات الدولية التي وقعت عليها منظمة التحرير الفلسطينية) لرفع الحصار عن السلطة الفلسطينية. وهكذا نجح أولمرت في "عدم التقدم"، ورسمت رايس علامة النصر (V) في "الخانة الفلسطينية" من مفكرتها، لتعود إلى معالجة مشاكل ملحة أكثر (البرنامج النووي الإيراني، التواجد الأميركي في العراق، الأزمة مع كوريا الشمالية وغيرها).

على عكس أولمرت ورايس، يخيل أن أبو مازن خرج من اللقاء خاسراً. فالأمر لم يقتصر على أن حكومة الوحدة الفلسطينية المتبلورة لم تحظ باعتراف، بل بات واضحاً أيضاً، أنها وقبل قيامها لن تحظى بتعاون من جانب إسرائيل أو الولايات المتحدة. فضلاً عن ذلك، لم يحصل أبو مازن حتى ولو على وعد ضبابي معين بإعادة النظر مستقبلاً في الموقف من الحكومة الفلسطينية العتيدة. هذه المواقف الأميركية والإسرائيلية نُقلت إلى الرئيس عباس بشكل واضح لا لبس فيه: إما الامتثال لشروط "اللجنة الرباعية" أو استمرار الجمود القائم.

ما هي انعكاسات اللقاء؟

من ناحية الإسرائيليين والأميركيين يبدو ظاهرياً أنه لا توجد للقاء انعكاسات جوهرية. فباستطاعة أولمرت العودة للتمترس داخل الشرنقة الإسرائيلية فيما تستطيع رايس أن تمضي إلى مشاغلها.

ومع ذلك يمكن أن تكون لنتائج اللقاء انعكاسات مهمة سواء على الجانب الفلسطيني أو على الجانب الإسرائيلي، أكثر بكثير مما يبدو للوهلة الأولى.

بداية، فإن النتائج الهزيلة للقاء تشكل إلى حد كبير، ضربة أخرى لمكانة وهيبة أبو مازن في الساحة الفلسطينية الداخلية. فالرئيس الفلسطيني أخفق مرة أخرى في إحداث اختراق أو مرونة في مواقف المجتمع الدولي تجاه الفلسطينيين.

ومن هذه الناحية فإن الضربة مزدوجة، من حيث صورة أبو مازن في الشارع الفلسطيني أو لدى قادة حركة "حماس". تجدر الإشارة إلى أن الورقة السياسية تعتبر إحدى نقاط التفوق المركزية التي يمتلكها أبو مازن إزاء حركة "حماس"، وهو ما يقر به سواء الجمهور الفلسطيني أو حركة "حماس" ذاتها. ومما لا شك فيه أن نتائج اللقاء الثلاثي أدت إلى انحسار آخر في نقطة التفوق هذه. فمن وجهة نظر الجمهور الفلسطيني لا فرق في المحصلة بين النتائج السياسية التي يحرزها أبو مازن" وبين النتائج التي تحرزها حكومة "حماس".

إضافةً إلى ذلك فإن نتائج اللقاء يمكن أن تنعكس أيضاً على حكومة الوحدة الآخذة بالتبلور. فهذه الحكومة لها، من وجهة نظر "فتح" و"حماس"، هدفان مركزيان: الأول رفع الحصار الدولي، ولاسيما الاقتصادي، عن السلطة الفلسطينية واستئناف ضخ المساعدات الخارجية. وقد بات واضحاً للجميع الآن، خاصة في ضوء نتائج اللقاء الثلاثي، أن هذا الهدف لن يتحقق. ولا ريب في أن ذلك وحده يكفي لإضعاف فرص إقامة الحكومة الجديدة.

في الوقت ذاته فإن الهدف الثاني لإقامة حكومة الوحدة الفلسطينية هو نزع فتيل الاقتتال والمواجهة بين مؤيدي "فتح" ومؤيدي "حماس". هذا الهدف تحقق. فمنذ بدء المحادثات في مكة مطلع شهر شباط يسود هدوء نسبي في مناطق السلطة الفلسطينية، وما زالت لدى رئيس الوزراء المكلف إسماعيل هنية مهلة أخرى لتشكيل الحكومة من شأنها أن تمنح الشارع الفلسطيني فترة هدوء إضافية.

انعكاس محتمل ثالث للقاء الثلاثي يتعلق بأبو مازن ذاته وباستمرار ولايته كرئيس للسلطة، فخلال العام 2003 عمل أبو مازن كرئيس للوزراء تحت سلطة (الراحل) ياسر عرفات. بعد بضعة أشهر من تعيينه، وعندما شعر أنه يواجه طريقاً مسدوداً (عدم التعاون من جانب إسرائيل وضغوط من جانب الرئيس عرفات) لم يتردد أبو مازن في تقديم استقالته. ويخيل الآن أن هناك بوادر لنشوء وضع مشابه. فإسرائيل وحركة "حماس" مصممتان على عدم إبداء مرونة كما أن الولايات المتحدة لا تظهر تصميماً حقيقياً على إحراز أي تقدم على هذا الصعيد. وعليه فإن الفرصة في استئناف العملية السياسية- التي تمثل صلب البرنامج الذي أُنتخب أبو مازن باسمه- تبدو شبه معدومة. كذلك وفي ظل هذا الواقع فإن تحسن الوضع الاقتصادي للفلسطينيين يبدو أبعد من أي وقت مضى. ولا بد أن يضاف إلى كل ذلك الانقسام الداخلي الحاد داخل حركة "فتح" نفسها.

هذه الظروف، وإذا أضيفت إليها إمكانية فشل الاتصالات لإقامة حكومة الوحدة الوطنية الفلسطينية، من الممكن أن تدفع أبو مازن إلى الاستقالة والإعلان عن إجراء انتخابات عامة مبكرة للرئاسة والبرلمان (المجلس التشريعي) الفلسطيني. وفي غياب زعيم وطني شعبي يستطيع أن يشكل وزناً مضاداً لمرشح "حماس" للرئاسة، من الممكن أن تؤدي الانتخابات المبكرة إلى تعميق سيطرة "حماس" في البرلمان وحتى "احتلال" منصب الرئيس. مثل هذه النتائج غير مرغوبة قطعاً لأي من الأطراف التي شاركت في اللقاء الثلاثي.

في ضوء كل ذلك، وفي غياب أي تقدم كان يعتبر ضرورياً جداً لأبو مازن، يمكن القول بالتأكيد إن اللقاء الثلاثي قد يتبدى ليس فقط كمجرد تحرك دبلوماسي عقيم آخر، وإنما كلقاء ينطوي على انعكاسات وتداعيات مهمة بالنسبة لمستقبل أبو مازن ذاته وقدرته على تحريك وقيادة عربة القضية الفلسطينية نحو اتجاهات وآفاق إيجابية أكثر في قابل الأيام.

_________________________

* أمير كوليك- باحث إستراتيجي في "معهد دراسات الأمن القومي" في جامعة تل أبيب. المقال ترجمة خاصة بـ"المشهد الإسرائيلي".

المصطلحات المستخدمة:

حكومة الوحدة الوطنية

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات