المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

هناك حكاية مشهورة عن ألبرت أينشتاين يعطي فيها البروفيسور القدير امتحاناً لصف معين على الرغم من أنه كان قد أعطى الصف ذاته نفس الامتحان قبل ذلك بقليل. وعندما لاحظ مساعده هذا الأمر سارع إلى تنبيهه بأن هذا الصف قد أُمتحن في هذه المادة. ابتسم البروفيسور، وقال: حسناً، تغيرت الإجابات. وهكذا عندنا أيضاً فالأسئلة هي نفس الأسئلة، لكن الإجابات تغيرت.

كان الجواب قبل عشر سنوات على سؤال (كيف نتوصل إلى السلام؟) واضحاً: دولة فلسطينية مستقلة في الضفة الغربية وقطاع غزة بجوار إسرائيل. ولكن جواب "دولتين لشعبين" يخص اليوم واقعاً ولى من هذا العالم. اليوم وبعد 40 عاماً من الاحتلال، حيث الضفة الغربية مجزأة بالمستوطنات والطرق المخصصة لليهود، حيث الجدار الفاصل يسجن ملايين الفلسطينيين في غيتوات في الضفة الغربية وقطاع غزة، وحيث بات واضحاً للجميع أنه لا يوجد في إسرائيل أي زعيم قادر على تقسيم "أرض إسرائيل" ـ فإن الإجابة تغيرت أيضاً.

ما هي الإجابة إذن على هذا السؤال الصعب؟ يعيش اليوم حوالي 10 ملايين شخص بين البحر الأبيض المتوسط ونهر الأردن، حوالي 5ر5 مليون يهودي وحوالي 5ر4 مليون فلسطيني، بينما تسيطر دولة إسرائيل، دولة اليهود، على كل شيء. ويتراوح وضع الفلسطينيين بين الحياة كمواطنين من الدرجة الثالثة في إسرائيل وبين رعايا محرومين من حقوقهم تحت نظام عسكري في المناطق المحتلة. واضح أن هذا الأمر لن يدوم إلى الأبد. ستضطر إسرائيل آجلاً أم عاجلاً إلى منح حقوقٍ متساوية للفلسطينيين الذين يعيشون تحت سيطرتها، والسؤال: هل هذا الأمر يأتي نتيجة سفك دماء أم نتيجة عملية سياسية؟.

قبل عدة أشهر صدر كتابان مهمان يتعلقان بهذا الموضوع، ويشير كلاهما إلى متغيراتٍ مهمة. حظي الكتاب الأول بأصداءٍ واسعة وهو من أكثر الكتب رواجاً في قائمة "نيويورك تايمز"، وهو كتاب الرئيس الأميركي السابق وصديق إسرائيل جيمي كارتر "فلسطين: سلام لا أبرتهايد". فتح كتاب الرئيس الأميركي لأول مرة في الولايات المتحدة الباب أمام نقاش مهم حول موضوع مأساة الشعب الفلسطيني. ويصف كارتر الواقع الذي يعيشه الفلسطينيون تحت السلطة الإسرائيلية كنظام تفرقة عنصرية (أبرتهايد). عندما يستخدم رئيس أميركي مصطلح "أبرتهايد" من أجل وصف سلطة إسرائيل في المناطق المحتلة فان هذا يعد تغيراً مهماً لا نظير له. هذا الجدل ما زال مستمراً في الولايات المتحدة منذ صدور هذا الكتاب، ولا يبدو أنه سيتوقف في القريب.

الكتاب الثاني هو كتاب المؤرخ الإسرائيلي إيلان بابه "التطهير العرقي في فلسطين". ومن أجل وصف مصطلح Ethnic Cleaning فإن من المهم التفكير ملياً في المأساة التي عاشها الشعب الفلسطيني بين أعوام 1947- 1949 . كتاب بابه ومهما كان مؤثراً، فإنه يشكل فرصة لتعلم أدق التفاصيل عن الدمار الذي لحق بالشعب الفلسطيني على يد إسرائيل خلال فترة "حرب 48" ، التي أقيمت في أعقابها دولة إسرائيل على أنقاض فلسطين.

يتضح من قراءة هذين الكتابين أن كتاب كارتر يشكل استمراراً لما سرده إيلان بابه في كتابه. وبعبارة أخرى، فان سياسة دولة إسرائيل فيما يتعلق بالفلسطينيين حالياً تشكل استمراراً للتطهير العرقي الذي بدأ العام 1948. من الممكن أن نتجادل حول هذه الحيثية أو تلك، سواء في كتاب كارتر أو كتاب ايلان بابه، لكن من غير الممكن أن نتجادل على الحقائق. فقد ُطُرِدَ خلال "حرب 48" حوالي 800 ألف فلسطيني من وطنهم، دُمرت مدنهم وقراهم وعملياً دمر الكيان الفلسطيني بشكلٍ كاملٍ تقريباً. واليوم، تواصل إسرائيل تدمير كل ما يرمز إلى الهوية الفلسطينية، ناهيك عن الاستقلال الفلسطيني سواء داخل إسرائيل أو في المناطق المحتلة.

إحدى الإجابات حول السؤال بشأن كيفية إنهاء الصراع والتي ربما تكون هي الإجابة الأصعب من سواها، تستند إلى أن إسرائيل هي عملياً دولة يعيش فيها شعبان تحت سلطة واحدة، أي أن إسرائيل هي دولة ثنائية القومية. والمطلوب هو تغيير الإطار السياسي الحالي الذي يُمكن الإسرائيليين اليهود فقط بأن يكونوا مواطنين أصحاب حقوق كاملة، واستبداله بإطار سياسي يسمح فيه لأبناء الشعبين بأن يكونوا مواطنين متساوين في الحقوق وتمكينهم من التعبير عن هويتهم الوطنية، والدينية، والثقافية. وبعبارة أخرى أن تكون إسرائيل دولة ديمقراطية يعيش فيها الإسرائيليون والفلسطينيون في ظل مساواة تامة في الحقوق في وطنهم التاريخي المشترك، أرض
إسرائيل/ فلسطين.

كما أسلفنا، فان هذه الإمكانية بدون أدنى شك صعبة جداً. فالشعب اليهودي وبعد 2000 عام من الشتات وبعدما اجتاز الكارثة (المحرقة النازية)، بُعث من جديد كطائر أسطوري وحظي بإقامة دولة مستقلة. فمن ناحية إنسانية ومن ناحية تاريخية شكل انبعاث إسرائيل أمراً ذا أهمية لا نظير لها.

ومن أجل ضمان سلامة شعب إسرائيل في أرض إسرائيل هناك حاجة أيضاً لرؤيا سياسية واستعداد للتسوية. ولإنهاء الوضع الصعب الذي تعيشه دولة إسرائيل، لا بد لها أن تكون مستعدة للاعتراف بالواقع الذي نشأ بين أعوام 1947- 2007 : فقد قامت دولة إسرائيل على حساب شعب آخر، ولا مفر من إيجاد إطار سياسي مشترك يتمكن فيه الشعبان من العيش بسلام.

_____________________

(*) ميكو بيلد- ناشط سلام ونجل ناشط السلام الإسرائيلي وعضو الكنيست السابق، المرحوم د. متتياهو بيلد. المقال أعلاه خاص بـ"المشهد".

المصطلحات المستخدمة:

دولة اليهود, الكنيست

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات