المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

منذ 30 عامًا ونيّف تنهمك قوات الأمن الإسرائيلية في الحرب ضد الإرهاب الفلسطيني واللبناني. اتفاقيات السلام و"الهدنة" التي عقدت مع الدول العربية المحيطة بنا في السبعينيات حيّدت عمليًا هذه الدول عن الكفاح المباشر ضد إسرائيل.

وكلما أخذت المواجهة بيننا وبين الدول العربية تضعف، أخذت تتصاعد في اتجاه معاكس المقاومة الشعبية بواسطة الإرهاب العنيف، الذي وجّه أساس عملياته ضد أهداف مدنية، وذلك عبر محاولة تجنّب المواجهة المباشرة مع قوات الأمن.

كفاح قوات الأمن ضد الإرهاب، الذي أصبح خطرًا إستراتيجيًا على إسرائيل، خلق عدم تناظر واضح بين المبنى التنظيمي لقوات الأمن وغايتها الإستراتيجية وبين التفكير الأمني الإسرائيلي بالنسبة لتفعيل القوة.

وقد أوكلت قوات الأمن بتنفيذ مهمتين رئيستين في الحرب على الإرهاب:

الأولى- إبادة الإرهابيين على تجهيزاتهم ومنشآتهم.

الثانية- إدارة الحياة اليومية للسكان في المناطق (الفلسطينية) التي ينظّم وينشط فيها الإرهاب، والذي أدى بإسرائيل كنتيجة للحرب ضده إلى أن تحتل تلك المناطق.

والجيش الذي أنشئ وبُني من أجل محاربة جيوش نظامية قوية استصعب أن يفهم العلاقة القائمة في الباطن بين الإرهاب وبين السكان المدنيين، الذين نما منهم ويعيش بينهم.

انعدام فهم العلاقة القائمة بين إدارة الحياة اليومية للسكان وبين الإرهاب الذي نشأ بينهم، أدى بقوات الأمن إلى الخطأ والتفكير بأن الحلّ للقضاء على الإرهاب هو بواسطة القوة العسكرية، عبر التغاضي شبه التام عن المعالجة المطلوبة لحياة عموم السكان اليومية.

في الشرق الأوسط تخلق المعالجة غير الصحيحة للسكان، عبر تكريس العوز والجهل والفقر الاجتماعي والاقتصادي، إرهابًا بصورة أكيدة. وما نراه هو أنه في كل مرة تتعاظم فيها موجات الإرهاب "تبيع" قوات الأمن إلى الجمهور الوهم أنه عن طريق تصعيد العمليات العسكرية وتفعيل القوة المكثفة يمكن قمع الإرهاب. الوهم هو أمر خطير، فكم بالحري عندما يكون الحديث يخصّ أمننا وحياة ناسنا.

حول هذا الوضع المستمر، وبالأساس إزاء الأحداث التي حصلت في جنوب لبنان بودي أن أتطرق ببعض رؤوس الأقلام، التي يمكن أن تشكل مادة للتفكير في الأمر.

تعايش سياسي

التعايش السياسي بين شعبين/ دولتين بمقدوره أن يتم في حالتين:

الأولى- حالة توافق متبادل بين الطرفين يكون راسيًا في اتفاق سياسي.

الثانية- حالة عملية قسرية يفرض فيها طرف نفسه على الطرف الثاني عن طريق احتلال عسكري أو عن طريق ضغط سياسي= اقتصادي. وتتطلب عملية من هذا القبيل جهدًا متصاعدًا ضد الطرف الثاني، الذي سيسعى بشكل طبيعي إلى تصعيد مقاومته طوال الوقت.

وللأسف الشديد فإنه في محاولتنا أن نخلق تعايشًا قسريًا مع السكان الفلسطينيين وحتى مع لبنان في فترات معينة فإننا نفعل ذلك بواسطة القوة وهو ما يجعلنا في وضع دائم من التصادم العنيف.

الإرهاب والكفاح ضده

ينبغي النظر إلى الإرهاب باعتباره تنظيمًا لجماعات عنيفة تعبّر عن المزاج العام للسكان، الذين ينشأ من بين صفوفهم. الإرهاب ليس جسمًا قائمًا بذاته، ومن هنا فإن الكفاح ضده لا ينتهي عندما نبيد مقاتليه وتجهيزاتهم، لأنه بدون علاج صحيح للسكان فإنهم سينبتون بسرعة خلايا مقاتلة جديدة.

الخلاصة في هذه الحالة واضحة: الكفاح ضد الإرهاب يستوجب دمجًا منسقًا لعمل عسكري، يكون جزءًا من عملية سياسية ينبغي أن نخلقها في الموازاة، ولعلاج صحيح للسكان.

البنى التحتية للإرهاب

هذا المصطلح، الذي راج كثيرًا في خطابنا الشعبي، هو مصطلح غائم وغير محدّد ويجدر بنا الامتناع عن الأمنيات العبثية بإبادته، لأنه في الأساس يتعلق بوضع عقلي للسكان، وهو ما لا يمكن إبادته بطريق عسكرية.

إرهاب حماس مقابل حزب الله

حسب رأيي ليس هناك تماثل كبير بين هذين التنظيمين، وظروف مقاومتهما ضد إسرائيل مختلفة. سوية مع ذلك فإن حزب الله يحظى بشرعية لدى أجزاء من المجتمع الإسلامي من جرّاء الوضع السائد في المناطق ومن نظام الاحتلال الإسرائيلي. دلالة هذا الوضع هي أن ما يحدث في المناطق يشعّ بالتأكيد على الخارج، ويشكل برنامجًا سياسيًا تنظيميًا لتنظيمات إرهابية إسلامية خارج حدودنا. وذلك خلافًا للتفكير السائد بيننا وكأن الإرهاب الإسلامي الخارجي يؤثر على عمليات داخلية عندنا.

الإرهاب والسلاح الباليستي

الجانب الباليستي - استعمال الصواريخ البعيدة المدى- أصبح مكرهة لا تطاق إلى درجة تهديد إسرائيل إستراتيجيًا. يمكن الكفاح ضده أساسًا بشكلين:

الأول- تطوير جواب تقني ضده، وهو ما أهملناه للأسف الشديد. وها نحن ندفع ثمن ذلك الآن.

الثاني- في الوضع الراهن يتوجب علينا أن نعطي وزنًا أكبر للعملية السياسية وأن ننهي هذا التصادم.

إن البساطة في تفعيل هذه الأداة البدائية تصعب علينا كثيرًا القضاء على استعمالها، حتى لو احتللنا منطقة بقطر عشرين كيلومترًا.

تنظيم قوات الأمن

يتوجب على قوات الأمن أن تخضع للإصلاح في مبناها التنظيمي وفي تفكيرها بشأن تفعيل القوة وفي تطوير تقنيات ووسائل قتالية تعطي جوابًا مناسبًا على السلاح الصاروخي للإرهاب العربي. وإن حقيقة كون الجيش الإسرائيلي لأكثر من ثلاثين سنة يحارب فقط الإرهاب بأشكاله المختلفة في الداخل والخارج أدت إلى وضع من عدم التناظر في مبناه وتفعيله وفي الغايات المطلوب أن يتواجه معها.

تلخيص

إجمالاً أوصي بأن يكون تشديدنا على تفعيل القوة بالدمج مع سياسة مناسبة في المجالات التالية:
1.تفعيل القوات ينبغي أن يكون منوطًا ومندمجًا مع سياسة تسعى إلى تقليص فترة القتال قدر الممكن وترى الطريق السياسية كعنصر مركزي في الكفاح ضد الظروف التي خلقت وأيدت وجود الإرهاب، من الداخل ومن خارج حدود الدولة.
2.لا يجوز التغاضي للحظة عن الوضع السائد في المناطق ولا ينبغي نسيان أن المشاكل هناك تتربص بنا أيضًا.
3.لا ينبغي تمكين اليمين السياسي من محاولة تحريض الرأي العام على خلفية الحرب في جنوب لبنان.
4.يجب بذل كل جهد من أجل تطبيق وقف إطلاق النار بصورة جادة، وهذا منوط بنا بقدر غير يسير.
5.يجب بذل كل جهد تكنولوجي من أجل تطوير جواب على موضوع السلاح الباليستي- الصاروخي.

_________________________________________

* يوفال دفير- عقيد (كولونيل) في الاحتياط. وهو عضو في "المجلس الإسرائيلي للسلام والأمن".

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات