المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
الضربات الصاروخية الإيرانية: دمار في بات يام قرب تل أبيب. (شينخوا)
  • كلمة في البداية
  • 52
  • أنطوان شلحت

لليوم الرابع على التوالي تستمر اليوم (الاثنين) العملية العسكرية الهجومية واسعة النطاق التي أعلن عنها الجيش الإسرائيلي تحت مسمى "عام كِلافي" ["شعب كلبؤة"]، مشيراً إلى أنها تستهدف منشآت عسكرية ونووية تابعة للنظام الإيراني، وذلك بتوجيهات مباشرة من المؤسسة السياسية الإسرائيلية. وبموجب بيانات الجيش الإسرائيلي، جاءت العملية رداً على "العدوان المتواصل من طرف النظام الإيراني ضد دولة إسرائيل"، واستناداً إلى "معلومات استخباراتية دقيقة" تتعلق بسيرورة البرنامج النووي الإيراني.

ومع استمرار هذه العملية لا بدّ من التنويه بما يلي:

أولاً، تشير السردية الإسرائيلية المتداولة إلى أن الدافع المباشر لهذه العملية هو تلقي معلومات استخباراتية عن استكمال إيران إقامة منشأة تحت الأرض بعمق جبل في موقع مجمّع نتانز، بالقرب من المنشأة الأصلية في نتانز، حيث توجد منشآت تخصيب اليورانيوم الرئيسة وآلاف أجهزة الطرد المركزي. وكان الإيرانيون يعتزمون نقل الآلاف من أجهزة الطرد المركزي الحديثة إلى هذه المنشأة، والتي ستمكّنهم من تخصيب اليورانيوم بسرعة، فضلاً عن اليورانيوم المخصّب بنسبة 60 بالمائة، الموجود لديهم فعلاً، وبكمية تكفي لصنع 15 قنبلة نووية بحجم قنبلة هيروشيما، بحسب تقديرات سائدة لدى الجيش الإسرائيلي.

ووفقاً للسردية نفسها، كان الإيرانيون على وشك البدء بنقل أجهزة الطرد المركزي إلى هذه المنشأة التي كانت مُعدّة لتكون محصّنة ضد القنابل، حتى لو شارك الأميركيون في الهجمات باستخدام قنابلهم الأثقل الخارقة للتحصينات. وتدعي تحليلات إسرائيلية عديدة أن التقدّم في هذه المنشأة تحت الأرض كان أحد أهم الأسباب التي دفعت إسرائيل إلى الاستنتاج بأن "نافذة الفرصة الاستراتيجية توشك على الإغلاق".

ثانياً، أشارت تحليلات أخرى إلى أن ثمة سبباً آخر يقف وراء هذه العملية العسكرية الهجوميّة، وهو أن إيران بدأت في الأيام الأخيرة ما تصفه بأنه "سباق نحو القنبلة"، بأوامر من القائد الأعلى علي الخامنئي. وهذا السباق، برأي معظم تلك التحليلات، يهدف إلى تمكين إيران من إكمال تصنيع جهاز تفجير نووي أولّي خلال أشهر. وكانت هذه الحقيقة، مثلما يؤكد المحلل العسكري رون بن يشاي ("يديعوت أحرونوت") مثلاً، أحد الخطوط الحمراء التي أعلنت إسرائيل أنها لن تسمح لإيران بتجاوزها، "فبمجرد توفُّر القدرة على تركيب جهاز تفجير نووي من أيّ نوع كان، حتى لو كان نموذجاً أولّياً ورأساً متفجراً لا يمكن بعد تركيبه على صاروخ، فإن هذه النقطة تشكل عاملاً حاسماً في قرار إسرائيل، بموافقة الولايات المتحدة، بشأن شنّ العملية".

ثالثاً، من ناحية رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، لوحظ أنه أكد في سياق بيان مصوّر نشره بعد نحو ساعة على بدء العملية العسكرية الهجوميّة في إيران، أن هدف هذه العملية هو الإضرار بالبنية التحتية النووية الإيرانية، ومصانع الصواريخ الباليستية، والقدرات العسكرية الإيرانية. وبعد نتنياهو مباشرة، برّر الجيش الإسرائيلي أيضاً قرار شنّ العملية بأن إيران أحرزت تقدماً كبيراً نحو تحقيق هدف امتلاك قدرة على إنتاج سلاح نووي خلال فترة زمنية قصيرة نسبياً. واستناداً إلى ما أكده الجيش، نشأت حاجة مُلحة إلى العمل على إحباط المشروع، وخصوصاً بعد أن سرّعت إيران، مؤخراً، العمل على مكوناته السرّية. وأشار المحلل العسكري عاموس هرئيل ("هآرتس")  إلى أن إسرائيل تلجأ في تبريراتها أيضاً إلى التلويح بما تسميه "خطة الإبادة" الإيرانية، والتي تهدف إلى القضاء على إسرائيل خلال بضعة أعوام. وتتضمن هذه الخطة استخداماً مكثفاً للصواريخ والقذائف ضد الجبهة الداخلية الإسرائيلية، إلى جانب تفعيل ميليشيات مسلحة ستتسلل إلى داخل الأراضي الإسرائيلية على حدودها، مثلما فعلت حركة حماس في هجوم "طوفان الأقصى" يوم 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023.

ولعل ما يقتضي التنويه بهذا الدعم الواسع لقرار شنّ هذه العملية العسكرية، من جانب كبار المسؤولين في المؤسسة الأمنية، هو حقيقة أنه كانت هناك خلافات بين نتنياهو ورؤساء الأجهزة الأمنية في فترة الأعوام 2009 -2013 بشأن الهجوم العسكري على إيران.

رابعاً، هذا التوافق بين المؤسستين السياسية والأمنية بشأن العملية العسكرية في إيران، توازى أيضاً مع جدل حادّ داخل المجتمع الإسرائيلي. وما زال هناك جزء كبير من الإسرائيليين، بمن في ذلك محللون عسكريون ومسؤولون أمنيون سابقون، لا يثق بدوافع نتنياهو، ويشك في أن دافعه الأساس حتى في القرارات الاستراتيجية التي تتعلق بالحياة والموت هو البقاء السياسي.

خامساً، فيما يخصّ الموقف الأميركي من العملية، خصوصاً في ضوء حقيقة أن الولايات المتحدة تجري مفاوضات مع إيران حول برنامجها النووي، نوهت جلّ التحليلات في إسرائيل بأنه عشية العملية العسكرية الإسرائيلية الهجوميّة، صرّح رئيس الولايات المتحدة، دونالد ترامب، بأنه كان يُفضّل ألّا تهاجم إسرائيل إيران، ما دام هناك احتمال للتوصل إلى تفاهمات بشأن الاتفاق النووي. ومع ذلك، تفترض هذه التحليلات أن الأميركيين كانوا يعلمون جيداً بالهجوم. كما أنه جرت مؤخراً محادثات بين ترامب ونتنياهو، إلى جانب مشاورات أمنية على مختلف المستويات بين البلدين. وجرى لفت الأنظار إلى أن نتنياهو طالما سعى لشنّ هجوم على المنشآت النووية الإيرانية على مدى أعوام طويلة، لكنه واجه صعوبة في الحصول على موافقة أميركية. ولكن يبدو الآن كما لو أن ترامب منفتح على فكرة الهجوم أكثر من أسلافه، حتى لو أنه لم يمنح إسرائيل ضوءاً أخضر رسمياً. كذلك ثمة تأكيد إسرائيلي جارف على أن الأميركيين سوف يحرصون على عدم الظهور على أنهم جزء من العملية العسكرية الهجومية التي بدأت بها إسرائيل ضد إيران، ولكنهم سيساعدون إسرائيل في الدفاع عن الجبهة الداخلية.

وإذا ما بقينا في نطاق الموقف الأميركي، ينبغي أن نعيد إلى الأذهان أنه حتى قبل الهجوم الإسرائيلي هدّدت إيران بأنها ستردّ أيضاً ضد القواعد الأميركية في الشرق الأوسط، إذا ما هاجمتها إسرائيل، وهو ما لم تقدم عليه حتى الآن. وهناك تقديرات بأنه كلما طال أمد العملية الهجومية الإسرائيلية، كلما ازداد احتمال التدخل الأميركي الفعّال، وهو ما تحثّ إسرائيل واشنطن عليه.

سادساً، مع بدء العملية العسكرية الإسرائيلية الهجومية أكد جميع المحللين وعدد من المسؤولين السياسيين والأمنيين أن على الجميع في إسرائيل أن يكونوا مستعدين لردّ إيراني عنيف، لأن طهران ما زال لديها تحت الأرض آلاف الصواريخ الباليستية والطائرات المسيّرة وصواريخ الكروز، التي يستطيع جزء كبير منها الوصول إلى جميع أنحاء إسرائيل. فضلاً عن ذلك، فإن إيران تمتلك أسلحة دقيقة مثلما أثبتت عدة إصابات طاولت العمق الإسرائيلي إلى هذه اللحظة. كما أن رؤوس الصواريخ الإيرانية تخلّف وراءها أضراراً جسيمة غير مسبوقة، مثلما كانت عليه الحال، على سبيل المثال، في منطقتي غوش دان في وسط إسرائيل وحيفا في شمالها.

سابعاً، بموجب ما أكده خبراء أجانب راجعوا صور الأقمار الصناعية المُتاحة تجارياً فإن الأضرار التي لحقت بالمنشآت النووية الإيرانية نتيجة الموجة الأولى من الضربات الجوية التي شنتها إسرائيل في وقت مبكر من صباح يوم الجمعة الماضي، كانت أضراراً محدودة على ما يبدو.

وبينما نجحت الهجمات الإسرائيلية في قتل قادة عسكريين وعلماء نوويين إيرانيين وقصف منشآت عسكرية للقيادة والتحكم ودفاعات جوية، فإن عدداً من الخبراء الأجانب قالوا إن صور الأقمار الصناعية لم تظهر بعد أضراراً كبيرة في البنية التحتية النووية.

وبرأي أحد هؤلاء الخبراء الأميركيين فإن إسرائيل قد تحقق نجاحاً في المساس بالقيادة والسيطرة الإيرانية، وتدمير القوات الجوية، وضرب مجموعة متنوعة من الأهداف المرتبطة ببرنامج الصواريخ الإيراني، لكن من المشكوك فيه أن تنجح في تدمير ما يكفي من البنية التحتية النووية الإيرانية. كذلك يقرّ الكثير من الباحثين والمحللين في إسرائيل بأن التدمير الكامل للبرنامج النووي الإيراني غير واقعيّ بتاتاً.

ثامناً، هناك من يعتقد، خصوصاً في الأوساط القريبة من نتنياهو، أن هدف هذه العملية العسكرية الهجومية يجب ألا تكون منع تخصيب اليورانيوم، أو القضاء على البرنامج النووي فقط، بل أيضاً القضاء على النظام الإيراني، فهذه "هي الطريقة الوحيدة لضمان السلام والاستقرار في منطقة الشرق الأوسط". وفي مقابل هؤلاء يؤكد محللون آخرون أن التطلع إلى إسقاط النظام الإيراني من خلال توجيه ضربة، مهما تكن قاسية، إلى جزء من النخبة الأمنية والعسكرية، هو تطلع غير واقعي، ذلك أن النخبة السياسية والأمنية في إيران واسعة، ومتماسكة، وملتزمة بالحفاظ على بقاء النظام.

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات