المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

أعتقد أن الحرب على لبنان كانت ضرورية، وسوف أُبيِّن ما يجعلها كذلك.

لقد كان "حزب الله" هو البادئ إلى شنها عبر عملية حربية هجومية، تمثلت بقصف مستوطنات إسرائيلية والتسلل في الوقت ذاته إلى داخل حدود إسرائيل حيث قامت عناصر الحزب بقتل واختطاف جنود إسرائيليين. هذه العملية الحربية وقعت دون حصول أي استفزاز أو تحرش من جانب إسرائيل.

ويستدل من تصريحات (حسن) نصر الله، التي تزامنت مع اختطاف الجنديين، أن "حزب الله" نفذ العملية انطلاقاً من فرضية مؤداها أن ترسانة الصواريخ التي يمتلكها ستجبر إسرائيل على ضبط النفس وعدم الرد- كما فعلت حكومات باراك وشارون في الماضي- إزاء اعتداءات سابقة قام بها "حزب الله".

الحالات السابقة التي اتسمت فيها مواقف وردود فعل إسرائيل بالخنوع والمهادنة، حيال تحرشات اشتملت على اختطاف وقتل ثلاثة جنود قرب مزارع شبعا (هار دوف)، قتل فتى في مستوطنة "أفيفيم"، اختطاف الحنان تننباوم وهجمات أخرى، برهنت على أن أي رد مهادن يثير فقط الغريزة أو الشهوة العدوانية لدى "حزب الله". هذا النوع من الردود لم يقنع حزب الله بالتخلي عن الطريق العدواني، وإنما شجعه فقط على تصعيد أعماله العدوانية ضد إسرائيل.

هذه الحقائق الدامغة تقود إلى استنتاج واحد: لو كانت إسرائيل (في المرة الأخيرة) قد أذعنت لتهديدات "حزب الله"، وحاولت كما فعلت في السابق، مهادنته وتلبية مطالبه، لكانت قد شجعته على تصعيد أعماله العدوانية ضد مواطنيها وجنودها.

إضافة إلى ذلك، فإن نجاح ابتزاز "حزب الله" المستند إلى التهديد باستخدام ترسانة الصواريخ التي يمتلكها، كان من شأنه أن يدفع إيران وسوريا، اللتين يعتبر "حزب الله" ذراعاً عسكرياً لهما، نحو التسلح بمزيد من الصواريخ، الأمر الذي سيؤدي إلى تعاظم التهديد المحيق بإسرائيل.

هذه الوقائع تكتسب مغزى مخيفاً ومرعباً في ضوء أيديولوجية "حزب الله" الذي يعلن زعماؤه جهاراً نهاراً عن نيتهم "تصفية الكيان الصهيوني وتحرير كامل تراب فلسطين المحتلة". ولعله من الجدير التذكير في هذا السياق بتصريحات أدلى بها (الشيخ محمد حسن) فضل الله قبل أربعة عشر عاماً وقال فيها "حتى لو أسلم جميع سكان إسرائيل اليهود فسوف يتم طردهم من كل فلسطين بعد تحريرها".

وإذا أضفنا إلى ذلك تصريحات الرئيس الإيراني، محمود أحمدي نجاد، المتكررة فإنه سيكون من باب التعامي أو الحماقة عدم إدراك حقيقة المؤامرة التي تحاك أمام أعيننا، المؤامرة التي تُعدُّ العدة لها لإبادة شعب.

ونحن نتذكر جيداً عجز الأمم المتحدة بقيادة كوفي عنان، في منع إبادة الشعب في رواندا، حيث ذبح هناك قرابة مليون إنسان خلال مئة يوم، دون أن تحرك الأمم المتحدة ساكناً، وإنني لأشعر بالصدمة عند التفكير بالمصير الذي كان من المتوقع أن نواجهه في مدى خمس سنوات لو استمرت المهادنة والرضوخ لنوايا "حزب الله" الإجرامية.

لا داعي لذكر من الذي اتبع سياسة مهادنة مشابهة في القرن الماضي في أوروبا، وإلى أين أفضت هذه السياسة في مواجهة منظمة بدأت طريقها كعصابة من الأشرار والبلطجية، بنت منظمة شبه عسكرية استولت على السلطة في البلاد معتمدة في ذلك على ثلث أصوات الناخبين.

هناك مثال آخر على هذا السلوك وهو مثال بول بوت ومنظمة "الخمير روج" (الخمير الحمر) في كمبوديا، والتي بدأت طريقها كمنظمة حرب عصابات تضم خمسة آلاف مقاتل، ثم نمت وتطورت لتصبح جيشاً يتألف من مئة ألف جندي، وذلك جراء استخذاء وتساهل حاكم البلاد نوردوم سيهانوك. وقد ارتكبت منظمة "الخمير روج" بعد استيلائها على مقاليد الحكم في كمبوديا، مذابح وعمليات إبادة جماعية راح ضحيتها (2) مليون إنسان.

ليس كل أفراد الطائفة الشيعية البالغ تعدادهم 200 مليون نسمة موزعين في سائر بقاع العالم، هم أصوليون رجعيون. فغالبيتهم لا تختلف في عقيدتها عن مليار و 300 مليون مسلم سُنيّ تعتبر عقيدتهم أكثر اعتدالاً وجنوحاً نحو السلام.

لذلك فإنني لأنظر بدهشة واستغراب شديدين إزاء موقف المتطرفين الراديكاليين المنتمين لليسار في إسرائيل (وفي أوروبا أيضاً) والذين يؤيدون بالذات الأقلية الأكثر تخلفاً وتطرفاً ورجعية في صفوف "الشيعة"، الأقلية التي فرضت نفسها بقوة المال والسلاح الإيرانيين على الشيعة في جنوب لبنان، وكانت توشك على فرض نفسها بالقوة ذاتها على لبنان بأكمله، كما فعلت منظمة "الخمير روج" في كمبوديا ... ومنظمة "حزب الله" لا تمثل الشيعة الأصليين والطبيعيين، وإنما تمثل فقط فئة مهووسة من الشيعة تتطلع إلى إعادة العالم الإسلامي إلى العصور الوسطى. فكيف يمكن إذن ليساري حقيقي أن يؤيد ظاهرة رجعية منحرفة من هذا القبيل؟.

منظمة "حزب الله" لم تعد منظمة حرب عصابات "نحيفة" تتألف من أنصار ومتطوعين يختبئون في الغابات والجبال وينطلقون من هناك لشن غاراتهم وعملياتهم، وإنما هي منظمة عسكرية ضخمة متخمة بالتمويل الأجنبي الذي يتدفق عليها من مداخيل النفط الإيراني. إنها منظمة سياسية أقامت جيشاً خاصاً بها، مع بُنى تحتية ومكاتب، وأقامت جهازاً بيروقراطياً، وقد كانت كل غايتها وما زالت هي الهيمنة على لبنان وتحويله إلى قاعدة متقدمة لإيران على الحدود الشمالية لـ "فلسطين المحتلة" تمهيداً "لتحرير ترابها المقدس من الاحتلال الصهيوني".

أنا لا أقول إن مهمتنا هي الدفاع عن الإسلام العقلاني المعتدل أمام "الإسلام الأصولي- الرجعي"، ولكنني أعتقد بالتأكيد أن من واجبنا الدفاع عن أنفسنا في مواجهة هذه "الخمير روج" (أي "حزب الله") التي رسخت وجودها على حدودنا الشمالية. ولكي نتمكن من النيل من هذه المنظمة الغنية والقوية، لا بد من تدمير بُناها التحتية العقارية والمالية واللوجستية ...

من هنا يتعين إذن على كل ذي ضمير، وبالأخص ذاك الذي يتبنى وجهات نظر يسارية، أن يدعم ويؤيد الحرب ضد هذه المنظمة وضد قواعدها وبُناها التحتية.

إذا تمخضت الحرب عن عزل ونبذ هذه المنظمة الرجعية الخطيرة من قبل العالم الإسلامي بشكل عام، والأغلبية الشيعية المتحضرة بشكل خاص، فهذا أمر جيد... لكنّ ذلك ليس هدف حربنا ضدها. فنحن نحارب هذه المنظمة "الفاشية" التي تتبنى أيديولوجية "الجينوسايد" (إبادة شعب)، دفاعاً عن وجودنا، وكل ما عدا ذلك يشكل نتائج عرضية.

تاريخ اليسار العالمي حافل بأخطاء مخزية، خلفت نتائج فظيعة. كذلك فإن تضامن اليسار العالمي اليوم مع حزب الله ومع إيران أحمدي نجاد يولد تداعيات وهواجس مفزعة تذكر باتفاقية ريبنتروف- مولوتوف. إن هذه الفترة العصيبة التي يخيم فيها فوق رؤوسنا شبح سيرورة تاريخية مشابهة، لا تعفينا من ضرورة استرجاع الماضي، واتخاذ موقف حاسم يمكننا من وأد الخطر وهو في مهده.

_______________________________

(*) يهوشواع سوبول- كاتب مسرحي إسرائيلي معدود على اليسار. من أشهر مسرحياته "نفس يهودي" و"غيتو". صدر له مؤخرًا كتاب انطباعات بعنوان: "هنا والآن- عمير بيرتس والوضع في إسرائيل".

المصطلحات المستخدمة:

باراك, بول, جيشا, غيتو, عمير بيرتس

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات