المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

إسرائيل هي الدولة الوحيدة غير المسلمة في الشرق الأوسط. وهي، على المدى البعيد، لن تكون قادرة على العيش بسلام في هذه المنطقة إذا ما استمرّت تنظر إلى نفسها، وينظر إليها جيرانها، كرأس حربة للصراع الغربي ضد القوى الإسلامية العنفية. وبعدما تركّز الصراع هذا إثر 11/9 على إرهابيي الإسلام، فإن قادة الغرب وإسرائيل باتوا، وقد أهاجهم الإرهاب، أقلّ فأقلّ تمييزاً بين اعتدال إسلامي وإرهاب إسلامي.

فحينما يُنظر الى اسرائيل كموقع غربي في قلب هذه المنطقة المسلمة المنسجمة، وحينما يتخذ الصراع بين الغرب والاسلام الراديكالي أبعاداً كونية، فهذا يضاعف الخطل والخطورة المترتبين على قيام اسرائيل بوضع نفسها وشبّانها على خط الجبهة المتقدم في هذه الحرب.

لقد بيّنت الحرب الأخيرة ثانيةً أن قابلية إسرائيل للعطب لا تكمن في قوة جيشها ذي الضخامة المحدودة. فـ"ضعف" إسرائيل يكمن في حساسيّتها القصوى حيال خسارة حياة البشر، حتى لو كانوا قلّة من الجنود والمواطنين. وعلى رغم الانتقاد الداخلي لقرار الحرب الأخيرة باختيار إستراتيجية الضربات الجوية الكثيفة، بدل الهجوم البرّي، وهو الخيار الذي رفع على نحو درامي عدد الضحايا على الجانب الآخر، فإن ما أملاه إلى حد بعيد كان الرغبة في توفير حياة الجنود الإسرائيليين.

هذا الهمّ أشعل، ويشعل، قادة اليمين الإسرائيلي من بيغن الى نتنياهو من أجل أن يحوّلوا شباننا الى جيش متقدّم على جبهة هذه المواجهة الكونية. بالتأكيد على الجيش الإسرائيلي أن يكون مهيّأ لسيناريوهات الحالات الأسوأ. لكن على أية قيادة إسرائيلية حكيمة حين تفكر في مستقبل إسرائيل البعيد الأمد في الشرق الأوسط أن تفكّر في إجراء قطيعة جذرية مع سياسات الماضي إزاء هذا الصراع. فبدل مجرد الإعداد لـ"جولة مقبلة"، آن الأوان أن نركّز على خفض دوافع الطرف الآخر للهجوم. فعلى مدى عقود والقادة الإسرائيليون الذين رفضوا تفكيك المستوطنات وإنهاء الاحتلال، وهما أكثر ما يثير العداء الإسلامي الراهن، يحتفظون لأنفسهم وبحماسة دور الناطق بلسان "العالم الحرّ" في منطقتنا، مكررين شعارات مستفزّة كالحديث عن رسالتنا ضد "محور الشرّ"، أو مردّدين كالصدى بعض الإشارات الغربية التي تدّعي التفوّق عن "الحضارة الإسلامية البدائية"، فيما يعلنون تأييدهم لفرض الديمقراطية الليبرالية ذات النمط الغربي على المجتمعات المسلمة. هذه المواقف وما يلازمها من سياسات وضعت إسرائيل على مسار التصادم مع كامل العالم الإسلامي.

وبما يزيد الإهانة إلى الجرح، استخدم قادتنا بعجرفة قوتنا الاقتصادية النسبية لكي يُظهروا نيّاتهم في خلق شرق أوسط محدّث وجديد اقتصادياً وتقنياً بما يغيّر نوعياً طرق حياة جيراننا ("من أجل مصلحتهم" بالطبع)، وذلك من دون أن نسألهم حتى عن تفويضنا لهم بذلك. فوق هذا، وعلى مدى عقود، زوّدنا التلفزيونات المسلمة في الشرق الأوسط بصور عن حرس الحدود الإسرائيليين وهم يضطهدون ويهينون الصغار والنساء الفلسطينيين على المعابر، ويقتلون مدنيين أبرياء في سياق مطاردتهم للإرهابيين، ويدمّرون بيوتاً كثيرة ويقطعون أوصال القرى بإقامة جدران أمنية. لكن الألم الذي يصيبنا به شعورنا بمسؤوليتنا عن أعمال كهذه، ونقدنا الأخلاقي لحكومتنا، ينبغي ألاّ يبعدنا عن إدراك أننا فعلنا عملاً ممتازاً في تزويد العنف الإسلامي الراديكالي بدعم بصريّ قويّ من أجل أن يمضوا في جهودهم لأبلستنا بوصفنا "الدولة اليهوديّة" الشريرة والمناهضة للمسلمين. وهذا لم يفعل سوى تسهيل جهودهم في تحطيم المحاولات البراغماتية في حلّ النزاع العربي- الإسرائيلي، وذلك عبر إعادة تعريف هذا النزاع الإقليمي بمصطلحات كونية دينية.

لقد آن الأوان لإسرائيل، لا سيما بعد حرب غير حاسمة، أن تفكّر في إجراء انعطافة شجاعة في توجهها العام وسياستها حيال الشرق الأوسط المسلم. فصواريخ سكود فوق تل أبيب وصواريخ القسّام فوق الجنوب، والآن الأربعة آلاف صاروخ إيراني وسوري التي أطلقها حزب الله على شمال إسرائيل، ينبغي ألا تجعلنا نعتمد على دبلوماسية لا يدعمها الردع. لكن هذه الصواريخ في وسعها إقناع الإسرائيليين ان يحاولوا اعتماد نهج بديل جذرياً. فالآن خصوصاً، إذ يحسّ العالم الإسلامي انه مُهان، وفيما تدفع الأكثرية المعتدلة في هذا العالم ثمناً فادحاً للإرهاب المشهدي الذي تمارسه أقلية من الأصوليين العنفيين، على إسرائيل أن تستثمر ميزتها الخاصة كمجتمع مؤلف من يهود شرقيين وغربيين ومن أقلية مسلمة كبرى، وكمجتمع تربطه روابط ثقافية وتاريخية متعادلة مع كل من الغرب والشرق، من أجل أن تقف كجسر بين العالمين بدل أن تكون الجبهة الأمامية للغرب مقابل العالم الإسلامي. فالتحدي الذي على إسرائيل ان تواجهه ليس مدى ارتفاع صوتنا داخل الجوقة الغربية التي يحاول الرئيس بوش تشكيلها. بل مدى تطويرنا صوتاً أصيلاً في شرق أوسطيته مستمداً من جذورنا العميقة في التقليدين. كذلك في وسعنا العمل من أجل تعاون اقتصادي إقليمي متبادل المنفعة، ينهض على المزايا المتبادلة لا المزايا الأحاديّة. فالتزام وطني إسرائيلي بإحياء مشروع قناة البحر الميت- البحر الأحمر الذي يعني الفلسطينيين والأردنيين والإسرائيليين، قد يكون علامة على توجه جديد. وعلامة أخرى من هذا القبيل قد يجسدها الإحياء الصارم لتعليم اللغة العربية في المدارس الإسرائيلية كشرط لتربية أجيال جديدة من إسرائيليين يكونون أقدر على تثمين الغنى العظيم لحضارة جيرانهم والمساهمة فيها. وإسرائيل كهذه ستكون حليفاً أفضل لأميركا وشريكاً أكثر عوناً في تغيير السياسات الغربيّة الحاليّة وغير المجدية في المنطقة.

__________________________________

* البروفيسور يارون إزراحي – أستاذ العلوم السياسية في الجامعة العبرية- القدس.

المصطلحات المستخدمة:

حرس الحدود

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات