المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
سيارة إسعاف في موقع جريمة بتل أبيب. (عن: معاريف)
  • تقارير، وثائق، تغطيات خاصة
  • 24
  • هشام نفاع

كان العام 2025 قياسياً في عدد حالات جرائم قتل النساء في إسرائيل. هذا ما تبيّن في جلسة وُصفت بالطّارئة للجنة النهوض بمكانة المرأة والمساواة الجندرية في الكنيست، "في ضوء الارتفاع المقلق في حالات قتل النساء، تحت عنوان تصاعد العنف ضد النساء وطرق التعامل معه من قبل الوزارات الحكومية"، كما جاء في بيان رسمي للّجنة.

القائمة بأعمال رئيسة اللجنة، عضو الكنيست ميراف بن آري، قالت في مستهلّ الجلسة: "ليلة واحدة شهدت ثلاث جرائم قتل. هذا واقع لا يُصدق. هناك من يقولون كيف كان يمكن للشرطة أن تمنع ابناً من قتل والدته، لكن الجميع كان يعلم بأمر المرأة التي قُتلت قبل ثلاثة أيام. حذّر الجميع من إمكانية حدوث ذلك. حصل القاتل على أمر مقيّد، وكان الجميع يعلم أن هذا هو ابنٌ من شأنه أن يقتل والدته، وهذه جريمة قتل أخرى كان من الممكن تجنبها، وعندما ينشأ فراغٌ حقيقي في وزارة الأمن القومي، فإن ذلك يؤثر علينا جميعاً. لقد تلقينا إحصاءاتٍ خلال ستة أشهر وهي تعادل عاماً كاملاً. تُقتل امرأةٌ كل خمسة أيام في إسرائيل. لا توجد معطيات قاطعة للعام 2025 ونحن نعلم جميعاً أن المعطيات صادمة، وأن طرق التعامل غير كافية".

وحين سُئلت ميري شموئيلي، نائبة المدير العام في وزارة الأمن القومي، عما قام به وزير الأمن القومي خلال العامين والنصف العام الماضيين للحد من العنف ضد النساء، كان جوابها عمومياً مفاده أن "الوزارة تتخذ العديد من الإجراءات". فردّت عليها نائبة رئيسة اللجنة: "إن أعداد النساء المقتولات أرقام لم تكن موجودة. العام 2025 هو عام قياسي. يجب عليكِ أن تتوجهي اليوم إلى الوزارة وإبلاغ الوزير بأنه لم يُقدِم على أي إجراء لمدة عامين. لا أقبل أنه لم ينجز أي شيء لمدة عامين ونصف العام. كان جلعاد أردان من الليكود، لكنه كان وزيراً مباليا. لماذا دماء النساء مستباحة في هذا البلد؟".

تم كشف ملابسات 44% من الجرائم عموماً و22% فقط في المجتمع العربي

قائدة وحدة "مسغاف" للحد من العنف الأسري في سلطة السجون، الضابطة نوعا بين، قدمت معطيات بخصوص طلبات التّكبيل (وضع القيد) الإلكتروني​، ووفقاً لها فقد: "تم تقديم 72 طلباً من النساء للتكبيل الإلكتروني وأصدرت المحكمة 18 أمراً قضائياً ويوجد حالياً 15 تحت الإشراف".

نائب وزير الأمن القومي السابق (بتسميتها السابقة، وزارة الأمن الداخلي) عضو الكنيست الحالي يوآف سيغالوفيتش علّق بالقول إنه: "حتى 72 طلباً تُعتبر عددا قليلا". وأجابت ممثلة الوزارة: "كانت هناك حملة توعوية"، فيما أكدت الضابطة: "النساء يخشين الذهاب إلى المحكمة ومصادفة أزواجهن هناك. لقد ظننا أن جلسات المحاكم ستُعقد عبر تقنية الزوم".

ممثلات منظمات النساء ومكافحة العنف تحدثن بشكل نقديّ حاد عن الوضع الراهن والسياسة الرسمية. فأشارت راحيلي سونيغو من لوبي النساء: "نحن نوثّق جميع جرائم قتل النساء على أساس جندري حتى لا تحذف من النقاش العام. لقد قُتلت 18 امرأة على أساس جندري. معظمهن أمهات تركن طفلين يتيمين. في 25% من الحالات، كان القاتل يحصل على خدمات الرفاه الاجتماعي. 43% من الضحايا قُتلن بسلاح ناري. تم كشف ملابسات 44% من جرائم القتل بالنسبة للمجتمع الإسرائيلي ككل و22% فقط في المجتمع العربي، علماً بأنه كان قد تم توزيع 180 ألف رخصة سلاح".

وأشارت ستاف بن عوز من جمعية "نساء يبنين بديلاً": "نحن في منتصف العام 2025، وقد قُتلت 18 امرأة. أُحرقت امرأتان. قُتلت امرأة في أثناء ولادتها. قُتلت أربع نساء أمام أطفالهن. هناك عنف ذكوري ضد النساء".

وهنا أبلغت عينبال حين من وزارة الرفاه والأمن الاجتماعي اللجنة بأن الوزارة: "تسعى إلى تركيز وتوسيع البرامج القائمة للحد من هذه الظاهرة". فيما قالت عضو الكنيست شارون نير: "إن المعطيات القاتمة تتطلب منا اتخاذ إجراء مختلف. عند وجود ظاهرة خطيرة كهذه، نحتاج إلى خطة استراتيجية مشتركة مجدية ومنتظمة بين الوزارات بمشاركة وزارة الأمن القومي، سلطة تعزيز مكانة المرأة، ووزارة الرفاه، ونحن بحاجة إلى موارد تستخدمها السلطات المحلية".

المسؤولة في قسم متضرري المخالفات في شرطة إسرائيل، نوعا منتش، قدمت معطيات حول قتل النساء في العام 2025​: "قُتلت 18 امرأة في العام 2025. 9 منهن في المجتمع اليهودي، و5 في المجتمع العربي، و3 تحت تصنيف "آخر" أي مسيحي أو درزيّ، وامرأة واحدة في المناطق" (الفلسطينية). ست نساء قتلهن أزواجهن، و8 من الضحايا قتلهن أحد أقاربهن. قُدّمت ست لوائح اتهام في العام 2025، معظمها في المجتمع اليهودي. وارتُكبت 5 جرائم في العام 2025 بسلاح مجهول. كانت 8 حالات معروفة للشرطة، ومنها 6 حالات لأشخاص يعانون من صعوبات نفسية".

محللة تربط بين ارتفاع حالات قتل النساء وبين الحرب المتواصلة

ربطت الصحافية شير لي غولان، التي تكتب في قضايا مختلفة تخص النساء بين ارتفاع حالات قتل النساء والعنف ضدهن عموماً، وبين حالة الحرب المتواصلة. وبكلماتها في مقال نشرته صحيفة "معاريف" قالت: "إن الحرب تجعلنا أكثر عنفاً. إنها عارض آخر من أعراض الخلل في سلّم القيم لدينا كمجتمع، مظهر من مظاهر التوحّش. هذه الحرب المستمرة تعمل على تطبيع العنف أيضاً. هذا ما تفعله الحروب. وعندنا أيضاً، فالعنف يتسرّب إلى الشارع ويُوجَّه ضد المتظاهرين، يتسرّب إلى شبكات التواصل الاجتماعي ويتجلى في تحريض مرعب، يتسرّب إلى الخلايا العائلية. وهو يقتل. وتشير معطيات الشرطة الإسرائيلية ووزارة الرفاه إلى ازدياد حدة حالات العنف الأسري في السنة الأولى للحرب مقارنة بالسنة التي سبقتها – حيث سُجلت زيادة بنسبة 65% في عدد التوجهات إلى خدمات الرفاه بسبب العنف الأسري، كما ارتفع عدد لوائح الاتهام المقدمة والاعتقالات التي نُفذت".

وتابعت بشأن "الانخفاض في عدد الملفات التي فُتحت في الشرطة على خلفية العنف ضد النساء ضمن الأسرة، وفي عدد النساء اللاتي دخلن إلى الملاجئ" أن مردّه وفقاً "للوبي النساء" هو أن الحرب تزيد من العوائق التي تمنع ضحايا العنف من الإبلاغ عنه. ولكن، حتى عندما يتم الإبلاغ عن العنف، وحتى عندما يكون الخطر معروفاً للسلطات – فإن ذلك لا يكفي، فإنه مراراً وتكراراً "تفشل الشرطة في منع قتل النساء، حتى حين ينتهك الجناة أوامر الإبعاد الصادرة ضدهم. ويبدو أن العنف الأسري يحتل موقعاً متدنّياً في سُلّم أولويات وزارة الأمن القومي والوزير الذي يقف على رأسها. أو ربما يقع في القاع".

تتوقف الكاتبة كذلك عند انتشار السلاح، وتقول: "كأن كل ذلك لا يكفي، فقد أصبحت الأسلحة النارية أكثر توفراً في الأشهر العشرين الأخيرة، وللأسف – تماماً كما في الكليشيه عن المسدس الذي يظهر في الفصل الأول – تُظهر الأبحاث أن احتمال قيام رجال عنيفين يملكون سلاحاً نارياً بقتل شريكاتهم أعلى بخمس مرات من أولئك الذين لا يملكون سلاحاً. وتشير الأبحاث أيضاً إلى أن احتمال وقوع جريمة قتل داخل الأسرة أعلى بثلاث مرات في المنازل التي تُحتفَظ فيها أسلحة نارية. في دولة سليمة، كانت الحكومة ستؤمّن آلية لمنع هذا الخطر المتزايد، أو على الأقل الحدّ منه. لكن حتى الآن، لا توجد واجهة تتيح نقل المعلومات تلقائياً عن الرجال الخطرين إلى قسم الأسلحة النارية في إطار عملية طلب ترخيص لحيازة سلاح. وتحتاج الوزارات الحكومية المعنية إلى مزيد من الوقت لإنشاء هذه الواجهة. فليَنتظر القتلة".

عدد حاملي السلاح قفز منذ مطلع الحرب من 170 ألفاً إلى 300 ألف

وفقاً لموقع "يديعوت أحرونوت"، في أواسط الشهر الفائت، فقد توسعت دائرة المواطنين المخوّلين بحيازة سلاح خاص لتشمل عشرات الآلاف من المواطنين الإضافيين، وذلك بعد أن صادقت لجنة الأمن القومي في الكنيست على أنظمة جديدة توسّع بشكل ملحوظ عدد الوظائف العسكرية التي تمنح خريجيها هذا الحق. وبحسب الأنظمة، التي تم تعديلها بناءً على طلب وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير، فابتداءً من الآن، لن يقتصر حمل السلاح الخاص على خريجي الجيش في وظائف قتالية فقط، بل سيشمل أيضاً خريجي سلسلة من الوظائف العسكرية الأخرى المعرّفة بأنها "ذات مهارة عالية في تشغيل واستخدام الأسلحة النارية". وتشمل القائمة، من بين أمور أخرى، مرشدي سلاح المشاة، الضباط الصغار غير القتاليين، ومرشدي الإنقاذ والإخلاء. بالإضافة إلى ذلك، سيكون بإمكان الجنود المقاتلين السابقين حيازة سلاح حتى إن مرّ أكثر من 20 عاماً على تسريحهم من الخدمة.

وأشار الموقع إلى أنه منذ السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023، طرأت زيادة على عدد حاملي السلاح الخاص من 170 ألفاً في بداية الحرب إلى نحو 300 ألف اليوم. وبالإضافة إلى توسيع دائرة استحقاق حيازة السلاح، تم تمرير قانون في اللجنة تمهيداً للقراءتين الثانية والثالثة، ينص على أنه سيكون في مقدور الحراس الأمنيين حمل سلاحهم خارج ساعات العمل، ولن يُطلب منهم إيداعه كما هو مطلوب حالياً.

صحيفة "هآرتس" لاحظت أنه حتى قبل اندلاع الحرب، بدأ إيتمار بن غفير بتطبيق تسهيلات في إجراءات ترخيص الأسلحة النارية. ففي نيسان 2023، شرع في دفع أنظمة تسمح لأي مواطن خدم كمقاتل في الجيش الإسرائيلي خلال السنوات الخمس السابقة بتقديم الطلب – بالحصول على رخصة سلاح، حتى من دون أن يُطلب منه إجراء مقابلة وجاهية مع موظفي قسم الأسلحة النارية في وزارته. وبعد وقت قصير من الحرب صادقت لجنة الأمن القومي في الكنيست على أنظمة تخفف أكثر من شروط الحد الأدنى للحصول على ترخيص سلاح، بحيث يُتاح لكل مواطن يسكن أو يعمل في مستوطنة- تم تعريفها كمؤهلة – أن يحصل على سلاح، حتى لو لم يُنهِ خدمته العسكرية.

وعلى الرغم مما قاله مسؤولون كبار في جهاز الشرطة لصحيفة "هآرتس" عن أن هناك ارتفاعاً ملحوظاً في حجم استخدام هذا السلاح لأغراض جنائية، فإن الشرطة لا تجمع على الإطلاق معطيات بشأن عدد المصابين جراء استخدام السلاح الخاص، وفقاً لما أبلغته الشرطة لمركز الأبحاث والمعلومات في الكنيست، في شهر نيسان الماضي. كذلك، ذكّرت الصحيفة بما سبق أن كشفته من أن وزارة الأمن القومي قامت بتعيين أشخاص لا يملكون صلاحية قانونية للمصادقة على رخص السلاح في وظائف "موظفي ترخيص مؤقتين". وكان من بين هؤلاء: أفراد من مكتب الوزير بن غفير والمقرّبين منه، موظفون في الكنيست ومتطوعات في سلك الخدمة الوطنية في الوزارة، ممن خضعوا لتدريب استمر بضع ساعات فقط.

المحامية ديبي غيلَد خايو، من جمعية حقوق المواطن، قالت للصحيفة إنه "في ظل الحرب وانعدام الأمان لدى الجمهور العريض، تحقق الحلم القديم لإيتمار بن غفير – تسليح جميع المواطنين اليهود. ومن خلال ما نعرفه من تجارب دولية، ومن تقارير الكنيست ومراقب الدولة، من المعروف أنه كلما زاد عدد الأسلحة في أيدي المواطنين، ومع غياب شبه تام للرقابة عليها، تزداد الاحتمالات والمخاطر بأن يُستخدم هذا السلاح لغير أغراض الدفاع عن النفس". وهو ما حذّرت منه عينياً رِلا مزالي، من مؤسِّسات ائتلاف "المسدس على طاولة المطبخ"، والتي قالت إنه بعد توسيع دائرة استحقاق الحصول على رخصة سلاح قد يؤدي هذا التغيير إلى زيادة في حالات القتل داخل الأسرة. وأضافت: "الآن، بعد أقل من عامين على هذه السياسة المتسيّبة، نشهد بالفعل العديد من الحالات التي استُخدم فيها السلاح المدني في جرائم، وتهديدات، وانتحارات".

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات