المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

بعد عطلة دامت 46 يوماً، بسبب عيد الفصح وأيام الذكرى للكارثة وضحايا الجيش الاسرائيلي ويوم الاستقلال، عاد اعضاء الكنيست الاثنين 12 ايار الى الكنيست في دورتها الصيفية، التي هي في الواقع الدورة الحقيقية الأولى للكنيست الحالية. في الدورة الشتوية تمكّن أعضاء الكنيست من العمل 33 يوماً فقط بعد الانتخابات. ونتيجة لذلك العديد من بين 38 عضواً، هم الأعضاء الجدد الذين انضموا الى الكنيست الـ 16، لم يتمكّنوا بعد من ترسيخ اقدامهم في العمل البرلماني.


واحدة من اهم وظيفتين للكنيست، بالاضافة الى سن القوانين، هي مراقبة أعمال الحكومة ونقدها. إلا أنه بسبب العطلة الطويلة لم تقم الكنيست حتى اليوم بتأدية دورها كما ينبغي. إذا اخذنا بالحسبان حقيقة ان الكنيست السابقة إنحلّت في منتصف تشرين الثاني 2002، يتبيّن أنه على مدى نصف سنة تقريباً لم تكن هناك رقابة فعالة للسلطة التشريعية على السلطة التنفيذية.

تتم رقابة الكنيست على نشاطات الحكومة في اللجان المختلفة. الوزراء والمديرون العامون يجب ان يمثلوا امام اللجان، ويقدموا تقارير حول برامجهم ويقوموا بالرد على اسئلة اعضاء الكنيست. وماعدا اللجنة المالية، التي عملت بشكل مكثف في العطلة ايضاً بسبب النقاشات حول الخطة الاقتصادية الجديدة - كل اللجان الأخرى عملت بتباطؤ. هكذا على سبيل المثال، لم تجر اللجنة الدستورية بعد لقاء مع وزير العدل الجديد، يوسف لبيد، لكي تستمع الى برامجه، وكذلك لم تجتمع بعد مع المستشار القضائي للحكومة اليكيم روبنشطاين ومع المدعية العامة للدولة عدنه أربيل. واستمعت لجنة الخارجية والأمن الى استعراضات على مراحل من رئيس الحكومة ووزير الخارجية ورئيس الاركان ورئيس شعبة المخابرات، لكن لم يكن لديها الوقت الكافي لإجراء مباحثات معمقة في اطار لجانها الثانوية، التي تجري نقاشاتها بشكل مغلق.

وفي الايام القريبة تنوي اللجنة الثانوية لتصورات الأمن القومي، برئاسة عضو الكنيست افرايم سنيه (العمل)، البدء بسلسلة نقاشات حول ابعاد الحرب في العراق على الرؤية الأمنية للجيش الاسرائيلي. وتنوي لجنة مراقبة الدولة دعوة رئيس الحكومة الاسرائيلية للبحث في تقرير مراقب الدولة حول تعارض الأمور في اجراءاته المتعلقة بقضية "دائرة اراضي اسرائيل".

الموضوعان المركزيان اللذان سيشغلان الكنيست، حتى خروجها لعطلة الصيف في مطلع شهر آب، سيكونان تطبيق "خارطة الطريق" والمصادقة على الخطة الاقتصادية التي اقترحتها الحكومة، بالقراءة الثانية والثالثة. ويتوقع ممثلون من كل الكتل أن هذه الدورة ستكون صاخبة.

"لا شك لدي بأننا سنشهد في دورة الصيف تصعيداً للاجواء داخل الكنيست بين كتل الائتلاف والمعارضة"، يقول رئيس الكنيست رؤبين ريبلين في حديث الى غدعون الون في "هآرتس" (11 ايار). "شاس ويهدوت هتوراه الموجودتان الآن في المعارضة كانتا منذ 1977 جزءاً لا يتجزأ من حكومات الليكود. ينتابهما شعور بأن رئيس الحكومة ارئيل شارون خانهما، ومن المعروف أن النزاع بين المحبّين يكون شديداً بشكل خاص".

كان يكفي التمعن قبل اسبوعين في الوجوه الفرحة لأعضاء الكنيست من حركتي شاس ويهدوت هتوراه عندما رفعوا مجلدات تقرير مراقب الدولة الذي يشمل انتقادات قاسية لشارون في قضية "دائرة اراضي اسرائيل"، في جلسة النقاش حول المصادقة على الخطة الاقتصادية، لكي نفهم قوة الشماتة التي شعروا بها تجاه شارون. وكان يكفي أن نسمع في الاسبوع الماضي، في جلسة عطلة للكنيست، زعيم شاس عضو الكنيست ايلي يشاي وهو يهاجم الحكومة ("التي تعامل شعبها بقسوة، تعذب وتجوّع شعبها") لكي نفهم عمق حقد رؤساء الاحزاب المتزمتة على الحكومة الحالية.

ولا يستبعد ريبلين امكانية أن تنزلق النقاشات الحادة في المواضيع السياسية والاقتصادية الى تشابك بالايدي أيضاً. "عندما يتم توجيه الفاظ قاسية، كما حصل في جلسات العطلة، فإن المسافة لاحتكاكات جسدية بين أعضاء الكنيست ليست بعيدة"، يقول ريبلين. ويذكر أنه حتى اليوم أحجم عن ابعاد أعضاء كنيست من قاعة الجلسات وحتى أنه لم يوجه انذاراً لأي منهم في الجلسات، ولكن هناك شك في أن يستطيع الامتناع عن ذلك في المستقبل أيضاً.

كان هناك مؤشر للعنف الكلامي المتوقع في دورة الصيف في الاسبوع الماضي في جلسة العطلة عندما صرخ رئيس لجنة الدستور، عضو الكنيست ميخائيل ايتان (الليكود)، باتجاه عضو الكنيست جمال زحالقة (التجمع الوطني الديمقراطي): "لا تتصرّف كمتخلّف"، فردّ عضو الكنيست أحمد الطيبي (الجبهة - العربية للتغيير) على ايتان بالقول: "إخرس"، وعضو الكنيست محمد بركة (الجبهة - العربية للتغيير) صرخ باتجاهه، "أنت تتصرّف كبلطجي. هذه بلطجية".

يبدو أن شارون سيقف في دورة الصيف أمام صعوبات من داخل الائتلاف أيضاً، عندما ستضطر الحكومة تحت الضغط المتزايد من الادارة الامريكية الى تطبيق خارطة الطريق. خطوة كهذه من الممكن ان تؤدي الى انسحاب الاتحاد الوطني والمفدال من الحكومة، وحينها يبقى شارون مع حكومة أقلية تستند الى دعم 55 عضو كنيست فقط (كتلتا الليكود وشينوي) ودعم محتمل لحزب العمل من الخارج.

"لن نكون شركاء في حكومة تقرّر القيام بتنازلات مؤلمة أو توافق على إقامة دولة فلسطينية غربي نهر الأردن. أنا واثق من أننا سنرسم خطوطاً حمراء واضحة نبيّن فيها الى أي مرحلة سنكون على استعداد للبقاء في الائتلاف"، يقول عضو الكنيست أرييه الداد (الاتحاد الوطني). "من المبكّر بعد أن نتحدث عن امكانية انسحاب المفدال من الائتلاف في هذه المرحلة بسبب تنازلات مؤلمة للفلسطينيين، ولكن من الواضح أن حزب العمل سيكون أداة لعب في أيدي الليكود، لأنه في كل مرّة يفكّر فيها ممثلو اليمين بالانسحاب من الائتلاف بسبب اتخاذ خطوات سياسية خطيرة، غير مقبولة علينا، من قبل شارون، فإنه سيهددنا بضم حزب العمل الى الائتلاف"، يقول عضو الكنيست شاؤول يهلوم (المفدال).

في شينوي ينتظرون حزب العمل

ومقابل ذلك، في صفوف الليكود لا يتوقعون أن ينهار الائتلاف في دورة الصيف. "بالمجمل أثبت الائتلاف نفسه حتى الآن. لقد اجتاز الاختبار الأول له في الموضوع الاقتصادي ووقف باحترام، عندما نجح هذا الائتلاف في تمرير الخطة الاقتصادية في اللجنة المالية وكذلك في جلسة الكنيست بالقراءة الأولى، رغم أن الحديث يدور عن خطة ليست سهلة"، يقول رئيس الائتلاف عضو الكنيست جدعون ساعر. ومع ذلك فإنه يعترف بأنه عندما يتم البدء بتسريع خارطة الطريق "ستكون هناك حساسيات في كتل اليمين، لكنني لا أعتقد بأن هذا الأمر سيصل الى تهديد بالانسحاب". عضو الكنيست ايتان أيضاً لا يتوقع أزمة في الائتلاف في دورة الصيف، لأن "موضوع خارطة الطريق لن ينضج بهذه السرعة، لأنه أولاً وقبل كل شيء علينا أن نتأكد بأن أبو مازن يحارب بإصرار المنظمات الارهابية".

حزب العمل يجد نفسه مع افتتاح الدورة الصيفية في ازمة قيادة حادة. ومن غير الواضح بعد من سيخلف عمرام ميتسناع كرئيس لحزب العمل والمعارضة. حالياً رؤساء حزب العمل يتصارعون فيما بينهم حول كم من الوقت سيبقى شمعون بيرس رئيساً مؤقتاً للحزب. السكرتير العام أوفير بينس يعترف بأن "المعارضة تدخل الدورة الصيفية للكنيست بالقدم اليسرى، مع رئيس هو بمثابة بطة عرجاء. هذا وضع غير صحي، سنضطر الى معالجته بأسرع ما يمكن، لأن الأمر سيؤثر سلباً على اداء كل كتل المعارضة".

لا يعتقد بينس بأن هناك احتمالات كبيرة لانضمام حزب العمل الى الحكومة في الاشهر القريبة. ومقابل ذلك يعتقد زميله في الكتلة، عضو الكنيست داني يتوم، بأن "انضمام حزب العمل للحكومة متعلق بالشكل الذي سيتعامل فيه شارون مع خارطة الطريق. إذا بدأت الحكومة بتنفيذ المراحل المقترحة في المبادرة الامريكية، مثل الاستعداد لاقامة دولة فلسطينية وتجميد الاستيطان، ربما ينسحب المفدال والاتحاد الوطني من الائتلاف وسيفتح الباب امامنا".

وفي كتلة شينوي ينتظرون عملية انضمام حزب العمل للحكومة. رئيس شينوي، الوزير يوسف لبيد، قال ان "استقالة ميتسناع تفتح الطريق لانضمام حزب العمل نحو إقامة ائتلاف علماني واسع، يسعى الى السلام ويجدّد وجه المجتمع الاسرائيلي أيضاً".

عضو الكنيست احمد الطيبي قرّر ألا ينتظر حتى تصادق الحكومة على خارطة الطريق وتطرحها لمصادقة الكنيست. إنه ينوي ان يطرح على مائدة الكنيست اقتراح قانون، هو نص دقيق لخارطة الطريق الأمريكية كما قدّمت الى اسرائيل والفلسطينيين. عضو الكنيست الطيبي يعتقد بأن "الخارطة ستحسم طريق الكنيست وستطرح تقريباً في كل بحث يجري في جلسة الكنيست". وحسب تقديره، لن تسارع كتلتا الاتحاد الوطني والمفدال للانسحاب من الائتلاف "وفي هذه المرحلة هما ملتصقتان بالكرسي أكثر من أرض اسرائيل الكاملة".

900 اقتراح قانون

مع افتتاح الدورة الصيفية ستبدأ الكنيست بالتعامل بوتيرة متسارعة بسيل اقتراحات القانون الخاصة التي قدّمها أعضاء الكنيست. منذ بدء عمل الكنيست الـ 16 (في شهر شباط) قدّم أعضاء الكنيست نحو 900 اقتراح قانون خاص. لم يطرح حتى الآن اي منها للبحث ومصادقة الكنيست، ذلك لأنه بموجب نظام الكنيست، يحق لمقدم الاقتراح أن يطرحه للمصادقة فقط بعد 45 يوماً من تقديم اقتراح القانون. هنالك اعضاء كنيست قد قدموا عشرات اقتراحات قانون، قسم منها معادة ( اقتراحات قدمت في الكنيست السابقة ولم يصادق عليها)، ولكن احتمالات أن تمر كل اجراءات التشريع بأربع قراءات ضئيلة جداً (في الكنيست السابقة صودق على نحو 5% فقط من اقتراحات القانون الخاصة بالقراءة الثانية والثالثة).

في الكنيست السابقة صودق على قانون يهدف الى منع أعضاء الكنيست من سن قانون يحدد ان أي اقتراح قانون يكلّف اكثر من خمسة ملايين شيكل يستدعي تأييد أكثر من 50 عضو كنيست. رئيس الائتلاف ساعر يؤكد، أنه في اطار الخطة الاقتصادية هناك اقتراح لرفع السقف الى 55 عضو كنيست، الأمر الذي سيصعب بقوة على كتل معارضة تمرير اقتراحات قانون تكلفتها عالية. وتنوي الحكومة ايضاً أن تقدم لمصادقة الكنيست قريباً مشروع قانون لرفع نسبة الحسم من 1.5% الى 2% (عضو الكنيست بينس قدم اقتراح قانون خاصاً لرفع نسبة الحسم الى 3%).

"أيام الاربعاء ستكون أيام النقاشات الممتعة جداً في الكنيست"، يتوقع الوزير يوسي بريتسكي (شينوي)، لأنه حينها ستقدم اقتراحات قانون خاصة لمصادقة جلسة الكنيست بالقراءة التمهيدية. وعندما يكون الائتلاف غير جاهز كما ينبغي وكثير من اعضاء الكنيست يتغيبون عن الكنيست، تنجح المعارضة في تمرير اقتراحات قانون كثيرة واحد تلو الآخر. ولكن هذا سيكون انجازاً نفسياً بالاساس لاحزاب المعارضة، لأن الحديث هنا عن القراءة التمهيدية فقط.

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات