المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

بقلم : نضال حمد
قبل أيام قليلة اعتقلت السلطات الإسرائيلية اثنتين من اعضاء مجموعة النشطاء الدوليين التي يدافع أعضاؤها، بأجسادهم وصدروهم العارية، عن السلام والأرواح والبيوت الفلسطينية المستباحة. ويوجد في المناطق الفلسطينية حوالي 100 عضو من تلك الجماعات المتضامنة فعلا وقولا مع الحقوق الوطنية المشروعة للشعب الفلسطيني ومع استمرار عملية السلام.

جاء هؤلاء النشطاء الدوليون إلى فلسطين من دول وبلدان مختلفة ومعظمهم من الأوروبيين والأمريكيين. وقد دفع البعض منهم حياته ثمنا لقناعته بالسلام وبحق الشعب الفلسطيني بالعيش في أرضه بسلام وأمان، وفي وطن حر وسعيد ومستقل وسيد، بدون احتلال ومستوطنين واستيطان. وكلنا يذكر كيف قام جندي إسرائيلي يقود جرافة ضخمة بقتل الناشطة الأمريكية راشيل كوري في مدينة رفح، وكيف أن الفقيدة والشهيدة الأمريكية وقفت بوجه البلدوزر الإسرائيلي وحاولت بكل ما تملك من إرادة وحس سلمي عالمي وروح إنسانية معطاءة عالية، وبجسدها النحيف، منع الجرافة وسائقها المتسلح بـ <<العدالة الإلهية>> وقناعته بأن ألله أختاره وشعبه على كل الناس، من هدم البيت الفلسطيني، لأن راشيل كانت تعلم مدى أهمية البيت والسقف الذي يأوي هذه أو تلك العائلة الفلسطينية في غزة أو غيرها من مناطق فلسطين المحتلة والأخرى المحاصرة. فهدم البيت وفقدانه يعني العيش في التشرد وبلا مأوى وبدون سقف ويعني كذلك العودة إلى زمان النكبة الأولى، إلى الخيام والبؤس.

وراشيل كانت تعلم بأن السياسة الإسرائيلية المعتمدة في قهر وقمع الفلسطينيين هي سياسة عمياء وهمجية سوداء، حتى النازية لم تمارسها مع العالم اثناء سيطرتها واحتلالها لدول أوروبية عدة، فلم تقم بنسف البيوت أو هدمها على رؤوس سكانها كما فعلت إسرائيل في مناسبات عديدة.

سياسة العقاب الجماعي الإسرائيلية تستحق التوقف عندها ودراستها من كافة النواحي القانونية والأخلاقية والإنسانية، هذا كي تتمكن المنظومة الدولية والأمم المتحدة من أيجاد قانون فعال في مكافحة هذه الأنواع من الجرائم المستحدثة والمشرعة عبر المحاكم والقانون في إسرائيل، نقول هذا لأننا أمام أنواع وأصناف جديدة من الممارسات التي تعج بالخروقات والتجاوزات والتطاول على البشر وحقوق الإنسان، ضاربة عرض الحائط بكل القوانين والأعراف والشرائع الدولية المتفق عليها والتي تنظم حياة البشر والدول في عالم اليوم.

إن هذه التجربة الجديدة التي تتمثل في أفعال إسرائيل سوف تكون غنية بمشاريع قوانين مدروسة ومحبوكة جيدا لمكافحة ما يعتبر أحدث استحداث للجريمة الرسمية والمنظمة بحق الأرض والإنسان في العالم المعاصر وفي فلسطين المحتلة بالذات. إذ أن هدم البيوت ونسفها وأحيانا تدميرها على رؤوس سكانها بلا إنذار مسبق أو قبل ساعة أو دقائق من نسفها. تعتبر مادة هامة ودسمة كافية لأن تكون دليلا عمليا قاطعا على أن مرتكبيها يعتبرون بمثابة مجرمي حرب دوليين يجب اعتقالهم ومحاكمتهم أسوة بالمجرمين المعتقلين في محاكم لاهاي وعملا باتفاقية روما الدولية لسنة 1998.

ورغم هذا فنحن بحاجة لقوانين دولية جديدة ترقى لحجم ونوعية الجرائم المميزة وغير المسبوقة بنوعيتها الفريدة والجديدة في فلسطين المحتلة. وهناك تشريع قانوني للأجرام وللعدوان والسطو والسلب ونهب أراضي الفلسطينيين وتدمير ممتلكاتهم وخنقهم ومنعهم من الحركة والتنقل والحياة بشكل طبيعي، علاوة عن أهم عقاب وهو القتل والتصفية والاغتيال والإعدام واستعمالهم دروعا بشرية بلا رحمة وبلا تأنيب ضمير. كل هذه الأعمال تحدث وتحصل في الأراضي الفلسطينية المحتلة ويقوم بتمثيلها ودور المجرم فيها جنود ومستوطنو دولة إسرائيل الاحتلالية. أن نوعية الجرائم التي ترتكب في تلك البقعة من الأرض لم يشهد العالم مثلها في التجارب العنصرية السابقة، حتى في جنوب أفريقيا الأبرتهايد ونظام الفصل العنصري.

مطلوب من العالم وقف تلك الأعمال وهذا الطلب لا يمكن أن يصبح حقيقة واقعية ألا عبر قانون دولي عصري جديد ومستنير يمنع ويحرم تلك الأعمال التي تمارسها وتقوم بها حكومات إسرائيل في فلسطين المحتلة. إذ أنه ليس من المقبول ولا من المعقول أن تواصل إسرائيل أعمالها الهمجية وغير الإنسانية بلا عقاب وبلا محاسبة. فسياسة حرمان الفلسطينيين من ابسط مقومات الحياة ومنعهم من التحرك والتنقل والحياة بشكل طبيعي في ظل الاحتلال والحصار لا يمكن لها الاستمرار إلى ما لا نهاية، لمجرد أن أمريكا تقف بقوة خلف إسرائيل وتحميها وتمدها بالعون والإسناد ومقومات الحياة. وعلى العرب والفلسطينيين خاصة مواصلة حملاتهم الإعلامية والسياسية لفضح وكشف الزيف الإسرائيلي وتعرية الديمقراطية الإسرائيلية التي وجدت لحماية الاحتلال لا لتحسين حياة الذين يعيشون تحت رحمة بنادقه في البقعة الأرضية التي اسمها فلسطين.

وهذا يكون عبر التنسيق والترتيب مع المنظمات التي تناصر الشعب الفلسطيني وتتضامن مع قضيته العادلة وهي كثيرة وتملأ الكرة الأرضية. وكذلك عبر شن حملة توعية بالقضية الفلسطينية وتعرية للبشاعة الإسرائيلية اللابسة ثوب الديمقراطية

فالناشط البريطاني الذي لازال في موت سريري بعد أن أطلق عليه النار الجنود الإسرائيليين، وكذلك الناشط الأمريكي الآخر الذي أصيب إصابة خطيرة، يعتبران مثالا حيا على الجريمة بحق السلام والإنسان والقانون المحلي وكذلك بحق القانون الدولي الذي يحمي البشر من بطش الذين يقتلونهم.

ولدينا أيضا دلائل كثيرة على خروج إسرائيل عن القانون ودخولها في عالم الأجرام، فعملية قتل الصحافيين والأطباء وعمال المجال الصحي وأخرها قنص الصحافي البريطاني في رفح وقتله بدم بارد ومحاولة تلبيس التهمة للفلسطينيين ثم الاعتراف بارتكاب الجريمة، كل هذه الأفعال الشنيعة والتي ترقى لمستوى جرائم الحرب يجب أن توثق وتكون خير دليل ضد إسرائيل وحكامها.

وإسرائيل المنتشية بمناعتها وحصانتها من المحاسبة والملاحقة والمعاقبة وحتى المساءلة واصلت وتواصل اعتقال الناشطين الدوليين من أجل تسفيرهم إلى بلادهم ولكي تمنعهم من مناصرة الفلسطينيين والدفاع عنهم والشهادة على ما تقوم به إسرائيل من أعمال ضد الشعب الفلسطيني وضد الأرض الفلسطينية. وفي هذا السياق جاء اعتقال النشطاء في بيت ساحور وطولكرم خلال اليومين الماضيين. حيث تنوي الحكومة الإسرائيلية تسفير النشطاء الأجانب إلى بلادهم لأنها تتهمهم بالعمل ضد إسرائيل وإعاقة عمل الجيش الإسرائيلي وحتى القيام بأعمال معادية لإسرائيل على خلفية عملية تل أبيب الأخيرة التي نفذها بريطاني من أصول إسلامية باكستانية كان مكث بعض الوقت في غزة.

طبعا اسرائيل كانت منذ فترة طويلة تريد الخلاص من هذا العبء المتمثل بوجود هؤلاء النشطاء الدوليين والآن أصبحت الفرصة متاحة لها كي تقوم بطردهم جميعا وكي تحدد عمليات دخول الأجانب إلى البلد وبالذات إلى المناطق الفلسطينية المحتلة أو المحاصرة في قطاع غزة. إن طرد جماعات السلام من الأراضي الفلسطينية يعتبر بمثابة جزء من عملية اغتيال السلام التي بدأت منذ أن أيقن الجميع أن مباحثات كمب ديفيد انتهت بالفشل الذريع.

اوسلو

http://home.chello.no/~hnidalm

المصطلحات المستخدمة:

اوسلو

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات