المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

في معرض تقييمهما لنتائج "مؤشر السلام" لشهر نيسان 2003، يكتب البروفيسور افرايم ياعر ود. تمار هيرمان، المسؤولان عن مشروع الاستطلاع الشهري، ان ثمة مؤشرات في المجتمع اليهودي تدل على الميول الى التفاؤل الحذر بما يتعلق باحتمالات انهاء النزاع التاريخي بين اسرائيل والفلسطينيين، في اعقاب الانتصار العسكري الامريكي في العراق والتغييرات في قيادة السلطة الفلسطينية. وتتغذى هذه الاجواء من تأييد الاغلبية اليهودية في اسرائيل لخطة "خارطة الطريق"، وذلك رغم ان الجمهور الاسرائيلي منقسم في ما يتعلق بالسؤال عما اذا كانت رؤية ادارة جورج بوش للمصالح الحيوية الاسرائيلية شبيهة برؤية حكومة اسرائيل لهذه المصالح. على أية حال، الرأي العام السائد هو أن الادارة الامريكية ستمارس ضغوطات كبيرة على الاطراف لكي تجبرهم على القبول بالخطة.


توقعات الضغوطات الامريكية متعلقة بتقديرات الاغلبية، بأن احتمالات ان تتبنى حكومة ارئيل شارون خارطة الطريق ضئيلة. وهناك اغلبية اكبر تعتقد ذلك بالنسبة للسلطة الفلسطينية؛ هذا التقدير مرتبط باجماع عام بأن الرئيس ياسر عرفات لن يغيب عن الساحة السياسية رغم الضغوطات الدولية وإقامة الحكومة الجديدة برئاسة أبو مازن. فضلاً عن انه حتى لو تم التوقيع على اتفاقية سلام وأقيمت الدولة الفلسطينية، فإن الرأي السائد هو أنه ستسود علاقات معادية بين الدولتين "بمستوى عنف منخفض"، وهناك اقلية فقط تعتقد بأنه سيسود سلام بارد بدون عنف.

هذه هي أهم النتائج لمؤشر السلام لشهر نيسان 2003 ، الذي أجري في يومي الثلاثاء والاربعاء، 29-30 نيسان.

ورداً على السؤال: "بنظرة عامة، عندما تتفحص الوضع في المنطقة على خلفية الانتصار الامريكي في العراق وتبدل القيادة في السلطة الفلسطينية، هل تعتقد بأن احتمالات انهاء النزاع التاريخي بين اسرائيل والفلسطينيين زادت أم قلّت؟"، أجاب نحو 48% من الذين تم استطلاع آرائهم من بين اليهود بأن الاحتمالات إزدادت، وقال 39% بأن الاحتمالات لم تزدد ولم تقل و8% أجابوا بأن الاحتمالات قلّت. البقية (5%) لا يعرفون. أي أنه، من بين هؤلاء الذين يعتقدون بأنه سيكون للواقع الجديد في المنطقة تأثير على النزاع الاسرائيلي- الفلسطيني، هنالك أغلبية كبيرة للذين يعتقدون بأن التأثير سيكون ايجابياً. ومع هذا، يجب عدم تجاهل الأقلية الملموسة -39%- لهؤلاء الذين لايؤمنون بأن الوضع الجديد سيؤثر، لهذه الجهة أو تلك. وإذا افترضنا انه ذلك سنطوي على تعبير عن توجه متشائم، فإنه سوية مع هؤلاء الذين يدعون أن احتمالات انهاء النزاع قد قلّت، يبدو ان الجمهور الاسرائيلي منقسم على نفسه في عملية تقدير انعكاسات الواقع الجديد على الصراع الاسرائيلي- الفلسطيني.

ويتكشف انقسام المواقف بشكل واضح اكثر حول خطة السلام بين اسرائيل والفلسطينيين، المعروفة باسم "خارطة الطريق". بعد أن عرضت على المستطلَعين النقاط الهامة في الخطة، بكل مراحلها وبنودها المختلفة، طلب منهم أن يجيبوا بأي درجة يؤيدونها أو يعارضونها. وتدل النتائج على أن 65% يؤيدون الخطة (20% يؤيدون جداً و 45% يؤيدون بشكل كاف)، مقابل 31% فقط يعارضونها (18% يعارضون جداً و 13% يعارضون بشكل كاف). والبقية لم تجب. وكما هو متوقع، توجد علاقة وثيقة بين تقدير احتمالات السلام على اثر الوضع الجديد في المنطقة وبين المواقف تجاه خارطة الطريق: من بين المؤيدين لخارطة الطريق، 57% يعتقدون بأن الاحتمالات لانهاء النزاع إزدادت، 34% يعتقدون بأن الاحتمالات لم تتغير و 6% يعتقدون بأنها قلّت. ومن بين المعارضين للخطة، 31% يعتقدون بأن الاحتمالات ازدادت، 51% يعتقدون بأنها لم تتغير و 12% يعتقدون انها قلّت.

ويظهر تحليل المواقف تجاه "خارطة الطريق" وفق التصويت للاحزاب الخمسة الكبيرة في الانتخابات الأخيرة، أن نسبة التأييد الأعلى توجد في اوساط مصوتي الحزبين اليساريين – "ميرتس" (100%) و"العمل" (92%)، أما مصوّتو شينوي فيأتون بعدهم بنسبة أقل قليلاً، مع 83% تأييد. ومع ذلك، في اوساط مصوتي الليكود أيضاً هنالك أغلبية واضحة لدى مؤيدي الخطة- 58% بالمقارنة مع 37% الذين يعارضونها. وعملياً، "شاس" هو الحزب الوحيد من بين الاحزاب الخمسة الكبيرة الذي تصل نسبة المعارضين في صفوف مصوتيه الى 61% وهي نسبة أكبر بشكل ملموس من نسبة المؤيدين (30%).

إن نسبة المؤيدين لخطة الطريق اكبر من نسبة الذين يؤمنون باحتمالات انهاء النزاع التاريخي بين اسرائيل والفلسطينيين. كيف يمكن تفسير هذا الفارق؟ يمكن أن نجد تفسيراً جزئياً لهذا الأمر في جواب المستطلعين على السؤال حول احتمالات ان تتبنى حكومة اسرائيل والسلطة الفلسطينية خارطة الطريق وتعملان على تطبيقها. بالنسبة لاسرائيل، فقط 40% يعتقدون بأن احتمالات ان تعمل حكومة شارون وفق خارطة الطريق مرتفعة، مقابل 54% يقدرون بأن الاحتمالات منخفضة. ويظهر تشريح الاجوبة وفق التصويت الحزبي أن تقدير الاحتمالات كمنخفضة هو موقف الاغلبية في اوساط مصوتي كل الاحزاب الكبيرة، ما عدا مصوتي الليكود. وهؤلاء يتوزعون بالتساوي بين من يعتقد بأن هذه الاحتمالات منخفضة (47%) وأولئك الذين يعتقدون بأنها مرتفعة (47%).

هناك توقعات متشائمة اكثر بالنسبة لاحتمالات تطبيق السلطة الفلسطينية لـ "خارطة الطريق، وذلك رغم التناوب على السلطة الذي طرأ فيها. 71% من المستطلعين اليهود يعتقدون بأن احتمالات حصول هذا الأمر هي منخفضة مقابل 22% الذين يعتقدون بأن الاحتمالات كبيرة. هذا المعطى مرتبط بالرأي حول نوعية التغييرات التي طرأت في السلطة الفلسطينية. وفي الرد على السؤال "عندما تنظر الى الصراعات التي دارت في السلطة الفلسطينية في موضوع اقامة الحكومة الجديدة برئاسة أبو مازن، ما هي الاحتمالات حسب رأيك أن يقوم عرفات إثر الضغوطات الدولية بإخلاء مكانه ويقف جانباً؟"، أجاب 79% من المستطلعين اليهود بأن احتمالات ذلك منخفضة جداً (48%) أو منخفضة (31%)، بالمقارنة مع 17% فقط قدّروا بأن احتمال حدوث ذلك مرتفع جداً (3%) أو مرتفع (14%).

وعلى خلفية الشكوك بما يتعلق باستعداد حكومة شارون والسلطة الفلسطينية لتطبيق "خارطة الطريق"، وُجّه للمستطلعين هذا السؤال: "الحرب ضد العراق تظهر ان ادارة بوش تعمل بإصرار لكي تحدث التغييرات التي تعنيها في الحلبة السياسية. ما هي الاحتمالات، حسب رأيك، فيما اذا لم تقبل السلطة الفلسطينة و/ أو حكومة اسرائيل "خارطة الطريق"، لقيام الادارة الامريكية بممارسة ضغوطات ثقيلة على الطرفين لاجبارهما على قبول الخطة؟"، يدل توزّع الاجوبة على ان السياسة الامريكية في المنطقة تركت بالطبع انطباعها على الجمهور اليهودي في اسرائيل، كما يمكن أن يستدل من المعطى الذي يقول ان 72% يقدرون أنه يوجد احتمال كبير جداً أو كبير لممارسة ضغوطات كهذه مقابل 22% فقط لا يعتقدون ذلك.

وعلى خلفية التأييد الكبير للجمهور اليهودي لخارطة الطريق من جهة، وعلى خلفية تشككه بخصوص استعداد الطرفين لتطبيقها من الناحية الأخرى، فإن السؤال المطروح هو هل ممارسة الضغوط الثقيلة من طرف الادارة الامريكية مرغوبة أم غير مرغوبة في نظرهم. الأجوبة تظهر بأن المواقف ازاء هذا السؤال منقسمة - 50% يعارضون ممارسة ضغط أمريكي مقابل 44% يؤيدون ذلك. وكما هو متوقع، هنالك علاقة وثيقة بين الأجوبة على هذا السؤال وبين تقديرات المستطلعين حول أمر آخر: درجة التلاؤم بين رؤية ادارة بوش تجاه المصالح الحيوية لاسرائيل وبين رؤية حكومة اسرائيل لهذه المصالح. في هذه المسألة، 44% يعتقدون بأن رؤية الادارتين شبيهة جداً أو شبيهة، بينما 48% يدعون أنها مختلفة جداً أو مختلفة. تقاطع الاجوبة على هذا السؤال والسؤال السابق يظهر أنه من بين الذين يعتقدون بوجود ملاءمة بين رؤية الادارتين تجاه المصالح الحيوية لاسرائيل، فإن 55% يؤيدون الضغط الامريكي و 41% يعارضونه. مقابل ذلك، من بين هؤلاء الذين يعتقدون بأنه لا يوجد تشابه بين رؤى الادارتين في هذا الموضوع، 35% يؤيدون الضغط الامريكي و 60% يعارضونه.

هذه المعطيات تدل على وجود علاقة واضحة بين المواقف بالنسبة للسؤالين. ومع هذا، يجب عدم تجاهل أن تأييد ممارسة الضغوط من طرف الولايات المتحدة أو معارضتها لا تتأثر فقط من تقدير التشابه أو الاختلاف بين رؤى الادارتين بالنسبة للمصالح الحيوية لاسرائيل. ولذلك يدل، مثلاً، المعطى الذي وفقه أيضاً في اوساط الذين يعتقدون بوجود تطابق بين رؤى الادارتين، 41% يعارضون الضغط الامريكي. يبدو إذاً أن المواقف في هذا الموضوع متأثرة أيضاً من اعتبارات أخرى، مثل المعارضة المبدئية لتدخل خارجي أو التقدير بأن الضغوطات لن تكون ذات فعالية، وبخاصة بما يتعلق بالطرف الفلسطيني.

نظرة أخرى لوجود اعتبارات من هذا النوع توجد في تقاطع الاجوبة على السؤال حول مستوى التأييد أو المعارضة لخارطة الطريق وللسؤال حول درجة التأييد أو المعارضة لضغط أمريكي. هكذا مثلاً، من بين المؤيدين للخطة، الأغلبية (57%) يؤيدون كما هو متوقع ممارسة ضغوطات من طرف الولايات المتحدة، ولكن أقلية ملموسة (34%) يعارضون ذلك.

بالاضافة الى ذلك: مستوى التوقعات لدى الجمهور اليهودي بما يتعلق بالعلاقات التي ستسود بين اسرائيل وبين الدولة الفلسطينية التي ستقوم، فيما إذا تم التوقيع على اتفاقية سلام، ليست عالية جداً: الرأي السائد (40%) هو أنه ستسود علاقات معادية بمستوى عنف منخفض، 34% يعتقدون بأنه ستكون هناك علاقات سلام بارد ولكن بدون عنف، وهناك 12% حتى أنهم يتوقعون بأن العلاقات المعادية ستستمر بمستوى عنف متزايد، وفقط 5% يعتقدون بأن اتفاقية السلام ستجلب علاقات سلام حار. هذه التقديرات تزودنا بتفسير اضافي للمعطى الذي وفقه قسم كبير من الجمهور لا يقبل بأن تحدد مصالح اسرائيل عن طريق إملاءات الادارة الامريكية.

"مقياس أوسلو" لهذا الشهر كان36.2 (في الاستطلاع اليهودي 32.5)

مشروع مؤشر السلام جرى في مركز تامي شتينميتس لابحاث السلام في جامعة تل أبيب، برئاسة البروفيسور إفرايم ياعر والدكتورة تمار هيرمان. المقابلات الهاتفية أجريت من قبل معهد ب. ي. كوهن في جامعة تل أبيب في 29- 30 نيسان وشملت 580 مستطلعاً من الذكور والاناث, والذين يمثلون المواطنين البالغين من اليهود والعرب في البلاد (بما في ذلك مستوطنات الضفة وغزة والكيبوتسات). خطأ العينة للاستطلاع بهذا الحجم هو نحو 4.5% لكل اتجاه.

المصطلحات المستخدمة:

شينوي, الليكود

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات