المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

مشروع شارون الاستيطاني الجديد: الدوافع، والأبعاد، و..بئس المصير!

بقلم: د. حنا سويد

("المركز العربي للتخطيط البديل")

مقدمة

طالعتنا الصحف ووسائل الأعلام العبرية مؤخرا بأنباء وتقارير عن مشروع أستيطاني "جديد" يخطط له في ديوان رئيس الوزراء فيما يشبه الأعداد لحملة عسكرية، ويتولى "قيادته" رئيس الوزراء شارون بنفسه. وينطوي المشروع على أقامة واحدة وثلاثين مستوطنة يهودية جديدة في أرجاء البلاد المختلفة، بدءا بالجليل ومرورا بالمثلث (وخاصة منطقة وادي عارة) وانتهاء بالنقب.


ولا عجب في أن تتم المبادرة والأعداد لمثل هذا المشروع تحت رعاية رئيس الوزراء شارون المعروف بهوسه بالأستيطان في كل مكان، وبغض النظر عن المنصب الرسمي الذي يشغله في المؤسسة الأسرائيلية الحاكمة. ولا حاجة للأسهاب في وصف صولاته وجولاته السابقة لأنجاز مشاريع التهويد داخل مناطق الخط الأخضر (مثل مشروع المناطر في الجليل ومشروع الكواكب في المثلث)، ناهيك عن شغفه ببناء مستوطنة يهودية على قمة كل رابية وسفح كل جبل في المناطق الفلسطينية المحتلة منذ عام 1967. والمعروف أن "نظرية" شارون الأستيطانية تتغذى من عقيدته الصهيونية- العسكرية. فهو يدعم نشر أكبر عدد ممكن من المستوطنات الصغيرة على أوسع نطاق جغرافي ممكن. ومهمة هذه المستوطنات، والمستوطنين فيها، السيطرة والأشراف على المناطق المجاورة لها والقيام بمهمات شبه عسكرية، أو حتى مهمات عسكرية محضة في آونة الأزمات. وهو يؤمن أن هذا النمط من الأستيطان يضمن التهويد والسيطرة على الحيز الجغرافي أكثر من أقامة عدد قليل من البلدات اليهودية الكبيرة في مواقع معينة، ضمن النطاق الذي يتم تحديده للأستيطان، حتى لو اجتذبت هذه المدن عددا أكبر من السكان والمستوطنين. فهو أقل حساسية للحسابات والتوازنات الديموغرافية، وأكثر ولعا بالأعتبارات الجغرافية، نظرا لقناعته بأن الغلبة في نهاية المطاف هي للقوة العسكرية وليس للعدد أو للثقل الحضاري الذي يشكله سكان المناطق المعنية.

دوافع وأبعاد المشروع

يتضمن المشروع الأستيطاني المقترح أقامة واحدة وثلاثين مستوطنة في أرجاء البلاد المختلفة. وتقع عشر مستوطنات مخططة ضمن المشروع في المناطق الشمالية من البلاد (في ألوية الشمال وحيفا)، وتسع مستوطنات تصطف على الجانب الأسرائيلي من الحدود مع المناطق الجنوبية للضفة الغربية (مقابل الخليل ولوائها)، واثنتا عشر مستوطنة في النقب: أثنتان منها في قلب النقب، وست على طول الحدود الأسرائيلية مع قطاع غزة وسيناء، وأربع في مناطق "العرباه" وجنوب النقب. ونخص بالذكر بعض هذه المستوطنات مثل "رامات أربيل" في الجليل الشرقي (بالقرب من عيلبون) والتي تتولى مهمة بنائها منظمة الأستيطان "أماناه" التابعة ل- "جوش أيمونيم"، ومستوطنة "شيبولت" بالقرب من طرعان، ومستوطنتي "خروبة الجليل" و- "يسسخار" الى الجنوب من شفاعمرو، ومستوطنة "عيرون 3" على أراضي الروحة في وادي عارة. ومن بين المستوطنات في النقب نذكر كلا من "كرميت" و- "حيران" و- "ياتير" و- "عيرا" المخططة في شمال النقب بالقرب من حدود الضفة الغربية، وكذلك "نفي تماريم" و- "مرحاب عام" في مركز النقب.
ويتعذر تناول المشروع الأستيطاني الجديد بالتحليل في معزل عن مجريات الأمور العامة في البلاد، وخاصة ما يتعلق منها بتعهدات شارون بتفكيك بعض المستوطنات "الأفتراضية" في المناطق المحتلة ضمن استحقاقات خارطة الطريق ومراحل تنفيذها المرتقبة. والأرجح أن موعد الكشف عن خطة الأستيطان في هذه المرحلة بالذات ينطوي على أشارة ضمنية يطلقها شارون باتجاه المسرح البديل لتنفيذ عمليات الأستيطان المكثف، بعد أن أصبحت أنظار العالم مصوبة نحو العقبة الكأداء التي تشكلها المستوطنات القائمة في المناطق المحتلة أمام التقدم نحو السلام. فكأن لسان حال شارون يقول للمستوطنين ومنظماتهم: هاكم مسرحا جديدا، فعيثوا فيه أستيطانا. ولعل تعليق وزير الأسكان (المولع بالأستيطان في المناطق المحتلة) أيفي أيتام على المشروع، والذي وصفه فيه بأنه لا ولن يشكل بديلا عن مواصلة تطوير ونشر المستوطنات في المناطق المحتلة، يشكل دليلا قاطعا على العلاقة المحتملة بين مشروعي الأستيطان. لا بل أن المنظمة الأستيطانية "أماناه" التابعة لحركة "غوش أيمونيم" أخذت على عاتقها أقامة بعض المستوطنات داخل الخط الأخضر ضمن المشروع الجديد بعد عقود أقترن أسمها فيها بالأستيطان في المناطق المحتلة فقط.
ومن المفارقات المؤلمة بالنسبة لنا أن قطاعات واسعة من الرأي العام اليهودي، التي تعتبر نفسها جزءا من معسكر السلام في البلاد، سترحب وتتحمس للمشروع الأستيطاني الجديد من منطلق أنه يستوي مع موقفها بضرورة الكف عن أهراق الموارد في المناطق المحتلة والمستوطنات وتحويلها لاحتياجات التطوير داخل الخط الأخضر. كما وأن المجتمع الدولي لن يرى غضاضة في المشروع، من منطلق اعتباره تحولا جوهريا في سياسة الحكومة الحالية ومساهمة في عملية السلام، لا بل شأنا أسرائيليا داخليا يأبى أن يتدخل فيه. وهكذا ستبقى الأقلية العربية في البلاد، ومعها بضعة أوساط ومنظمات يهودية ديموقراطية حقيقية، القوى الوحيدة التي لن تنطلي عليها بدعة الأستيطان الجديدة.
وأذا استعرضنا المواقع المقترحة لأقامة المستوطنات الجديدة فسنرى بأنها تنقسم الى نوعين رئيسيين. الأول، مواقع داخل الخط الأخضر تتمركز في قلب مناطق ما زال يغلب عليها الطابع العربي كالجليل والمثلث (وادي عارة على وجه الخصوص) والنقب الشمالي. والثاني، مناطق متاخمة للخط الأخضر من الجانب الأسرائيلي قبالة بلدات وقرى فلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة.
والنوع الأول من المستوطنات تناط به مهمة التأثير على التوازن الديموغرافي بين اليهود والعرب في المناطق المعنية، وتغيير الطابع العربي لهذه المناطق لجهة تهويدها، وأحكام السيطرة على احتياطي الأراضي المتوفر في المنطقة ومنع البلدات العربية من استغلاله لمصلحة مواطنيها. وغالبا ما تقام مثل هذه المستوطنات بمحاذاة مسطحات بناء البلدات العربية وعلى أراضيها التي صودرت وأنتزعت منها في السابق. وبعد فترة وجيزة من أقامتها تبدأ أبواق الأستيطان وطبوله بالعزف على نغمة أن البلدات العربية تشكل خطرا وتكاد تبتلع المستوطنات الفتية عن سابق عمد وأصرار. والنتيجة الطبيعية لذلك هي أن لا بد من التضييق على البلدات العربية المعنية ومعاقبتها، ومن دعم المستوطنات كيلا تصبح لقمة سائغة في فم العرب، وربما أيضا أقامة مجموعة جديدة من المستوطنات لتعزيز ومؤازرة المستوطنات القائمة، كما هي الحال تماما مع المشروع الأستيطاني الحالي. وقصة مستوطنة "مي عامي" مع مدينة أم الفحم هي أصدق شاهد على هذا التسلسل في الأفعال وردود الفعل.
أما النوع الثاني من المستوطنات فيتوخى منه الدفاع عن حدود البلاد، وأن يشكل درعا أستيطانيا واقيا يمنع أمتداد التأثير الديموغرافي الفلسطيني ألى داخل أسرائيل، خاصة في ظل غياب حدود سياسية واضحة (بفعل الأحتلال طبعا).
وهناك نوع أضافي من الأستيطان يهدف المشروع الجديد الى أحيائه وتأجيجه، ألا وهو مستوطنات الأفراد. وهذا النوع من المستوطنات ينطوي على أقطاع آلاف الدونمات من أراضي الدولة الصالحة للزراعة لعائلة يهودية واحدة لتقيم مستوطنة خاصة بها. وتكلف هذه العائلة بالأساس بمنع العرب بالقوة من استعمال هذه الأراضي كمراع أو لأي هدف معيشي آخر، علما بأنها أراضي دولة يفترض أن يتمتع كافة المواطنين بها. وستكون منطقة النقب الشمالي، حيث تتواجد غالبية القرى العربية غير المعترف بها، المسرح الرئيسي لأقامة مجموعة كبيرة من مستوطنات الأفراد ضمن هذا المشروع، لكي يقوم هؤلاء المستوطنين بمحاولات السيطرة على الأرض العربية وطرد أصحابها منها وتشتيتهم أيدي سبأ.

العوامل المؤثرة على مستقبل المشروع

ألا أننا نتوقع أن يكون مآل المشروع الأستيطاني الجديد ألى الفشل الذريع رغم الترويج له والمبالغة في سرد محاسنه. فلماذا يكون حظه بالنجاح بأفضل من سابقيه من مشاريع الأستيطان والمصادرة والتهويد ؟ أن مجرد طرح المشروع الحالي وعرضه على أنه يشكل حبل النجاة من "الخطر الديموغرافي" والدواء الشافي لظاهرة "سيطرة العرب على الأرض"، ما هو ألا أقرار ضمني بفشل كل ما سبقه من مشاريع مشابهة. فهل أثمرت "المناطر" و"الكواكب" التي شيدها شارون في الماضي على أمل تحقيق نفس الأهداف التي يضعها الآن لمشروعه العقيم؟
أما الأسباب التي تدعونا للتشكيك في فرص نجاح المشروع فهي كالتالي:
أولا، غياب الموارد المادية: حيث نعجب من أين ستجند هذه الحكومة المفلسة الموارد المادية اللازمة لأقامة هذه السلسلة من المستوطنات الجديدة، في حين أنها تعجز عن مد المستشفيات بالأجهزة والعقاقير الضرورية لعلاج المرضى، وتقلص مخصصات التأمين للشيوخ والأطفال والأرامل والدعم لسائر الشرائح المستضعفة في المجتمع الأسرائيلي. ولا يجب أن يغيب عن بالنا أن أقامة مستوطنة صغيرة هي عبارة عن مشروع ضخم يكلف ميزانية الدولة عشرات الملايين من الدولارات، خاصة وأن مستوى البنية التحتية والخدمات الأساسية التي توفرها الدولة لهذا النوع من المستوطنات متطورة ومكلفة جدا لتجعلها في غاية الجاذبية للمستوطنين. ونستثني من هذا التحليل أمكانية أن تنجح حكومة أسرائيل في تجنيد التمويل لمشروع الأستيطان المقترح من أمريكا ومصادر دولية أخرى بحجة أنه مرحلة تحضيرية لتفكيك المستوطنات في المناطق المحتلة واستيعاب سكانها في مستوطنات بديلة داخل الخط الأخضر. واحتمال وارد آخر يتمثل في تكليف بعض المقاولين وشركات البناء والتطوير من القطاع الخاص، وبعض تجار الأراضي والمضاربين (من أصدقاء شارون وأبنائه) بمهمة تشييد هذه المستوطنات لجني الأرباح ولتخفيف العبء عن خزينة الدولة.
ثانيا، غياب الموارد البشرية: فقد أصبحت مشكلة الأستيطان الأساسية خلال العقد الأخير غياب الموارد البشرية الكافية. وبكلمات أخرى، من أين ستمد الحكومة المستوطنات الجديدة بالمستوطنين اليهود؟ حيث نعلم أنه بعد نضوب منابع الهجرة من جمهوريات الأتحاد السوفييتي وانحسار موجة الهجرة الكبرى في أواسط سنوات التسعينات، اصبح استجلاب السكان للمستوطنات أمرا عسيرا. وتظهر الدراسات والمسوحات التي أجريت على تركيبة سكان المستوطنات، التي أقيمت في الجليل في سنوات الثمانينات ضمن مشروع المناطر، أن غالبيتهم أتت للسكن فيها من مدن الجليل اليهودية القائمة أو من حيفا وجوارها، وليس من مركز البلاد أو من المهاجرين الجدد كما تطمح لذلك حملات الأستيطان المتتالية. ومما يستوجب التنويه أيضا أن المهاجرين الجدد من الروس والفلاشة قلما يقبلون كمواطنين في المستوطنات الجماهيرية الجديدة نظرا لاعتبارهم دون المستوى الأقتصادي-الأجتماعي المطلوب للمستوطنين فيها. وعلى سبيل المثال نذكر أن أحدى النقاط الأستيطانية المقترحة في المشروع الجديد، وهي بلدة "رامات أربيل" التي يخطط لأقامتها الى الشرق من عيلبون وعلى أراض تعود للقرية تاريخيا، تبعد بضعة مئات الأمتار فقط عن مستوطنة قائمة بنيت في الثمانينات تسمى "رابيد". ومستوطنة "رابيد"، التي خططت لاستيعاب عشرات العائلات، فارغة ومهجورة منذ عدة أعوام رغم موقعها الخلاب (المطل على بحيرة طبريا)، حيث غادرتها العائلات التي استوطنتها أصلا بعد مرور عدة أعوام فقط من بنائها. وقد فشلت كل المحاولات التي بذلت مؤخرا لاجتذاب عائلات جديدة للسكن في المستوطنة. فمن أين ستأتي العائلات لكي تستوطن في بلدة "رامات أربيل" العتيدة؟
ثالثا، ألحاق الضرر الأقتصادي-الأجتماعي بالمدن والبلدات اليهودية القائمة: حيث يطمح رؤساء البلدات اليهودية القائمة في أطراف البلاد، وبالذات في الجليل والمثلث الشمالي والنقب، ألى أستمالة واجتذاب المهاجرين والقادمين من مركز البلاد للسكن في بلداتهم لتعزيز مكانتها وقدراتها. ولذلك فهم يعتبرون أقامة المستوطنات الجديدة في مواقع محاذية لبلداتهم، والأستثمار المكثف في البنية التحتية والخدمات المتطورة فيها، واستقدام السكان اليها عن طريق تقديم المغريات والتسهيلات السخية، ضربا من المنافسة غير المتكافئة مع بلداتهم. لا بل أنهم يعلمون علم اليقين بأن أقامة المستوطنات الجديدة تؤدي ألى أفراغ بلداتهم من السكان القادرين وميسوري الحال الذين يفضلون الأنتقال للسكن في المستوطنات المحاذية والجديدة، نظرا لجودة ومستوى المعيشة فيها، ومن أجل الظفر بالتسهيلات والأغراءات التي تقدمها الحكومة ومنظمات الأستيطان. لذا فأننا نلاحظ بأن رؤساء بلديات يهودية أقيمت أصلا كمستوطنات على الأراضي العربية، مثل نتسيرت عيليت وكرميئيل ومعالوت وغيرها، ينتقدون مشاريع أقامة المستوطنات الجديدة، ويدعون ألى تكثيف الأستثمارات في بلداتهم وتوجيه السكان اليها.
رابعا، معارضة مؤسسات التنظيم والبناء ومنظمات الخضر: فالسياسة المعلنة والمعتمدة عادة لدى هذه المؤسسات والمنظمات تتلخص بأنه لا توجد حاجة أبدا لأقامة بلدات جديدة في البلاد (مع بعض الأستثناءات طبعا)، نظرا لقناعتها بقدرة البلدات القائمة على استيعاب الزيادة السكانية المنتظرة في العقدين القادمين، ولحرصها على المحافظة على المناطق الريفية المفتوحة. وقد قامت بعض منظمات الخضر والمحافظة على البيئة بالمجاهرة بموقفها ضد مشروع الأستيطان، في حين أن لجان التنظيم اللوائية قد رفضت المصادقة على بعض مخططات هذه المستوطنات رغم الضغوط التي تمارسها عليها منظمات الأستيطان والمروجون لفرية الخطر الديموغرافي. ولا نستهجن أن تحاول هذه المنظمات المتنفذة، كالوكالة اليهودية والكيرن كاييمت وغيرها، بانتهاج سياسة الأمر الواقع والمباشرة ببناء المستوطنات بدون استصدار الرخص القانونية اللازمة، تماما كما حصل في موجة الأستيطان والتهويد في مطلع الثمانينيات بتشجيع ورعاية وزير الأسكان آنذاك أريئيل شارون.
خامسا، معارضة قطاعات من سكان المستوطنات القديمة: ونعلم عن حركات وقطاعات لا بأس بها من سكان المستوطنات في الجليل الذين توصلوا الى قناعات تتعارض مع فكرة أقامة المستوطنات الجديدة نتيجة العمل والتعاون العربي-اليهودي المشترك في المجالات السياسية والحياتية العامة. وعلى سبيل المثال نذكر من بين هذه الحركات كلا من "أمل في مسجاف"، "جيران في الجليل" وغيرها التي تنشط بين سكان المستوطنات القائمة في الجليل. وتستند قناعات هذه الحركات على تجربتها الذاتية، وملخصها أن تكثيف الأستيطان والتهويد لم يأت ألا بتوتر متزايد في العلاقات مع جيرانهم العرب اخذ ينعكس سلبا على مستوى شعورهم بالأمان وعلى جودة معيشتهم التي جاءوا للسكن في المستوطنات طمعا فيها.

الخطوات المقترحة لمقاومة المخطط وأفشاله

أن الأسباب التي سيقت أعلاه لترجيح فشل مشروع الأستيطان الجديد لا تعمل جميعها بالدفع الذاتي، وأنما هناك حاجة الى عمل دؤوب وجدي ومنظم لأبراز وكشف التناقضات التي ستساهم في دحر المشروع وأفشاله. ومن الضروري فهم الدوافع الكامنة وراء كل موقف محتمل من المشروع واستغلال تناقض المصالح بين الجهات المختلفة، وتنظيم حملة شعبية وجماهيرية واسعة تهدف الى وأده في المهد.
وبالأضافة الى تحليل الدوافع التي حدت بالمسؤولين الى أطلاق مشروع الأستيطان ، وتبيان الأضرار التي سيلحقها بكافة قطاعات السكان وبالبلدات العربية واليهودية، نؤكد على الخطوات العملية التالية لعرقلته وأفشاله:
أولا، بناء وتفعيل تحالف واسع يضم الجهات المناهضة للمشروع على المستويين القطري واللوائي، يتألف من رؤساء المجالس المحلية والبلديات العربية واليهودية (باستثناء رؤساء المجالس الأقليمية اليهودية الذين يتحمسون عادة لمشاريع الأستيطان)، والجمعيات والمنظمات والحركات السياسية والجماهيرية والأجتماعية التي تعمل في مضمار التقارب والتعايش بين العرب واليهود وضد السياسات الأقتصادية والأجتماعية للحكومة الحالية، ومنظمات الخضر وحماية البيئة. ويجب وضع برنامج عمل واضح لهذا التحالف يتمحور حول الخطوات العملية المباشرة لأفشال مشروع الأستيطان، ويتجنب الولوج في النقاش حول خلفية ومسوغات معارضة كل طرف في التحالف للمشروع، لعلمنا مسبقا بأن هذه الخلفيات متنوعة وتتناقض أحيانا مع رؤيتنا، كجماهير ومؤسسات عربية، للأستيطان على أشكاله المختلفة.
ثانيا، أستغلال السابقة القضائية التي استنتها محكمة العدل العليا في قرارها بشأن قضية قعدان، حيث دمغت بعض الممارسات الأستيطانية بالتمييز، خاصة فيما يتعلق بأقفال باب المستوطنات الجماهيرية أمام المواطنين العرب. ورغم معرفتنا بأن قيمة هذا القرار لا تتعدى ،لغاية هذه اللحظة، كونها حبرا على ورق، ألا أنها فرصة سانحة لوضع القرار ووضع مصداقية المحكمة العليا على محك التجربة. والسبيل الى ذلك هو أغراق الدوائر الرسمية التي ستتولى أمور تشييد المستوطنات بالطلبات المقدمة من المواطنين العرب لقبولهم كسكان في المستوطنات المزمع أقامتها. وعندما تبدأ مرحلة الرفض المنهجي لهذه الطلبات، كما نتوقع طبعا، يتوجب التوجه للقضاء كأفراد ومجموعات بألتماسات ضد أقامة هذه المستوطنات كليا، نظرا لأن استثناء العرب من السكن فيها يتنافى مع قواعد المساواة التي نص عليها قرار المحكمة العليا بخصوص قضية قعدان.
ونتوقع أن يشكل النجاح في أنتهاج هذين المحورين في التصدي للمشروع فرصة لدى الجهات الرسمية المسؤولة عنه لمراجعة حساباتها الى حد التخلي عنه أو تعديله أو تلطيفه. وفي هذا السياق ربما تتم الموافقة على أقامة بلدات عربية جديدة، أسوة بالمستوطنات المقترحة، والأعتراف بالبلدات العربية غير المعترف بها، وتوسيع مسطحات البلدات العربية القائمة لحل ضائقتها السكنية.

تلخيص وخاتمة

إن رائحة العنصرية والعداء للعرب تفوحان من المشروع الأستيطاني الجديد. فهو يهدف لبناء ما يربو على ثلاثين مستوطنة يهودية جديدة في مختلف أرجاء البلاد، دون الأشارة من قريب أو من بعيد ألى حق العرب وحاجتهم الماسة لأقامة بلدات جديدة. وتتراوح المسوغات الرسمية للمشروع بين ضرورة التدخل المنظم للتأثير على التوازن الديموغرافي في بعض المناطق لصالح اليهود، وحماية الأرض من أستيلاء العرب عليها، وحماية حدود الدولة على طول بعض المناطق الحدودية المتاخمة للضفة الغربية وقطاع غزة المحتلين. لذا فالمشروع المقترح هو بالحقيقة مرحلة جديدة في سلسلة مشاريع التهويد ومصادرة الأرض وتضييق الخناق على البلدات العربية. وربما ينطوي المشروع على أعداد مسرح بديل لعبث حركات الأستيطان في المناطق الفلسطينية المحتلة بعد تزايد النقد الدولي للمستوطنات واعتبارها عقبة حقيقية أمام التقدم نحو السلام.
وتتوفر عدة أسباب موضوعية تدعنا نشكك في أمكانية نجاح المشروع بالقدر الذي تتوخاه الحكومة والجهات التي تقف من ورائه. وبالرغم من ذلك، فهناك حاجة ماسة للمبادرة والعمل على مقاومة المشروع وأفشاله بواسطة تشكيل وتفعيل تحالف عربي-يهودي واسع يضم كافة الأطراف الرسمية والشعبية التي قد تتضرر من أقامة المستوطنات الجديدة. ويتوجب أيضا ممارسة الحق "النظري" للمواطنين العرب بالمساواة في مجال تخصيص أراضي الدولة والسكن في المستوطنات الجماهيرية، كما نص على هذا الحق بصراحة قرار محكمة العدل العليا في قضية قعدان. والسبيل الى ذلك بأن تقوم أعداد كبيرة من المواطنين العرب بتقديم طلبات للسكن في كافة المستوطنات المخططة بقصد وضع جدية المحكمة العليا وقرارها المذكور موضع التجربة والأختبار. فلا يعقل أن تستمر المؤسسات الرسمية باستغلال قرار قعدان كشاهد زور على الديموقراطية والمساواة الأسمية التي يتمتع بها العرب في البلاد، في حين تستمر الممارسات الفعلية لأجهزة الأستيطان كعادتها على أعلى وتيرة من التمييز والعداء ضد العرب.

المصطلحات المستخدمة:

الخط الأخضر, المثلث, معسكر السلام

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات