المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

لم تكن الحرب في العراق تعبيرًا اولياً فقط عن استعداد الولايات المتحدة للخروج الى الحرب كامبراطورية. كانت تلك أيضًا تجريب أدوات رؤيوي ذي إسقاطات عميقة جدًا. لقد تعلمت الولايات المتحدة من هذه التجربة - كما ألمحوا من قبل في الحرب الأصغر على افغانستان - انها سيدة العالم وفي مقدورها استخدام قوتها دون اي عوائق ودون ان تدفع ثمناً حقيقيًا - لا في الأرواح ولا في الممتلكات الاقتصادية او الاستراتيجية.اختيار العراق لم يكن عفويا. لم يتم اختيار العراق لكونه يشكل تهديدًا استراتيجياً. وحتى لو كان لديه بعض الأسلحة الكيماوية، فمن الصعب اعتبارها خطرًا كونياً. ثمة دول اكثر خطورة بكثير. اختيار العراق تم، تحديدًا، لأنه بلد ضعيف نسبي، ولأن احتمال التورط فيه ضئيل جداً. ومن هنا، فقد كان فرصة مثالية لتجسيد غاية الرؤية الجديدة للحرب كاستمرار للدبلوماسية.

خرج الأمريكيون الى هذه الحرب دون دعم حقيقي. بريطانيا هي حليف تقتصر دلالته على الجانب الرمزي اساسًا. كان بالامكان بدونها ايضاً. الروس، والاتحاد الاوروبي والأمم المتحدة عارضوا. وتبين انه بالامكان بدونهم هم ايضاً، وان احتجاجاتهم ليست ذات وزن وان اذنابها بدأت تهتز، غريزياً، ترحيبا بالمنتصرين. كما تبين ايضًا ان التهديدات لقوة العالم الاسلامي المتآكلة لم يكن لها أي اساس او رصيد. لقد تأكد الأمريكيون من ذلك في افغانستان - بالامكان القتال خلال شهر رمضان دون تحالف اسلامي ولا شيء يحدث قط. ليس هنالك "عالم اسلامي". صراع الحضارات حسم منذ زمن بعيد بواسطة "كوكا كولا" و"مكدونالدز" ـ يوحنا المعمدان للرأسمالية - وبواسطة المخلّص نفسه - ميكروسوفت والانترنت.

كان التردد الأمريكي تعبيرًا متأخرًا عن صدمة فيتنام، اكثر من كونه تعبيراً عن رؤية متبصرة. ليست الأنظمة العربية وحدها التي احجمت عن أي رد فعل على احتلال بغداد وكربلاء، بل الجماهير العربية المتعصبة، ظاهريًا، التزمت البيوت هي ايضًا. ثمة في العالم "شيريف" جديد لا يتردد في استخدام مسدساته، سواء مع شركاء او بدونهم، مع رخصة او بدونها، مع مبرر او بدونه. تغيرت القواعد. ما هي القواعد الجديدة؟ يذكرني هذا بالمرة الاولى التي استأجرت فيها سيارة. أخذت اتمعن في عقد الاستئجار، فبادرني الموظف باقتراح: "دعني اوفر عليك وقتك، نحن المحقّون دوماً، وانت المخطىء".

ثمة دولة واحدة فقط لم تستوعب بعد، حتى النهاية، دلالات الغزو الأمريكي للعراق - انها دولة اسرائيل. فمن جوانب معينة، يعمل هذا الغزو لصالحها. العراق، ورغم التصريحات الطنانة التي اطلقها بوش، لا يشكل تهديداً استراتيجيًا للولايات المتحدة ولا للعالم الحر، لكنه يشكل بالتأكيد تهديدًا لاسرائيل. هذا التهديد أزيل. لكن غزو العراق يقلل، بصورة حادة جدًا، اسهم دولة اسرائيل ككنز استراتيجي. ليس لأن اسرائيل غير وفيّة للعام سام. العكس هو الصحيح: انها تابع مطيع ومخلص جدًا. انها، ببساطة، لم تعد ضرورية. الوزن الاستراتيجي الكبير الذي تمتعت به اسرائيل نجم عن قدرتها على العمل - او تشكيل تهديد بالعمل - في منطقة لم تكن الولايات المتحدة معنية بالتدخل المباشر فيها. كانت اسرائيل بمثابة دولة عظمى اقليمية مصغرة أمكن بها تهديد الكتلة السوفييتية ومجروراتها، او العالم العربي. لقد حافظت على المصالح الأمريكية. وحين يصبح التدخل الأمريكي مباشرًا، لا تبقى حاجة الى وسطاء. الولايات المتحدة تقوم بمهماتها القذرة بنفسها. واكثر من ذلك، فقد اختارت الولايات المتحدة اللجوء الى التدخل المباشر في الشرق الأوسط لكونه امراً سهل التنفيذ، اكثر من كونه تعبيرًا عن مصلحة امريكية حيوية (اقتصادية - استراتيجية).

صحيح ان النفط العربي ليس عديم الأهمية في العالم الجديد، لكن أهميته اقل بكثير مما كانت عليه سابقاً. ومن جوانب اخرى، يتمتع الشرق الأوسط، اساسًا، بالقدرة على الازعاج. ماذا سيكون معنى التناقص البنيوي في مكانة اسرائيل؟ معناه ان الاستعداد الأمريكي لمواصلة دفع الثمن لقاء اخراجنا من الوحل الذي نورط انفسنا فيه من حين الى آخر سيقل كثيرًا. ليس من المعقول ان تمارس الولايات المتحدة ضغوطًا سياسية متزايدة على اسرائيل من اجل التوصل الى حلول سياسية ثابتة وراسخة. ستكتفي الولايات المتحدة بحلول سياسية سيئة، وفق المبدأ الأمريكي القديم القائل بخلق تسويات سيئة يدفع الآخرون أثمانها مستقبلا. ليس لدى دونالد رامسفيلد أي ميل لمنح عرفات وورثته اية جوائز. بل انه يستلطف شارون. لكن الأمر بدأ يكلف اموالا طائلة. الدعم الأمريكي سيقل. الأزمة الاقتصادية ستتعمق. الدمقراطية الاسرائيلية ستتآكل. بسهولة فائقة يمكن ان تتحول اسرائيل الى دولة اخرى من العالم الثالث لتدق ابواب المتصدقين.

ما العبرة التي ينبغي ان تتعلمها اسرائيل من الحرب؟ الاسراع الى التوصل، بقوانا الذاتية، الى تسوية جيدة تتيح ترميم الاقتصاد والشروع في ترميم المجتمع والدمقراطية. الكنز الأساسي الأهم الذي يمكن ان تمتلكه اسرائيل في العالم الجديد هو ليس القوة العسكرية وانما الانتماء الحقيقي لنادي الدول المتقدمة.

(هآرتس - 11/4، ترجمة: "مـدار"))

المصطلحات المستخدمة:

دولة اسرائيل, الكتلة, هآرتس

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات