المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

قبل احد عشر شهرا، وفي العاشر من نيسان / ابريل 2002 - بعد عشرة ايام من بدء حملة "السور الواقي" العسكرية - توجهت جرافات الجيش الاسرائيلي الى المناطق المفتوحة الواقعة الى الشمال من بيت لحم، وبدأت تشق مسار الجدار الفاصل بين القدس وبيت لحم، الذي يتواصل العمل في اقامته هذه الأيام ايضا. كان مقررًا ان يمر الجدار في المناطق المفتوحة الواقعة بين مستوطنة <جيلو> وبين بيت لحم، بحيث يبقي خارج الحدود الأسرائيلية بيوتاً ومصالح تجارية في شمال بيت لحم يملكها فلسطينيون، ومن دون التغيير في مدخل المدينة.


بعد ان بدأ العمل، طلبت اوساط اسرائيلية الأبقاء على <قبر راحيل> (محيط مسجد بلال بن رباح) في الجانب الأسرائيلي من الجدار. وفي شهر حزيران الماضي، تحول هذا الطلب الى قرار حكومي رسمي كان معناه، ظاهرياً، اجراء <تعديلات غير جوهرية> في مسار الجدار، مع محاولة لإبقاء الوضع الحالي في بيت لحم على حاله. ولكن، يتبين الآن، ان هذا الجدار - لدى اتمامه - سيحول الجزء الشمالي من بيت لحم الى جيب معزول عن اجزاء المدينة الأخرى.

قبل حوالي الشهر، اصدر قائد المنطقة العسكرية الوسطى موشي كبلينسكي، امرًا بالاستيلاء على أراض يسمح لوزارة الدفاع وللجيش الاسرائيلي ببناء سور في قلب الجزء الشمالي من بيت لحم. من الأمر، والتوجيهات والتفسيرات التي تلقاها المواطنون من ضباط الأدارة المدنية (الاحتلال الاسرائيلي) ومن خطط الجيش المعدلة، يتضح ان خطة الفصل في قطاع بيت لحم تحولت الى شبكة معقدة من الأسوار، والجدران والحواجز في داخل حدود المدينة، ستؤدي الى عزل المنطقة الواقعة بين <قبر راحيل> من الجنوب وبين الحاجز العسكري من الشمال.

هذه الخطة ستؤدي الى عزل المئات من سكان بيت لحم عن بقية اجزاء المدينة. ومع انجازها، سيتوجب عليهم الحصول على تصاريح خاصة للمرور في الحواجز العسكرية المقامة بين المنطقة الجيب وبين اجزاء المدينة الأخرى. من اجل ابقاء< قبر راحيل> في الجانب الاسرائيلي، يحيط به سور خاص يجعله منطقة مغلقة، سوية مع ضم المئات من سكان بيت لحم والعشرات من منازلها ومصالحها التجارية.

قسم من هذه الشبكة يشمل اسوارًا يبلغ ارتفاعها 6 - 8 امتار تقطع الشوارع الرئيسية في شمال بيت لحم. كل شارع يقام في وسطه سور سيصبح، عملياً، شارعًا ذا مسارين اثنين، لا يمكن رؤية احدهما من الآخر.

وتخصص الخطة حيزًا واسعا للشارع الرئيسي من القدس، الذي سيقام في مركزه سور متواصل. في المسار الواقع الى الشرق من السور سيسمح بالسفر للفلسطينيين الحاصلين على تصاريح للتنقل بين القدس وبيت لحم. اما المسار الغربي فسيخصص للأسرائيليين الذين يريدون الوصول الى <قبر راحيل>. والى الغرب من الشارع سيتم بناء اسوار متقطعة في المساحات التي بين المنازل المحاذية للشارع. هذه الأسوار ستخلق وضعا لا يمكن فيه من <مخيم عايدة> والمنازل المحاذية للشارع رؤية السيارات والحافلات الأسرائيلية المتوجهة الى <قبر راحيل>.

رئيس بلدية بيت لحم حنا ناصر، التقى (الثلاثاء 11 اذار) مع عضو الكنيست يولي تمير (من حزب العمل) وشخصيات اسرائيلية اخرى، في محاولة لشرح ابعاد هذه الخطة واسقاطاتها على المدينة. لعل ناصر لم يذكر في اللقاء ان في منطقة الجيب بناية كبيرة تمتلكها عائلته تشمل شققًا سكنية ومصنعاً لأنتاج المناشف؛ اذا اراد الوصول اليها سيتوجب عليه الحصول على تصريح اسرائيلي.

وفي داخل منطقة الجيب هنالك ايضا بناية يمتلكها الشيخ منذر بندك، نجل الياس بندك الذي كان رئيسًا للبلدية في العام 1967. في هذه البناية - الى الشمال من مخيم عايدة - منزل بندك ومصنع والى جانبهما منطقة زراعية. بعد اشهر قليلة سيصطدم بندك بسور امام مدخل منزله. <<العاملون في المصنع سيحتاجون الى الحصول على تصاريح، بل حتى خدمات الأطفاء لن تستطيع الوصول بدون تصاريح>>، يقول بندك، رداً على سؤال صحيفة <هآرتس> الاسرائيلية (12 اذار): <<سألت احد الضباط من سيقبض على اللصوص في هذه المنطقة، فلم يكن لديه أي جواب>>.

السكان الذين يسكنون في الجيب بالأجرة، هجروا المنطقة. الذين بقوا هم اصحاب البيوت والممتلكات، التي اصبحت جميعها، بين ليلة وضحاها، غير ذات قيمة. سكان المنطقة اصبحوا يشكلون طبقة جديدة في الاراضي الفلسطينية: يحملون بطاقات الهوية الفلسطينية، ويعيشون تحت مسؤولية ادارية فلسطينية (السلطة الفلسطينية)، ولكنهم بحاجة الى تصاريح اسرائيلية للخروج من منازلهم.

أحمد عابدين هو صاحب احدى محطتي الوقود المجاورتين لـ <قبر راحيل>. منذ الأنتفاضة الأولى تحولت المنطقة المقابلة للمحطة الى مسرح لمظاهرات الشباب الفلسطيني في مواجهة قوات الجيش. حتى الآن، بقيت المحطة على قيد الحياة والعمل بفضل الزبائن الفلسطينيين، لكن اقامة السور ستعزلها عن بيت لحم وعن الزبائن. محطة الوقود المنافسة ،الملاصقة، ستبقى في الجانب الفلسطيني من السور.

قبل حوالي اسبوعينن نظم رؤساء الكنائس في القدس مؤتمرًا احتجاجياً ضد هذه الخطة. الخطة لا تمس ممتلكات الكنائس بشكل مباشر، لكن رؤساء الكنائس وجهوا <رسالة مفتوحة> الى المجتمع الدولي مناشدينه العمل على منع اقامة هذا السور، لمنع المس بخصوصية مدينة بيت لحم. كذلك طلبت جهات امريكية توضيحات من الحكومة الأسرائيلية حول هذه الخطة.

* سكان الجيب سيقاومون هذه الخطة

<<لا شك في ان مسار السور الجديد هو مسار سياسي>>، يقول المحامي مازن قبطي الذي يمثل المواطنين الذين سيضطرون الى العيش في قلب هذا الجيب الجديد، في حديث مع <هآرتس>. ويضيف ان <<الجيش وضع في البداية خطة لبناء سور في المناطق المفتوحة، وبدأ العمل بتنفيذها. وفق بعد ذلك قررت حكومة اسرائيل شمل قبر راحيل في الجانب الأسرائيلي، فقام الجيش بتعديل الخطة وخلق هذا الوضع الجديد. ولذلك، لدي شك في ما اذا كانت المحاكم ستقبل بموقف الجيش القائل بأن الخطة الجديدة نابعة من اعتبارات امنية. وانا آمل ان يؤدي المس بحرية الحركة والحقوق الأساسية لعدد كبير جدا من السكان، اضافة الى ضغط دولي ملائم، الى منع تنفيذ هذه الخطة>>.

المصطلحات المستخدمة:

راحيل, الكنيست, هآرتس

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات