المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

تتضارب تقديرات كل من الاسرائيليين والفلسطينيين بشأن ما يمكن ان يحدث اذا ما نال اللاجئون الفلسطينيون الاعتراف بحقهم في العودة الى اسرائيل.

فالاسرائيليون مقتنعون بأن خطوة من هذا القبيل من شأنها ان تجر في اعقابها "هجرة جماعية" للفلسطينيين واخلالا بالميزان الدمغرافي. ويعتقد الفلسطينيون الذين يستندون الى استطلاعات جرت مؤخرًا في اوساط اللاجئين، بأن الغالبية يطالبون بالاعتراف بحق العودة لكنهم لا يعتزمون تجسيد هذا الحق. وعلى سبيل المثال فقد صرح نصف اللاجئين الذين شملهم الاستطلاع بأنهم سيعودون فقط اذا كان بيتهم (داخل الخط الاخضر) لا يزال قائمًا. واعرب الكثيرون من اللاجئين عن رفضهم العيش تحت الحكم الاسرائيلي، كما ابدى الكثيرون استعدادًا للتفكير بالحصول على تعويضات بدلا من العودة.. الخ.

مثل هذا التباين في التقديرات المتعلقة بالنتائج، يمكن له، ظاهرياً، إعاقة اية محاولة للتوصل الى اتفاق.

والمفارقة، انه يمكن لهذا الامر في ظروف معينة الاسهام بالذات في التوصل الى حل يشعر فيه كل طرف بأنه هو الرابح او المستفيد. ففي الجانب الفلسطيني، يتيح الاقرار المتزايد بأن قلة فقط سترغب في العودة الى اسرائيل، تليين المطلب الاخلاقي بحق عودة كامل شامل والاستعاضة عنه بـ "كوته" او سقف عددي محدود. ويعرب فلسطينيون ضمنًا عن استعدادهم للقبول بعودة أعداد لا تزيد عن 200 الف لاجئ، وهو في الواقع ضعف العدد الذي وافقت اسرائيل، كما يبدو، على دراسته اثناء محادثات طابا عام 2001، لكن البعد الديموغرافي لمثل هذا الرقم يبقى هزيلا، قياسًا بالتخوفات والهواجس الاسرائيلية من " هجرة - عودة – جماعية".

وفي الجانب الاسرائيلي يمكن للتقدير القائل بأن كل لاجئ فلسطيني قادر سوف ينتهز فورًا فرصة العودة الى اسرائيل، ان يتيح بالذات الموافقة على "كوتة" عددية أعلى، ولكن بطريقة تحد من المخاطر الديموغرافية. هنا اورد صيغة من هذا النوع، كنت قد اقترحت عددًا من مكوناتها خلال مؤتمر اكاديمي حول قضية اللاجئين الفلسطينيين، عقد مؤخرًا في هايدلبرغ.

تستطيع اسرائيل ان تعلن من الآن، وقبل التوصل الى التسوية الدائمة، عن بادرة رمزية مؤداها الاستعداد لمنح جنسية اسرائيلية لكل لاجئ فلسطيني ولد داخل حدود الخط الاخضر قبل العام 1948. هناك حوالي 200 الف شخص ينطبق عليهم هذا التحديد، جميعهم تخطوا سن الـ 55، وغالبيتهم لم يعد بمقدورهم الانجاب. ويشار الى ان الاستطلاعات تدل على ان اللاجئين المتقدمين في السن اقل حماسًا للعودة، لا سيما اذا كان الامر مرتبطاً بفراق ابنائهم واحفادهم. من هنا فانه حتى اذا اختارت قلة من هؤلاء العودة فان ذلك سيقلل من "كوتة" اللاجئين التي سيتم تثبيتها نهائيًا في التسوية الدائمة.

اما الذين سيختارون، من بين هؤلاء، عدم العودة، فسوف تقترح عليهم فترة انتقالية تصل الى نحو عشر سنوات تفصل بين الجنسية والاقامة، وسيكون باستطاعتهم الاحتفاظ بجنسية اسرائيلية، بما في ذلك بحقوق اجتماعية ومخصصات، من دون القدوم الى اسرائيل. وفي حال أدرج افراد اسرة لاجئ مسن ضمن "كوته" العائدين، فإنه سيكون باستطاعته بطبيعة الحال العودة معهم. واذا اتضح ان اسرته ليست مشمولة ضمن "كوتة" العائدين، وقرر من جهته البقاء معهم فان استحقاقه (للعودة) سيعاد بعد انتهاء الفترة الانتقالية الى "الكوتة" العامة ليستغل من قبل لاجئ آخر.

بهذه الطريقة سينقلب التقدير الاسرائيلي القائل بأن جميع اللاجئين الفلسطينيين يريدون العودة بأي ثمن، من نقيصة الى ميزة.

فهذه الصيغة تفضل لاجئين مسنين، وتعطيهم امكانيات وخيارات متنوعة ومهلة زمنية للتفكير، وبالتالي فإنها تعزز الاحتمال في ان يكون وزن هؤلاء النسبي في "كوتة" العائدين اكبر من سواهم.

اعتقد ان باستطاعة هذه الصيغة ان تهدئ بعض الشيء المخاوف الدمغرافية لدى الاسرائيليين، كما انها تتيح "كوته" عائدين اعلى، تقترب من الحد الادنى الممكن من وجهة نظر الفلسطينيين.

ان الفائدة التي سيجنيها الفلسطينيون تتمثل هنا بالمغزى الاخلاقي والرمزي للإعتراف بالحق المبدئي لمواليد البلاد، والتفضيل الحقيقي لمن ترمز مسيرة حياتهم، اكثر من سواهم، للظلم التاريخي الذي احاق بالشعب الفلسطيني. هذا فضلا عن ان مثل هذه البادرة الاسرائيلية سوف تسهم في بناء الثقة واتاحة المجال امام نقاش براغماتي حول تجسيد جزئي لحق العودة في اطار حل سياسي.

(هآرتس 8/8)

المصطلحات المستخدمة:

هآرتس

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات