المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

أصبح الأمر رسميا الآن: حكومة إسرائيل تنوي قتل ياسر عرفات.

لم يعد الأمر "طردا". لم يعد "الطرد أو القتل". بل ببساطة "النفي".

من الواضح ان القصد ليس "النفي" إلى دولة أخرى. ليس هناك من شخص يتخيل بأن ياسر عرفات سيستسلم ويترك نفسه يقع في الأسر. سيقتل هو ورجاله "خلال علمية تبادل إطلاق النار". كما حدث للآخرين.

حتى وإن كان من الممكن طرد عرفات إلى خارج البلاد، فأي من زعماء الدولة لم يكن يحلم بذلك. هل جننّا؟ أندعه يتجول بين بوتين وشرودر وشيراك؟ هذا غير وارد في الحسبان، كما سبق وأُعلن. ولذلك فالخطة تقضي بنفيه إلى العالم الآخر.

ليس حالا. فالأمريكيون لا يسمحون بذلك. هذا من شأنه إغضاب بوش. شارون لا يريد إغضاب بوش.

هناك من يعزّون نفسهم بأنه قرار خال من أي مضمون. فقد ورد فيه أنه سيتم تنفيذه في وقت لم يتقرر بعد. ولكن هذا العزاء هو عزاء كاذب، عزاء خطير. فإن مجرد اتخاذ القرار الذي يحلل القتل، يعتبر خطوة سياسية ذات أصداء بعيدة المدى. فقد جاء لتعويد الجمهور في البلاد والعالم على هذه الفكرة.. فكرة كانت تبدو في السابق فكرة جنونية، يفكر بها المتطرفون فقط، أصبحت تبدو الآن خطوة سياسية مشروعة، لم يعد يحتاج إلا إلى المصادقة على موعد التنفيذ وشكله.

من يعرف أريئيل شارون، يعرف أيضا كيف ستسير الأمور منذ هذه اللحظة. فهو سينتظر الفرصة. يمكن لهذه الفرصة أن تأتي بعد أسبوع أو بعد شهر أو سنة. فهو صبور جدا. عندما يقرر شيئا ما، يكون مستعدا للانتظار، ولكنه لا يتخلى عن قراره أبدا.

إذا كان الأمر كذلك، فمتى سيتم تنفيذ القتل المعروف مسبقا؟ عندما تحدث في إسرائيل عملية انتحارية، ذات حجم يمكن للأمريكيين ان يقبلوا بالرد عليه ويكون مبَررا بالنسبة لهم. أو عندما يحدث شيء ما في العالم، يموّه الرأي العام العالمي. أو عندما تغضب بوش أية حادثة دراماتيكية، على غرار حادث تفجير مركز التجارة العالمي.

ماذا ستكون النتائج؟

يقول النص العربي: "ستكون هناك نتائج لا يمكن توقعها." إلا أنه في الحقيقة يمكن توقع هذه النتائج مسبقا.

قتل عرفات سوف يحدث تغيير تاريخيا في العلاقات بين إسرائيل والشعب الفلسطيني. منذ حرب أكتوبر وحتى اليوم، زاد تدريجيا لدى الشعبين الاعتراف بأنه من الممكن التوصل إلى تسوية بين الحركتين الوطنيتين. بعد اتفاقية أوسلو، وهي عملية قادها ياسر عرفات لوحده تقريبا، تنازل الفلسطينيون عن 78% من البلاد التي كانت تدعى فلسطين حتى عام 1948. لقد وافقوا على إقامة دولتهم على 22% المتبقية. عرفات وحده، الذي يتمتع بالصلاحية الأخلاقية والسياسية، كان قادرا على إقناع شعبه بقبول هذا الأمر، كما كان بن غوريون قادرا على الإقناع بعملية "التقسيم".

لقد استمر الشعبان في التشبث بهذا الاعتقاد حتى في أوقات الأزمات الكبيرة التي نشأت.

قتل عرفات سيضع حدا لهذا كله، ربما إلى الأبد. لنعد إلى لعبة "الكل أو لا شيء" – أرض إسرائيل الكبرى مقابل فلسطين الكبرى، قذف اليهود إلى البحر أو قذف الفلسطينيين إلى الصحراء.

السلطة الفلسطينية ستختفي. ستحتاج إسرائيل إلى السيطرة من جديد على كل المناطق الفلسطينية، بكل ما في ذلك من عبء اقتصادي وإنساني. ستنتهي فترة "الاحتلال دي لوكس"، التي فعلت إسرائيل فيها كل ما يحلو لها في المناطق المحتلة، وكان العالم يدفع الثمن.

سيسيطر العنف وسيكون اللغة الوحيدة التي سيتكلم بها الشعبان. سيسيطر الخوف على القدس وعلى رام الله، على حيفا وعلى الخليل، على طول كرم وعلى تل أبيب,. كل أم سترسل أبناءها إلى المدرسة خائفة حتى عودتهم. إرهاب من هنا وهناك، وستتسع دائرة الدماء، تدهور أوتوماتيكي غير منقطع.

لن تقتصر هذه الهزة الأرضية على المناطق الواقعة بين البحر والنهر. فالعالم العربي كله سوف يتحول إلى بركان. عرفات الشهيد، البطل، الرمز، سيتحول إلى شخصية أسطورية لكل العرب، لكل المسلمين. سيقرع اسمه طبول الحرب في كل الأنظمة الثورية، من إندونيسيا وحتى المغرب العربي، وسيتحول إلى كلمة السر الخاصة بكل التنظيمات السرية الدينية والقومية.

ستهتز الأرض تحت أقدام كل الأنظمة العربية. فمقارنة بعرفات, البطل الفذ, سيبدو كل الملوك والأمراء والرؤساء خيالات، خونة ومرتزقة. يكفي سقوط واحد منهم كي تنهار بقية الأنظمة كما تنهار "حجارة الدومينو".

سيتحول سفك الدماء إلى سفك دماء عالمي. وسوف يحدق الخطر الدائم بأي هدف إسرائيلي – كل طائرة، كل فرقة متنزهين، كل مؤسسة إسرائيلية ويهودية.

لم يكن فرض الفيتو الأمريكي على القرار مجرد رفض فارغ من المضمون. فالأمريكيون يعرفون حق المعرفة أن قتل عرفات سوف يزعزع مكانتهم أيضا في كل العالم العربي والإسلامي. حرب العصابات المتصاعدة في العراق ستنتشر إلى كل الدول العربية وإلى كل العالم. كل عربي وكل مسلم سيكون على قناعة تامة بأن شارون يعمل كرسول للأمريكيين وبإشارة منهم، ولن يتذكر أي شخص معارضتهم الكلامية الواهية للقرار. سيثور الغضب تجاه الدولة العظمى. وأكثر من بن لادن واحد سيخططون للانتقام.

هل يعي شارون ذلك حقا? بالتأكيد نعم. الأصفار السياسية التي تشكل الحكومة، غير قادرة على رؤية ما سيحدث، وكذلك الجنرالات الصُّم، الذين تقتصر نباهتهم على القتل والتدمير. لكن شارون يعرف تمام المعرفة ماذا ستكون النتيجة، وهي نتيجة مقبولة لديه.

شارون يريد إنهاء المواجهة التاريخية بين الصهيونية والشعب الفلسطيني بحسم تاريخي: سيطرة إسرائيلية محكمة على كل البلاد، وخلق حالة تجبر الفلسطينيين على مغادرة البلاد. ياسر عرفات هو حقا عقبة أمام تنفيذ هذه السياسة. وهناك حاجة إلى مرحلة من البلبلة وسفك الدماء لتحقيق ذك.

وشعب إسرائيل? شعب إسرائيل المسكين، الذي تعرض لغسل الدماغ, الذي تملكه اليأس وعدم الاكتراث لا يتدخل. إن الأغلبية الصامتة والتي تنزف دما تتصرف وكأن هذا الأمر لا يعنيها ولا يعني أولادها. إنها تتبع شارون كما تبع الأولاد عازف الناي من هاملين، الذي أغرقهم في البحر.

الصمت الغبي للجمهور هو كارثة. يجب أن نكسر هذا الصمت، لمنع الكارثة!.

المصطلحات المستخدمة:

الصهيونية

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات