المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

فترة ما بعد صدام في الشرق الأوسط يجري تشكيلها الآن، كما أبلغنا خبراء الإعلام الغربيون المطيعون، والمعلقون الذين لا يفوتون فرصة لتزلف القوى المقبلة. ووضع إزاحة صدام كاستهلال خاص بوجهة النظر في المنطقة، وبالتالي في النظام العالمي كله، يمثل أحدث عبارة في اللغة الجديدة المعتمدة لدى من يشكلون النظام العالمي الجديد. لكن لا بد وأنه أصبح واضحا الآن، حتى بالنسبة لأولئك المبتدئين الذين يراقبون المشهد في الشرق الأوسط لأول مرة، أن صدام لم يكن لاعبا أساسيا فيه، ولذلك فإن كثيرا من القضايا العالقة والظروف المتحولة في المنطقة بقيت على حالها السابقة للاحتلال الأمريكي للعراق. كون صدام ليس أحد مفاتيح الأوضاع السياسية في الشرق الأوسط، أمر معروف تماما لدى مهندسي الحرب الأمريكيين على العراق أنفسهم.

ولم يكن (عدم) وجود أسلحة الدمار الشامل، ولا طبيعة النظام أو وحشيته، هي الأسباب الحقيقية للحرب الأمريكية. لقد كانت الهجمة على العراق مجرد معركة أخرى في طريق العولمة، وصرحا جديدا في مشروع بناء الإمبراطورية الأمريكية. وهي من منظور تاريخي أوسع، الفصل الأخير في التدخل الاستعماري في الشرق الأوسط، الذي تعود بدايته إلى أوائل القرن التاسع عشر. في تلك الفترة، كانت للتدخل المباشر والاحتلال الذي تبع ذلك، جذور مرتبطة بالمصالح الرأسمالية: دافع الاتجاه إلى الشرق كان يكمن في وجود المواد الأولية الثمينة، والأيدي العاملة الضرورية لرخاء الغرب الاقتصادي. تلك المصالح الاقتصادية كانت تغلف برغبة"أصيلة" في نقل الرسائل " الحضارية والتنويرية" إلى مناطق أخرى في العالم من ناحية، ورغبة استراتيجية في إبعاد صراع القوى عن أوروبا، إلى مناطق العالم البعيدة، من ناحية أخرى.

وكان هناك دائما متعاونون من الداخل، يخضعون لإغراء الثروة الاستعمارية، ويقومون بمساعدة المحتلين، ويسهلون انتشار الوجود الأجنبي على الأرض العربية. والتعاون لم يكن فقط عملا شريرا يرغب صاحبه من خلاله في الكسب على حساب الوطنية، بل كانت هناك أيضا بعض الدوافع الحقيقية من قبل من يؤمنون بالتأثيرات الإيجابية للتدخل الأجنبي. وفي واقع الأمر، كانت القوى الأوروبية في بدايات التدخل تأمل في أن تؤسس وجودها في المنطقة على قواعد من هذا التعاون. مع مرور الوقت، ثبت أن العملاء المحليين غير كافين لحماية المصالح الاقتصادية للقوى الغربية، خاصة عندما تحول صراع القوى من أجل الهيمنة على العالم، إلى بداية للحرب الباردة. وقد استخدمت وسيلتان جديدتان من قبل القوى الاستعمارية الغاربة: إقامة قواعد داخل المنطقة ( السويس وعدن) والقيام بعدوان عرضي سريع الفشل (العدوان الثلاثي).

كانت هناك العادات التي يسميها دونالد رامسفيلد "أوروبا القديمة". أوروبا القديمة طردت من الشرق الأوسط بواسطة موجة ناجحة من حروب التحرير ضد بريطانيا وفرنسا وإيطاليا. انهيار الإمبراطوريات الاستعمارية في الشرق الأوسط تم استبداله مباشرة بصراع على الهيمنة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي. وجود الأخير في المنطقة كان أقصر، ويحظى بترحيب محلي، ولكنه محدود الأمكنة. الحضور الأمريكي كان أكثر طموحا، وأكثر نجاحا، وصار منفردا بعد انهيار الاتحاد السوفييتي. بعد سقوط برلين، لم يعد التوسع الأمريكي يعرف أية حدود، واستمر تقريبا دون عوائق، باستثناء حالات استثنائية تعرض فيها للقبض عليه، كما في إيران. ( هل يستطيع أحد أن يتصور غزوا أمريكيا للعراق، بوجود الاتحاد السوفييتي في الجوار؟).

البحث الأمريكي عن الهيمنة، حتى وقت متأخر، لم يكن بحاجة إلى الاستناد على وسيلتين استعماريتين قديمتين للتحكم: القواعد والغزوات. هاتان الوسيلتان استبدلتا باستراتيجية جديدة. واشنطن أسندت سياستها في المنطقة على دولة إسرائيل، وعلى شبكة الأنظمة العربية التابعة لأمريكا. هذان الدولابان قصد منهما السماح للولايات المتحدة بالسيطرة التامة على حقول النفط، لضمان انسيابه إلى العالم الخارجي (وهو حتى اليوم مصدر الطاقة الأساسي والنمو في الولايات المتحدة)، مع عدم السماح بتسلل أية منافسة محتملة. وجود تحالف قوي مع إسرائيل من ناحية، ونظم حكم متعاونة نسبيا في مجمل الشرق الأوسط من ناحية أخرى، ألغيا الحاجة إلى قواعد عسكرية أو غزو. وفي بعض الأوقات، كما حدث في مؤتمر مدريد 1991، وكما يمكن أن يحدث الآن ثانية مع خريطة الطريق، تستجد حاجة للتوفيق بين دولابي الدعم. وفي أوقات أخرى، ليست نادرة، فإن دعم إسرائيل يعني إبعاد النظم العربية التابعة، فيكون من الضروري اتخاذ القرارات والمواقف. لكن مهندسي السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط وجدوا لها طريقا عبر ذلك: لقد اخترعوا اسم " العملية السلمية"، ذلك المفهوم غير المحدد للتسوية الذي أنتجه علماء السياسة الأمريكيين لتخفيف حدة العنف إلى أدنى المستويات. العملية في جوهرها، عملية لا تنتهي، تحتوي على أوراق سياسية ومفاوضات وديبلوماسية مكوكية تقود إلى لامكان، وهي غير معنية بإنهاء الصراعات، بل باحتوائها. وفي حالة الشرق الأوسط، فإن الاحتواء يعني إرضاء العناصر الإقليمية التي تقدم خدمات شفوية للقضية الفلسطينية، وبذلك مساعدة الأمريكيين على خلق توازن هش جدا وسط حلفاء الصراع ضد إسرائيل، كدولة توسعية عنصرية، تمثل وجودا غربيا في المنطقة. لكن في بعض الأوقات، وخاصة في السنوات الأخيرة، وعندما يتخطى تصرف إسرائيل كل الخطوط الحمراء داخل الأراضي المحتلة، في الانتهاك المنظم للحقوق المدنية والإنسانية، فحتى في الرياض والقاهرة وعمان، يجد القادة صعوبة في هضم الواقع، وما هو أكثر أهمية من ذلك هو أنهم يدركون أن مجتمعاتهم لن تتسامح أكثر مع اللامبالاة والسلبية التي تعامل بها الكوارث التي تنزلها إسرائيل بالفلسطينيين.

الغزو الأمريكي للعراق رافقه مزيد من الوحشية الإسرائيلية في المناطق الفلسطينية. المحاولة الأمريكية الحالية لعرض خريطة الطريق كنوع من الحاجز في وجه مزيد من الانتهاك الإسرائيلي للحقوق الأساسية للإنسان، هي الطريقة الأمريكية التقليدية للتسوية بين دولابي الدعم في المنطقة، ولكنها قد لا تنجح هذه المرة. ذلك ليس فقط بسبب الفجوة الواسعة جدا بين مفهوم السلام لدى الفلسطينيين والإسرائيليين، ولا بسبب نوعية النازية الجديدة الأصولية التي تحكم إسرائيل في هذا الوقت، ولكن أيضا بسبب الأمزجة المتعددة بين القوى التي ترسم السياسة الخارجية الأمريكية في الشرق الأوسط. المحافظون الجدد والمسيحيون الصهيونيون والآيباك، ليست لديهم أية نية من أي نوع، في السماح للسياسة الأمريكية التقليدية في الشرق الأوسط بأن تستمر، وخاصة ليس بعد التحول المؤثر الذي حدث في العراق. إنهم يريدون المزيد من النوع ذاته: أن يروا شيعة لبنان، والفلسطينيين في الأراضي المحتلة، مساوين لحركة طالبان والقاعدة، وهم يطلبون أن تقوم إسرائيل، مع الولايات المتحدة، بمطاردتهم بذات الوسائل التي استخدمت ضد صدام. وحتى لو تمت مقاومة هذه العنصرية المتزايدة ، أو تم إطفاؤها بمياه العناصر الواقعية في الإدارة الحالية، أو الإدارة المنتخبة خلال عام، فسوف يواجه المتعاونون من الحكام العرب، صعوبة أكبر في تقبل الدعم الأمريكي لإسرائيل، إذا كانوا يرغبون في الحفاظ على سيطرتهم الحالية الضعيفة على مجتمعاتهم.

هناك توازنات غير مستقرة أصبحت في خطر، إثر انتهاكها بغزو العراق. في بعض البلاد العربية، مثل مصر والأردن، اللتين أبرمتا معاهدات سلام ثنائية مع إسرائيل، سيكون أكثر صعوبة من أي وقت مضى، السيطرة على غضب شعوب ما تزال وفية للفلسطينيين وملتزمة تجاههم، وتواصل امتعاضها من إسرائيل وأمريكا. هذا التوتر بين المجتمعات والأنظمة، ازداد تفاقما مع استمرار السياسة الإسرائيلية المدمرة في فلسطين، ولفترة من الوقت في لبنان. وفي بعض الأوقات، كانت الاحتجاجات في البلدين السابقين على سياسة حكومتيهما الفلسطينية، مقدمة لإعلان رفض النظام بكامله، أو على الأقل لرفض سياساته في مناحي حياتية أخرى لا علاقة لها بالموضوع الفلسطيني. لكن العواطف المناهضة لأمريكا، وأحاسيس الكرامة والشرف المجروحة من السلوك الأمريكي، تربط مباشرة بالصعوبات المادية والأزمات. إن الواقع الاجتماعي ـ الاقتصادي غير المحتمل، الذي يعيشه كثير من المصريين والأردنيين، ينسب مباشرة، ليس كمقدمة، ولكن كنتيجة لتحليلات عقلانية، إلى السياسات الأمريكية في الاقتصاد العالمي من ناحية، وإلى عدم كفاءة الأنظمة من ناحية أخرى. وكون الفقر والبؤس لم يولدا ثورة حتى الآن، يعني فقط أن توازنا هشا تم التوصل إليه بشكل مؤقت، بواسطة قوات الأمن، وسياسات الإغراء المالي والمعنوي، إضافة إلى التكتيكات الظرفية. لكن من المشكوك فيه أن يستمر هذا التوازن طويلا في وجود التدخل الأمريكي الفظ، وبقاء الخطط الأمريكية المحتملة تجاه إيران وسوريا في الأجندة أيضا.

الحرب على العراق فصل جديد غير مسبوق في فرض الهيمنة الغربية والأمريكية إقليميا وعالميا. وليست هذه هي المرة الأولى التي يسقط فيها الأمريكيون نظاما ـ لقد أسقطوا حسني الزعيم في سوريا، ومصدق في إيران، وكانوا متورطين في الحرب الأهلية اللبنانية أواخر الخمسينات الماضية. لكن كل ذلك ربط بعمليات المملكة الغامضة للمخابرات المركزية، السرية والمدمرة. وباستثناء نزول قوات المارينز على السواحل اللبنانية عام 1958، الذي كان حلقة سريعة وقصيرة، كان غزو العراق هو أول تدخل عسكري مباشر ومهم.

القفزة في السياسة الأمريكية محصلة للدور المهيمن الذي تقوم به واشنطن، دون وجود قوة عظمى أخرى تخلق التوازن. ولكن ما هو أكثر أهمية، هو أن الغزو، كتكتيك جديد لتطبيق استراتيجية قديمة، متعلق مباشرة بإسرائيل. إنه موجود كتصور داخل عقول معظم مؤيدي إسرائيل في واشنطن، سنوات طويلة قبل أن يصبحوا رسميا مسؤولين عن رسم السياسة الأمريكية. وهو أيضا متعلق بإسرائيل من ناحية أخرى. إن السلوك الإسرائيلي داخل الأراضي المحتلة في السنتين الماضيتين، جعل من الممكن اعتمادها كحارس للمصالح الأمريكية في المنطقة. إن المعنيين بالعرب في واشنطن يمكنهم أن يحاولوا تبرير دعم رابين وباراك في الرياض والقاهرة، لكنهم مهما كان ذكاؤهم متدنيا، سيجدون صعوبة في إقناع حلفاء في العالم العربي بضرورة تقديم دعم غير مشروع وغير مشروط لجزار بيروت.

في القرن التاسع عشر، كانت هناك باستمرار ضرورة لإيجاد عذر للغزو، كذلك العذر الغريب الذي أعلنه البريطانيون عند غزوهم مصر عام 1882. وما تزال هناك حاجة لتقديم مثل هذا العذر في القرن الحادي والعشرين. الهجوم الإرهابي في 9/11 وفر العذر ( كما أن الطبيعة الرديئة لنظام صدام، وفشل قدراته الديبلوماسية، وغياب حكمته، ساعدت كثيرا). وحتى إذا كانت هناك أعذار أو أسباب، فسوف تكون هناك حاجة إلى إدارة غربية من الصقور، حتى تبدأ العمليات التي تخرق القانون الدولي( إيدن 1956، بريطانيا وبوش 2003 ). وفي حالة الحرب الحالية، حيث فشل الأمريكيون في العثور على " المدفع ادخن" في العراق، أصبح واضحا أن الأسباب والأعذار لم تعد ضرورية. إن التحالف غير المقدس بين المسيحية الصهيونية والمحافظين الجدد والآيباك قوي الأسس إلى الحد الذي يمكن أن تبنى عليه سياسات أمريكية جديدة، تعتبر خالية من التفكير بمقياس إدارة كلينتون أو كارتر.

هناك فرق واضح وحيد بين الماضي والحاضر. ما بعد الفترة الكولونيالية، تحتاج أعمال العنف إلى لغة خاصة تصاحبها، تناسب القيم الدولية والحساسيات في القرن الحادي والعشرين. الخطاب المعاصر يتم توظيفه لإخفاء الأسباب والاستراتيجية. في بداية القرن العشرين، برر كرومر السيطرة على المواد الخام في مصر بأنه جزء من خطة خيرية تهدف إلى وضع مصر على مقعدها في قطار التقدم. الاستيلاء على حقول النفط في العراق، وإقامة قلعة عسكرية بين سوريا وإيران وصف من قبل كولن باول بأنه بناء للديموقراطية في العراق. عندما يتم اكتشاف التناقض بين الأهداف المعلنة وتطبيقاتها العملية فإن الإحباط والفزع من السياسة الأمريكية يزداد، ومعه تزداد الرغبة داخل مجتمعات الضحايا في المزيد من العناصر المتعصبة التي توجه الضربات المؤلمة إلى الولايات المتحدة.

وكما في الماضي، يحدث في العراق الآن، لا شيء من " التحرير" ولا من " بناء الديموقراطية" ستتم محاولة إنجازه، دون مجرد التفكير بالإنجاز ذاته. الوجود الأمريكي في العراق، سيسجل في كتب التاريخ بأنه فصل آخر من فصول التورط الأمريكي المأساوي ضد المجتمع المحلي كما حدث من قبل في أمريكا الوسطى وجنوب شرق آسيا. " الأشرار" الذين يطاردهم الكاوبوي الأمريكي، كما في الماضي، تم قتلهم أو أسرهم، لكن الأمريكيين أنفسهم سرعان ما سيتحولون إلى أشرار في عيون السكان المحليين، كما حدث في نيكاراغوا وفيتنام. طول الوقت الذي يستغرقه الأمر، يعتمد كثيرا على أوضاع أوروبا والأمم المتحدة، ومدى قدرة هذين العاملين الدوليين على خلق توازن في السلوك الأمريكي، عن طريق إمداد أعقل السياسيين في واشنطن بسلم للنزول عن قمم الجنون التي يحلقون فيها الآن.

لكن هناك نتيجتين أخريين قاسيتين ستخرجان من الوضع الحالي لبناء نظام عالمي جديد. الأولى هي تحطيم كل التوازنات الهشة القائمة داخل أجزاء كبيرة من الوطن العربي، والتي تخلق نوعا من الثبات والبقاء فيه، والثانية هي التحطيم الشامل لفلسطين.

الحضور المباشر للإدارة الأمريكية، وعجز الحكومات العربية عن القيام بأدنى فعل في الحرب على العراق، سيضاعف التوتر بين العاطلين عن العمل وذوي الأعمال المتدنية والقطاعات التي تتعرض للضغط من جانب، والأنظمة الحاكمة في الوطن العربي من جانب آخر. هذا الغضب تمت مأسسته وتنظيمه داخل عدد من قنوات المنظمات الإسلامية السياسية، التي قد لا تستطيع إسقاط الأنظمة، ولكنها تملك من القوة ما يمكنها من أن تهز الاستقرار في أي بلد، ما يقود إلى مزيد من انتهاك الحقوق الإنسانية والمدنية فيه، كما يقود إلى مزيد من الحياة البائسة. وهو ما يمكن أن ينتهي أيضا إلى انفجارات أو ثورات.

مدخل السنة الانتخابية في الولايات المتحدة قد يكشف كم هي متقاربة ظروف شارون وجورج بوش في الواقع الفلسطيني. باختصار، يمكن القول إن اتفاقا ثنائيا يعني في أفضل حالاته تثبيت الواقع الحالي دون أي تغيير في فلسطين، وفي أسوأ حالاته سيعني أن تضاعف إسرائيل سياسة الطرد والضم. هذا المأزق، وبالتأكيد أية إعادة انتشار، سوف يلاحظ في الوطن العربي، وسوف تلعب القضية، كما فعلت دائما من قبل، دورا في الصدام بين الأنظمة والمجتمعات، بشكل يوسع ما لدى هذه العلاقة من عبء كبير، في الوطن العربي غير المستقر.

لكن ما هو أكثر أهمية هو تأثير مثل هذا التطور على مصير فلسطين والفلسطينيين. إن حكومة شارون تعطي انطباعا بأنها تفتح نافذة للتسوية، ولكنها نافذة يجب التعامل معها بحذر. هناك عاملان في اللعبة: مبادرة خريطة الطريق والوجود الأمريكي في العراق. أسوأ سيناريو يمكن أن تواجهه حكومة شارون هو أن تجري محاولة أمريكية جادة لحل الصراع، تكون مصحوبة باعتراف بالفشل التام في خطوة غزو العراق، مما يستلزم إعادة تقييم جذرية للسياسة الأمريكية في الشرق الأوسط. هذا الأمر لا يوجد احتمال لحدوثه، ولكنه سيناريو تأخذه الحكومة الإسرائيلية بالحسبان. السيناريو الأقرب إلى المنطق، هو فشل مبادرة خريطة الطريق، وتحميل أبو مازن مسؤولية العجز عن تهدئة المناطق، مع زيادة التورط الأمريكي التدريجي في العراق( مع تذكر أن أمريكا ( والمراقبون في الخارج ) تحتاج إلى عام كامل حتى تدرك كم كان خطأ وغير عادل ذلك الغزو، وكم يقابل بعدم الترحيب العراقي استمرار وجودها هناك).هذا هو الوقت الذي سيسمح للحكومة الإسرائيلية بأن تعلن أنها فعلت كل ما تستطيع على المستوى الديبلوماسي، وبأن تتقدم إلى الأمام، أو على وجه أدق، بأن تستمر في القيام بممارساتها الصارمة من طرف واحد، من أجل أن ترسم حدودها الشرقية. وهذا يشمل الاختيار الواضح للمساحات التي ستضم إلى إسرائيل من الضفة الغربية( استنادا إلى فكرة التجمعات الاستيطانية الكبرى والطرق الالتفافية، لترفع ذلك إلى ما يساوي نصف الضفة الغربية)، مع طرد السكان من تلك المناطق إلى نصف الضفة الغربية الفلسطيني، الذي يمكن أن يسمى فلسطين، من وجهة نظر شارون. هذه الفلسطين ستكون مطوقة مثل قطاع غزة، بجدار ضخم( مثل ذلك الذي يطوق قلقيلية الآن)، أو بسياج كهربائي، مع حراسة تامة ومراقبة مستمرة، ما يمثل صورة لسجن أمني حصين، أو لمعتقل جماعي. هذا هو السلام الذي يمكن أن ينتجه غزو الولايات المتحدة للعراق من وجهة النظر الإسرائيلية، ومن وجهة نظر المحافظين الجدد في أميركا، والآيباك والمسيحية الصهيونية.

الموقف الفلسطيني ظل ملتزما بالنضال القومي. وهذا مفهوم ومطلوب، ولكنه ليس كافيا. لا بد من إيجاد طريقة لربط النضال الفلسطيني بالحركة العالمية المناهضة لأمريكا، وهي حركة تشارك فيها حكومات أوروبية ناقدة، ومنظمات غير حكومية مخلصة، وجمعيات مدنية في جميع أنحاء العالم، بما في ذلك الولايات المتحدة، والنظم الرافضة في أمريكا اللاتينية وجنوب شرق آسيا. هذا التحالف يجب أن يخلق نوعا من الحرب ضد ما يمكن أن يسمى "محور التدمير" الذي تلعب الحكومة الأمريكية والحكومة الإسرائيلية دورا مركزيا فيه، ولكن ليس مجتمعاتها الخاصة. يجب أن يكون تجمعا للضمير، يحمل رؤيا كونية خاصة، واستراتيجية إقليمية، وتكتيكا وطنيا. تجمع مثل هذا يمكن أن يكون خطوة أولى لتوحيد القوى التي تقوم بتعرية الخطاب السياسي المتعلق بالشرق الأوسط، الخاص بالمعسكر الذي تقوده أمريكا، بمتابعة إعداد التقارير حول جرائم الحرب التي ترتكبها إسرائيل بمساعدة أمريكية، وبموافقة أمريكية. هذا يعني أن برنامج العمل لن يكون إسلاميا بحتا أو فلسطينيا، ولكنه سيكون إنسانيا ودوليا وعاما.

إذا وجدت أية طريقة لربط النضال الفلسطيني المحلي بروابط عالمية، فستكون هناك فرصة لخلق توازن مع السلام الأمريكي الذي يعرض علينا. وإذا استطاعت حركة المقاومة في فلسطين أن تعمل ضد الفصل العنصري، وضد الصهيونية، ومن خلال برامج عمل مدنية وإنسانية، إلى جانب البرامج الوطنية، فستكون هناك فرصة، في وقت لاحق، لاكتشاف سبل للحوار المثمر مع اليهود في إسرائيل. ودون مثل هذه الاستراتيجية، ومع غياب الأمل في أن الوقت يسير في الآخر لصالح العدل، فإن الواقع على الأرض سوف يذبل براعم الأمل القليلة التي تنبت بين حين وآخر، دون أن تثمر شيئا ذا بال.

المصطلحات المستخدمة:

مؤتمر مدريد, الصهيونية, دورا

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات