المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

اسرائيل هي المكان الذي تختلط فيه المصطلحات عادة. فقد اعتدنا، على سبيل المثال، ان نشخص "السياسي" مع "الحزبي". ولكن عندما تصل الأمور الى الضمير، الذي يتجادل الفلاسفة حول ماهيته الدقيقة منذ عهد افلاطون، تصبح الأمور ضبابية بشكل خاص.في الأشهر القريبة سيقف الجهاز القضائي- العسكري أمام فحص مثير، بشكل خاص، للحدود الفاصلة بين الضمير والسياسة. فبعد ان حسمت المحكمة العليا قضية المقاتلين في الاحتياط، الذين رفضوا الخدمة في الاراضي المحتلة، وقررت ان رفضهم الخدمة يعتبر انتقائياً ولذلك فهو باطل، طولبت المحكمة العسكرية في يافا ببحث قضية خمسة من الشبان، الذين يطالبون بالاعتراف بهم كرافضي خدمة لأسباب ضميرية بسبب افعال الجيش الاسرائيلي في الاراضي المحتلة. وفي هذه المرة يقف الجهاز، الذي دأب على تمييع امور كهذه، في حالة استفار. والحسم، الذي لن ينتهي على ما يبدو هنا، من المفروض ان يحدد فيما اذا كانت أفعال الجيش الاسرائيلي في إطار الاحتلال تجعله جيشاً غير أخلاقي بشكل جلي، بحيث لا تجوز الخدمة فيه.

حجاي مطر، متان كمينار، شمري تسميرت، آدم ماؤور ونوعم بهات كانوا يعرفون بالضبط ما يفعلون. فقبل تجنيدهم كانوا من بين الـ 342 موقـّعاً على عريضة طلاب الثاني عشر، التي شملت تعابير مثل "نحن نرفض أن نكون جنوداً للاحتلال". وعندما دعوا للتجنيد، صرّح كل واحد منهم بطريقته بأنهم لا ينوون الالتحاق بالجيش، حيث أن أفعال الجيش الاسرائيلي في الاراضي المحتلة تحوّله الى منظمة لا تسمح لهم ضمائرهم بالانتماء إليها.

لا يدور الحديث هنا عن صيغة تنظيمية لمقاتلي الاحتياط. لقد كان لهؤلاء ماض قتالي، وبعضهم كان في وحدات مختارة. وكانوا على استعداد لأن يخدموا في أي مكان آخر، ما عدا الاراضي المحتلة. وعندما وصلت قضيتهم الى المحكمة العليا (محكمة العدل العليا زونشاين)، قرر القضاة برئاسة القاضي باراك بأن القضية هنا هي رفض انتقائي للخدمة، وهذا أمر غير قانوني. أما هذه المرة فإن القضية شمولية اكثر، وتستدعي – إن لم تردّ نهائياً- الجهاز القضائي أن يبحث بشكل حقيقي في مفهوم الاحتلال. هل العقاب الجماعي والمس بالمواطنين والحصار الشامل وبقية الأمور التي نميل الى تجاهلها تجعل الجيش، الذي ينفّذ هذه الأعمال، غير اخلاقي؟ وهل رفض إنسان ذي ضمير الانتماء الى هذا الجيش سيكون مبرّراً، وربما ملزماً؟

اختبار "لجنة الضمير"

السؤال المهم بشكل خاص هو لماذا اختار الجيش الاسرائيلي أن يطرح الأمر في المحكمة. رافضو الخدمة في الاحتياط جرّوا الجيش الى هناك بالقوة تقريباَ. في هذه المرة، الجهاز هو الذي بادر الى بحث الموضوع. ولدى الجيش طرق مفحوصة لتمييع الأمر: يتم الحكم على رافض الخدمة مرتين أو ثلاث مرات لفترات اعتقال مدتها 14 أو 28 يوماً، وبعد ذلك يطلق سراحه على اعتبار انه غير ملائم. في الجيش الذي فيه الكثيرون جداً لا يؤدون الخدمة العسكرية، وأولئك الذين يؤدون الخدمة يفعلون ذلك تقريباً على أساس عقد شخصي (حوالي ربع الأبناء الذين سيتجندون هذه السنة لن يمضوا ثلاث سنوات كاملة في الخدمة)، كان يبدو أنه ليس من المفضل للجهاز ان يحوّل المواجهة مع هذه الأقلية القليلة الى موضوع علني.

رغم أن الرافضين للخدمة في الاحتياط، على سبيل المثال، خسروا قضيتهم في المحكمة، إلا أن الجيش يعالج أمور حياتهم اليومية بالطريقة المقبولة. تسلّم أحدهم أمراً جاء فيه "معفى من الالتحاق بوحدته". وقسم منهم لا تتم دعوتهم بتاتاً، وقسم آخر يقوم قادة الوحدات بتسريحهم. في الاسابيع الأخيرة، لأول مرة منذ أن بدأت الظاهرة، لا يوجد في الاعتقال أي رافض خدمة - لأنهم ببساطة لا يقومون بتجنيدهم.

إذاً لماذا بالذات أبناء الـ 18، ولماذا بالذات الآن؟ هنالك جوابان، أحدهما مكشوف والآخر بشكل أقل. المكشوف هو أن الحديث يدور، كما قال القاضي باراك في قرار حكم زونشاين، "في المجموعة القابلة للازدياد". عندما يصلون الى مئات التواقيع على عريضة طلاب الثواني عشر، يشعر الجيش بأن هناك حاجة لعملية جدية أكثر.

الجواب المكشوف بشكل اقل مرتبط بالاحساس لدى الجيش الاسرائيلي تقريباً في كل أمر فيه تماس مع اتجاهات المجتمع المتغيرة: حان الوقت أن يحدد أحد ما، ليس الجيش نفسه، أين هو الخط الفاصل. الجهاز العسكري، الذي يشعر أصلاً بأن كل أمور المجتمع غير المحلولة تقع على مائدته، يطلب من المحكمة أن تحدد شارة الثمن لرفض الخدمة في الاراضي المحتلة.

الجيش الاسرائيلي يعترف، على الأقل بالمستوى المبدئي، برفض الخدمة لأسباب ضميرية. ففي السنوات السبع الأخيرة، من يصرّح بأنه من محبي السلام فإنه يمثل امام "لجنة الضمير"، التي يحق لها تسريحه من الخدمة. يقولون في النيابة العسكرية الرئيسية ان 19 شخصاً سُرّحوا حتى اليوم لهذا السبب، و 33 شخصاً حظوا بـ "تسريح جزئي".

لدى رافضي الخدمة في الاراضي المحتلة أوصاف شيقة لما يجري في لجنة الضمير. وجهت الى بعضهم أسئلة مثل "هل تعرف ما هو عرض دولة اسرائيل؟". وتقول عنات مطر، والدة حجاي، انه كان لدى ابنها، الناشط في حركة تعايش اليهودية - العربية، إحساس بأنهم يحاولون عن طريقه التوصل الى معلومات حول ما يجري في الحركة. وعلى أية حال، لم يتم تسريح أي منهم.

هم ليسوا من طينة واحدة. مطر، الذي تعتبر والدته ناشطة سلام قديمة، هو من المتشددين سياسياً أكثر من غيره. وثمة آخرون كانوا على استعداد ان يتوصلوا الى تسوية شخصية. ويحاول الجهاز، لهذا السبب وغيره، ألا يبدو انتقامياً: ظروف اعتقالهم مقبولة، ومعظمهم يخضعون مؤخراً لـ "اعتقال مفتوح"، بما يشبه الخدمة العادية مع ملازمة للقاعدة العسكرية. في النيابة العسكرية لا يخفون حقيقة ان خدمة كهذه تجعل، حسب رأيهم، كل حجج رفض الخدمة عقيمة: إذا كان حجاي مطر وزملاؤه يقومون بعمل "مساعد أول" أو يردون على الاتصالات الهاتفية في إطار الاعتقال، فبماذا يختلفون إذاً عن جندي يقوم بهذا العمل في إطار خدمته العسكرية؟

محامي الخمسة، المحامي دوف حنين من مكتب أمنون زخروني (زخروني نفسه رفض الخدمة قبل نحو 50 سنة)، جاء الى المحكمة جاهزاً. وقد فاجأ النيابة عندما طرح قضية امرأتين، كانتا قد سرّحتا من الخدمة بعد أن ادّعتا الادعاء نفسه - بأن الاعمال في الاراضي المحتلة تمنعهما ضميرياً من التجند ("هذه فعلاً كانت غلطة"، يقولون في النيابة). ويستعد حنين لمعركة طويلة، على ما يبدو لن تنتهي حتى المحكمة العليا.

ولكن يبدو لي أنه هو أيضاً يعرف أن الجهاز القضائي في اسرائيل يرفض بشكل ثابت تقريباً الخضوع. المدعي العسكري الرئيسي، الجنرال مناحيم فينكلشتاين، ورجاله يعرفون أن التاريخ الحافل للاجهزة القضائية، المدنية والعسكرية، يضمن لها الفوز المؤكد تقريباً. ومن ناحيتهم، هم يذهبون الى هذا الفوز من منطلق أنه لا خيار امامهم.

نقطة ضعف رافضي الخدمة

إذاً ماذا سيكون؟ ها هو السيناريو المعقول: بعد معركة قضائية طويلة ستصدر المحكمة قراراً ضد رافضي الخدمة. والعقاب سيكون السجن الفعلي لمدة ما والسجن مع وقف التنفيذ لمدة أخرى، أي أن المحكمة ستعطي رافضي الخدمة أنفسهم أن يقرروا كم من الوقت سيمكثون في المعتقل. لأول وهلة، بإمكان الجيش انتظارهم مع أمر تجنيد آخر والمماطلة في الموضوع الى ما لا نهاية. ولكن يبدو لي أن الأمر لن يكون كذلك: من ناحية الجيش الاسرائيلي، فإن حقيقة تحديد شارة ثمن، وإن كان هذا التحديد سيناط بالمحكمة وليس بضابط في محكمة سلوكية، ستكفي. وسيحصل الجيش على القرار الذي يريده.

وما هو الأمر الذي لن يكون؟ لن يكون هناك بحث جدي في مسألة الاحتلال. لأن هذه هي نقطة الضعف الحقيقية لرافضي الخدمة لأسباب ضميرية، الانتقائيين وغير الانتقائيين: موقفهم الرافض للخدمة هو فعلاً موقف سياسي. والتعامل معه على أساس ضميري ربما صحيح على المستوى الشخصي، ولكن لا معنى لهذا إذا لم يصل بحث القضية الى المكان الذي يوجد فيه تأثير على الرأي العام.

تكمن قوة رافضي الخدمة في استعدادهم لدفع ثمن شخصي (وفي هذا الصدد بالذات يساعدهم الجهاز، فبدل ان يسرّحهم فإنه يقدمّهم الى المحاكمة). أما ضعفهم فيكمن في المجتمع، الذي ليس لديه استعداد لمواجهة ما يتم القيام به في الاراضي المحتلة باسمه، وكل شيء سينتهي بجلوس عدد من افراد المجموعة في المعتقل. الضمير، في نهاية الأمر، لا يمكن أن يحدّد في المحاكم، بل في الوعي وفي الشوارع. وهذه المعركة، لا حول لنا، قد حسمت منذ زمن طويل.

يديعوت احرونوت 9 ايار

المصطلحات المستخدمة:

جيشا, باراك, دولة اسرائيل, دوف حنين

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات